إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. سلمان العودة
  5. شرح بلوغ المرام
  6. شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285

شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة - حديث 282-285للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ورد حديث المسيء صلاته وبعدة روايات، ولهذا لا يمكن الاقتصار على رواية واحدة والاحتجاج بها بعيداً عن الروايات الأخرى، ولهذا كان من الخطأ استدلال بعضهم بعدم وجوب الفاتحة أو عدم مشروعية دعاء الاستفتاح عقب التكبير أو عدم وجوب التشهد الأوسط استدلالاً بروايات لم تذكر فيها هذه الأفعال في حين أنها وردت في روايات أخرى.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أما بعد:

    لا زلنا في باب صفة الصلاة، ففي الأسبوع الماضي أخذنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحديث رفاعة بن رافع بروايتيه، وفي هذا اليوم نكمل الروايات، ثم نأخذ حديث أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه، نسبه المصنف للنسائي وأبي داود .

    والحديث أخرجه أبو داود كما أشار المصنف في كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع ولا في السجود.

    وأخرجه النسائي أيضاً في سننه، في كتاب الصلاة، باب الرخصة في ترك الذكر في السجود.

    وهذا يدل على منهج النسائي في صياغة التراجم، فإنه يشبه منهج البخاري كثيراً؛ حيث يدل على استنباطات وآراء خاصة للإمام النسائي، قد يوافق عليها أو لا يوافق، المهم أنها ذات دلالة فقهية، باب الرخصة في ترك الذكر في السجود، ولفظ النسائي قريب جداً من اللفظ الذي ساقه المصنف رحمه الله في هذا الموضع، وإن لم يكن مطابقاً له، فكأن المصنف جمع الرواية من أكثر من موضع، لكن رواية النسائي رحمه الله قريبة مما ساقه المصنف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما عند النسائي - : ( إنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل، فيغسل وجهه ويديه، ويمسح برأسه، ورجليه، ثم يكبر الله عز وجل ويحمده ويمجده )، هذه رواية النسائي .

    والحديث رواه أيضاً غير من ذكر: عبد الرزاق في مصنفه، وأحمد في مسنده، ورواه أيضاً الترمذي في سننه، والطحاوي في مشكل الآثار، والطبراني في معجمه الكبير، والبيهقي، وابن حبان، والحاكم، وابن خزيمة .. وغيرهم.

    وهو حديث صحيح، صححه من ذكرت، الذين هم:

    الحاكم صححه، قال: صحيح على شرط الشيخين.

    وأيضاً ابن حبان، وابن خزيمة، وكذلك صححه الذهبي، فإنه وافق الحاكم على تصحيحه.

    وعلى كل حال فهو حديث صحيح، وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو الحديث السابق، هذا الكلام على حديث رفاعة بن رافع من حيث الإجمال، لا من حيث تفصيل الألفاظ والروايات، فإنها كثيرة جداً مختلفة، فقد ساقه أبو داود في سننه في روايات عديدة جداً، ربما كانت قريباً من سبع روايات، يختلف بعضها عن بعض.

    معاني الألفاظ

    قول المصنف هاهنا في الرواية الأخرى: ( فإن كان معك قرآن )؛ لأنه قال لما ساق الرواية الأخرى: ( ثم يكبر الله تعالى ويحمده ويثني عليه، وفيها: فإن كان معك قرآن فاقرأ )، والضمير في قوله: (فيها) يعود إلى ماذا؟

    يعود على الرواية، فظاهر كلام المصنف أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن كان معك قرآن فاقرأ )، أنه في الرواية نفسها التي ساق هو أولها، وبناءً على هذا شرحها الإمام الصنعاني في سبل السلام مغتراً بصنيع المؤلف، فشرحها على أن قوله: (فإن كان معك قرآن فاقرأ) أنه في نفس الرواية، والواقع أنه في الحديث نفسه، ولكن في رواية أخرى، غير الرواية التي ساقها المصنف، ولهذا المصنف فصل بين اللفظين بقوله: (وفيها) وهي على كل حال إحدى روايات أبي داود .

    وكذلك قوله: (ثم اقرأ بأم الكتاب وبما شاء الله)، هي إحدى روايات أبي داود كما أشار المصنف.

    وأما قوله: (ثم بما شئت) فهي عند ابن حبان، وهي موجودة في الإحسان في الجزء الخامس، الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان للفارسي .

    قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء )، سبق بيان معنى الإسباغ، وهو التتميم والتخليل، واستيعاب العضو بالغسل.

    وقوله: (حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله)، أي: في كتابه عز وجل، أو في سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فهي كقوله عز وجل للأعرابي، كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، في قصة الأعرابي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله عز وجل )، أو قال: ( لا أحسن الوضوء، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم له الوضوء، وقال له: توضأ كما أمرك الله ).

    وهذا الحديث إحالة إلى قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، وكذلك هي إحالة إلى صفة الوضوء الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من أمر الله عز وجل، فقوله: ( توضأ كما أمرك الله )، يعني: في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وقد فصلتها رواية النسائي، وذلك بقوله: ( حتى يسبغ الوضوء، فيغسل وجهه ويديه، ويمسح برأسه ورجليه )، فذكر أمهات في الوضوء على ما سبق تفصيله، في غير هذا الموضع.

    وقوله: (ثم يكبر) المقصود كما هو ظاهر: تكبيرة الإحرام.

    (ثم يكبر الله تعالى، ويحمده، ويثني عليه) ما المقصود بهذا الحمد والثناء؟

    قد يكون الاستفتاح، وقد يكون المراد قراءة الفاتحة، كل ذلك وارد ومحتمل، خاصة إذا علمتم أن قوله: ( فإن كان معك قرآن فاقرأ ) ليس في نفس الرواية، وإلا لو كان بنفس الرواية لدل على أن المقصود بقوله: (ثم يحمده ويثني عليه) الاستفتاح بلا شك؛ لأنه لو قال: إن المقصود الفاتحة، قلنا له: إن الفاتحة ذكرت في قوله: (فإن كان معك قرآن فاقرأ)، لكن ليست الرواية واحدة، بل إن أبا داود رحمه الله ساق الرواية الأولى التي ذكرها المصنف، أشار إليه: ( أنها لا تتم صلاة أحدكم، حتى يسبغ الوضوء، كما أمره الله تعالى، ثم يكبر الله تعالى، ويحمده ويثني عليه )، ثم انتقل بعد ذلك، وساق إسناداً آخر للحديث، ولم يسق نفس الرواية، بل قال: (عن رفاعة بن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقص هذا الحديث كذا في الرواية).

    فلم يذكر نص الرواية، ولا لفظها، وإنما قال: فقص هذا الحديث، فأحال على الرواية التي قبلها، قال فيه بعد ذلك: ( فتوضأ كما أمرك الله، ثم تشهد فأقم وكبر -هاهنا تكبيرة الإحرام- فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا ) .. إلى آخر الحديث. فدل على أن الروايتين مختلفتان، ولا يمكن أن تركب أو تبنى إحداهما على الأخرى.

    على كل حال قوله صلى الله عليه وسلم: ( ثم يكبر الله تعالى ويحمده ويثني عليه )، ظاهره أنه يعني: الاستفتاح، وقد يحمل ذلك على قراءة سورة الفاتحة.

    وفي الحديث دليل على مشروعية دعاء الاستفتاح، وهو مستحب عند كافة المتقدمين من أهل العلم لم يقل بوجوبه أحد، إلا أن بعض المتأخرين من غير أصحاب الشافعي غلطوا عليه، كما ذكر بعض المصنفين، ونسبوا إليه وإلى نصه في الأم أنه يقول بالوجوب.

    والواقع: أن دعاء الاستفتاح سنة أو مستحب عند الكافة من أهل العلم، ولم يقم دليل على وجوبه.

    قوله: (ثم اقرأ فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله)، هذا سيأتي بيان ما يشرع قوله.

    أسماء الفاتحة

    ثم قوله في رواية أبي داود : ( ثم اقرأ بأم الكتاب وبما شاء الله ) (أم الكتاب) معلومة، وهي سورة الفاتحة، وسميت (أم الكتاب) هاهنا، والذي في سنن أبي داود (أم القرآن) ( ثم اقرأ بأم القرآن )، وهي أم الكتاب أيضاً، وكل هذه من أسماء سورة الفاتحة.

    فمن أسمائها:

    أولاً: الفاتحة؛ لأنها أول ما يكتب في القرآن الكريم، يعني: أول ما في القرآن المكتوب، وكذلك هي أول ما يستفتح به في الصلاة، بعد دعاء الاستفتاح؛ فلذلك سميت الفاتحة.

    ومن أسمائها: أم الكتاب، وأم القرآن، وإنما سميت بذلك؛ لأنها مشتملة على أصول المسائل الموجودة في القرآن الكريم وجملتها، فهي مشتملة على التوحيد بأصنافه الثلاثة: من توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، كما هو ظاهر معلوم، وقد أطال في ذلك وفصل الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في غير موضع، منها في كتاب مدارج السالكين وغيره، فهي مشتملة على أنواع التوحيد الثلاثة، إضافة إلى اشتمالها أيضاً على ذكر المعاد، والبعث والجزاء والحساب، والتحذير من طرق المخالفين لما عليه الأنبياء والمرسلون من اليهود الذين غضب الله عليهم، والنصارى الذين ضلوا عن سواء السبيل بالجهل، وعبادة الله تعالى على غير علم.

    ففي سورة الفاتحة أصول المسائل ولبها؛ ولذلك سميت أم القرآن، وسميت أم الكتاب، وهكذا نجد في القرآن الكريم في قول الله عز وجل في سورة الرعد: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، ما هي أم الكتاب المذكورة في هذه الآية؟

    قيل: اللوح المحفوظ، وهذا قول الحسن وابن سيرين.

    أم الكتاب، هي أصل الكتاب وجملته التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل ولا نسخ، فإن الله عز وجل قال: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد:39]، أي: يغير من أحوال الناس ما يشاء، ويبقي منها ما يشاء، فالإنسان يصبح غنياً ويمسي فقيراً، ويمسي صحيحاً ويصبح مريضاً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، أو يمسي كافراً ويصبح مؤمناً، فأحوال الناس تتقلب وتتغير، يمحو الله تعالى منها ما يشاء، ويثبت ويبقي منها ما يشاء، ولكن عنده أم الكتاب، يعني: ما هو مقدر في اللوح المحفوظ ومكتوب، أن الإنسان يستقر عليه ويصير إليه، فمثلاً: أجل الإنسان إذا كان مكتوباً أنه يموت في يوم معين، لا يتقدم ولا يتأخر، شقاوة الإنسان وسعادته، التي ينتهي إليها ويموت عليها، كذلك لا تتقدم ولا تتأخر، فهذه أم الكتاب، يعني: التي لا يدخلها محو وتغيير، وإنما هي ثابتة لا تتغير.

    وكأنه -وهذا من عندي والله أعلم- يعني: كأنني ألتمس أن أم الكتاب تكون في الشرع، وتكون في القدر، فأما في القدر: فأم الكتاب كما ذكر الله تعالى في هذه الآية: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، يعني: القدر الثابت الماضي النافذ الذي ينتهي إليه الإنسان ويصير إليه، من شقاوة أو سعادة أو موت أو حياة أو نحو ذلك، فهذا في القدر.

    أما في الشرع: فما هي أم الكتاب التي لا يدخلها النسخ، ولا التغيير فهي الأشياء التي لا تتبدل ولا تتغير، وهي العقائد مثلاً، فالعقائد هل تختلف من نبي إلى آخر؟ لا تختلف، هل تنسخ؟ لا تنسخ، هل تغير أو تبدل؟ كلا؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( نحن معاشر الأنبياء أبناء علات أو إخوة علات، ديننا واحد ).

    إذاً: فالدين الذي هو العقيدة في الله عز وجل، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر وغيرها، هذا الدين لا يتغير من نبي إلى آخر، بل هو باق محكم لا ينسخ، ولا يغير ولا يبدل؛ فلذلك -والله تعالى أعلم- سميت الفاتحة بأم الكتاب.

    إذاً: لو سألنا الآن .. لماذا سميت الفاتحة بأم الكتاب؟

    الجواب على ذلك من وجهين، كما سبق في التقرير الأول:

    الأول: أنها (أم الكتاب)؛ لأنها الجامعة لأصول العقائد والمسائل، الموجودة في القرآن الكريم؛ حيث اشتملت على أصول الاعتقاد كلها.

    الثاني: أنها سميت (أم الكتاب)؛ لأنه لا يدخلها نسخ ولا تغيير، باعتبار أن هذه السورة لم يأت فيها أي حكم من الأحكام الشرعية التي تقبل النسخ، وإنما الذي جاء فيها كله هو من باب العقائد والأصول التي لا يدخلها نسخ ولا تغيير؛ فلذلك سميت أم الكتاب، أو سميت أم القرآن.

    وهذا اسمها عند جمهور العلماء، وخالف في ذلك الحسن البصري وابن سيرين فقالا: [ إن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ ]، فكرها تسمية سورة الفاتحة بأم الكتاب وكرها تسميتها بأم القرآن أيضاً، والحديث الصحيح حجة عليهم، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تسميتها بذلك، كما روى الترمذي في سننه في كتاب التفسير، تفسير سورة الحجر، عند تفسير قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]، روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الحمد لله رب العالمين، هي أم القرآن، وهي أم الكتاب، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم الذي أوتيته )، قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

    والحديث رواه أيضاً الإمام أحمد في مسنده، ورواه البخاري أيضاً في صحيحه، كتاب التفسير، تفسير سورة الحجر، باب قول الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]، لكن بلفظ آخر مختلف، ليس كلفظ الترمذي صريحاً في المسألة، فإنه رحمه الله -أعني البخاري - روى الحديث باللفظ المعروف المشهور: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم )، فلم يذكر لفظة (أم الكتاب) كما أشار إليه المصنف هاهنا.

    ولسورة الفاتحة أسماء أخرى غير هذه، منها: (الحمد) كما جاء في الحديث السابق، حديث أبي هريرة : الحمد أو الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].

    ومنها: السبع المثاني كما في الآية الكريمة.

    وهي أيضاً: القرآن العظيم كما سماها الله عز وجل؛ لأنها مشتملة على أهم أصوله، وقواعده، ومبانيه العظام.

    وأيضاً من أسمائها: الصلاة، فهي تسمى الصلاة، والدليل على ذلك قوله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن الله عز وجل قال: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، قال الله: مجدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، قال: أثنى علي عبدي ) .. إلى آخر الحديث.

    فسماها النبي صلى الله عليه وسلم: صلاة؛ وذلك لأنها ركن من أهم أركان الصلاة، فلذلك سميت صلاة.

    كما أن الله عز وجل سمى الصلاة: قرآناً؛ وذلك في قوله عز وجل: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، أي: صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار؛ وذلك للترابط الكبير بين القرآن وبين الصلاة.

    ومن أسماء الفاتحة: الرقية، وذلك كما في حديث أبي سعيد، وسبق في الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم له: ( وما أدراك أنها رقية )، في قصة الأعرابي فهي رقية.

    وسماها بعضهم: الشفاء محتجين بحديث رواه الدارمي، والبيهقي في شعب الإيمان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الفاتحة شفاء من كل داء )، وفي رواية: ( شفاء من كل سم )، ولكن الحديث لا يصح، فأما بلفظ: ( شفاء من كل سم )، فهو ضعيف جداً، بل هو شبه الموضوع.

    وأما: ( شفاء من كل داء )، فهو ضعيف أيضاً، إنما هذا من ضمن من الأسماء التي ذكرها بعضهم .

    فوائد الحديث

    في حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه فوائد:

    منها: وجوب القراءة في الصلاة، وخاصة قراءة الفاتحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( فإن كان معك قرآن فاقرأ ).

    وهاهنا في الرواية الأخرى قال: ( ثم اقرأ بأم الكتاب، ثم بما شاء الله ).

    وفي رواية ابن حبان : ( ثم بما شئت ).

    وفي رواية أبي هريرة السابقة: ( ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن )، فهو دليل على وجوب قراءة القرآن في الصلاة، خاصة قراءة الفاتحة.

    وهاهنا سؤال، والكلام في موضوع وجوب الفاتحة، أو ركنية قراءة الفاتحة، والتفريق بين الإمام والمأموم، ليس هذا موضعه، بل سيأتي في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، وفي الرواية الأخرى أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( لعلكم تقرءون خلف إمامكم، قلنا: نعم، قال: فلا تفعلوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ).

    هناك: سوف أتحدث عن مسألة قراءة الفاتحة: وهل تسقط عن المأموم أو لا تسقط؟ وهذه من المسائل العويصة التي يكثر على الناس الاستشكال فيها، فأرجئ الكلام عن هذه المسألة إلى هناك.

    سبب عدم ذكر الفاتحة في حديث المسيء صلاته

    يبقى في هذا الحديث، حديث رفاعة بن رافع، وأبي هريرة حديث المسيء صلاته، موضوع: لماذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل سورة الفاتحة، قال له: ( اقرأ ما تيسر معك من القرآن )، أو قال: ( فإن كان معك قرآن فاقرأ )؟ فلماذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل، أنه يجب عليك أن تقرأ سورة الفاتحة؟

    في ذلك عدة أجوبة، منها: قال بعضهم: إن هذا الحديث كان قبل إيجاب سورة الفاتحة على الناس.

    وقال آخرون: إن ما تيسر من القرآن هو الفاتحة؛ لأنها هي المتيسرة لكل مسلم، وكان المسلم إذا أسلم تعلم أول ما يتعلم بعد الشهادتين سورة الفاتحة.

    والجواب الثالث: قيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم علم من حال هذا الأعرابي أنه لا يستطيع قراءة الفاتحة، فتسقط عنه؛ لأنه لا يستطيعها.

    الجواب الرابع: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر الأعرابي بقراءة الفاتحة، فعلاً، ولكن هذا سقط من بعض الروايات، أن الروايات اختلفت، فإن الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسيء في صلاته بقراءة سورة الفاتحة، والرواية أمامكم الآن، قال المصنف ولـأبي داود : ( ثم اقرأ بأم الكتاب وبما شاء الله )، ومثله رواية ابن حبان قال: ( ثم اقرأ بأم الكتاب، ثم بما شئت من القرآن )، فبرواية أبي داود وابن حبان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم له قراءة الفاتحة، وكذلك جاء ذكر قراءة الفاتحة في رواية عند البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، وهو كتاب مستقل كما تعلمون، وهو مطبوع، ذكر فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل بقراءة الفاتحة) وسندها صحيح.

    إذاً: الجواب الرابع وهو المعتمد والأقرب: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المسيء صلاته بقراءة سورة الفاتحة، لكن سقط هذا من بعض الروايات، واقتصر على بعضها، دون أن يستوعب أو يستقصي.

    مشروعية دعاء الاستفتاح

    وفي الحديث أيضاً من الفوائد: مشروعية دعاء الاستفتاح كما سبق، سواء استفتح بالاستفتاح الوارد في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله: أرأيت سكوتك بين القراءة والتكبير ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد )، وهذا لون.

    أو استفتح بالوارد في حديث عمر رضي الله عنه من قوله وهو في صحيح مسلم وجاء مرفوعاً: ( سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك )، وهذا رجحه الإمام ابن القيم في زاد المعاد من نحو تسعة أوجه أو تزيد. أو استفتح بالدعاء الثالث الوارد عن علي رضي الله عنه: ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين )، أو بغيرها من صيغ الاستفتاح الواردة عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل هذه الأدعية مستحبة إن فعل واحداً منها أجزأه وكفاه، ولا يشرع الجمع بينها بل يقوم بعضها مقام بعض، والله أعلم.

    ما يقوله من لا يُحسن الفاتحة

    ومن فوائد الحديث: أن من لم يحسن قراءة الفاتحة شرع له أن يحمد الله تعالى ويهلله ويثني عليه، كما ذكر في قوله: ( فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله )، وهذا دليل على أن من لا يحسن الفاتحة، فإنه يجزئه بدلاً عن الفاتحة أن يحمد الله، يعني يقول: الحمد لله، ويكبر، يعني: يقول: الله أكبر، ويهلل، يعني يقول: لا إله إلا الله، وقد ورد هذا صريحاً في حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه وأرضاه: ( أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني لا أستطيع شيئاً من القرآن، فعلمني ما يجزئني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله )، علمه هذه الأذكار الخمسة: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    وحديث عبد الله بن أبي أوفى هذا، رواه أبو داود، والنسائي، وابن حبان، وابن ماجه، وابن الجارود، والإمام أحمد، والدارقطني، والحاكم وصححه. قال: صحيح، ووافقه الذهبي.

    كذلك رواه البيهقي، والطيالسي، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: إسناده جيد، والحديث حديث حسن؛ لأن له أكثر من طريق يشد ويقوي بعضها بعضاً، وقد صححه من ذكرت: صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وكذلك ابن الجارود، فهو حديث حسن ثابت.

    ويستفاد من هذا الحديث: أن من لا يحسن قراءة الفاتحة، كأن يكون حديث عهد بالإسلام، ككثير ممن يدخلون في الإسلام، ثم يدخل عليهم وقت الصلاة، قبل أن يتمكنوا من تعلم الفاتحة، فإنه يجزئهم عن قراءتها في الصلاة، أن يقول قائلهم هذا الذكر، الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن أبي أوفى .

    استحباب الزيادة على الفاتحة

    وفي الحديث أيضاً: استحباب الزيادة على الفاتحة، والزيادة على الفاتحة: تكون في الركعة الأولى والثانية كما في حديث أبي قتادة وأبي سعيد وهما في الصحيحين، ولعله يأتي شيء منهما.

    وأما في الركعة الثالثة والرابعة فإنه يستحب الزيادة على ذلك أحياناً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718756

    عدد مرات الحفظ

    768401960