إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيرًا.
أما اليوم فعندنا: باب صفة الصلاة.
الحديث الأول حديث أبي هريرة رضي الله عنه, يقول المصنف: أخرجه السبعة، أخرجه البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب الصلاة, باب وجوب القراءة على الإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر، وما يجهر بها وما يخافت.
وأخرجه في مواضع أخرى عديدة أيضاً, لكن هذا أولها، وأخرجه أيضًا مسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وأخرجه بقية السبعة: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد في كتاب الصلاة، وكذلك أخرجه الطحاوي، والبيهقي، وابن خزيمة في صحيحه، والبغوي في شرح السنة وغيرهم، فهو حديث مشهور متداول في الكتب, والفقهاء والمحدثون يسمون هذا الحديث: بحديث المسيء صلاته، فهو مشهور عندهم بحديث المسيء صلاته، وفي الحديث قصة في أوله عندهم, وهي: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد, فدخل رجل فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد, وقال: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل، فرجع فصلى كما صلى, ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد, وقال: ارجع فصل؛ فإنك لم تصل، فرجع فصلى كما صلى ثلاثاً, ثم قال في الثالثة: والذي بعثك بالحق لا أحسن غيرها، فعلمني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء, ثم استقبل القبلة فكبر, ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن, ثم اركع حتى تطمئن راكعاً, ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ) .. إلى آخر الحديث.
وهو حديث جليل عظيم, مشتمل على معظم أعمال الصلاة، من أقوال أو أفعال, ويعتبر من أهم الأحاديث الواردة في باب صفة الصلاة.
وقوله: (دخل رجل فصلى) هذه الصلاة يحتمل أن تكون فرضاً، ويحتمل أن تكون نفلاً، ولكن جاء في سنن النسائي : (دخل رجل فصلى ركعتين) وهذا يرجح أن الصلاة نافلة, ويحتمل أن تكون هذه الصلاة تحية المسجد.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم له: ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ) إسباغ الوضوء هو تكميله, ولذلك جاء في لفظ: ( إذا قمت إلى الصلاة، فتوضأ كما أمرك الله, ثم تشهد وأقم ). وحينئذ يكون النبي صلى الله عليه وسلم شرع يبين ما يتعلق بالصلاة، الفريضة أو النافلة؟
يكون شرع صلى الله عليه وسلم يبين له ما يتعلق بالصلاة من فرض أو نفل، فإن الإقامة إنما تشرع للفريضة، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( إنها ). هذه رواية عند النسائي : ( إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء، كما أمره الله عز وجل, فيغسل وجهه ويديه، ويمسح برأسه ورجليه ). فبين صلى الله عليه وسلم تفصيل الوضوء, كما في هذه الرواية.
قوله عليه الصلاة والسلام: (فكبر), أي: قل: الله أكبر، والمقصود بالتكبيرة هذه تكبيرة الإحرام، وإنما سميت تكبيرة الإحرام؛ لأن الإنسان يدخل بها في الصلاة, كما قال صلى الله عليه وسلم: ( تحريمها التكبير ). فيحرم عليه ما يحرم على المصلي من الأكل والشرب والكلام والضحك والحركة وغيرها, ولذلك سميت تكبيرة الإحرام.
والحديث ظاهر في أنه لابد في الدخول في الصلاة من التكبير, بلفظ: الله أكبر؛ لأنه سماه تكبيراً, فلا يكفي أن يقول: الله أعظم، أو الله أعلى وأجل, أو ما أشبه ذلك.
وقوله عليه الصلاة والسلام: ( ثم اركع حتى تطمئن راكعاً). جاء في رواية الإمام أحمد التي أشار إليها المصنف تفصيل الاطمئنان في الركوع، في قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك، وأمدد ظهرك، ومكن لركوعك ). فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يلقم يديه ركبتيه، ويمد ظهره, ويتمكن من ركوعه. فهذا معنى قوله: (حتى تطمئن راكعاً ).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ثم ارفع ), يعني: من الركوع, ( حتى تعتدل قائماً ). الرواية الأخرى التي أشار إليها المصنف رواية ابن ماجه بدلاً من قوله: ( حتى تعتدل قائماً ) ذكر ( حتى تطمئن قائماً ). وقد عنى المصنف كما هو ظاهر بهذه الرواية، رواية ( حتى تطمئن قائماً). وهي عند ابن ماجه، وقد ساق الإمام مسلم في صحيحه إسنادها, ولكنه لم يسق اللفظ، ولذلك فهي على شرط مسلم، وكذلك جاءت اللفظة نفسها عند السراج في مسنده، بسند على شرط البخاري , حيث رواها الإمام السراج في مسنده، من طريق يوسف بن موسى، وهو أحد شيوخ البخاري , عن حماد بن أسامة , فساقها: ( حتى تطمئن قائماً ). وبذلك نستطيع أن نقول: إن رواية ( ثم ارفع ), يعني: من الركوع, ( حتى تطمئن قائماً ). أنها ثابتة بإسناد على شرط الشيخين، على شرط البخاري ومسلم، وهذا فيه رد على ما توهمه الإمام الجويني رحمه الله، حيث قال: في إثبات وجوب الاطمئنان بعد القيام من الركوع شيء؛ لأنه لم يذكره في حديث المسيء, فقد ظن الإمام الجويني رحمه الله أن الاطمئنان بعد الرفع من الركوع لم يرد في حديث المسيء، وتبين الآن أنه ورد في حديث المسيء بسند على شرط الشيخين, فما توهمه الجويني ليس بجيد.
ويستدلون لذلك بأدلة كثيرة جداً, منها: حديث الباب، وقد بينت وجه الاستدلال به فيما سبق.
ومن الأدلة: حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قالوا: كيف يسرق من صلاته يا رسول الله؟! قال: لا يتم ركوعها، ولا سجودها، ولا خشوعها ). وحديث أبي قتادة هذا رواه الدارمي، والإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه وصححه، وهو حديث صحيح، وله شاهد أيضًا عند الطيالسي، والإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بلفظه قريب منه، وله شاهد ثالث أيضاً عند الطيالسي، والطبراني في معجمه، والدارمي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. إذاً: لفظ: ( أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته) ثابت عن طريق ثلاثة من الصحابة, هم: أبو قتادة وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري، وهو حديث صحيح.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها) واعتباره هذا سرقة من الصلاة، دليل على تحريم ذلك.
فإن السرقة كما هو معلوم من كبائر الذنوب، ولذلك توعد عليها العقوبة في الآخرة، والحد في الدنيا, فضلاً عن أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر الذي يسرق من صلاته أسوأ الناس سرقة.
الدليل الثالث من أدلتهم: حديث أبي مسعود الأنصارى البدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تجزئ صلاة رجل لا يقيم صلبه في الركوع، ولا في السجود ). وفي لفظ: ( لا صلاة لمن لا يقيم ). وهذا اللفظ أشهر. ( لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع ولا في السجود ). والحديث رواه أبو داود في سننه، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه النسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والدارمي , فهو عند الخمسة، عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد , إضافة إلى من ذكرت, وصححه ابن خزيمة , وهو صحيح على شرط البخاري ومسلم، هو صحيح على شرطهما، ونسبه بعضهم إلى البخاري , كما فعل ابن قدامة في المغني فيما أظن، وهذا كأنه وهم، إنما رواه من ذكرت, وكذلك لحديث أبي مسعود رضي الله عنه شواهد, منها حديث علي بن شيبان الحنفي رضي الله عنه, بلفظ حديث الباب, ( لا صلاة لمن لا يقيم صلبه ). وحديثه عند الإمام أحمد وابن ماجه والبيهقي وابن خزيمة , وقال البوصيري في الزوائد : إسناده صحيح, رجاله ثقات .. إلى آخر ما قال.
والمقصود بالصلب, ما هو الصلب؟ الصلب هو الظهر, فقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا صلاة لمن لا يقيم صلبه), أي: لمن لا يطمئن في ركوعه وسجوده.
فإن المقصود بإقامة الصلب -والله تعالى أعلم- الاطمئنان، وأنه لا يكفي أن تصل جبهتك إلى الأرض لتكون ساجداً، حتى تطمئن ساجداً، تمكث بعد وصول الجبهة إلى الأرض شيئاً ما, يكون صلبك استقام فيها للسجود، هذا هو الظاهر.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة) دليل على تحريم ذلك، أي: عدم إقامة الصلب، فإن ظاهر قوله: (لا صلاة) أنه لا يجزئه إلا أن يفعل هذا، وهذا ما قاله الجمهور فيما يتعلق بوجوب الطمأنينة.
ومن الأدلة على وجوب الطمأنينة ما رواه البخاري وأحمد عن حذيفة رضي الله عنه: (أنه رأى رجلاً يصلي لا يطمئن في صلاته, فلما انصرف من صلاته قال له: ما صليت، ولو مت على هذا مت على غير الفطرة التي فطر الله محمداً صلى الله عليه وسلم عليها). فلا شك أن هذا لا يقال إلا لمن ترك واجباً من واجبات الصلاة. فهذه أدلة الجمهور, ولهم أدلة أخرى كثيرة غير هذه.
القول الثاني في مسألة الطمأنينة في الصلاة: مذهب أبي حنيفة، فإن المشهور عند الحنفية عدم وجوب الطمأنينة، صرح بذلك كثير من مصنفيهم: أن الطمأنينة في الصلاة سنة, وإن كان كلام الإمام الطحاوي رحمه الله مشعر بعدم ذلك، فهو كالصريح في وجوب الطمأنينة عند الأحناف, فإنه نسب عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن أنهم قالوا: إن اعتدل راكعاً واطمأن ساجداً أجزأه ذلك, فكأن هذا اللفظ يشعر بأنهم يرون الوجوب، لكن المشهور في كتب فقهاء الحنفية عدم الوجوب.
ما هي أدلتهم على ذلك؟ ليس لهم في الواقع أدلة شرعية, إنما أدلتهم أصولية أو نظرية.
فمن أدلتهم: أنهم يقولون: إن الله تعالى يقول في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]. قالوا: فهذا نص متواتر، كما هو معلوم أن القرآن كله متواتر، قالوا: هذا نص متواتر يأمر بمطلق الركوع، ومطلق السجود، ومن دون إضافة صفة معينة إلى الركوع، أو إلى السجود، فإذا جاء في السنة إضافة صفة جديدة إلى الركوع، أو إلى السجود وأوجبناها، قالوا: معنى ذلك زدنا على المتواتر شيئاً بأحاديث آحاد ليست متواترة، وهذا لا يصلح في القاعدة عندهم, في بعض أصولهم: أنه لا يزاد على المتواتر بالآحاد.
ويجاب عن هذا الاستدلال الذي ذهبوا إليه بجوابين:
الجواب الأول أن يقال: إن هذا الذي ثبت في السنة من وجوب الطمأنينة ليس زيادة على المتواتر، بل هو بيان له، فإن الله عز وجل قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]. فجاءت السنة تبين لنا ما معنى الركوع، وما معنى السجود، أرأيت الصلاة حين يقول الله عز وجل: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43], ألم ترد السنة بتفصيل أحوال الصلاة من التكبير، والقراءة، والركوع، والسجود، والقعود، والسلام وغيرها؟ فتلقتها الأمة كلها بالقبول، سواء ما كان منها متواترًا، أو ما كان منها آحاداً؛ لأنها اعتبرت الذي جاء في السنة تفصيلاً، وبياناً لهذا المجمل الوارد في القرآن من قوله عز وجل: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]. فهكذا الحال في الركوع والسجود، فقوله: ارْكَعُوا [الحج:77] جاءت السنة في بيان صفة الركوع، وَاسْجُدُوا [الحج:77] جاءت السنة في بيان صفة السجود، فيجب العمل بما جاءت به السنة؛ لأنه داخل تحت قوله: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]. فهو تفصيل لهذا الإجمال.
الجواب الثاني: أننا نمنع القاعدة التي استدلوا بها، وهو أنه لا يزاد على المتواتر بالآحاد، فإن الآحاد عندنا حجة, وعند أكثر أهل العلم من السلف حجة, إذا ثبت إسناده وصح يعمل به في الفروع والأصول، ويجب العمل به إن كان واجباً، ويستحب إن كان مستحباً، المهم أنه يجب اعتبار أحاديث الآحاد، فليس صحيحاً أننا لا نعمل بالآحاد، ولو كان فيه زيادة على المتواتر, خاصة وأن هذه الزيادة ليست مخالفة أو منافية، بل هي كما سبق في النقطة الأولى بيان.
من أدلتهم: أنهم قالوا: إن هذا مخالف للسجود اللغوي, مخالف لمعنى السجود والركوع وغيرهما، من حيث اللغة, فإنه إذا قال: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77] فإن مجرد وضع الجبهة على الأرض يسمى سجوداً, ومجرد الانحناء يسمى ركوعاً. فقالوا: إن الزيادة على ذلك مخالفة لأصل المعنى اللغوي، وهذا أيضًا يقال فيه مثل ما يقال في الأول، أن الصلاة في اللغة: الدعاء, ومع ذلك نقلت في الشرع، أو أضيف إليها في الشرع معان جديدة لم تكن موجودة في اللغة, ولم يعرفها أهل اللغة الأولون, فكذلك الحال في هذا الموضع.
ولا شك أن الصحيح ما ذهب إليه الجمهور من وجوب الطمأنينة في الصلاة، وأنه لا يجوز ولا تجزئ صلاة امرئ لا يطمئن في ركوعه، وسجوده، وقيامه، وقعوده، وقراءته.
البخاري
: (ابن دقيق العيد
في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام قال: إن هذا الحديث يصلح أصلاً في إيجاب كل ما ذكر، يعني: لك أن تحتج على وجوب أي أمر ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء صلاته بهذا الحديث، تحتج بوجوبه على وجوبه بهذا الحديث، وتحتج على عدم وجوب شيء بعدم ذكره في حديث المسيء في صلاته، بشرط أن تستقصي طرف الحديث ورواياته، ويضم بعضها إلى بعض، وقد فعل ذلك الحافظابن حجر
في فتح الباري، واستقصى روايات الحديث القوية وجمعها؛ ليبين من خلالها كل ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم به المسيء في صلاته. ووافقابن دقيق العيد
على هذه القاعدة, أن كل ما ذكر في حديث المسيء فهو واجب، وكل ما لم يذكر فهو ليس بواجب، وافقه على ذلك كثير من أهل العلم, منهمالشوكاني
كما في نيل الأوطار، والسيل الجرار، ومنهمالصنعاني
كما في سبل السلام، وربماابن حجر
يدل كلامه على شيء من ذلك, وغيرهم كثير ممن نقلوه ووافقوا عليه، وكذلكالصنعاني
في العدة، وافقه على ذلك. لكن قد يقول بعضهم: بأن كلامابن دقيق العيد
أن كل ما ذكر في حديث المسيء فهو واجب، وكل ما لم يذكر فليس بواجب فيه نظر؛ وذلك لأنه لم يذكر أشياء كما قال بعضهم, منها: النية، هل ذكر النية فيه مع إجماع العلماء على وجوبها وشرطيتها؟ هل ذكر النية في حديث المسيء صلاته؟ نعم، ذكرها، هذاابن حجر
قال: لم يذكر النية, لكن الواقع أنه قد تؤخذ من قوله: (الصنعاني
في حواشيه على العمدة. وكذلك من الأشياء التي لم يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء: التشهد الأخير مع أنه واجب, وكذلك السلام لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث مع أنه واجب, لكن هذه الأشياء نقول: تجب بأدلة أخرى، وهناك من ذهب إلى عدم الوجوب. من الأشياء التي أمره بها النبي صلى الله عليه وسلم وليست بواجبة، الآن كأننا نقول فيما سبق من الكلام، هناك أشياء لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بها، ولم يبينها له مع أنها واجبة، كالنية عند من ظن أنها لم تذكر, والتشهد الأخير, والسلام. الآن نقول: الفاتحة قد تدخل في قوله: (أحمد
التي أشار إليها ولم يسق لفظها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (قوله: (ومثله من حديث رفاعة بن رافع عند أحمد وابن حبان : (حتى تطمئن قائماً ) ) فإن هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، ولم يتيسر لي الوقوف عليه في صحيح ابن حبان ، راجعت المطبوع من صحيح ابن حبان، وراجعت موارد الظمآن فلم يتيسر لي الوقوف على هذا الحديث الذي نسبه المصنف له. وعلى كل حال الحكم ثابت بسند على شرط الشيخين.
أما الرواية الأخرى التي أشار إليها المصنف، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: ( فأقم صلبك حتى ترجع العظام ). فهذه الرواية التي وجدتها في مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان , فقد أخرجها الإمام أحمد في المجلد الرابع من المسند، مسند رفاعة بن رافع , وهو ليس طويلاً، مسند قصير.
وكذلك أخرجها ابن حبان في صحيحه، وهي أيضًا موجودة في موارد الظمآن، واللفظ: ( فإذا رفعت - يعني: من الركوع- فأقم صلبك, حتى ترجع العظام إلى مفاصلها ).
وصحابي الحديث هو رفاعة بكسر الراء, ابن رافع , وهو أنصاري بدري, شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً والمشاهد كلها, وكان مع علي رضي الله عنه في معاركه كالجمل وصفين , ثم مات رضي الله عنه وأرضاه في آخر عهد معاوية بن أبي سفيان .
وهو دليل كما أسلفت على وجوب الطمأنينة في القيام من الركوع, وفي جميع أعمال الصلاة.
وقد أخذ منه ومن غيره بعضهم أنه يستحب لمن رفع رأسه من الركوع أن يرسل يديه, يستحب أن يرسل يديه, يعني: ألا يضع اليمنى على اليسرى على الصدر بعد القيام من الركوع، وهذا فيه نظر كبير؛ لأن الكلام يتعلق بالصلب، ( فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها ), كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كما في حديث سهل بن سعد وهو في صحيح البخاري قال: ( كنا نؤمر أن يضع الرجل يده اليمنى على اليسرى في الصلاة ). فهذا عام في الصلاة, يشمل ما قبل الركوع وما بعده، ولذلك فإن الصحيح أنه يستحب للإنسان أن يضع يده اليمنى على اليسرى على الصدر -كما سيأتي تفصيله في الصلاة- قبل الركوع وبعده.
قال: ( فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها ). فالكلام الآن متعلق بإقامة الصلب, وهو الظهر، كأن المقصود والله أعلم عظام الظهر.
وخلاد بن رافع غير رفاعة بن رافع ، خلاد بن رافع الذي هو صاحب القصة غير رفاعة بن رافع الذي هو راوي الحديث، فإن رفاعة يرويه عن رجل، حتى جاء في بعض الروايات: ( أن رجلاً كالأعرابي ). كأنه أعرابي، وليس بأعرابي, وإنما شبهه بالأعرابي ربما لأنه استعجل في صلاته ولم يطمئن فيها.
قوله: ( ثم افعل ذلك في صلاتك كلها )، يعني: كل ما سبق، إلا تكبيرة الإحرام، فإن من المعلوم أنها تكون في أول الصلاة.
الجواب: ما فيه أنه لم يرد عليه، فيه السكوت فقط، في رواية: (أنه سلّم فقال له: ...).
وهذا قاله بعضهم؛ لعدم اطلاعه على الرواية التي في صحيح البخاري، والتي فيها: ( فرد عليه السلام ). وإلا لا يستدل بذلك.
نحن نقول: رد عليه النبي عليه الصلاة والسلام السلام.
وعلى كل حال، الرواية في صحيح البخاري : ( فرد عليه السلام، وقال له: ارجع فصل ).
الجواب: جلسة الاستراحة هذه ستأتي إن شاء الله، نعم. أشار البخاري إلى رواية في حديث أبي هريرة التي ذكر فيها جلسة الاستراحة، وأشار إلى إعلالها، وسنأتي إلى ذكر ذلك إن شاء الله تعالى في وقته.
الجواب: لا، ليس محتملاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مقام التفصيل والبيان، له مما أخطأ فيه وما لم يخطئ، ومما يتعلق بالصلاة وما يكون قبلها, ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له قضية إسباغ الوضوء، مع أنه لم يعلم النبي عليه الصلاة والسلام أنه أخطأ في الوضوء، وكذلك ذكر له الإقامة، وذكر له تكبيرة الإحرام، وذكر له استقبال القبلة، مع أنه أصاب فيه ولم يخطئ، وهذا من أقوى الأشياء التي تمسك بها ابن دقيق العيد : على أن كل ما ذكر في الصلاة في هذا الحديث فهو واجب، وكل ما لم يذكر فهو ليس بواجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مقام التفصيل والبيان، لما أصاب فيه الرجل وما لم يصب، نعم.
الجواب: حد الطمأنينة، نعم, هذا لعلي نسيته، ما هو المقصود بالطمأنينة وحدها؟ أنه بعد ما يصل الإنسان إلى الركن، فإنه يمكث ولو شيئاً يسيراً، بقدر أقل الذكر الواجب، هذا أقل حد الطمأنينة، فمثلاً: إذا رفع الإنسان رأسه من الركوع بمجرد نهوضه هذا لا يعتبر قائماً، حتى تعود العظام إلى مفاصلها، ويقول: ربنا ولك الحمد, ثم كذلك الحال في السجود مثلاً, أقل قدر في السجود هو أنه بعد ما تصل الجبهة واليدان إلى الأرض، وكذلك الركبتان إذا كان عن قيام، بعدما تصل يمكث بقدر ما يقول: سبحان ربي الأعلى، فهذا أقل مقدار واجب في الطمأنينة.
الجواب: والحديث الحقيقة فيه فوائد كثيرة من أحب أن يسترسل ويستطرد في فوائده، فليرجع إلى فتح الباري , فإنه استطرد في ذكر فوائد كثيرة، وكذلك ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام , استطرد جداً وأطال في شرح الحديث, وكذلك في تعليقات الصنعاني على العدة , فإن فيها فوائد جمة, لم أرد أن أستطرد في ذكر الفوائد الظاهرة من الحديث.
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آل محمد, كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, إنك حميد مجيد.
سبحانك اللهم وبحمدك, نشهد أن لا إله إلا أنت, نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر