اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
كنت تكلمت في الأسبوع الماضي عن بعض أخطاء الناس في الأذان، وخاصة ما يتعلق بالنية، ثم انتقلت إلى ما يتعلق بضبط الوقت وتقديم بعضهم للأذان أو تأخيرهم له، وما يترتب على ذلك من الأضرار والمخالفات، وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز للمؤذن أن يؤذن قبل الوقت بحال من الأحوال، إلا أذان الفجر الأول كما هو معروف وكما سبق التنويه به.
فأواصل الآن الحديث عن بعض الأخطاء والمخالفات التي يقع فيها الناس في الأذان، وحين أقول: يقع فيها الناس ينبغي أن يعلم أنني أقصد الناس في العالم الإسلامي كله، يعني: هناك -مثلاً- أخطاء كثيرة لا توجد في هذه البلاد ولله الحمد؛ بسبب أن الله تعالى منَّ على أهل هذه البلاد بعلماء ومصلحين حفظوا لهذه الأمة في هذه الجزيرة كثيراً من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا نجد في هذه البلاد كثيراً من البدع العملية والأخطاء التي قد نجدها في بلدان أخرى.
وقد تكلم جماعة من أهل العلم في بدع الناس وأخطائهم في الأذان، كما تكلم فيها الشيخ: علي محفوظ، والشيخ: جمال الدين القاسمي، وغيرهما من العلماء المصنفين، فذكروا أخطاء الناس وبدعهم في الأذان، وسوف أشير إلى أمور منها ما ذكروه ومنها ما لم يذكروه لكنني لاحظت من واقع ملاحظتي للناس.
ومن ذلك أن بعض المؤذنين يبالغون في تمطيط أصواتهم في الأذان مبالغة ممقوتة ممجوجة، فإذا قال -مثلاً-: (لا إله) مده مداً طويلاً قد يزيد على عشر حركات أو اثنتي عشرة حركة أو أكثر، وكذلك قوله: (الله)، (حي على الصلاة)، (حي على الفلاح)، يمدونه مداً زائداً شديداً يخرج بالأذان عن شرعيته وحكمته، وهذا لا أعتقد أنه يكون أذاناً مشروعاً صحيحاً؛ لأن الإنسان إذا مد مداً مبالغاً فيه خرج اللفظ عن اعتباره اللغوي ووضعه اللغوي.
ولذلك أذكر أن أحد الإخوة من الذين يمططون الأذان ويبالغون في ذلك، وكان في أحد المساجد في الرياض فأذن، وكان سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حاضراً لإلقاء محاضرة في ذلك المسجد، فلما انتهى من الأذان قام الشيخ -حفظه الله وبارك في عمره- وبيّن أن هذا ليس أذاناً شرعياً، وبيّن الأذان ثم أذن بنفسه؛ حتى يعلم غيره تعليماً عملياً، ولعله -والله تعالى أعلم- قصد إلى أمر آخر، وهو كأنه رأى أن الأذان الأول لا يكفي فأذن عوضاً عنه، وهذا مجرد التماس مني قد يكون كذلك أو لا يكون.
وبعض الناس يمدون الأذان مداً في غير محله، فمثلاً: بعضهم يمدون بعد الهمزة يضعون ألفاً في (الله) فيقول: (آلله أكبر) وهذا لا يجوز؛ لأنه هنا أوجد عدة همزات، وكأنه صار استفهاماً، كما في قوله تعالى: آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:59]، فبدلاً من أن يكون خبراً أصبح استفهاماً، وهذا لا شك أنه لحن يحيل المعنى ولا يجوز.
وبعضهم يمدون الباء في قوله: (أكبر) فيقول: (أكبار)، وهذا أيضاً لا يجوز، وقد ذكر أهل العلم أن هذا اللحن يحيل المعنى، وأن (أكبر) هذا له معنى آخر لا يليق ذكره بهذه المناسبة، ولا يليق أن يلحن الإنسان هذا اللحن الملبس الذي فيه سوء أدب. ومن أخطائهم أن بعضهم إذا نطق باسم الرسول صلى الله عليه وسلم يضع مداً في غير محله، إما يضع واواً بعد الميم -مثلاً- فيقول: (موحمداً) أو يمد الحاء، فيقول: (محامداً) فيضع بعد الحاء ألفاً، وهذا كله كما سبق يعتبر لحناً ومداً في غير محله.
ومثله المد بعد الحاء في قوله: (حي)، فبعضهم يقول: (حايّ على الصلاة) فيضع بعد الحاء ألفاً.
وكذلك في (أشهد) قد يضع بعد الدال واواً، يشبع الضمة حتى يتولد منها واو، فيقول: (أشهدو أن).
ومثله أن بعضهم يشبع الكسر في (إله) فيتولد منها ياء، فيقول: (لا إيله إلا الله).
وكل هذه ناتجة عن الجهل والعجمة وعدم التعلم، وأن بعضهم قد يبالغ في تمطيط الأذان وتحسينه بصورة غير مشروعة.
وأحياناً بعضهم يبدل حرفاً بآخر، ومن أشهر الأشياء الموجودة عندنا -مثلاً- أن بعض الناس يقول: (وأكبر) بدل (أكبر). (الله وأكبر)، ولا شك أن هذا لحن ومحيل للمعنى أيضاً، فإن المعنى الصحيح (الله أكبر) و(أكبر) أفعل تفضيل مبدوءة بالهمزة، فبعضهم يبدلون الهمزة واواً فيقولون: الله وكبر.
وكذلك بعضهم يبدلون الحاء هاء في قوله: حي فيقولون: هيَّ.
وبعضهم أيضاً يبدلون العين أو يحذفون العين، فبدلاً من أن يقول: (حي على الصلاة) تسمع بعض المؤذنين -خاصة من العوام- يقول: (حي للصلاة)، وهم عبروا عنها بمعنى عندهم، لكن اللفظ الوارد عن الرسول عليه الصلاة والسلام هو (على): حي على الصلاة.
وبعضهم قد يبدلون الهاء حاء فيقول: (حي على الصلاح) وهم لا يشعرون بذلك.
فهذه كلها -وأمثالها كثير- من الأخطاء التي يقع فيها بعض المؤذنين، إما من العامة أو ممن -كما أسلفت- يبالغون في تمطيط أصواتهم بالأذان وتحسينه بصورة ليست مشروعة.
من الأخطاء التي يقع فيها الناس في الأذان: أن بعضهم يضيفون إلى لفظ اسم الرسول صلى الله عليه وسلم لفظ (سيدنا)، فبعضهم قال: (أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله)، ونحن -لا شك- نعلم أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، لكن ذكر لفظ السيادة في الأذان أو في غيرها من الأذكار الشرعية يعتبر زيادة لم يأذن بها الله مثلما لو قال الإنسان -مثلاً- في التشهد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم.
فنحن نقول: هؤلاء سادة وأنبياء لا شك، لكن لم يرد لفظ التسويد في شيء من الأذكار الشرعية، لا في الأذان ولا في الإقامة ولا التشهد الأول ولا في التشهد الأخير ولا في غيرها من الأذكار.
ولعلكم تستغربون إذا قلت لكم: إن أحد الإخوة كان إذا قرأ اسم الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن يقدم بين يديه بلفظ (سيدنا)، وهذا جهل عظيم وضلال مفرط، فمثلاً: إذا أراد أن يقرأ آخر سورة الفتح: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح:29]، لا يقول: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الفتح:29]، يقول: سيدنا محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار، والعياذ بالله؛ لأنه أدخل كلام المخلوق في كلام الخالق، فإن القرآن كلام الله وهو قد أدخل كلامه الذي يقول فيه: (سيدنا محمد رسول الله) أدخله في كلام الله عز وجل، وهذا -لا شك كما أسلفت- ضلال عظيم، وبعضهم يدخله في الأذان أو في الإقامة، وهذا أيضاً لا يجوز.
ومن البدع المحدثة أيضاً في الإضافة في الأذان: بدعة التثويب وقد أشرت إليها، وما زالت موجودة، بل إنه انتقلت عدواها إلى بعض هذه البلاد، وأعني بالتثويب: أنه ينادي ببعض ألفاظ الأذان بين الأذان والإقامة، إذا استبطأ الناس بعض الشيء، أو بقي على الإقامة سبع دقائق أو نحوها قام المؤذن فقال: حي على الصلاة حي على الفلاح، وقد يقولون ألفاظاً أخرى: الصلاة رحمكم الله، أو: هلموا إلى الصلاة، أو يخاطب أشخاصاً معينين أو ما أشبه ذلك، وهذه من البدع المحدثة، حتى (إن عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه دخل مسجداً فلما ثوب فيه المؤذن بين الأذان والإقامة خرج غاضباً وقال: أخرجتني البدعة).
ومن الأشياء التي يفعلها ويقولها الناس فيما يتعلق بالأذان ولا أصل لها: أن بعضهم إذا سمعوا الأذان قالوا: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة، وهذا الدعاء مشروع، لكن بدون قول: (الدرجة العالية الرفيعة)، فإن هذا اللفظ لا أصل له في السنة، بل الثابت من أذكار الأذان -كما سيمر الإشارة إلى شيء منه- أن الإنسان يقول كما يقول المؤذن، هذا أولاً.
ثانياً: إذا انتهى المؤذن من قول: (أشهد أن محمداً رسول الله) قال الذي يتابعه: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وقد ثبت هذا في صحيح مسلم وفي مسند أبي عوانة بسند صحيح أنه يقال بعد الشهادتين.
ثالثاً: أنه إذا انتهى المؤذن من أذانه يصلي المتابع للمؤذن على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته)، هذا الثابت من أدعية الأذان.
أما قول بعضهم -وهذا كثيراً ما يسمع من المذيعين وغيرهم- أن يقول: آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة، فلفظ (الدرجة العالية الرفيعة) لا أصل له -فيما أعلم- من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحسن بالإنسان أن يقوله أو يحافظ عليه.
وبعضهم أيضاً يضيف في آخر هذا الدعاء: (إنك لا تخلف الميعاد)، (وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد)، وهذه اللفظة قد اختلف أهل العلم فيها؛ وذلك لأنها جاءت في حديث رواه البيهقي . وقال شيخنا عبد العزيز بن باز : إسناده صحيح.
وكذلك جاءت في إحدى نسخ البخاري، ويدل على ذلك أن الإمام الحافظ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب التوسل والوسيلة ذكر أنه رواه البخاري وذكر هذه الزيادة فيه، وبالتحري تبين أنها موجودة في إحدى روايات البخاري، لكنها -يبدو- غير ثابتة في الصحيح.
وقد رجح جماعة من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين أن زيادة (إنك لا تخلف الميعاد) زيادة شاذة لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخرون من أهل العلم من علمائنا حتى من المعاصرين قالوا: على فرض عدم ثبوتها فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى عن المؤمنين ودعائهم: رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:194]، فقالوا: لا بأس أن يدعو بها أو يذكرها في آخر الدعاء.
والذي نميل إليه: ألا يقولها الإنسان، وإن قالها فلا يحافظ عليها بل يقولها حيناً ويدعها حيناً، حتى يميز بين السنة الثابتة بلفظها عن النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمر ورد واختلف العلماء في صحته أو عدم صحته، اللهم إلا أن يقول الإنسان: أنا مقلد لفلان من الناس من العلماء الذين صححوا هذا الحديث، فحينئذ لا بأس أن يتابعه في قول هذه الكلمة.
وأما بالنسبة للأدعية أو الأذكار الواردة في أثناء الإقامة فإن بعضهم إذا سمعوا قوله: (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة) يقولون: أقامها الله وأدامها -أو: (وأدامه) على لغة العامة- اللهم قنا شر الحسرة والندامة. وهذه سجعة لا تصلح إلا أن تكون عامية، أقامها الله وأدامه اللهم قنا شر الحسرة والندامة، أما لو أردت أن تعربها فإنك تخربها، فإذا قلت: أقامها الله وأدامها ذهب السجع، وعلى كل حال الكلمة لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنها وردت في حديث ضعيف جداً فيه شهر بن حوشب وهو متكلم فيه، وفيه رجل مبهم مجهول لا يدرى من هو، فالحديث إسناده ضعيف، فلا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قول: (أقامها الله وأدامها) عند قوله: قد قامت الصلاة، ولذلك فإن ما ذكره بعض طلاب العلم من أنه يشرع أن تقال عند (قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة) -والله أعلم- ضعيف؛ لأن الشرعية لا تثبت إلا بدليل صحيح، وكوننا نأمر الناس بأن يلتزموا ذكر هذه الكلمة وهذا الذكر عند هذا الموضع لابد أن يكون بتوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما: (اللهم قنا شر الحسرة والندامة) التي يقولها العامة أيضاً فإنه لا أصل لها في السنة مطلقاً فيما أعلم.
ولا شك أن الدعاء بأن يقي الله العبد شر الحسرة وشر الندامة، الدعاء هذا بحد ذاته دعاء جيد وحسن، لكن ذكره في هذا الموضوع مذموم؛ لأنه قد يترتب عليه أن يظن الإنسان أو يظن غيره أنه سنة، وفي الواقع أن المحافظة عليه أقرب إلى البدعة منه إلى السنة، وإن كنت في الواقع لست ممن يشددون في هذه الألفاظ ما دامت صحيحة بلفظها، لكن ينبغي أن ننهى الناس عن التزام هذه الألفاظ والمداومة عليها، حتى لو أن إنساناً قالها مرة نقول له: هذه الكلمة معناها صحيح، لكن كونك تقولها في هذا الحيز في هذا المكان بهذه المناسبة وتحافظ عليها هذا غير مشروع؛ لأن المحافظة إنما تكون على السنن الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر