وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، البشير النذير والسراج المنير، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
فيما يتعلق بالحديث الأول وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا اللعانين. قالوا: وما اللعانان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم ).
ورواه أيضاً ابن الجارود في المنتقى ولفظه: ( ومجالسهم )، بدل قوله: ( وظلهم ) أو ( وأفنيتهم ) قال: ( ومجالسهم ).
الوجه الأول: أن يكون المقصود الأماكن التي يلعن الناس من تبول أو تغوط فيها، فيكون سبباً للعن الناس له؛ لأنه آذاهم بهذا.
وعلى هذا المعنى يكون الذي تبول أو تغوط في هذه الأماكن قد تسبب لنفسه وللناس.
فأما أنه تسبب لنفسه فإن الناس لعنوه، واللعن دعاء كما هو معروف، فإن كان مستحقاً له فقد وقع في إثم عظيم استحق أن يلعن من أجله، وإن لم يكن مستحقاً له فقد تعرض لسخط المسلمين وغضبهم ودعائهم عليه، وتسبب في تأثيمهم حيث لعنوه.
فهو لا يخرج عن الإضرار من هاتين الجهتين: إما أن يكون مستحقاً للعن، أو لا يكون مستحقاً له، فيكون تسبب في تأثيم الناس حين لعنوه، وربما كان هذا مستحقاً للعن؛ لما رواه الطبراني في الكبير من حديث حذيفة بن أسيد بسند حسن -كما قاله عدد من الحفاظ- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من تخلى في طريق المسلمين فقد وجبت عليه لعنتهم )، ومعنى (وجبت) يعني: حقت.
وله شاهد وإن كان ضعيفاً عند الحاكم والبيهقي وغيرهما بلفظ: ( من سل سخيمته في طريق عامرة من طرق المسلمين، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ).
وهذا الحديث في سنده ضعف كما ذكر الحافظ في التلخيص وغيره.
والمقصود بقوله: (سل سخيمته)، يعني: قضى حاجته، يعني: تبرز في طريق الناس، وهذا لا يعارض النهي عن لعن المسلم بعينه؛ لأن الناس حين يلعنونه يلعنون من فعل هذا دون أن يسموه باسمه، بل دون أن يعرفوه أحياناً، هذا المعنى الأول في قوله: (اللعانين)، يعني: المتسببين في اللعن.
أما المعنى الثاني الذي ذكره الخطابي وغيره من الشراح أيضاً، فإن المقصود باللعانين أي: أن صاحبهما يستحق اللعن، يلعن عليهما.
فعلى المعنى الثاني يكون التبرز في الأماكن المذكورة في الحديث يكون كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن من ضابط الكبيرة ما توعد عليه بلعن أو غضب، أو عقوبة في الآخرة، أو حد في الدنيا، فهذا توعد عليه باللعن؛ ولذلك كان كبيرة من كبائر الذنوب.
والمعنى الثاني قوي، أن يكون المقصود أنه ملعون من فعل ذلك؛ لأنه يشهد له حديث حذيفة بن أسيد، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فقد وجبت عليه لعنتهم )، فلا يبعد أن يكون هذا الفعل كبيرة، وأن يكون فاعله متوعداً باللعن وهو الطرد عن رحمة الله تعالى.
وفسر اللعانين حين سألوه بقوله: ( الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم )، أما التخلي فقد سبق والمقصود منه: التغوط وقضاء الحاجة، والطريق معروفة وهذا يشمل الطريق كلها، وعليه يحمل ما ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: ( أو قارعة الطريق )، فإن هذا اللفظ الذي عندنا في صحيح مسلم عام قال: (الطريق)، فيشمل قارعة الطريق وجوانبه وأعلاه وأدناه، وأن التغوط فيها محرم.
(أو ظلهم)، أما الظل فإن المقصود به هاهنا: الظل الذي ينتفع به، ولذلك قيده الفقهاء بقولهم: أو ظل نافع، وجاء في رواية الإمام أحمد الآتية عن ابن عباس : ( أو ظل يستظل به )، فقيد الظل بكونه يستظل به، أما الظل الذي لا ينتفع الناس به ولا يحتاجون إليه فإن قضاء الحاجة عنده جائز، يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن جعفر قال: ( وكان أحب ما استتر به النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف، أو حائش نخل -وفي رواية- أو حائط نخل ).
والهدف هو الشيء المرتفع، والحائش والحائط معروف.
فدل الحديث على تحريم التغوط وقضاء الحاجة في طريق الناس المطروقة وفي ظلهم.
ودل برواية ابن حبان على تحريم قضاء الحاجة في أفنيتهم، والفناء هو: الفضاء الواسع على جوانب الدار، وليس المقصود بالدار فقط البيت، بل حتى الحي مثلاً أو مجموعة البيوت المسكونة التي يكون هناك فناء واسع حولها، يستفاد منه في مناسبات معينة، هذا يوجد في عدد من الأماكن، يكون حول البيوت فضاء واسع غير معمور يستفيد منه أهل الحي في الزواجات، وفي الأعياد، والمناسبات الكبيرة، وقد يلعب فيه الأطفال وما أشبه ذلك، هذه الأفنية تدخل في قوله: (وأفتيتهم)، فيكون التغوط فيها محرماً أيضاً.
ودل الحديث رابعاً -من رواية ابن الجارود - على تحريم البول في مجالس الناس، يعني: أماكنهم التي يجلسون فيها، وهذه المجالس ليس بالضرورة أنها ظل، فالناس مثلاً في أوقات الشتاء يجلسون في الشمس ويفضلون ذلك، فيكون قضاء الحاجة في الأماكن التي يرتادها الناس للجلوس فيها محرماً ملعوناً فاعله ولو لم تكن ظلاً، وبذلك علم من حديث أبي هريرة أنه توعد باللعن على أربعة أشياء:
الأول: الذي يتخلى في طريق الناس.
الثاني: أن يتخلى بالأفنية.
والثالث: المجالس.
والرابع: الظل.
فهذه أربعة أشياء يحرم قضاء الحاجة فيها، وكلها وردت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والتخلي إذا أطلق فإن المقصود به -والله أعلم- البَراز .. الغائط، وكذلك البَراز المقصود به الغائط، ولكن حتى البول يمنع للعلة نفسها، لأن الناس يتقونه كما يتقون البراز.
والقول بالتحريم هو المتجه عقلاً ونقلاً.
فأما من حيث النقل: فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وأمر باتقائه فقال: (اتقوا)، وهذا يدل على التحريم كما سبق تقريره مراراً، الأمر يدل على الوجوب والنهي يدل على التحريم، فقوله: (اتقوا) يدل على وجوب اتقاء هذه الأماكن.
والوجه الثاني الدال على التحريم: أنه سماه باللعان، فإن كان معنى اللعان أي: الملعون فاعله كما سبق فلا إشكال حينئذ، وإن كان المعنى: الذي يلعن الناس من فعله، فيكون تسبب في تأثيم الناس باللعن كما مضى، وهذا لا يجوز، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث في الصحيح المعروف: ( لما أثنوا على رجل خيراً قال: وجبت له الجنة، ولما أثنوا على آخر شراً قال: وجبت له النار، ثم قال: أنتم شهداء الله في أرضه )، كما في المتفق عليه، فدل على أن الناس حين يلعنون إنساناً ويطبقون على ذلك -وخاصة المقصود أهل الخير والإسلام- أنهم محقون في ذلك وأنه مستحق لهذا.
أما من حيث النظر والعقل فإن في قضاء الحاجة في هذه الأماكن إساءة إلى الناس بالرائحة الكريهة، وبتنجيس بعضهم حيث قد لا يدرون بهذه الأشياء فيقعون فيها، وبحرمانهم من الانتفاع بهذه المرافق العامة، التي هي ملك للمسلمين جميعاً، ولا يجوز لأحد أن يحرم الناس منها، وباستقذار هذه الأماكن واستخباثها، وكذلك بإيجاد العداوة والفرقة بين المسلمين التي أشار إليها بلعن من فعل ذلك.
إذاً: جمهور العلماء على التحريم، والنووي نقل عن بعض الشافعية أنهم قالوا: بأنه مكروه كراهة تنزيه، وصرح صاحب المغني وغيره والخطابي والنووي بأن المقصود التحريم.
والحديث رواه أيضاً الحاكم وابن السكن وغيرهم، وهو ضعيف؛ وسبب ضعفه أنه من رواية أبي سعيد الحمصي وهو مجهول، ومع جهالته فإنه لم يرو عن معاذ فروايته عن معاذ مرسلة، وقد نقل الصنعاني في سبل السلام عن أبي داود أنه قال في السنن عقب رواية هذا الحديث: وهو مرسل.
والذي وقفت عليه في سنن أبي داود المطبوعة بتحقيق الدعاس أنه لم يذكر شيئاً من ذلك، لم يذكر أن الحديث مرسل ولم يتكلم عليه بشيء، فلعل ذلك في نسخة أخرى لـسنن أبي داود.
على كل حال الحديث ضعيف، وممن ضعفه أبو داود والمصنف وابن القطان، وقد ذكر ابن القطان أنه ليس للحديث إلا هذا الطريق الذي فيه أبو سعيد الحميري وهو مجهول كما ذكر الحافظ في التقريب .
وبناءً عليه فالحديث بنفسه أو بذاته ضعيف، ولكن ذكر الحاكم وابن السكن أنه صحيح، ومن المعلوم أن الحاكم وابن السكن من الأئمة المتساهلين في التصحيح، وإلا فإن هذا الحديث فيه علتان كما أسلفت:
إحداهما: جهالة أبي سعيد هذا.
والثانية: أنه مرسل أو منقطع.
فالحديث بذاته ضعيف، لكن له شواهد يتقوى بها، منها حديث أبي هريرة السابق في مسلم وغيره، ولعل بعضها يأتي.
إذا قيل: البِراز بكسر الباء فإنه يكون مصدراً ومعناه المقاتلة، يعني: من يبارز فيخرج رجل ويخرج آخر فهذا يسمى برازاً ومبارزة. أما بفتح الباء فهو ما سبق.
وقوله: (الموارد) الموارد -كما ذكر الخطابي في غريب الحديث - جمع موردة، وهي: الطريق إلى الماء، وقارعة الطريق، وكذلك الموارد تطلق على الشوارع والطرق تسمى موارد، وإنما خصت الموارد في هذا الحديث بالطرق إلى الماء؛ لأن الطريق سوف يأتي، قال: (في الموارد، وقارعة الطريقة)، فلا بد أن تكون الموارد المقصود بها شيء آخر غير قارعة الطريق، ولا معنى للتكرار وإلا فالطريق يسمى مورداً، وتسمى الطرق والشوارع موارد، وكما قال جرير:
أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم
فالمقصود بالموارد الطرق، ولكن في هذا الحديث المقصود بها: طرق الماء الموصلة إليه، وإنما خصت لكثرة حاجة الناس إليها وطرقهم لها، لحاجتهم الشديدة إلى الماء في أنفسهم ودوابهم وزروعهم وغيرها.
(وقارعة الطريق)، القارعة: من القرع وهو الضرب على الشيء، والمقصود بقارعة الطريق: وسطه وأعلاه؛ لأن أقدام الناس تقرعها بكثرة المشي عليها، ولكن ليس المقصود وسط الطريق فقط، وإنما المقصود الطريق كله لما سبق في حديث أبي هريرة : ( الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم )، ولم يذكر قارعة الطريق، والطريق كله معد للمشي عليه فالعلة مشتركة في الجميع.
أما الظل فسبق في حديث أبي هريرة وأنه مقيد بالظل النافع الذي يستظل به ويحتاج إليه، وبذلك يعلم أن هذا الحديث ليس فيه شيء جديد عن ما في حديث أبي هريرة ؛ لأن الموارد هي طرق الماء، فهي داخلة في قوله: ( الذي يتخلى في طريق الناس )، والظل سبق ذكره، وبذلك يعلم أن حديث أبي هريرة السابق يصلح شاهداً لهذا الحديث، وبه يمكن أن نقول: إن هذا الحديث حسن لغيره.
و نقع الماء هو: المكان الذي يجتمع فيه .
أما ضعف حديث معاذ فسبق.
وأما ضعف حديث ابن عباس هذا عند الإمام أحمد ؛ فلأن فيه عبد الله بن لهيعة وهو -كما سبق مراراً- صدوق احترقت كتبه فاختلط، ورواية العبادلة عنه مقبولة -كما سبق- بخلاف رواية غيرهم، فأثبت الناس عنه هم العبادلة، فإذا روى عنه غيرهم فحديثهم ضعيف.
وأما العلة الثانية فهي: أن الراوي عن ابن عباس مبهم؛ لأن ابن هبيرة قال: عمن سمع ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اتقوا الملاعن الثلاث )، فالراوي عن ابن عباس مبهم لا يدرى من هو؟ عن من سمع ابن عباس، وقد وقع في بعض الكتب كما في طبعة التلخيص، والراوي عن ابن عباس متهم، بدل قوله: مبهم صارت (متهم)، وأعتقد أنكم تدركون جميعاً أن المعنى يختلف كثيراً؛ فإن المبهم معناه: لم يسم ولا يعرف من هو، وأما متهم فمعناه: أنه متهم بالكذب، وكذلك درجة الحديث تختلف، فإن كان مبهماً فهو قد ينجبر بغيره وقد سبق، أما إن كان متهماً فهو لا ينجبر؛ لأن حديثه شديد الضعف فلا ينجبر بغيره.
وهل يوجد شاهد فيما سبق يدل على أن قضاء الحاجة في نقع الماء لا يجوز؟
نعم. الشاهد ما سبق في دروس مضت من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه )، وكذلك ما انفرد به مسلم عن جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الماء الراكد ).
ونقع الماء راكد، وإذا نهى عن البول فيه فالنهي عن التغوط فيه هو من باب الأولى في معرفة جميع العقلاء، ولا يختلف في ذلك اثنان منهم.
فعلم بذلك أن رواية الإمام أحمد أيضاً وإن كانت ضعيفة إلا أنها منجبرة بشواهدها، وشواهدها سبقت منها حديث معاذ وحديث أبي هريرة، ومنها حديث أبي هريرة الآخر وحديث جابر في النهي عن البول في نقع الماء.
ومن خلال ما سبق تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البول في مواضع عديدة نعدها على سبيل الذكر فقط وبسرعة، ونتعاون في تذكرها جميعاً:
الأول: الظل.
الثاني: الطريق.
الثالث: المجالس.
الرابع: الموارد.
الخامس: الأفنية.
السادس: الماء الراكد أو النقع كما في حديث ابن عباس.
هذه ستة أشياء الآن.
وفرات بن السائب هذا متروك كما قال البخاري وغيره.
وإذا كان فرات بن السائب متروكاً فبناءً عليه لا يكفي أن يشير المصنف إلى ضعفه أو أن فيه ضعفاً، أو حتى أنه ضعيف، بل لابد أن يشير إلى أنه ضعيف جداً، هذا أقل ما ينبغي، وخاصة أنه رحمه الله ذكر كلام الطبراني، ونقله في التلخيص، ونقل كلام البخاري في فرات بن السائب، فعلم أن هذا الحديث ضعيف جداً.
أما ضفة النهر الجاري فإنها داخلة تحت ماذا؟ تحت الموارد، داخلة تحت قوله: (الموارد)، وهي أيضاً داخلة تحت عموم قوله في حديث أبي هريرة : (في طريق الناس)، فهي طريق وهي مورد وموردة إلى الماء، وإن كانت قريبة من الماء بشكل عام بحيث يصل ما يخرج من الإنسان من بول وغيره إلى هذا الماء فينجسه أو يقذره، ازداد التحريم لما سبق من منع ذلك والنهي عنه.
والحديث صححه ابن خزيمة وابن السكن وضعفه غيرهم، ولعله ضعيف؛ لأن فيه عنعنة قتادة وقتادة مدلس، وقد روى الحديث عن عبد الله بن سرجس وذكر عن الإمام أحمد أنه لم يلقه، وإن أثبت علي بن المديني وأبو زرعة لقياه له وروايته عنه لكنه مدلس وقد عنعن، فالحديث ضعيف.
وقد نقل في ترجمة سعد بن عبادة أن الجن قتلته لما بال في الجحر، وصاروا يتغنون ويقولون:
قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم نخطي فؤاده
فهذا الأمر لا يثبت في هذا الحديث.
وقد ثبت هذا في سنن أبي داود، وابن ماجه، والترمذي، والنسائي وغيرهم، من حديث عبد الله بن مغفل : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبول الرجل في مستحمه فإن عامة الوسواس منه ).
وله شاهد صحيح عند أبي داود عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو أن يبول في مستحمه )، فعلم أنه لا يصلح ولا يسوغ أن يبول الإنسان في المكان الذي يستحم فيه، لكن هذا محمول على ما إذا كان المكان يبقى فيه الماء، أما في مثل دورات المياه الموجودة اليوم، فإن الماء يذهب والغائط يذهب والبول يذهب، فلا بأس أن يستخدمها الإنسان لهذا ولهذا، لكن لو فرض أنه يستحم في العراء -يعني: في الصحراء-؛ فإنه إذا بال في المكان الذي يستحم فيه فإنه يقع في المحظور، ويكون عرضة لأن ينجس نفسه بتطاير رذاذ البول إلى بدنه، خاصة وأن البول يكون قبل الاستحمام فلا يؤمن أن ينجس الإنسان.
لكن إذا كان النهي عن البول في الشوارع والطرقات فأبواب المساجد من باب الأولى؛ ولذلك فلا بد من التذكير ببعض الأشياء الموجودة اليوم بين الناس، والتي تساهل فيها الكثيرون فيستعملونها لهذا.
فمن ذلك مثلاً: أن بعض الناس يقضون حوائجهم ويتغوطون في الحدائق والمنتزهات العامة، التي وضعت ليأوي إليها الناس ويجلسوا فيها، وهذا لا شك أنه محرم لما سبق.
ومن ذلك: أن بعضهم يقضون حوائجهم في الأماكن التي تكون في طرق الحجاج وغيرهم، والتي وضعت ليأوي إليها المسافر وابن السبيل ويقيم بها وينام، ويصنع غداءه وعشاءه وما أشبه ذلك، فكثيراً ما تجدها ملوثة بفضلات الناس، وهذا لا شك في تحريمه؛ لأنه حرمان للناس من الاستفادة من هذا الأمر الذي وضع لهم، وفاعله يستحق اللعن كما سبق.
ومن ذلك: أن بعض الناس يتغوطون في الأماكن التي لم تعد لهذا، إنما أعدت لغيره، فمثلاً في كثير من المساجد اليوم دورات مياه معدة للوضوء فقط، وهناك أماكن خاصة وغرف صغيرة وبيوت صغيرة -حمامات- وضعت لقضاء الحاجة والغائط، فتجد بعض الناس يلوثون هذه الدورات المعدة للوضوء، وهذا ضرر مضاعف؛ لأنه مع كونه يؤذي الناس بالرائحة وبالمنظر المستكره في نفوسهم، ويكون سبباً في لعن فاعله من قبل خير الناس وهم رواد المساجد، كذلك هو عرضة لأن ينجس الناس بتطاير رذاذ الماء -بعد وقوعه على النجاسة- على أبدانهم وثيابهم.
ومثل ذلك -ما سبق الإشارة إليه-: البول والغائط في الأفنية الملحقة بالبيوت أو ببعض الأحياء والتي وضعت كمرافق عامة، يستفيد منها أهل الحي في الأعراس والأعياد والمناسبات ويتفسحون بها، فهذه كلها وما شابهها لا يجوز البول فيها.
أما مثل الطريق وضفة النهر والظل والمجلس الذي يجلس فيه الناس فهذه أمور ظاهر أن قضاء الحاجة فيها محرم، والنص عليها ورد فيما سبق من الأحاديث، فعلى الإنسان أن يبتعد عن هذه الأشياء ويحذر الناس أيضاً منها.
أما لفظ ( فإن عامة الوساوس منه ) فهو من لفظ الحديث، لكن ليس له شاهد؛ لأن الشاهد مقصور على قوله: ( نهى أن يبول في مستحمه ) فقط.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر