إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
في هذه الحلقة وما بعدها نبدأ بباب جديد وهو: باب نواقض الوضوء، بعد أن انتهينا في الأسبوع الماضي من أحاديث المسح على الخفين.
بسم الله الرحمن الرحيم.
يقول المصنف رحمه الله: باب نواقض الوضوء.
النواقض: جمع ناقض، وهو ما يبطل وضوء الإنسان من الأحداث.
ثم بدأ المصنف رحمه الله بحديث أنس هذا: ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهده ينتظرون العشاء حتى تخفق رءوسهم، ثم يصلون ولا يتوضئون ).
والحديث رواه أيضاً الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه باب ما جاء في الوضوء من النوم، وقال الترمذي عقبه: هذا حديث حسن صحيح، وذكر عن ابن المبارك أنه سئل عنه، فقال: هذا عندنا وهم قعود.
ورواه أيضاً الدارقطني في سننه بألفاظ مختلفة متنوعة وكلها صحيحة، منها اللفظ الذي ساقه المصنف، وقد قال الدارقطني عقبه: صحيح، وفي بعض ألفاظ الدارقطني أنه قال: ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة، حتى يسمع لأحدهم غطيط ثم يصلون ولا يتوضئون ) وقال أيضاً عقبه: صحيح. وهذا اللفظ رواه أيضاً الترمذي والبيهقي وغيرهما، أعني قوله: (يوقظون للصلاة حتى يسمع لأحدهم غطيط ثم يصلون ولا يتوضئون).
ورواه أيضاً البزار في مسنده، والبيهقي في سننه، وأبو داود في مسائله للإمام أحمد والخلال وغيرهم بزيادة: (حتى يضعون جنوبهم)، وهذه الزيادة قال عنها الحافظ ابن حجر في الفتح : بإسناد صحيح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح. وقال الألباني : سنده صحيح. وهي زيادة: (حتى يضعون جنوبهم).
والمؤلف رحمه الله قال: وأصله في مسلم، يعني: أصل الحديث، ورأيت المعلق على هذه الطبعة وهو الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله علق على قول المصنف: وأصله في مسلم، بقوله: لفظه في مسلم : ( أقيمت صلاة العشاء، فقال رجل: لي حاجة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه حتى نام القوم أو بعض القوم ثم صلوا )، وكأنه فهم أن المصنف يشير إلى هذا، والظاهر أن هذا حديث آخر غير حديث الباب، بل إن مسلماً روى الحديث نفسه بلفظ: ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون )، هذا أصل الحديث في مسلم : ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون )، وهو في كتاب الطهارة، باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء، هكذا بوب عليه النووي رحمه الله: باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء.
أما الحديث الذي أشار إليه المعلق رحمه الله فهو حديث آخر تأتي الإشارة إليه بعد قليل إن شاء الله. فهذه ألفاظ مختلفة للحديث، وأشير أيضاً إلى لفظ ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، ونسبه للإمام محمد بن نصر المروزي في قيام الليل بإسناد صحيح، وفيه: (فينعسون)، ( كانوا ينتظرون العشاء فينعِسون أو فينعَسون )، وذلك لأن هذا اللفظ له فائدة في فهم الحديث كما هو ظاهر، وبذلك يتبين أن الحديث رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والبيهقي، والبزار، والدارقطني وغيرهم.
ولا أدري ما السبب في قول المصنف: وأصله في مسلم ؛ لأنه رحمه الله ذكره في الفتح وقال: رواه مسلم وأبو داود، ومن عادته كما مر معنا في أكثر من موضع في هذه الدروس أنه لا يلتزم في العزو باللفظ، بل قد يعزو الحديث إلى مواضع هو فيها بالمعنى، وأنتم ترون الآن أن رواية مسلم التي سقتها قبل قليل ليست تختلف كثيراً عن رواية أبي داود التي ساقها المصنف، سوى أنه لم يقل: (على عهده صلى الله عليه وسلم)، ولم يقل: (ينتظرون العشاء)، ولكن الشاهد موجود فيها، وهو أنهم كانوا ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون، فهي رواية الباب نفسها لكنها مختصرة.
واحتجوا أولاً: بهذا الحديث وألفاظه التي سقتها، والتي هي صريحة في أن الحديث لا يمكن حمله على نوم الجالس؛ لأن فيها (يضعون جنوبهم)، ولا على النعاس؛ لأن فيها قوله: (ثم يوقظون للصلاة) و(يسمع لأحدهم غطيط)، وهذا لا يكون ممن أصابه نعاس خفيف.
ومن أدلة أصحاب هذا القول: ما رواه الشيخان في صحيحيهما عن أنس رضي الله عنه قال: ( أقيمت الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نجي لرجل -يعني يناجيه ويخاطبه سراً بينه وبينه- حتى نام الناس، ثم صلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم )، والحديث رواه أبو داود أيضاً وزاد: ( ولم يذكر وضوءاً )، وهو الحديث الذي أشار إليه المعلق قبل قليل، فإن في بعض ألفاظ مسلم قال: ( أقيمت الصلاة، فقال رجل: يا رسول الله! لي إليك حاجة، فجاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم وظل يناجيه حتى نام القوم، ثم جاء وصلى بهم عليه الصلاة والسلام )، فهذا من أدلتهم على أن النوم لا ينقض الوضوء.
ومن أدلتهم أيضاً: حديث ابن عباس في مسلم في قصة صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه قول ابن عباس رضي الله عنه: ( فإذا أغفيت أخذ رسول الله صلى اله عليه وسلم بشحمة أذني )، يعني: يوقظه عليه الصلاة والسلام.
ومن أدلتهم أيضاً: حديث ابن عباس في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نام -يعني بعد قيام الليل- قال
وحجة أصحاب هذا القول -وهم الجمهور- أولاً: ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الوضوء على من استحق النوم ) يعني: من نام نوماً كثيراً يستحق معه أن يوصف بأنه نائم، وأن يسمى فعله نوماً. وهذا الحديث رواه البيهقي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا يصح. وقد روي موقوفاً على أبي هريرة وإسناده صحيح، فرجح البيهقي رحمه الله الرواية الموقوفة على أبي هريرة على المرفوعة، وكذلك الدارقطني في كتاب العلل قال: الموقوف أصح، فتبين بذلك أنه لا يحتج به باعتباره مرفوعاً، بل غاية ما فيه الدلالة على رأي أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه.
ومن أدلة أصحاب هذا القول: حديث علي ومعاوية رضي الله عنهما: ( العينان وكاء السَّه )، زاد في بعض ألفاظ الحديث: ( فمن نام فليتوضأ )، وهذا يصلح دليلاً لهم؛ لأن الحديث يدل على أن النوم ليس بحدث في نفسه، يعني انتبهوا لطريقة استدلالهم بهذين الحديثين.
1- حديث معاوية رضي الله عنه لفظه: ( العينان وكاء السَّه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء )، وجاءت زيادة في الحديث: ( فمن نام فليتوضأ ) كما سيأتي.
2- وحديث علي لفظه: ( العين وكاء السَّه، فمن نام فليتوضأ ).
فكيف استدل الجمهور بهذين الحديثين على التفريق بين قليل النوم وكثيره؟
استدلوا على ذلك بأن الحديثين يدلان على أن النوم ليس بحدث في نفسه، ولكنه مظنة الحدث، وإنما يكون النوم مظنة الحدث إذا كثر واستغرق الإنسان في النوم، حتى إنه قد يحدث ولا يشعر، هذا وجه الاستدلال بالحديث.
وقد استدل به غيرهم أيضاً، استدل به أصحاب القول الثاني القائلين بالنقض مطلقاً كما أشرت إلى ذلك.
المهم هذا وجه استدلال الجمهور بهذين الحديثين: أنهما يدلان على أن النوم ليس بحدث في نفسه.
ومن أدلة الجمهور أيضاً أو من أسباب ذهابهم إلى ذلك: الجمع بين الأحاديث؛ لأن في حديث صفوان ما يدل على أن النوم ناقض مطلقاً: (ولكن من غائط وبول ونوم)، وفي الأحاديث الأخرى التي سبقت ما يدل بظاهره على أن النوم لا ينقض مطلقاً، فقالوا: يجمع بين هذه الأحاديث وتلك بحمل كل طائفة من الأحاديث على حال، فتحمل الأحاديث الدالة على النقض مطلقاً على كثير النوم، وتحمل الأحاديث الدالة على عدم النقض مطلقاً على قليل النوم.
واستدل بعضهم أيضاً بما ورد في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا نام أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإنه لا يدري لعله أن يقوم يدعو فيسب نفسه )، يعني: أن الإنسان إذا نام وهو يصلي، قد يريد أن يدعو لنفسه فيدعو عليها، فربما وافقت ساعة من ساعات الإجابة كما ذكر بعضهم.
وعلى أي حال: فإن المقصود من الصلاة حضور القلب والخشوع والمناجاة، وهذا يتنافى مع كون الإنسان نائماً، بحيث قد يسب نفسه، وقد يدعو عليها، وقد يغلط في تمجيد الله تعالى والثناء عليه وما أشبه ذلك، ولذلك بوب البخاري رحمه الله على هذا الحديث: باب من لم ير الوضوء من الخفقة والخفقتين.
وقوله: (فليرقد) أخذ منه أصحاب القول الخامس إشارة إلى أن نوم الراكع والساجد -وقال بعضهم: المصلي مطلقاً على أي هيئة كان- لا ينقض الوضوء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقطع الصلاة، والظاهر من الحديث أنه مأمور بأن يتم الصلاة خفيفة، ثم ينام حتى يذهب عنه النوم، ثم يعود إلى الصلاة بعد ذلك.
وقال بعضهم: لا، بل المقصود أن يقطع الصلاة وينام، لكن الأقوى أن المقصود أن يتم صلاته خفيفة ثم ينام بعد ذلك.
ومما يؤيد ذلك إضافة إلى ما سبق ما ورد ( عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان ينام حتى يسمع له غطيط ثم يؤذن للصلاة فيصلي ولا يتوضأ )، و( كان صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه )، كما في حديث عائشة رضي الله عنها.
ومن المعلوم أن النوم لو كان حدثاً في نفسه كغيره من الأحداث كالبول والغائط لما كان هناك فرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره، وهذا مأخذ أشار إليه شيخ الإسلام في الفتاوى وهو مأخذ لطيف: أن النوم لو كان حدثاً في نفسه لم يكن ثمة فرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره من الناس، فلما وجد الفرق في ظاهر الحديث وعلل بأنه صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه، وأنه كان محفوظاً -كما في حديث ابن عباس - دل على أن النوم يخشى أن يكون سبباً في حصول الحدث من الإنسان وهو لا يشعر، ولذلك لم يكن ناقضاً بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث.
وإذا كان النوم مظنة حصول الحدث وليس حدثاً في نفسه، فيتجه حينئذ القول بأن الراجح: أن من نام نوماً مستغرقاً، زال معه شعوره ولم يبق معه إدراك، حتى إنه لا يشعر بما حوله، وقد يرى الرؤيا في منامه طالت أو قصرت، وبصفة عامة قد يحدث وهو لا يشعر؛ فإنه حينئذ ينتقض وضوءه، ويحمل حديث صفوان بن عسال وما أشبهه على هذه الصفة: أن من نام نوماً مستغرقاً زال معه شعوره ولم يبق معه إدراك، حتى إنه قد يحصل منه الحدث وهو لا يشعر، فإنه ينتقض وضوءه بهذا النوم، ومن كان نومه دون ذلك، بحيث إنه قد يسمع الكلام الذي حوله وإن لم يفهمه، ويشعر بما حوله ولو خرج منه الحدث لشعر به، فإنه حينئذ لا ينتقض وضوءه، سواء كان قائماً أو قاعداً أو متكئاً أو مضطجعاً في الصلاة أو في خارجها.
وهذا القول هو قريب جداً من قول الجمهور، وإن كان فيه بعض التفصيل، وهو رأي كثير من المحققين، ومال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية فيما إذا غلب على ظن النائم أنه لم يحدث، يعني: هذا الإنسان الذي حصل له النوم لو سألته: هل غلب على ظنك أنه حصل منك حدث أو لا؟ فإن قال: يغلب على ظني أنه لم يحصل حدث، فحينئذ اليقين الحاصل بكونه توضأ لا يزول بالشك أو الاحتمال المرجوح أنه يحتمل أنه حصل منه شيء أثناء النوم.
هذا هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكذلك كلام الحافظ ابن حجر في مواضع من الفتح مشعر بتقوية هذا القول، وإليه ذهب سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز في تعليقاته على فتح الباري، فجعل القضية مقيدة بزوال الشعور، فمن زال شعوره في نومه واستغرق انتقض وضوءه على أي حال كان، ومن لم يزل شعوره فإنه لا ينتقض وضوءه، وبهذا تجتمع الأدلة السابقة جميعها.
وهذا القول كما ذكرت يقرب أن يكون قريباً من قول الجمهور الذين يفرقون بين القليل والكثير؛ لأن القلة والكثرة -والله أعلم- ليس فقط في الوقت، فالإنسان قد يجلس أحياناً ساعة أو ساعتين ممكناً لمقعدته من الأرض ويصيبه النعاس فيستيقظ لأنه مطالب بألا ينام، كما هي حال بعض الحراس ورجال الشرط وغيرهم، وقد يجلس وقتاً طويلاً على هذا الأمر لم يضطجع بل هو قاعد يصيبه نعاس طويل، وهو يشعر بما حوله شعوراً ظاهراً، فليس المعتبر فقط هو الوقت، بل المعتبر مع الوقت استغراق النوم بحيث ينام نوماً طويلاً مستغرقاً.
أما النعاس والوسن والإغفاء الخفيف فقد ينازع في تسميته نوماً بالإطلاق، فيكون هذا القول الذي رجحته إن لم يكن هو قول الجمهور فهو قريب جداً منه، بل إنني أرى أنه يدخل في قول الجمهور.
هذه أهم الأقوال في مسألة النوم، وهل ينقض الوضوء أم لا ينقضه، وهذا هو الأقوى منها فيما يظهر والله تعالى أعلم بالصواب.
إذا كان مستغرقاً في النوم على أي صفة كان، حتى ولو كان قاعداً انتقض وضوءه، ومن الأمثلة على ذلك: لو أن إنساناً أصيب بتعب شديد وجلس أياماً لا ينام، ثم قعد، قد ينام وهو قاعد ويستغرق في النوم وقد يبقى ليلة كاملة نائماً وهو قاعد، فهذا نومه ينقض الوضوء ولو كان قاعداً، وقل مثل ذلك فيما لو كان ساجداً مثلاً أو مضطجعاً من باب الأولى، فالقضية معلقة بالاستغراق، من زال شعوره أثناء النوم واستغرق فيه ولم يشعر بما حوله انتقض وضوءه على أي صفة كان، ومن لم يزل شعوره ولم يستغرق بل شعر بما حوله لم ينتقض وضوءه على أي صفة كان أيضاً.
بعضهم يمشون وهم نائمون، لأن هناك فرقاً بين الثنتين، يمشون وهم نائمون هذا لا شك أنه نوم ناقض للوضوء؛ لأن بعض الناس ينام على جنبه، لكن أثناء النوم تعرض له أحوال تجعله يفزع من نومه فيقوم واقفاً ويمشي، وقد يخرج ويسير في الشوارع، وقد يطرق الأبواب وهو في كل ذلك نائم لا يشعر، فهذا لاشك في أن نومه ناقض للوضوء.
و السَّه اسم للدبر، فالحديث شبه ما يكون في جوف الإنسان، بالذي يكون في القربة أو نحوها مشدوداً مربوطاً، فإذا نام الإنسان فكأن هذا الوكاء استطلق أو انطلق فخرج ما في داخل القربة، وكذلك خرج ما في جوف الإنسان من الريح وحصل منه الحدث، وهذا دليل كما ذكرت سابقاً على أن النوم مظنة حصول الحدث.
وقد رواه أيضاً الدارقطني في سننه، وفي الحديث علتان:
الأولى: أن فيه الوليد بن مسلم، والوليد بن مسلم ثقة يدلس ويسوي، أو ثقة كثير التدليس والتسوية، وقد نظرت في إسناد الإمام أحمد ونظرت في إسناد الدارقطني فوجدت فيه الوليد بن مسلم، أما بعض المصنفين كـابن حجر في التلخيص وابن حزم في المحلى وتبعاً لـابن حجر الشوكاني في نيل الأوطار فقد أعلوا الحديث بـبقية بن الوليد، قالوا: في إسناده بقية بن الوليد، والحقيقة أنني لا أدرى في أي إسناد جاء بقية، هل هو في إسناد الطبراني مثلاً أو غيره؟ الله أعلم، لكن الذي وقفت عليه في بعض أسانيد الحديث هو الوليد بن مسلم، وهو كـبقية بن الوليد كثير التدليس والتسوية.
العلة الثانية في الحديث: أن الوليد بن مسلم يروي الحديث عن أبي بكر بن أبي مريم وهو ضعيف، سرق بيته فاختلط، يعني: هو ضعيف مختلط، ولذلك ضعف أهل العلم حديث معاوية، فممن ضعفه أبو حاتم كما سيأتي والمصنف ابن حجر كما سيأتي أيضاً وغيرهم، بل أكثر أهل العلم على تضعيفه. هذا حديث معاوية.
المهم أن أبا داود عرض هذا الحديث على الإمام أحمد، قال: فانتهرني استعظاماً له وقال: ما لـيزيد يدخل على أصحاب قتادة، ولم يعبأ بهذا الحديث.
وممن ضعف الحديث أيضاً البخاري كما نقله عنه الترمذي في علله المفردة، وممن ضعفه الترمذي نفسه أيضاً، بل ذكر البيهقي في سننه إجماع الحفاظ على تضعيفه وتعليله، وكذلك ضعفه إبراهيم الحربي في علله.
والحديث -لو صح- دليل على التفريق بين نوم القاعد ونوم المضطجع، ولكنه لا يثبت ولا يصح، وبذلك لا تثبت دلالته على هذا.
هذه الأحاديث الأربعة المتعلقة بموضوع النوم، وهل ينقض الوضوء؟ وأرجو أن يكون ظهر من خلال هذا السياق القول الراجح في هذه المسألة بأدلته، والله تعالى أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر