حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: ( أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم ).
وقد نقل الترمذي الخلاف في هذا الحديث، يعني: حديث البراء بن عازب، فإنه اختلف فيه على عبد الرحمن بن أبي ليلى ؛ فروي عنه عن البراء بن عازب، وروي عنه عن أسيد بن الحضير وروي عنه عن ذي الغرة وهو صحابي اسمه يعيش، وزعم بعضهم أن ذا الغرة هي كنية للبراء، وهذا ليس بصحيح، ثم رجح الترمذي رحمه الله أن الصواب أن الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه وأرضاه، وكذلك ذكر ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه رجح أن الحديث عن البراء بن عازب، وقال ابن خزيمة عقب رواية الحديث قال: لم أر خلافاً لأهل الحديث في صحة هذا الخبر وثبوته لعدالة ناقليه.
وفي الباب أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقد رواه ابن ماجه في سننه، والذي في سنن ابن ماجه المطبوع بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي فيه عبد الله بن عمرو يعني: عبد الله بن عمرو بن العاص، والظاهر أن هذا خطأ، وأن الصواب: ابن عمر بن الخطاب، وهو الموجود في المصادر الأخرى، وحديث عبد الله بن عمر هذا مرفوعاً لا يصح، بل قال عنه أبو حاتم : إنه منكر، وله أصل عن ابن عمر موقوفاً عليه من قوله لا من روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا ذكر أهل العلم أنه صح في الوضوء من لحوم الإبل حديثان: أولهما: حديث جابر، والثاني: حديث البراء بن عازب، وممن ذكر ذلك الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه والبيهقي في سننه وغيره؛ ذكروا أنه صح في الوضوء من لحوم الإبل حديثان: حديث جابر وحديث البراء .
وقد اختلف أهل العلم فيها على قولين:
أولهما: أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، وهذا مذهب بعض الصحابة، وهو مذهب أهل الحديث قاطبة، والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه، واختاره ابن المنذر والبيهقي من الشافعية، واختاره ابن العربي ويحيى بن يحيى من المالكية، وإن أردنا أن نراعي تسلسل التاريخ نقول: اختاره يحيى بن يحيى وابن العربي من المالكية، وقال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم : وهو الأقوى دليلاً، وإن كان الجمهور على خلافه.
وقال الإمام الشافعي فيما ذكره البيهقي أنه رضي الله عنه قال: إن صح الحديث في الوضوء من لحوم الإبل قلت به، وهذا يبين أن مدار الخلاف بين الأئمة كان في تصحيح الأحاديث وتضعيفها، فإذا صح الحديث لم يكن لأحد منهم مع الحديث رأى ولا اختيار، كما هو معروف عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم من أهل العلم.
وقد صح الحديث في الوضوء من لحوم الإبل -كما رأيتم وسمعتم- عن البراء بن عازب وعن جابر بن سمرة، وبناء عليه فإذا صح هذا النقل عن الشافعي فإنه يمكن أن ينسب إليه أنه يرى الوضوء من لحوم الإبل؛ لأنه علق ذلك بصحة الحديث وقد صح، ولذلك تجد أن ابن المنذر والبيهقي وبعض فقهاء الشافعية قالوا بالوضوء من لحوم الإبل لصحة الحديث عندهم، وحجة هؤلاء القائلين بوجوب الوضوء هذا الحديث، فإن فيه الأمر بالوضوء من لحوم الإبل، ففي حديث جابر : ( نعم تتوضأ من لحوم الإبل ) فأمره بذلك، وفي حديث البراء : ( توضئوا من لحوم الإبل )، ومما يؤكد أن الأمر في هذا الحديث للوجوب أنه سأله عن الوضوء من لحوم الغنم، فقال له: (إن شئت)، فعلقه بمشيئته، وسيأتي الإشارة إلى مسألة الوضوء مما مست النار، فلما ترك الوضوء من لحوم الغنم لمشيئته، وأمره بالوضوء من لحوم الإبل، دل على أنه أمر إيجاب وحتم وإلزام.
أما القول الثاني في المسألة: فهو أن الوضوء من لحوم الإبل لا يجب، وهذا القول نسبه الإمام النووي في شرح مسلم إلى الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وابن عباس وأبي الدرداء وأبي بن كعب وأبي أمامة .. وغيرهم من الصحابة وجمهور التابعين، والأئمة الثلاثة: مالك وأبي حنيفة والشافعي وأصحابهم، فهو قول الأكثرين والجماهير، ونسبة هذا القول للخلفاء الأربعة جعلت عدداً من المصنفين يرجحونه؛ لأنهم يستبعدون أن يخفى مثل هذا الحديث على الخلفاء الأربعة، ولذلك ينبغي التنبه إلى أن في صحة القول بذلك إليهم نظراً، بل إن الإمام ابن تيمية في القواعد النورانية الفقهية خطأ من نسب إليهم هذا القول، قال: إن هذا القول غلط عليهم، فإنهم يقولون بترك الوضوء مما مست النار، وهذه المسألة غير مسألة ترك الوضوء من لحوم الإبل.
ومما يرجح فعلاً أن نسبة هذا القول إليهم غلط، وأن سببها هو أنهم كانوا يقولون بترك الوضوء مما مست النار؛ أنه قد روى عنهم الطحاوي وغيره ترك الوضوء من أكل ما مسته النار، ونقل عنهم النووي في شرحه لصحيح مسلم أيضاً: أنهم من القائلين بعدم الوضوء مما مست النار، فلما بحث مسألة الوضوء مما مست النار ذكر أن من القائلين بعدم الوضوء مما مست النار الخلفاء الأربعة كما سيأتي، فيكون نسبة هذا القول للخلفاء الأربعة ليست دقيقة ولا موثقة، ولا نقل في ذلك يعتمد عنهم رضي الله عنهم، بل نُقل عن بعض الصحابة أنهم كانوا يتوضئون من لحوم الإبل، فقد نقل أو روى ابن أبي شيبة والبيهقي بسند صحيح عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ( كنا نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم ).
وحجة الجمهور القائلين بعدم الوضوء من لحوم الإبل: أن هذا منسوخ بما رواه الأربعة عن جابر رضي الله عنه قال: ( كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار )، وهذا الحديث صحيح كما ذكر النووي وغيره، وهو يدل على أن الوضوء مما مست النار منسوخ، قالوا: فكان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء من لحوم الإبل؛ لأنها مما مسته النار، فلما نُسخ الأمر بالوضوء منها -يعني: مما مست النار- نُسخ الأمر بالوضوء من لحوم الإبل، هذا جواب الجمهور عن دليل الأولين، وهو جواب غير منتهب، هذا الجواب غير منتهب لأسباب:
منها: أن حديث الوضوء من لحوم الإبل خاص في المسألة، أما حديث نسخ الوضوء مما مست النار فهو عام، والخاص مقدم على العام، فيقال: مع القول بنسخ الوضوء مما مست النار فإن النص في الوضوء من لحوم الإبل باق غير منسوخ.
الوجه الثاني أو الاعتراض الثاني على دعوى النسخ: أن الحديث نفسه فيه التخيير في الوضوء من لحم الغنم؛ لأنه لما قال: ( أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت )، وفي حديث البراء : ( ولا تتوضئوا من لحوم الغنم )، ورواية البراء التي نقلتها عن ابن أبي شيبة والبيهقي : ( كنا نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم ).
فالأحاديث الدالة على إيجاب الوضوء من لحوم الإبل، هي نفسها دالة على أنه لا يجب الوضوء من لحوم الغنم، ولا من غيرها من اللحوم مع أنها مما تمسه النار، وهذا من أقوى الأدلة على أن الحديث غير متعلق بموضوع مما مسته النار، يعني: الأمر بالوضوء من لحوم الإبل ليس لأنها مما مسته النار.
ومما يعترض به على دعوى النسخ: أنه لا دليل على أن هذا الحديث متقدم، بل نقل شيخ الإسلام عن بعضهم أنهم قالوا بأنه متأخر، يعني: أحاديث الأمر بالوضوء من لحوم الإبل متأخرة وليست متقدمة.
وعلى أي حال: فلا يوجد دليل صريح على أنها متقدمة ولا على أنها متأخرة، ومن المعلوم أن القول بالنسخ لابد له من معرفة المتأخر حتى يكون ناسخاً، ومعرفة المتقدم حتى يكون منسوخاً، وهذا غير معروف في مسألة الباب، ولذلك كان الإمام أحمد رحمه الله يتعجب ممن يقولون بالوضوء من مس الذكر، ولا يقولون بالوضوء من أكل لحم الإبل؛ وذلك لأن دليل الوضوء من لحم الإبل أقوى وأصح، فإنه في صحيح مسلم، ولأن تأثير المخالطة -كما يقول ابن تيمية في القواعد النورانية - أقوى من تأثير الملامسة، يعني: الإنسان إذا مس ذكره فإن كان هناك تأثير لمس الذكر فهو أقل من تأثير المخالطة، فالإنسان حين يأكل لحم الإبل تخالط بدنه، فإذا كان فيها شيء، مثلما ورد: ( أن على ذروة كل بعير منها شيطان ) وذكر بعضهم: أنها خلقت من الشياطين، فيكون تأثير هذه اللحوم على الإنسان بليغاً، فيخفف الإنسان تأثيره بالوضوء.
ومما يشهد لذلك ما ورد في الصحيحين وغيرهما من أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن ( الفخر والخيلاء في الفدادين عند أذناب الإبل، وأن السكينة في الغنم ) وهذا ملحوظ، فإن رعاة الإبل يكون فيهم غالباً من الجفاء وغلظ القلوب والقسوة ما ليس في رعاة الغنم، بل في رعاة الغنم السكينة والهدوء والبعد عما يوجد عند رعاة الإبل، وهذا بتأثير المعاشرة والمخالطة، فتأثيرها أقوى من تأثير الملامسة، وكذلك كان الإمام أحمد يعجب ممن يوجبون الوضوء من القهقهة والضحك في الصلاة -وهم الأحناف- ولا يوجبون الوضوء من لحوم الإبل على صحة الحديث في ذلك، ولهذا كان القول الراجح هو القول بوجوب الوضوء من أكل لحم الإبل؛ لقوة هذه الأدلة، وضعف دعوى النسخ التي احتج بها الجمهور، هذه هي المسألة الأولى المتعلقة بالحديث.
والوضوء مما مست النار، يعني: من كل شيء طبخ على النار، سواء كان لحماً أو غيره، فيه ثلاثة أقوال:
أولها: قول الجماهير، وهو الذي ذكرت سابقاً أن النووي رحمه الله نسبه للخلفاء الأربعة الراشدين، وهو أيضاً مذهب الأئمة الأربعة: مالك وأبي حنيفة وأحمد والشافعي، وقول جماهير الخلف والسلف: أنه لا يجب الوضوء مما مست النار، وأن الوضوء مما مست النار منسوخ، وحجتهم حديث جابر السابق: ( كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار ).
القول الثاني في المسألة: هو إيجاب الوضوء مما مست النار، فإذا أكل الإنسان أو شرب أو تعاطى شيئاً طبخ على النار وجب عليه الوضوء منه، وهذا مروي عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري والزهري، وأريت الشوكاني رجحه في نيل الأوطار فيما فهمت من كلامه، وحجة أصحاب هذا القول: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أبي هريرة وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( توضأ مما مست النار )، وفي لفظ: ( الوضوء مما مست النار )، وهذا في صحيح مسلم، وهو أمر بذلك، ولم يثبت عندهم الناسخ فبقوا على القول بالوجوب.
والقول الثالث: وهو التوسط بين القول الأول والثاني، أي: القول باستحباب الوضوء مما مست النار لا بوجوبه، وهذا أحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية فيما فهمت من كلامه في القواعد النورانية وغيرها، وحجة أصحاب هذا القول: أن النسخ لم يثبت؛ لأن قول جابر رضي الله عنه: ( كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار ) ليس نقلاً للنسخ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن لأن جابراً رأى النبي صلى الله عليه وسلم أولاً يتوضأ مما مست النار، ثم رآه بعد ذلك ترك الوضوء، وهذا فيه أحاديث كثيرة في البخاري ومسلم وغيرهما: أنه كان يحتز كتف شاة مثلاً فدعي إلى الصلاة فقام فصلى ولم يتوضأ، فلحظوا أنه عليه السلام ترك الوضوء مما مست النار، فقالوا: كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار، لكن لا يعني هذا الترك أنه نسخ، بل يكون نسخ الوجوب؛ لأنه عليه السلام ترك الوضوء فدل على أنه ليس بواجب، لكن لا يلزم من ذلك نسخ الاستحباب، وهذا القول في نظري -القاصر الضعيف- مرضي؛ أن يقال باستحباب الوضوء مما مست النار لا بإيجابه، فيكون الوضوء من لحوم الغنم أو من أي شيء طبخ على النار مستحباً لا واجباً.
هذه هي الأقوال الثلاثة في مسألة الوضوء مما مست النار، وهذا ما يتعلق بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه وأرضاه.
وفي الواقع أن حديث أبي هريرة هذا نقل عنه من سبع طرق؛ رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، والبيهقي، والدارقطني، والطبراني .. وغيرهم، ونقل عن أبي هريرة من سبع طرق: منها طرق صحيحة بذاتها، ومنها طرق ضعيفة، لكنها تعتضد بغيرها، ولذلك صححه كثير من أهل العلم، فصححه الترمذي، وقال الإمام الذهبي : إن الفقهاء يعتمدون على أحاديث لا ترقى إلى رتبته، وحكم بأنه صحيح، وكذلك قال الحافظ ابن حجر في التلخيص : أسوأ أحواله أن يكون حسناً، ولا وجه لاعتراض النووي على تحسين الترمذي له؛ لأن النووي اعترض على الترمذي في تحسينه، فتعقبه ابن حجر بأن اعتراض النووي على الترمذي لا وجه له، وأن الحديث أسوأ وأقل أحواله أن يكون حسناً، وقد صححه الذهبي كما أسلفت، والحاكم وغيرهم، وضعفه آخرون كالإمام أحمد والزهري وغيرهما.
أبو طالب
جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن عمك الشيخ الضال قد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فواره ولا تحدثن حدثاً حتى تأتيني، قال: فذهبت فواريته، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أغتسل )، وحديث علي هذا له طرق عديدة، ولذلك صححه بعض أهل العلم بمفرده.ومن شواهده أيضاً: حديث حذيفة : ( من غسل ميتاً فليغتسل )، وله شواهد أخرى غير ما سبق.
وبالجملة فالحديث إما صحيح أو حسن.
الحقيقة نظرت في كثير من المصادر فلم أجد قولاً معتمداً لأهل العلم في الاستحباب أو وجوب الوضوء من حمل الميت، إلا أن ابن رشد في بداية المجتهد قال: وشذ قوم فأوجبوا الوضوء من حمل الميت، ولم يسم هؤلاء القوم، ولم يتسن لي الاطلاع على أسمائهم، بل نقل بعض الشراح أنه لم يقل أحد من أهل العلم بوجوب الوضوء من حمل الميت ولا من غسله أيضاً.. لا، أقول: بل نقل بعض الشراح أنه لم يقل أحد بوجوب الوضوء من حمل الميت ولا باستحبابه، ولكن هذا الحديث فيه الأمر بالوضوء من حمله: ( ومن حمله فليتوضأ )، فيا ترى ما هو الأمر الذي جعل أهل العلم يطبقون على عدم إيجاب الوضوء من حمله؟ الأمر والله أعلم هو ما رواه ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ليس عليكم في غسل ميتكم غسل، إنه مؤمن مسلم طاهر، وإنما يكفيكم أن تغسلوا أيديكم )، والحديث رواه البيهقي والحاكم، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في التلخيص.
ومثله ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: ( كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل، ومنا من لا يغتسل )، وقد رواه أيضاً الدارقطني والبيهقي، وقال ابن حجر : إسناده صحيح، وما وجه الشاهد من هذا الحديث على عدم إيجاب الوضوء من حمل الميت؟
أولاً: التعليل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: ( إنه مسلم مؤمن طاهر ).. أو نحو ذلك: ( إنه مؤمن طاهر ) فعلل بطهارته، فدل على أنه إن حمله أو لمسه لا يجب عليه الوضوء ولا الغسل من ذلك؛ لأنه ليس بنجس هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: قوله: ( وإنما يكفيكم أن تغسلوا أيديكم )؛ لأنه إذا كان الذي يغسل الميت يكفيه أن يغسل يديه فما بالك بمن يحمله، لا شك أن أقصى وأقوى ما يمكن أن يقال له: أن يغسل يديه، شأنه في ذلك شأن من غسله، فهذا دليل على عدم إيجاب الوضوء من حمله من باب الأولى، وذكر الصنعاني في سبل السلام : أنه ما دام أن الحديث صحيح، فينبغي القول بأمر من حمل الميت بأن يتوضأ، لكنه رجع فقال: والوضوء هاهنا يقصد به غسل اليدين، بدليل الحديث الثاني.. حديث ابن عباس : ( يكفيكم أن تغسلوا أيديكم ).
فحمل الوضوء على غير الحقيقة الشرعية، والأولى حمله على الحقيقة الشرعية، وهو الوضوء الكامل، فيقال: دل حديث ابن عباس على عدم إيجاب الوضوء على من حمل ميتاً، أما استحبابه فلا مانع أن يقال: بأن من حمل ميتاً استحب له أن يتوضأ، لكن ما معنى حمل الميت؟ هل معناه حمله في النعش؟
نعم، المقصود بحمله مباشرته؛ أن يحمله ويباشر جلده وبدنه؛ لقوله في الحديث الآخر: ( إنه ليس بنجس، إنه مسلم مؤمن طاهر )، فدل على أن المسألة متعلقة بحمله مباشرة، أما لو حمله على النعش فلا يكون مندوباً حينئذ لا إلى وضوء ولا إلى غسل يدين، لكن من المعلوم أنه لو غسل يديه للتنظيف فهذا أمر آخر.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الجواب: نعم، الحكمة في الوضوء من لحم الإبل، أولاً: التمس بعض العلماء حكمة، وكما قال الإمام الشافعي في الأم : الوضوء والغسل عندنا تعبد، يعني: الحكمة أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، لكن لا مانع أن يلتمس لذلك حكمة ويربط ذلك بغيره من النصوص المشابهة له، فإذا وجدت: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في مبارك الإبل ومعاطنها )، وذكر أن الفخر والخيلاء في رعاتها، وأن الفتنة تخرج من عندهم، وأمر بالوضوء من لحم الإبل، وذكر أن على ذروة كل بعير منها شيطاناً، عُلم أن الوضوء من لحم الإبل؛ لما يكون في لحمها من القوة والتأثير على بدن الإنسان، فيدفع الإنسان هذا التأثير للحوم الإبل عن بدنه بالوضوء، ولذلك أمر الإنسان فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء من الغضب.. إذا غضب، وأن الغضب يدفع الشيطان، وهذا الحديث وإن كان فيه مقال إلا أنه صححه بعض أهل العلم وله شواهد -أعني الوضوء عند الغضب- ورواه الترمذي وحسنه، فلعل هذه أقرب حكمة تلتمس لذلك.
الجواب: لحم الإبل عام فيشمل نيئه ومطبوخه وجميع أنواعه، والله تعالى أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر