أما بعد:
فعندنا بإذنه تعالى ثلاثة أحاديث عسى أن يفي الوقت بشرحها.
بالنسبة للحديث الأول وهو حديث طلق بن علي رضي الله عنه، فحديث طلق قال: ( قال رجل: يا رسول الله! مسست ذكري، أو قال: الرجل يمس ذكره أعليه الوضوء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، إنما هو بضعة منك )، والبضعة بفتح الباء: هي القطعة أو الجزء.
سبق في أول درس أن بينت اصطلاحات المؤلف، وبينت مقصوده بقوله: أخرجه الخمسة. فمن هم الخمسة؟
هم أصحاب السنن والإمام أحمد .
والحديث أخرجه هؤلاء وأخرجه غيرهم أيضاً من طرق عديدة، فإن للحديث أربع طرق، ولكن جميع هذه الطرق الأربع ضعيفة ضعفاً قريباً منجبراً، إنما مدار هذه الطرق الأربع على قيس بن طلق بن علي عن أبيه.
وقيس هذا فيه كلام، قال الشافعي: سألنا عنه فلم نجد أحداً يعرفنا به بحيث نأخذ بخبره.
وقال يحيى بن معين: أكثر الناس من الكلام فيه وفي رد خبره.
وقال أبو زرعة وأبو حاتم : لا يحتج بخبره ووهناه ولم يثبتاه.
وأقوى ما يمكن أن يصل إليه من درجات التعديل هي أنه صدوق، ومن المعروف كما سبق أن حديث الصدوق حسن، وهذا أعلى ما يمكن أن يصل إليه.
ولذلك صححه بعض أهل العلم فقال علي بن المديني : هو أحسن من حديث بسرة، ومن المعلوم أن هذه الكلمة لا تعني بالضرورة أنه صحيح، وإنما تعني تفضيله على الحديث الآخر، وصححه ابن حبان كما ذكر المصنف، وصححه الطحاوي قال: إسناده مستقيم غير مضطرب بخلاف حديث بسرة، هذا كلام الطحاوي، وكذلك صححه عمرو بن علي الفلاس وقال كقول ابن المديني فيه: إنه أحسن من حديث بسرة، وهم نقلوا هذا تصحيحاً له.
وضعفه آخرون من أهل العلم: فممن ضعف حديث طلق بن علي وروايته الإمام الشافعي كما سبق، بل ذكر بعضهم الاتفاق على أنه ضعيف، ولكن ابن عبد الهادي في المحرر رد قول من ادعى اتفاق أهل العلم على ضعف هذا الحديث، يعني: ابن عبد الهادي نقل قول من نقلوا الإجماع على تضعيفه ثم رد هذا القول.
وبذلك يعلم أن الحديث أقرب إلى الضعف، وممن نقل عنهم تضعيفه أيضاً الدارقطني في سننه، والبيهقي، وأبو زرعة وأبو حاتم .. وغيرهم، وعلته كما ذكرت قيس بن طلق فإن فيه مقالاً كثيراً.
حديث طلق بن علي هذا حجة لمن قالوا: بأن مس الذكر لا ينقض الوضوء؛ لأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ( أعليه الوضوء؟ قال: لا، إنما هو بضعة منك )، يعني: أن الذكر مثل أي جزء من أجزاء الجسد كاليد أو الرجل أو الفخذ أو الأنف.. أو غيرها، مسه لا ينقض الوضوء ولا يوجب الوضوء.
وصحح حديث بسرة جمع من أهل العلم:
قال الترمذي في جامعه : هذا حديث حسن صحيح، ثم نقل كلمة البخاري رحمه الله قال: هذا أصح شيء في هذا الباب، فكلمة البخاري التي ساقها المصنف رواها عنه الترمذي في جامعه، وكذلك ذكر أبو داود في مسائله عن الإمام أحمد قال: سألته فقلت له: حديث بسرة ليس بصحيح؟ فقال: بل هو صحيح.
وكذلك الإمام الشافعي صحح حديث بسرة وقال: إنها حدثت به في دار المهاجرين والأنصار -يعني: المدينة- وهم متوافرون فلم ينكر ذلك عليها أحد، ولما سمعه منها ابن عمر بدأ يتوضأ من مس الذكر إلى أن مات. هذا كلام الشافعي رحمه الله.
وكذلك صحح الحديث الإمام الإسماعيلي في صحيحه بعد أن ساقه ثم قال: يلزم البخاري أن يخرِّج هذا الحديث. وهو يعني: أن الحديث على شرط البخاري وأنه قد احتج بجميع رواته.
ومثل ذلك قال البيهقي فإنه صحح الحديث وقال: فقد احتج بجميع رواته. يعني: الشيخين، ثم ذكر: أن في إسناده مروان بن الحكم، وأن البخاري قد احتج به وبجميع الرواة, فهو على شرط البخاري بلا شك.
وذكر الحاكم أنه صحيح على شرط الشيخين، وصححه ابن خزيمة وابن حبان .. وغيرهم.
وكذلك صححه الحازمي في الاعتبار، وصححه من المتأخرين أحمد محمد شاكر والشيخ ناصر الدين الألباني .
فهذا الحديث صحيح ثابت، وإنما أعله من أعله: بأن في إسناده مروان بن الحكم، وهذا يجعلني أذكر لكم قصة في رواية هذا الحديث، فإن في قصة رواية هذا الحديث: أن عروة بن الزبير دخل على مروان بن الحكم -وكان أميراً على المدينة- فتذاكروا ما ينقض الوضوء، فقال مروان : مس الذكر ينقض الوضوء! فقال عروة : ما سمعت بهذا، أو ما سمعت هذا. قال مروان : حدثتني بسرة بنت صفوان : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من مس ذكره فليتوضأ )، فكأن عروة توقَّف في قبول هذا الخبر، فبعث مروان حرسياً -يعني: شرطياً- إلى بسرة فسألها، فرجع فقال: إنها أخبرتني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من مس ذكره فليتوضأ )، ثم ذهب إليها عروة بعد ذلك فسألها فصدقت مروان فيما روى عنها؛ ولذلك فالحديث يروى عن مروان عن بسرة، ويروى عن هذا الحرسي عن بسرة، ويروى عن عروة بن الزبير نفسه عن بسرة، وقد ورد بالوجهين: ورد عن مروان عن بسرة، وورد عن عروة ذاته عن بسرة، ورواية عروة صححها ابن خزيمة وابن حبان .. وغيرهما من أهل العلم، وهي رواية ثابتة، ولا تقدح فيها الرواية الأخرى، فإن من طعن في الحديث بأن فيه مروان بن الحكم يرد عليه بردود:
الأول: أن مروان إنما طُعن فيه بعد خروجه على ابن الزبير، ومن المعلوم أن رواية عروة عنه كانت قبل ذلك.
الوجه الثاني: أنه على فرض ضعف مروان ورد روايته، فإن الحديث ثابت من طريق عروة نفسه عن بسرة .
ولذلك فهو حديث صحيح لا مطعن فيه بوجه من الوجوه، وهو حجة لمن قال بأن مس الذكر ينقض الوضوء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من مس ذكره أن يتوضأ، ومن المعلوم أن الأمر للوجوب -كما سبق تقريره- إلا أن يصرفه عن ذلك صارف، فهو بظاهره يدل على وجوب الوضوء من مس الذكر.
هؤلاء من الصحابة يقولون: مس الذكر لا ينقض الوضوء، ووافقهم على ذلك أو تابعهم كثير من التابعين والأئمة، فذهب هؤلاء إلى أن المس لا ينقض الوضوء، وحجتهم في هذا حديث طلق رضي الله عنه، فإنه صريح في أن الذكر كغيره من أعضاء الإنسان لا يجب له الوضوء، وهذا القول هو إحدى الروايتين عن الإمام مالك، وهو مذهب أهل الرأي الحنفية.
واحتج هؤلاء بحديث بسرة وشواهده التي سوف تأتي الإشارة إليها.
وهذه الأقوال لكل قول منها ما يعضده، فأنت إذا تأملت كل قول منها وجدت له دليلاً، وإذا قرأت أقوال أهل العلم في ذلك فقد يقع لك كثير من التردد بين هذه الأقوال، لكن الذي يترجح حسب ما ظهر لي -على ضعف علمي وبضاعتي ومعرفتي- هو أن مس الذكر ينقض الوضوء، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، وأن الوضوء له واجب، وذلك أولاً لحديث بسرة ومضى فإنه أمر: ( من مس ذكره فليتوضأ )، والأصل فيه الوجوب.
منها: أولاً: أنه أقوى منه إسناداً، فقد سبق أن حديث طلق بن علي فيه قيد، وفيه مقال كثير، ومدار الحديث عليه، أما حديث بسرة فهو من رواية عروة عنها وإسناده لا مطعن فيه، حتى ذكر الإسماعيلي والبيهقي وغيرهما: أنه على شرط البخاري وكذلك الحافظ، وقد أكثر ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من ذكر طرقه، بل ذكر الدارقطني له في كتاب العلل طرقاً كثيرة بلغت نحواً من كراستين في كتاب العلل، فهو أقوى من حديث طلق من جهة الإسناد.
الوجه الثاني من أوجه الترجيح: أن لحديث بسرة شواهد كثيرة عن سبعة عشر صحابياً، وقد ذكر هذه الشواهد الإمام الزيلعي في نصب الراية، ثم الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير له شواهد كثيرة، منها: عن أم سلمة، وأم حبيبة، وعائشة، وقبيصة، وأروى بنت أنيس، وأبي هريرة، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر، ومعاوية بن حيدة .. وغيرهم، وتُنظر هذه الشواهد في المواضع السابقة، وعدد غير قليل من هذه الشواهد حكم العلماء بصحته، وكلها تدل على ما دل عليه حديث بسرة من أن مس الذكر يوجب الوضوء، فهذا مرجح آخر لحديث بسرة .
المرجح الثالث: ما ذكره الإمام الشافعي فيما نقله الحازمي وغيره: من أن بسرة حدثت بهذا الحديث في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون، فلم ينكر ذلك عليها أحد؛ ولهذا لما سمع هذا الحديث منها عروة بن الزبير صار يقول: بأن مس الذكر ينقض الوضوء كما لاحظتم، فقد ذكرته ضمن القائلين بأن مس الذكر ينقض الوضوء، مع أنه أنكر على مروان أول الأمر قوله: أن المس ينقض الوضوء، وقال: ما علمت ذلك، وكذلك عبد الله بن عمر لما سمع هذا الحديث من بسرة فيما ذكره الشافعي قال بالوضوء من مس الذكر، وكان يتوضأ منه حتى مات رضي الله عنه وأرضاه.
الوجه الأول منها: ما يمكن أن نسميه بالوجه النقلي: فقد نقل بعض أهل العلم أن وفادة طلق بن علي على النبي صلى الله عليه وسلم كانت في أول الهجرة وهم يبنون المسجد، وأنه شاركهم في بناء المسجد، وقد نقل هذا ابن حبان في صحيحه واعتمده، ونقله ابن سعد كما في الطبقات وغيرهما، وذكروا من طريق محمد بن جابر عن قيس عن طلق : أنه جاء واشتغل معهم وأخذ المسحاة وبدأ يصلح الطين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليه في ذلك، وكان هذا عند بناء المسجد، في حين أن الأحاديث التي فيها أن مس الذكر يوجب الوضوء، منها حديث عن أبي هريرة ولعله من الأحاديث التي ما ذكرتها من شواهد حديث بسرة عن أبي هريرة، وأبو هريرة إنما أسلم في السنة السابعة من الهجرة، وبناء على ذلك يمكن أن يقال بأن إيجاب الوضوء من مس الذكر متأخر، هذا وجه النقل، يعني: العلماء يقولون: لابد في القول بالنسخ من معرفة المتأخر، فهذا التماس يحاول به القائلون بالنسخ معرفة المتقدم من المتأخر من هذين الحديثين.
وإنما لم أجزم بهذا الوجه جزماً؛ لأن قدوم طلق بن علي على النبي صلى الله عليه وسلم كان في السنة الأولى من الهجرة فيه بعض النظر، وإسناده ليس بذاك القائم، ولكن مثل هذه الأشياء لا أظن أنها تحتاج إلى أسانيد قوية كروايات السيرة، لكن إذا أردت أن تثبت بها تقدم حديث أو تأخره فلابد من التثبت حينئذ.
ولكن هذا الوجه قد يعتضد بالوجه الثاني الدال على النسخ وهو الوجه العقلي: فإنك لو نظرت من حيث النظر إلى حديث طلق وحديث بسرة لوجدت أحد الحديثين ناقلاً عن الأصل والآخر مبقياً عليه، وهذا كلام أصولي ينبغي أن يفهم، هل فهمتم ما معنى: كون أحد الحديثين ناقلاً عن الأصل والآخر مبقياً عليه؟ ما معنى ذلك؟
الأصل هو أن مس الذكر يوجب الوضوء؛ لأنه كما سبق في الدرس الماضي لا يقال بأن شيئاً ينقض الوضوء إلا بدليل، فالأصل أن مس الذكر كمس الأنف، أو كمس العضد، أو كمس الفخذ، أو كمس الرجل، الأصل أن هذه الأشياء كلها لا تنقض الوضوء، فأحد الحديثين موافق لهذا الأصل ومبق عليه وهو حديث طلق، فإنه قال: ( لا، إنما هو بضعة منك )، يعني: كيدك أو رجلك أو أنفك لا يجب منه الوضوء، والحديث الآخر ناقل عن الأصل، يعني: أتى بحكم جديد خلاف الحكم الذي هو الأصل وهو حديث بسرة، فإنه دل على حكم جديد وهو: أن من مس ذكره فعليه الوضوء.
وإذا كان عندك حديثان أو نصان أحدهما ناقل عن الأصل والآخر مبق على الأصل فأيهما يقدم؟
يقدم الناقل عن الأصل؛ لأن فيه زيادة علم، ومما يؤكد قوة هذا الوجه: أن النبي صلى الله عليه وسلم علل بقوله: (إنما هو بضعة منك)، فهل ترونه يناسب أن يكون مس الذكر في الأصل غير ناقض للوضوء كما هو الأصل، ثم يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث بسرة : ( من مس ذكره فليتوضأ )، ثم يأتيه بعد فترة رجل فيقول: (يا رسول الله مسست ذكري فهل علي وضوء؟ فيقول: لا إنما هو بضعة منك )، هل يناسب هذا؟ هذا بعيد، بعيد جداً، بل الأمر المناسب أن يكون الأصل عدم النقض، فسأل رجل الرسول صلى الله عليه وسلم عن مس الذكر أفيه الوضوء، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بحسب الأصل: أنه لا وضوء عليه؛ لأن الأصل عدم الوضوء من مس أي جزء من أجزاء بدن الإنسان، ثم تجدد في ذلك حكم وهو الوضوء من مس الذكر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به حتى نقله عنه جمع غفير من أصحابه سبق ذكر بعضهم، فيكون حديث بسرة ناقلاً عن الأصل، دالاً على نفس الحديث الأول المبقي على الأصل المعلل بكونه بضعة من الإنسان، وهذا الوجه من أوجه النسخ ذكره الإمام ابن حزم في إحكام الأحكام، ورجحه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي، وغيرهم من أهل العلم، وهو في ظني وجه قوي يؤكد العمل بحديث بسرة رضي الله عنها.
وبناء على ذلك ذكرت أن الذي يترجَّح والله تعالى أعلم بالصواب هو الوضوء من مس الذكر مطلقاً بشهوة أو بغير شهوة.
هذا الحكم عام للرجل والمرأة، فمن مس فرجه وجب عليه الوضوء، إذا مس الرجل فرجه فعليه الوضوء، وإذا مست المرأة فرجها فعليها الوضوء؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ )، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وصححه البخاري .
والحديث الآخر عن أم حبيبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من مس فرجه فليتوضأ )، وهذا الحديث رواه ابن ماجه، وصححه أحمد وأبو حاتم، وقال ابن السكن : لا أعلم له علة.
فالحكم عام في الرجل والمرأة: من مس فرجه فعليه الوضوء، ومن باب الأولى من مس فرج غيره؛ لأنه إضافة إلى وقوعه في مس الفرج أو الذكر فإنه إن كان أجنبياً وقع في محرم، وإن كان غير ذلك فهذا مظنة كبيرة لثوران الشهوة وخروج المذي من الإنسان، فهو من باب الأولى، بخلاف مس ذكر الإنسان فليس مظنة حصول الشهوة ولا خروج شيء منه إلا أن يعالجه، ونحن حين نقول المس فإنه يطلق على اللمس بمجرده.
ولأصحاب هذا القول القائلين بالوضوء من مس الذكر اختلافات كثيرة وتفاصيل لم أر الدخول فيها، فبعضهم يقول مثلاً: إنه لابد أن يمسه بباطن الكف، فلو مسه بظاهره لم ينتقض، وبعضهم يقول: إذا مسه بكفه ظاهراً أو باطناً انتقض، وبعضهم يقول: ينتقض حتى لو مسه بذراعه، وبعضهم يفرقون بين ما إذا مسه عمداً أو خطأ، ولكن الظاهر أن مسه بالكف باطناً أو ظاهراً عمداً أو خطأ ينقض الوضوء، هذا الظاهر من هذا الحديث والله أعلم، نعم.
بقي أن أقول: فيما يتعلق بالقولين الآخرين؛ قول التفصيل فيما إذا مسه بشهوة أو بغير شهوة، فهذا القول لا أدري ما هو الدليل الذي يُعتمد عليه فيه، خاصة وأن مس الإنسان ذكر نفسه مجرد اللمس لا يكون بشهوة غالباً، وليس مدعاة لثوران الشهوة في ما يظهر لي، وقوله عليه السلام: ( إنما هو بضعة منك ) لا يمكن أن يؤخذ منه كما أخذ منه بعضهم الإيماء إلى أن مسه بشهوة ينقض الوضوء؛ لأنه قال قبل ذلك: لا، يعني: لا وضوء على من مس ذكره، ثم علل عدم إيجاب الوضوء بقوله: ( إنما هو بضعة منك )، وهو بضعة من الإنسان في كل حال سواء مسه بشهوة أو بغير شهوة.
وكذلك القول بالاستحباب وإن كان أقوى من هذا إلا أن فيه أن الإنسان لو مس يده أو رجله أو وجهه هل نقول بأنه يستحب له الوضوء؟ لا، فإذا كان القول بالاستحباب أخذاً بحديث طلق فحديث طلق قال: ( إنما هو بضعة منك ) يعني: كيدك أو رجلك أو أنفك.. أو غير ذلك، ومن المتفق عليه أن مس اليد أو الرجل أو الأنف لا يستحب الوضوء له، فيشكل هذا على القائلين بالاستحباب فحسب، وإن كان -كما ذكرت- أقوى من القول الآخر.
الحديث أخرجه ابن ماجه كما ذكر المصنف، وضعفه الإمام أحمد وغيره.
وإنما ضعفوه؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف في حديثه عن الحجازيين، إسماعيل حديثه عن الشاميين ثابت ومقبول، أما حديثه عن الحجازيين فهو ضعيف، وهذا من روايته عن الحجازيين فإنه رواه عن ابن جريج ؛ ولذلك صحح أهل العلم كالإمام أحمد والذهلي وأبي حاتم والدارقطني والبيهقي .. وغيرهم أن الصواب أن هذا الحديث مرسل، كيف مرسل؟ أنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه ذكر عائشة، فالصواب: أن الحديث مرسل وأن ذكر عائشة في هذا الحديث خطأ، فالصواب المرسل كما صوَّبه من ذكرت وغيرهم من أهل العلم.
هذا الحديث على ضعفه فيه مسائل:
الجواب باختصار شديد نقول: ينقض الوضوء، وسبق تفصيل هذه المسألة.
في هذه المسألة أقوال أشهرها قولان:
القول الأول: أنه لا ينقض، أن خروج الدم من غير القبل أو الدبر لا ينقض، وهذا مذهب أهل الحجاز، والحسن البصري، ومحمد بن علي الباقر، وعطاء، وفقهاء أهل المدينة السبعة، وهو قول مالك والشافعي، ونقل عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم: كـابن عمر، فقد ورد عنه هذا بسند صحيح وغيره.
ومن أدلة القائلين بعدم نقض الدم: عدم وجود دليل صحيح على ذلك، وأن الصحابة كانوا يصلون في جراحاتهم كما قال الحسن: (لم يزل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلون في جراحاتهم).
(وأن عمر صلى وجرحه يثعب دماً) كما في الموطأ .
و(قصة عباد بن بشر الذي جاءه رجل فطعنه وهو يصلي فسال الدم منه)، وقد رواها البخاري عن جابر تعليقاً، ورواها أبو داود وأحمد .. وغيرهم.
فهذه الأحاديث كلها تدل على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء قل أو كثر، وإن قال قائل: إن فيما سبق من الأدلة أنه دم مستمر فحكمه حكم السلس مثلاً، فنقول: لم ينقل عن هؤلاء أنهم كانوا يتوضئون ولا لكل صلاة أيضاً، مطلقاً لم ينقل عنهم أنهم كانوا يتوضئون من الدم.
القول الثاني وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد: أن الدم ينقض الوضوء، وقيدوه: بما إذا سال أو فحش، ودليلهم حديث الباب وهو ضعيف فلا يستدل به.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن القيء والقلس ينقض الوضوء لهذا الحديث، وهو مذهب الإمام أحمد .
وذهب آخرون إلى أنه غير ناقض، وهو مذهب الإمام الشافعي ومالك ؛ وذلك لعدم ثبوت دليل صحيح على أنه ناقض، والأصل عدم النقض كما سبق.
هذه أهم المسائل المتعلقة بالأحاديث الثلاثة.
الجواب: ليس على سبيل القياس، وإنما على سبيل الدخول في عموم قوله: ( من مس فرجه ) كما في حديث أم حبيبة وعبد الله بن عمرو بن العاص. نعم يا أخي.
الجواب: أما إن مسه من وراء حائل فلا ينقض إجماعاً، وقد ورد في هذا حديث عن أبي هريرة : ( إذا أفضى أحدكم إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء )، ولكن هذا الحديث فيه مقال، ولكن متفق على أن المس من وراء حائل لا ينقض الوضوء.
مس ذكر الطفل فيه اختلاف، وقد ورد فيه حديث ضعيف: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الرواية- قَبَّل ذكر
وقد قرأت فتوى لكبار العلماء في إيجاب الوضوء على من مس ذكر الصبي.
ولا شك أن من يقولون بأنه لا يجب وإنما يستحب أو لشهوة لا يجب عندهم الوضوء لمس ذكر الصبي، كما إذا كانت أمه تغسله مثلاً أو ما أشبه ذلك.
الجواب: الممسوس ذكره لا يجب عليه الوضوء بذلك، إنما الوضوء على الماس.
الجواب: لا ينقض الوضوء إلا مسه بالكف.
والظاهر أن الراجح في الحالين أنه لا ينقض، ولكن يستحب الوضوء منه. أسأل الله أن يعلمني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر