إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. سلمان العودة
  5. شرح بلوغ المرام
  6. شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62

شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 57-62للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من واجبات الوضوء المضمضة والاستنشاق، وقد جاءت الأحاديث بالكيفية الصحيحة للمضمضة والاستنشاق من حيث عدد الغرفات والفصل بين المضمضة والاستنشاق، كما جاءت الأحاديث لتدل على الموالاة في الوضوء والأمر بإعادة وضوء من لم يوال في الوضوء، وإحسان الوضوء كما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    شرح حديث: (رأيت رسول الله يفصل بين المضمضة والاستنشاق)

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله،ـ والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    في هذه الليلة نأخذ إن شاء الله تعالى ما تبقى من الأحاديث التي ساقها المصنف في باب الوضوء, وهي ستة أحاديث, ومعظم هذه الأحاديث قد سبق ذكرها استشهاداً لبعض المسائل أو لبعض الأحاديث.

    الحديث الأول: هو حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق).

    هذا الحديث قصد المؤلف -رحمه الله- من إيراده أن يبين أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على الفصل بين المضمضة والاستنشاق، والفصل بين المضمضة والاستنشاق ما هو؟ كيف يكون؟ كيف يكون الفصل بين المضمضة والاستنشاق؟

    يأخذ كفاً فيتمضمض به, ثم يأخذ كفاً آخر فيستنشق ويستنثر به, مرة أو مرتين أو ثلاثاً, بحيث أقصى ما يتصور أن يأخذ ست غرفات, يتمضمض بثلاث، ويستنشق بثلاث أخر. فساق من أجل ذلك حديث طلحة بن مصرف هذا. ‏

    تخريج الحديث وكلام أهل العلم فيه

    الحديث رواه أبو داود في كتاب الوضوء, باب الفرق بين المضمضة والاستنشاق, ومعنى الفرق يعني: الفصل بين المضمضة والاستنشاق, ورواه الطبراني أيضاً عن طلحة عن أبيه عن جده كعب بن عمرو اليامي، يعني: الطبراني سمى جد طلحة، وهو غير مسمى في رواية أبي داود , الطبراني سماه كعب بن عمرو اليامي، فقال: عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كعب بن عمرو اليامي , وفي بعض الكتب اليمامي، وفرق بينهما، فـاليمامي نسبة إلى اليمامة، وهو موضع معروف، أما اليامي فهو نسبة إلى قبيلة, ولعله هو الصواب اليامي , فهو الموجود في كتب التراجم, عن كعب بن عمرو اليامي .

    هذه نسبة أخرى الهمداني .

    وفي رواية الطبراني التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق من كف واحد، فهو صريح في المقصود, وأنه أخذ كفاً واحدة فتمضمض منها واستنشق، ولذلك قال ابن حجر عقب سياق رواية الطبراني: وهو أصرح في بيان المقصود، وهو ضعيف كما سيأتي.

    وفي حديث طلحة هذا عدة علل, جعلت العلماء يحكمون عليه بالضعف:

    العلة الأولى: أن في إسناده ليث بن أبي سليم عند أبي داود والطبراني , ليث بن أبي سليم هذا ضعيف, قال فيه ابن حبان في كتاب المجروحين: إنه اختلط، فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم, ولذلك - والكلام لا يزال لـابن حبان - تركه أحمد وابن معين وابن مهدي وابن المديني.

    وقال النووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات: اتفق الحفاظ على تضعيفه, يعني: اتفق العلماء على تضعيفه، يعني: تضعيف ليث بن أبي سليم . ولذلك قال أيضاً في المجموع عقب سياق الحديث: حديث طلحة ليس بالقوي, فلا يحتج به.

    وأعتقد والله أعلم أن كلام الإمام النووي، ومن قبله كلام ابن حبان فيه شدة على ليث بن أبي سليم , فإن كلام العلماء فيه، وإن كان أكثرهم على تضعيفه، إلا أنه معدود في العلماء الكبار، بل قال فيه ابن معين في إحدى الروايات: لا بأس به، وقد قال ابن معين لما سئل عن قوله: لا بأس به؟ قال: إذا قلت: لا بأس به فهو ثقة.

    وبهذا أيضاً تعلم ما في قول النووي : اتفق العلماء على تضعيفه من النظر، وكذلك قول النووي في المجموع عن الحديث: إنه ليس بقوي، لا يتناسب مع قوله عن ليث اتفق الحفاظ على تضعيفه. فكان الأجود والله تعالى أعلم أن يقول: حديث طلحة ضعيف؛ لأن فيه فلاناً اتفق العلماء على تضعيفه. هذه هي العلة الأولى في الحديث، وجود ليث بن أبي سليم في إسناده.

    العلة الثانية: هي الجهالة في إسناد الحديث أيضاً. ولذلك نقل أبو داود عن الإمام أحمد أنه ذكر عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن هذا الحديث فقال: أيش هذا؟ هذا الكلام لـسفيان بن عيينة يقول: أيش هذا؟ يعني: أي شيء هذا؟ طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده؟ كأنه يستنكر هذا الإسناد، وذلك لوجود الجهالة فيه.

    والجهالة في طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده تحتمل أمرين:

    الأمر الأول: أن يكون الإسناد هكذا طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده, وهذا هو المشهور عند المصنفين، فـطلحة بن مصرف هذا ثقة, يبقى أبوه مصرف بن عمرو لا يدرى من هو, فهو مجهول، فيكون والد طلحة مجهولاً.

    ولذلك قال ابن القطان : علة هذا الحديث عندي هي جهالة مصرف بن عمرو والد طلحة , أما جده فهو كعب بن عمرو أو عمرو بن كعب، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم كما عند ابن سعد , وكما في هذا الحديث.

    هذا الاحتمال الأول: أن يكون طلحة بن مصرف, فيكون والده مصرف بن عمرو, وهو مجهول.

    الاحتمال الثاني: وقد ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب : أن يكون طلحة هذا لا يدرى من هو، ليس ابن مصرف , وبناء عليه يكون طلحة مجهولاً، ويكون والده أيضاً مجهولاً, ويكون جده ليس بصحابي, لا يثبت له صحبة, لماذا؟ لأنه لم يرد إلا في هذا الحديث.

    إذاً: سؤال: ما رأيكم أيهما أقوى لجانب الحديث أن يكون الراوي طلحة بن مصرف، أو أن يكون طلحة ليس ابن مصرف؟ أيهما أقوى للحديث؟

    أن يكون طلحة بن مصرف؛ لأن طلحة ثقة معروف، أما إذا لم يكن طلحة هو ابن مصرف فلا يدرى حينئذ من هو, ابن من, فيكون هو الآخر مجهولاً, ووالده مجهول، وجده أيضاً ليس بصحابي, لا يثبت له صحبة, فيكون الحديث متردداً بين احتمالين.

    إما أن يكون طلحة هو ابن مصرف , فيكون في الحديث علتان:

    العلة الأولى: ليث بن أبي سليم .

    والعلة الثانية: جهالة مصرف بن عمرو. هذا الاحتمال الأول.

    الاحتمال الثاني: أن يكون طلحة ليس ابن مصرف، فيكون في الحديث كم من علة؟ أربع علل.

    علة وجود ليث بن أبي سليم .

    وعلة جهالة طلحة .

    وجهالة والده.

    وكون جده ليس بصحابي، فهو مرسل، فهذه أربع علل.

    وبناء عليه فالحديث ضعيف بكل حال, ولذلك ضعفه ابن حجر في هذا الموضع, فقال: رواه أبو داود بإسناد ضعيف، وضعفه أيضاً في التلخيص الحبير، كما ذكرت أنه ساق رواية الطبراني وقال: وهو أصرح في المقصود, وهو ضعيف, وضعفه النووي أيضاً, وغيره من أهل العلم. هذا من حيث الإسناد.

    أما من حيث المتن فالحديث أيضاً معارض بأحاديث صحاح, تدل على خلاف ما دل عليه، فالحديث يدل على أن كعب بن عمرو رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق, فيتمضمض من غرفة أو كف ويستنشق من أخرى.

    والأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على خلاف هذا.

    فقد روى عنه علي خلاف هذا كما في الحديث الآتي.

    وروى عنه عبد الله بن زيد خلاف هذا، كما في الحديث الآتي.

    وروى عنه ابن عباس أنه تمضمض واستنشق من كف واحدة, كما في صحيح البخاري .

    وروى عنه ابن عباس أيضاً أنه جمع بين المضمضة والاستنشاق, كما في الدارمي بسند صحيح, قال ذلك النووي , قال: بإسناد صحيح.

    حكم المضمضة والاستنشاق من كف واحدة

    فهذه الأحاديث وغيرها كثير تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين المضمضة والاستنشاق، ولذلك ذكر النووي وغيره: أن الأحاديث الصحيحة كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين المضمضة والاستنشاق. بل قال النووي: إنه لا يصح في الفصل بينهما حديث أصلاً. ولذلك ذهب جمهور أهل العلم إلى أن السنة أن يتمضمض الإنسان ويستنثر من كف واحدة، يفعل ذلك ثلاث مرات, كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهل يجب أن يتمضمض الإنسان ويستنثر من كف واحدة؟ هل يجب؟ لا يجب؛ لأنه لم يرد في ذلك أمر عن النبي صلى الله عليه وسلم, غاية ما في ذلك ما نقل من فعله عليه الصلاة والسلام. وقد رأيت بعض الجهلة من المنتسبين إلى السنة يزعمون بأنه يجب على الإنسان أن يجمع بين المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، وربما اعتبروا وضوء من لم يجمع بينهما باطلاً، بل وربما اعتبروه كافراً والعياذ بالله. وهذا من جراءة بعض الجهال على السنة النبوية، وجراءتهم على أعراض المسلمين أيضاً. وإلى الله المشتكى.

    1.   

    شرح حديث: (... يمضمض وينثر من الكف الذي يأخذ منه الماء)

    الحديث الثاني والثالث ساقهما المصنف في نفس الباب، أو في الباب نفسه.

    فالحديث الثاني: هو حديث علي رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ( ثم تمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنثر ثلاثاً، يمضمض ويستنثر من الكف الذي يأخذ منه الماء ).

    تخريج الحديث

    والحديث رواه أبو داود والنسائي .

    ففي أبي داود لفظه: ( يمضمض ويستنثر من الكف الذي يأخذ فيه الماء ). بدلاً من قول المصنف: (منه).

    وفي النسائي في باب غسل الوجه: ( يمضمض ويستنثر من الكف الذي يأخذ به الماء ). وكلاهما مخالف للفظ المصنف.

    معاني ألفاظ الحديث

    ظاهر الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمضمض ويستنثر من كف واحدة.

    وذهب بعض الشراح إلى أن المقصود بالحديث أنه يتمضمض ويستنثر أو يستنشق بيمينه, يعني: بالكف الذي يأخذ فيه الماء، بمعنى: أنه يأخذ الماء بيمينه لفمه ولأنفه. ولكن هذا فيه نظر؛ لأن هذا الحديث إن كان في لفظه إشكال، فيدفع الإشكال الموجود في لفظه ما ثبت عن عبد الله بن زيد، وعلي بن أبي طالب، وعثمان وغيرهم، وابن عباس من أنه كان يتمضمض ويستنثر من كف واحدة من الماء، وأن هذا هو المقصود به.

    1.   

    شرح حديث: (... فمضمض واستنشق من كف واحدة، يفعل ذلك ثلاثاً)

    الحديث الثالث: هو حديث عبد الله بن زيد المتفق عليه, وقوله في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثم أدخل صلى الله عليه وسلم يده - زاد مسلم: ثم أخرجها- فتمضمض واستنثر من كف واحدة, يفعل ذلك ثلاثاً ).

    تخريج الحديث

    الحديث متفق عليه كما ذكر المصنف, وهو ضمن حديث طويل في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

    والبخاري ساق هذا الحديث في كتاب الوضوء, باب من مضمض واستنثر من كف أو من غرفة واحدة.

    ولفظه عند البخاري قال: ( فمضمض واستنثر من كَفة أو كُفة واحدة ). كذا لـأبي ذر، أحد رواة الصحيح عن البخاري، ولبعض الرواة: ( من غَرفة أو غُرفة واحدة)، وعند أكثر الرواة كما ساقه المصنف في هذا الموضع ( من كف واحدة )، ولعله الأقرب؛ لأنه لم ينقل -كما ذكر ابن بطال وغيره- تأنيث الكف، بحيث يقال: كَفة أو كُفة بمعنى الكف, وإنما المنقول الكف أو الغَرفة أو الغُرفة, فالغَرفة أو الغُرفة فيها الوجهان, بفتح الغين أو ضمها، كما قال تعالى: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ [البقرة:249].

    الجمع بين المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة

    هذان الحديثان: حديث علي وحديث عبد الله بن زيد يدلان على نقيض ما دل عليه حديث طلحة بن مصرف , فهما مصرحان بمشروعية المضمضة والاستنشاق من كف واحدة من غرفة واحدة، بحيث يغترف المتوضئ بيده اليمنى -كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم- غرفة واحدة، يجعل بعضها لفمه وبعضها لأنفه, ثم يستنثر بشماله، ثم يغترف أخرى لفمه وأنفه, وثالثة أيضاً, وإن اقتصر على واحدة أو اثنتين فهو جائز كما سبق.

    وقد يسأل سائل: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا؟ يعني: غير حديث طلحة بن مصرف ؟

    فالجواب: أن الإمام الرافعي وغيره من فقهاء الشافعية كـالغزالي أيضاً نقلوا: أنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث علي وعثمان مثل حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده.

    وأنكر هذا ابن الصلاح، فقال: لا يصح ولا يثبت. ولكن تعقبه الحافظ ابن حجر بأن أبا علي بن السكن روى في صحاحه عن علي وعثمان نحو حديث طلحة بن مصرف , ولكنها أحاديث ضعيفة, كما صرح بضعفها الإمام النووي وغيره فيما سبق.

    وبناء عليه نقول: إنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم أنه فصل بين المضمضة والاستنشاق, بل الثابت عنه أنه تمضمض واستنشق من كف واحدة، أو من غرفة واحدة, كما في حديث عبد الله بن زيد وعلي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهم، وهذا هو المشروع الثابت.

    هذه المسألة هي التي من أجلها ساق المصنف الأحاديث الثلاثة الأول, حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده, وحديث علي، وحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنهم أجمعين.

    1.   

    شرح حديث: (ارجع فأحسن وضوءك)

    الحديث الرابع: هو حديث أنس رضي الله عنه قال: ( رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً وفي قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء، فقال: ارجع فأحسن وضوءك ).

    تخريج الحديث

    الحديث رواه أبو داود والنسائي، ورواه ابن ماجه أيضاً، وأحمد، وابن خزيمة، والبيهقي، وأبو عوانة، والضياء المقدسي في المختارة وغيرهم، وإسناده صحيح، ولذلك خرجه أبو عوانة في صحيحه، وخرجه أيضاً الضياء المقدسي في أحاديث المختارة، وهي أحاديث صحاح، أو شرطه أن تكون صحاحاً, وصححه أيضاً الألباني في إرواء الغليل، فقال: إسناده صحيح.

    هذا حديث أنس.

    الموالاة في الوضوء

    مقصود المصنف من إيراد الحديث ظاهر؛ لأنه قد مر معنا في شرح أحد الأحاديث السابقة.

    ومقصود المصنف من إيراد حديث أنس رضي الله عنه هو الموالاة، نعم. مقصود المصنف الإشارة إلى وجوب الموالاة في الوضوء, والحديث ظاهر في الدلالة على وجوب الموالاة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى في ظهر قدم هذا الرجل مثل الظفر .. مقداراً يسيراً لم يصبه الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيحسن وضوءه: ( ارجع فأحسن وضوءك). وهذا دليل على وجوب الموالاة, وإلا لأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسل هذا الموضع فحسب.

    وقد يقول قائل: وما يدرينا أن يكون أمر النبي صلى الله عليه وسلم له أن يرجع فيحسن وضوءه أمر له بأن يغسل هذا الموضع فقط؟

    فيقال جواباً على ذلك: كلا, بل شواهد الحديث تدل على أن المقصود أن يرجع فيتوضأ, وذلك كما في حديث جابر عن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في ظهر قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء، فقال له: ارجع فأحسن وضوءك, فرجع فتوضأ ثم صلى ). والحديث رواه مسلم وأحمد من حديث جابر عن عمر، وفي كتاب العلل لـابن أبي حاتم التصريح بأن هذا الرجل المبهم هو عمر نفسه, فإن صحت رواية ابن أبي حاتم في العلل يكون عمر قد أبهم نفسه, بدلاً من أن يقول: رآني النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأى رجلاً.

    والعلم يذكر بعضه بعضاً، ولذلك سأسألكم معاشر الطلاب، وأقول: مر معنا عدة أحاديث كلها بهذه الصفة، يذكر الراوي حديثاً عن قصة حصلت له شخصياً, فيبهم من حصلت له القصة، ويقول: إن رجلاً، أو أن امرأة, فهل يذكر أحد منكم شيئاً من هذا؟

    حديث أبي سعيد الخدري في قصة اللديغ، فإن أبا سعيد روى القصة ولم يذكر أنه هو الذي رقاه، قال: (فقال رجل من القوم: والله إني لراق). قد صح أن القائل هو أبو سعيد نفسه هذا مثال.

    وهناك مثال آخر، وهو حديث أسماء : ( أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب ). فقد صح أن السائلة هي أسماء نفسها, ولكنها أبهمت نفسها.

    ومن أمثلته هذا الموضع إن صح, إن صحت رواية ابن أبي حاتم في العلل من أن القصة حصلت لـعمر .

    المهم أن القصة في صحيح مسلم من حيث الأصل، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهذا الرجل: ( ارجع فأحسن وضوءك, فرجع فتوضأ ثم صلى ).

    ومن شواهد الحديث أيضاً: حديث خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وعلى ظهر قدمه لمعة لم يصبها الماء, فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء ). كذا. وحديث خالد بن معدان أيضاً قد سبق أنه رواه أحمد والبيهقي وغيرهما, وأن العلماء قد اختلفوا في تصحيحه أو تضعيفه.

    فمن صححه الإمام أحمد، قال الأثرم : قلت لـأحمد : حديث خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إسناده جيد؟ قال: نعم, يعني: الإمام أحمد جود إسناده, قال: إسناده جيد، أو وافق الأثرم على أن إسناده جيد حين سأله عن ذلك، وممن صححه أيضاً ابن القيم رحمه الله, وابن التركماني كما في الجوهر النقي على سنن البيهقي . وكذلك الحاكم صححه، وضعفه آخرون منهم ابن حزم والبيهقي والمنذري والنووي وغيرهم.

    وحجتهم في تضعيفه: أن في إسناده بقية بن الوليد , وبقية مدلس, يدلس تدليس التسوية، يدلس ويسوي, ولذلك قيل: أحاديث بقية ليست نقية, فكن منها على تقية، وذكر بعض أهل العلم أن من يدلس تدليس التسوية يشترط أن يصرح هو وجميع من فوقه بالتحديث.

    وقد ذكر من صححوا الحديث - ومنهم من سبق، وكذلك الألباني في الإرواء، وغيرهم وابن حجر- بأن بقية قد صرح بالتحديث في رواية أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك. لكن ما أدري هل صرح هو وجميع من فوقه فيكون الحديث ثابتاً بنفسه, أو صرح هو فقط، فيكون تصحيح الحديث لا لذاته أو تحسينه لا لذاته, لكن لشواهده التي سبقت.

    المهم أن الحكم ثابت سواء صح حديث خالد بن معدان أو لم يصح، فإن الأدلة تدل على أن من ترك موضعاً من بدنه في الوضوء أو في الغسل حتى جفت أعضاؤه وغسل ما بعده فإنه ينبغي عليه أن يعيد الوضوء؛ مراعاة للموالاة، وهذا هو الحكم الأول في الحديث.

    وجوب استيعاب غسل العضو في الوضوء

    في الحديث حكم آخر وهو وجوب استيعاب العضو الذي يغسل كله, يعني: أنه يجب أن تغسل الوجه كله، واليد كلها، وتمسح الرأس كله، وتغسل الرجل كلها، ولا يكفي أن تغسل معظمه, وهذا هو رأي جماهير أهل العلم، وخالف ذلك بعض الأحناف، فاكتفوا بغسل معظم العضو، أو نصفه، والصحيح أنه لابد من غسل العضو كاملاً واستيعابه, حتى الرأس كما سبق.

    1.   

    شرح حديث: (كان رسول الله يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد)

    الحديث الخامس: هو حديث أنس أيضاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد, ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ). فالحديث كما ذكر المصنف متفق عليه.

    المقدار الذي كان يتوضأ به النبي صلى الله عليه وسلم

    مقصود المصنف من إيراده ذكر المقدار الذي يتوضأ به, وأنه المد.

    وقد سبق حديث آخر في الموضوع نفسه, وهو ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي مد ). فصحابي الحديث هو عبد الله بن زيد, ولفظه: ( أن النبي صلى الله عليه سلم أتي بثلثي مد فجعل يدلك ذراعيه )، وسبق شرح الحديث وأنه من رواية أحمد في المسند، وصححه ابن خزيمة، وهو جزء من حديث عبد الله بن زيد الطويل.

    إذاً: الآن عندنا ثلثا مد في حديث ابن زيد، وعندنا المد كما في حديث أنس هذا، وقد ورد نصف المد كما عند الطبراني والبيهقي من حديث أبي أمامة، وفيه الصلت بن دينار وهو متروك, فهو ضعيف جداً.

    وقد ورد ثلث المد, ولكن قال ابن حجر : لم أجده, وقال الصنعاني : لا أصل له.

    فيتلخص من ذلك كما سبق: أن أقل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ به ثلثا مد، وأكثر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الروايات المد.

    ومن الروايات التي ذكرت المد حديث أنس هذا.

    ومنها: حديث سفينة في صحيح مسلم : ( أنه صلى الله عليه وسلم تطهر بمد ).

    ومنها: حديث جابر عند أحمد وأبي داود بإسناد صحيح، كما قال ابن حجر في الفتح.

    ومنها حديث عائشة.

    فهذه خمسة أحاديث ذكرت المد.

    المقدار الذي كان يغتسل به النبي صلى الله عليه وسلم

    أما فيما يتعلق بالغسل فقد ذكر أنس رضي الله عنه في هذا الحديث أنه يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، والصاع أربعة أمداد، الصاع أربعة أمداد, كما ذكر الداودي والفيروزآبادي وغيرهم, أربعة أمداد بكف الرجل المعتدل حين لا يقبض كفيه ولا يبسطهما, بل يتوسط في ذلك. وهذا مقياس جيد, لأنه يتفق في جميع البيئات, بخلاف المقاييس الأخرى, فقد تختلف من بيئة إلى أخرى. فهذا هو الصاع: أربعة أمداد. وقدره بعضهم بأنه خمسة أرطال وثلث رطل بالرطل العراقي, لكن الرطل العراقي يختلف عن غيره, ولذلك قد يلتبس على الكثيرين.

    فالمهم أن معنى حديث أنس هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بأربعة أمداد إلى خمسة أمداد.

    وقد ورد عن عائشة في صحيح مسلم : ( أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء هو الفرق ) الفرق بفتح الفاء والراء:( من إناء هو الفرق ) وما هو الفرق؟ كم مقداره؟ ذكر سفيان بن عيينة والشافعي أن الفرق يسع ثلاثة آصع, يعني: ثلاثة آصع من الآصع النبوية .

    إذاً: ليس كل الروايات اتفقت على صاع أو خمسة أمداد, بل ورد في صحيح مسلم عن عائشة : ( أنه اغتسل عليه الصلاة والسلام معها في إناء هو الفرق ).

    وفي مسلم أيضاً عنها: ( أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بثلاثة أمداد ).

    إذاً: لو سألنا على حسب هذه الروايات, أقل ما اغتسل به النبي صلى الله عليه وسلم حسب الروايات المسوقة ثلاثة أمداد، حديث مسلم هذا أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل وعائشة من إناء هو الفرق, هل يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم اغتسل بثلاثة آصع؟ لا. بل الثلاثة الأصواع لهما، وهما اثنان, فعلى ذلك يكون كل واحد منهما حصته صاع ونصف.

    وهل يدل الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بصاع ونصف تقريباً؟

    تقريباً لا يدل، والله أعلم. أولاً: لأنه لم يذكر أن الفرق هذا ملآن، فيحتمل أن يكون فيه قدر صاعين مثلاً. وقد يقال: إن الأصل تقاربهما؛ لأنه حتى عائشة ورد في أحاديث سبقت أنها كانت تقول: ( دع لي, دع لي, ويقول: دعي لي, دعي لي ) وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يباسطها في ذلك.

    يوجد علة أخرى, أو تعليل آخر, وهو أن في الحديث أنه اغتسل من إناء, فيحتمل أن لا يكون الرسول عليه الصلاة والسلام وعائشة اغتسلا بجميع ما في الإناء, بل اغتسلا ببعضه وبقي بعضه.

    إذاً: لا يمكن تقدير أكثر ما اغتسل به النبي صلى الله عليه وسلم, إلا أنه صاع إلى صاع ومد, يعني: خمسة أمداد, وأقل ما ورد في ذلك حسب الروايات السابقة ثلاثة أمداد.

    وهذه الروايات في شأن الوضوء والغسل تدل على أن المسألة تقريبية, وأنه ليس واجباً على المتوضئ ألا يزيد على المد مثلاً, وليس واجباً على المغتسل ألا يزيد على الصاع, بل هذه هي السنة, ولذلك ذهب جمهور أهل العلم ... عدم الزيادة على ذلك.

    الإسراف بالماء في الوضوء أو الغسل

    ومن المعلوم أنه لا ينبغي ولا يسوغ لمسلم أن يبالغ في الوضوء والغسل وصب الماء حتى يصل إلى حد الإسراف، وقد سبق معنا في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في صفة الوضوء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم ). وهذا يدل على النهي والتحريم, فإذا وصل الأمر إلى حد الإسراف لم يجز.

    وكثير منا اليوم تجد أنه يتوضأ بإناء كبير, هو بكل حال أكبر من الفرق الذي اغتسل الرسول عليه الصلاة والسلام وعائشة منه, وقد لا يكون ملآن كما سبق.

    وكثير من الناس اليوم إذا أراد أن يغتسل فإنه يفتح الصنبور وهو الدش, ويظل هذا الماء يصب عليه وقتاً طويلاً, ولو حسبت الماء الذي اغتسل به لوجدته قد يزيد على قلة أحياناً، قد يزيد على تنكة أو تنكتين, وهذا لا ينبغي, بل الأجدر بالإنسان أن يقتصد في استعمال الماء, وإن كان الماء ميسوراً؛ ليعود الإنسان نفسه على اتباع السنة.

    وكأني بالإخوة سيقولون: إن هذا صعب, وفيه نوع من الكلفة, فالذي يظهر أنه ليس فيه صعوبة, وإنما الأمر يرجع للعادة, تذكر نفسك حين تكون في البر مثلاً وليس معك إلا ماء يسير تجد أنك تتوضأ بمقدار يسير، وتغتسل بمقدار يسير أيضاً, قد يقل عن الصاع.

    وكذلك لو كنت في دورة المياه فتوقف الماء وليس أمامك إلا مقدار يسير, وأنت محتاج إلى وضوء أو غسل ومستعجل في ذلك, لوجدت نفسك تستطيع أن تقتصر على هذا الماء وتبلغ, بل وتسبغ, فالنفس وما اعتادت, وكما قيل:

    النفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

    فعلى الإنسان أن يعود نفسه على الاقتصاد في هذا الأشياء, واتباع السنة فيها.

    1.   

    شرح حديث الدعاء بعد الفراغ من الوضوء

    الحديث السادس والأخير في باب الوضوء: هو حديث عمر رضي الله عنه في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد يسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين, إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ), وكذلك زيادة الترمذي , رواه مسلم الحديث الأصل، ولكن زيادة الترمذي : ( اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين ).

    تخريج الحديث

    هذا الحديث في الأصل رواه مسلم، بلفظ: ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ). وهو ضمن حديث طويل من رواية عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: ( كنا نرعى الإبل فكانت نوبتي -يعني: كان دوره في رعاية الإبل- قال: فأرحتها عشاء -يعني: ساقها إلى المراح, وهو المكان الذي تبيت فيه- ثم أتيت المسجد, فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم قائماً يخطب الناس, فسمعته يقول: ما من عبد يتطهر فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا غفر له, أو كما قال صلى الله عليه وسلم, قال: فقلت: ما أحسن هذه! قال: فسمعني عمر

    , فقال: والتي قبلها أحسن منها، فنظرت فإذا عمر

    , فقال لي: لقد رأيتك حين أقبلت, إنه قال صلى الله عليه وسلم قبل ذلك: ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله عقب الوضوء
    ).

    أما قوله: ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) فقد رواها الترمذي كما ذكر المصنف، وقال عقب رواية الحديث: في إسناده اضطراب، ولا يصح فيه شيء كبير. هذا كلام الترمذي. ولكن تعقبه العلماء بأن الحديث ثابت, وأن هذا الاضطراب مدفوع عن الحديث بالترجيح, وأن أصله في مسلم , وأن له شواهد, يعني: زيادة: ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) لها شواهد، منها حديث ثوبان عند البزار والطبراني , ومنها حديث أنس عند ابن ماجه .

    إذاً: فزيادة: ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) ثابتة من حديث عمر وثوبان وأنس , وقد ورد أيضاً زيادة بلفظ: ( سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك ), يعني: أن يقولها عقب الوضوء، روى ذلك النسائي في عمل اليوم والليلة، وغيره.

    وقد اختلف العلماء في هذه الزيادة، فمنهم من قال: إنها موقوفة.

    الحديث عن أبي سعيد الخدري , هذه الزيادة وردت عند النسائي في عمل اليوم والليلة عن أبي سعيد , فبعضهم قال: إنه موقوف على أبي سعيد , وهذا رأي الدارقطني والنسائي وغيرهما, أن الحديث صحيح موقوف على أبي سعيد، ورجحه ابن حجر في التلخيص وغيره, وبعضهم ضعف الحديث مطلقاً كـالنووي كما في الخلاصة والأذكار، ذكر أن الحديث ضعيف مرفوعاً.

    إذاً: حديث أبي سعيد رضي الله عنه صححه بعضهم موقوفاً كـالنسائي والدارقطني وابن حجر وغيرهم, وضعفوا المرفوع, وضعفه أيضاً الحازمي في الاعتبار، أما النووي رحمه الله فقد ضعف الحديث مرفوعاً وموقوفاً، كما في الخلاصة والأذكار وهو متعقب في ذلك.

    أما المرفوع فنعم هو ضعيف لا يثبت, أما الموقوف على أبي سعيد فهو ثابت، ولذلك قال ابن حجر رحمه الله في التلخيص قال: فأما الموقوف فلا شك ولا ريب في صحته, ثم ساق إسناده, ثم قال: وهؤلاء من رجال الصحيحين, فلا معنى لحكمه عليه بالضعف.

    إذاً: زيادة: ( سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك ) عقب الوضوء ثابتة موقوفة على أبي سعيد، ولكن هذا الموقوف والله أعلم له حكم الرفع؛ لأن هذه الأذكار والمحافظة عليها مما يتلقاه الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويحرصون على الاتباع فيه، ولذلك لما روى البراء كما في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء الذي يقال عند النوم: ( اللهم إني وجهت وجهي إليك -حتى وصل إلى قوله- آمنت بكتابك الذي أنزلت, وبنبيك الذي أرسلت, قال البراء

    : وبرسولك الذي أرسلت, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا, ونبيك الذي أرسلت ). فكانوا يتلقون عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى ألفاظ هذه الأذكار، ويبعد جداً أن يحافظ أبو سعيد على ذكر عقب عبادة دون أن يكون تلقى هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم. هذا وجه.

    الوجه الثاني: وهو أقوى: أن أبا سعيد قال في روايته: ( أن من قال: سبحانك اللهم وبحمدك -يعني: عقب الوضوء- كتبت في رق, ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة ) وهل تظنون أن أبا سعيد رضي الله عنه يمكن أن يقول هذا الأمر الغيبي من قبل نفسه؟ هل يمكن أن يقوله من عند نفسه؟ كلا.

    ولم يكن أبو سعيد رضي الله عنه ممن يأخذ عن بني إسرائيل, حتى يقال: إنه أخذ هذا عنهم.

    فلذلك فإن الحديث وإن كان الصحيح أنه موقوف إلا أن له حكم الرفع.

    وبهذا يتبين أن المشروع للمتوضئ أن يقول عقب انتهاء الوضوء: ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين, سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك ). هذا كله مشروع.

    وهل يشرع أن يستقبل القبلة؟ كثير من الناس يفعلون ذلك، لكن هذا لا يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم, وإن ذكره بعض الفقهاء فيما أعلم.

    حكم الأذكار التي تقال عند غسل أعضاء الوضوء

    بقي الإشارة إلى أن المصنف رحمه الله ذكر من أذكار الوضوء شيئين، أولهما:

    التسمية عند الوضوء -يعني: في بدايته- أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وهذا كان موضوع الجلسة الماضية, وقد بينت الأحاديث الواردة فيه وتصحيحها، وخلاصة الرأي في حكم البسملة أو التسمية على الوضوء، فهذا ذكر يقال عند بدء الوضوء: بسم الله الرحمن الرحيم.

    والذكر الآخر الذي ذكره المصنف هو الذكر الذي يقال عند ختم الوضوء، وهو ما ذكره الآن، وقد اقتصر عليهما.

    بعض الفقهاء يذكرون أدعية أخرى عند كل عضو من أعضاء الوضوء, فلو فتحت بعض المصنفات الفقهية لوجدت أنهم يقولون: يستحب أن يقول عند غسل وجهه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه مثلاً، يستحب أن يقول عند غسل يده اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني, يستحب أن يقول عند غسل يده اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي, ولا من وراء ظهري, يستحب أن يقول عند غسل رأسه: اللهم حرم شعري وبشري على النار, أو غير ذلك من الأذكار الواردة في تلك الكتب, يستحب أن يقول عند مسح الأذنين: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه, يستحب أن يقول عند غسل الرجلين: اللهم ثبت قدمي يوم تزل الأقدام.. إلخ.

    هذه الأذكار ذكرها بعض الفقهاء, وقال الإمام النووي في الروضة: إنه لا أصل لها, ومثله ابن الصلاح قال: لا أصل لهذه الأدعية, قال الحافظ ابن حجر : روي ذلك عن علي من طرق ضعيفة جداً، أوردها المستغفري في كتاب الدعوات وأوردها ابن عساكر في أماليه.

    وهذه الأدعية والأذكار كما رأيتم لا أصل لها, ولا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولا يشرع للمتوضئ أن يدعو بها, بل يقتصر على الدعاء أو على الذكر الوارد, وهو التسمية عند بدء الوضوء, والتشهد عند نهايته.

    وبانتهاء هذا الحديث نكون قد انتهينا من باب الوضوء، ونشرع إن شاء الله في المستقبل في باب المسح على الخفين, ونأخذ منه ثلاثة أحاديث, حديثي المغيرة، وحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.

    والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    سبحانك اللهم وبحمدك, نشهد أن لا إله إلا أنت, نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768248394