إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. سلمان العودة
  5. شرح بلوغ المرام
  6. شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 44-49

شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب الوضوء - حديث 44-49للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإسلام دين يحث المسلمين دائماً على تحقيق الكمال في كل شيء، ومن ذلك عباداتهم وقرباتهم إلى الله تعالى، ومن تلك العبادات التي جاء الحث فيها على ذلك عبادة الوضوء، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء، وذلك باستيعاب العضو كاملاً بالماء، حتى لا يبقى شيء لم يصبه الماء، كما أمر بالمبالغة في الاستنشاق إلا لمن كان صائماً، وأمر بتخليل الأصابع، وكان عليه الصلاة والسلام يخلل لحيته، كل ذلك حتى يتحقق للمسلم كمال الطهارة فيقف بين يدي الله طاهر الظاهر والباطن.

    1.   

    شرح حديث لقيط بن صبرة في إسباغ الوضوء

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونصلي ونسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    بقي عندنا في أحاديث الأسبوع الماضي حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه بروايتيه، سأشرح هذا الحديث ثم نسمع من الإخوة الذين حفظوا الأحاديث المطلوبة في هذا اليوم.

    وبالمناسبة أذكر أن بعض الإخوان قد يلاحظون أن الأسئلة تتركز على بعض الطلبة، كذلك الحفظ وغيره، ونحن بودنا أن يشارك الجميع قدر الاستطاعة، وهذا يستدعي أولاً المراجعة ولو بشيء يسير، مراجعة ما مضى، ويستدعي ثانياً الاستمرار في الحضور؛ لأن هذه في الحقيقة ليست عبارة عن محاضرة يمكن يسمعها الإنسان مرة ويستفيد، ولو سمعها بعد فترة طويلة يستفيد، هذه دروس متسلسلة تتطلب من الطالب أن يحرص على الحضور، وإذا فاته الحضور لعذر يحرص على الاتصال بهذه الأشياء التي قيلت من خلال سماع الأشرطة أو قراءة بعض مذكرات الطلاب أو غير ذلك.

    الحديث الذي بقي حفظه في الأسبوع الماضي هو حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ).

    أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة.

    ولـأبي داود في رواية: ( إذا توضأت فمضمض ).

    فراوي الحديث هو لقيط بن صبرة بفتح اللام لقيط، واسم أبيه صبرة بكسر الباء أيضاً، وكنيته: أبو رزين وهو العقيلي من بني المنتفق.

    سبب الحديث

    وهذا الحديث له قصة ساقها أبو داود رحمه الله في سننه من رواية عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال: ( كنت وافد بني المنتفق -أو كنت في وفد بني المنتفق- فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نصادفه، وصادفنا عائشة

    رضي الله عنها. قال: فأمرت لنا بخزيرة وبقناع من تمر، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسألنا: هل أمر لكم بشيء -يعني من الطعام-؟ قال: قلنا: نعم. قال: ثم جاء راعي النبي صلى الله عليه وسلم يسوق غنمه إلى المراح -وهو المكان الذي تبيت فيه بعد الرعي- قال: ومعه سخلة تيعر -و اليعار: هو صوت الشاة - فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: هل ولدت شيئاً؟ قال: نعم، ولدت بهمة يا رسول الله! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذبح لنا شاة مكانها، ففعل، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم للقيط

    : لا تظنن أنا من أجلك ذبحناها، ولكن عندنا غنم مائة لا نريد أن تزيد، فإذا ولدت بهمة ذبحنا مكانها شاة، قال: فقلت: يا رسول الله! إن لي امرأة -وشكا لقيط

    رضي الله عنه ذرابة لسانها- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فطلقها إذاً، فذكر له منها صحبة وأن له منها ولداً، فقال له عليه الصلاة والسلام: فعظها أو فمرها، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك -الظعينة: هي كناية عن المرأة- كما تضرب أميتك -يعني: تصغير أمة- فقال: يا رسول الله! كيف الوضوء؟ أو أخبرني عن الوضوء؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً
    ).

    تخريج الحديث

    والحديث أخرجه إضافة إلى من ذكر المصنف الإمام أحمد، والشافعي، وابن الجارود، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم.

    وصححه جمع من أهل العلم: صححه البغوي، وابن القطان، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والنووي، وابن حجر، والترمذي، وسواهم، فهو حديث صحيح، وقد سبق الكلام عليه في مبحث المضمضة والاستنشاق.

    فوائد حديث لقيط بن صبرة في إسباغ الوضوء بطوله

    الحديث أيضاً -وخاصة السبب الذي سقته قبل قليل- فيه فوائد عابرة نقف عندها ولا نطيل:

    منها: أنه يجوز استعمال لفظ الصدفة والمصادفة؛ لأن بعض الناس قد يشك في جوازه؛ لأنهم يعتقدون أن استعمال مثل هذا اللفظ ينافي الإيمان بالقدر، والواقع أن المؤمن يعرف أن كل شيء بقضاء وقدر، لكن إذا كان الشيء غير مرتب فقد يعبر عنه بالصدفة، وقد تستعمل لفظ الصدفة والمصادفة في اللقاء، لم نصادفه يعني: لم نلقه أو لم نقابله؛ لأنهم جاءوا والله أعلم على غير ميعاد.

    ومن فوائد الحديث: مشروعية إكرام الضيف لذبح النبي صلى الله عليه وسلم الشاة، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا تظنن أنا من أجلك ذبحناها؟ ) المقصود فيه عدم الإدلال عليه بأننا ذبحنا هذه الذبيحة من أجلك، خلافاً لما قد يفعله بعض الناس من إظهار الإكرام للضيف بأشياء قد لا تكون حقيقية، وقد تكون حقيقية ولكن ليس للضيف فائدة منها، فإذا أكرم الإنسان ضيفه بما يجب له وما يستحق وما يطيب خاطره، فلا يلزم أن يشعره بأنه ذبح من أجله أو تكلف من أجله، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التكلف للضيف، كما في حديث سلمان عند الحاكم وغيره، وسنده صحيح.

    ومن فوائد الحديث: رعاية الإنسان لأهله وموعظتهم وأمرهم ونهيهم، ومنع الإساءة إليهم بالضرب وغيره.

    أما ما يتعلق بالأبواب التي نبحثها وهي أبواب الوضوء فإن في الحديث عدة مسائل منها: قوله صلى الله عليه وسلم: ( أسبغ الوضوء ) فهذا أمر يدل على وجوب الإسباغ في الوضوء.

    فمن فوائد الحديث: وجوب إسباغ الوضوء؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والمقصود بالإسباغ: تبليغ الماء إلى المحل المطلوب، يعني: أن يغسل الإنسان وجهه كله، وذراعه ويده كلها، ويمسح برأسه كله، ويغسل رجليه كلتيهما مستوعباً المحل المفروض، فهذا هو الإسباغ، وهو واجب بلا شك، ولعل هذا يصلح أن يكون دليلاً لوجوب استيعاب مسح الرأس كله كما سبق.

    مشروعية تخليل أصابع اليدين والرجلين

    أما قوله صلى الله عليه وسلم: ( وخلل بين الأصابع ) فهو دليل على مشروعية تخليل الأصابع، وما المقصود بالأصابع هاهنا؟ أصابع اليدين أو أصابع الرجلين؟

    اللفظ عام فيشمل أصابع اليدين والرجلين، فنقول: قوله صلى الله عليه وسلم: ( وخلل بين الأصابع ) يشمل أصابع اليدين والرجلين، فيستحب تخليلها كلها.

    ومما يدل على أن المقصود أصابع اليدين والرجلين ما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك )، وهذا الحديث رواه الترمذي .. حديث ابن عباس رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، وحسنه البخاري ، وفي إسناده رجل يقال له: صالح مولى التوأمة واسمه صالح بن نبهان قال فيه الحافظ ابن حجر : صدوق اختلط بآخره.

    ولذلك أسأل الإخوة خاصة المتابعين: ما حكم حديث هذا الرجل؟ الآن عندنا نموذج نطبق عليه بعض القواعد التي مرت، في حديث ابن عباس : ( إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك ) رجل يقال له: صالح مولى التوأمة واسمه صالح بن نبهان قال فيه الحافظ ابن حجر : صدوق اختلط بآخره؛ فما حكم حديث هذا الرجل صحيح، أو حسن، أو ضعيف، أو فيه تفصيل؟

    نقول: إن حديث الصدوق حسن على المشهور، وهذا الرجل صدوق اختلط ÷×÷ بأخرة، فإذا كان حديثه متميزاً، يعني: عرفنا من روى عنه قبل الاختلاط ومن روى عنه بعد الاختلاط، فحديث من روى عنه قبل الاختلاط يكون حسناً؛ لأنه صدوق، وحديث من روى عنه بعد الاختلاط يكون ضعيفاً، وصالح مولى التوأمة هذا قد عرف من روى عنه قبل الاختلاط وبعده؛ ولذلك قال ابن عدي في الكامل: إن حديث من روى عنه قبل الاختلاط لا بأس به، وقد روى عنه هذا الحديث الذي معنا: ( إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك ) رواه عنه موسى بن عقبة وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط؛ ولذلك فحديثه حسن، وقد حسنه البخاري والنووي وغيرهما.

    إذاً: حديث ابن عباس هذا يدل على أن المشروع تخليل أصابع اليدين والرجلين؛ لأنه نص عليهما صلى الله عليه وسلم.

    صفة التخليل

    أما صفة التخليل وكيفيته فالتخليل في الأصل هو: أن يخلل الإنسان، يعني يدخل أحد أصابعه بين أصابع رجليه فتتخللها، يعني: تمر أو تدخل من خلالها، وقد ورد في صفة التخليل ما رواه المستورد بن شداد الفهري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدلك أصابع رجليه بخنصره )

    والخنصر هو: الأصبع الصغير، وأصابع اليد لو أخذناها بالترتيب أولها الإبهام، ثم السبابة أو السباحة أو المسبحة، ثم الوسطى، ثم البنصر، ثم الخنصر، المقصود أن الخنصر هو الأصبع الصغير، آخر أصبع في اليد، أو أول أصبع حتى بدايته.

    فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يدلك أصابع رجليه بخنصره، وحديث المستورد بن شداد رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، والإمام أحمد ، وابن خزيمة ، والبيهقي ، وغيرهم، وفيه علة وهي: عبد الله بن لهيعة ، في إسناد الحديث عبد الله بن لهيعة ، وقد سبق الكلام في عبد الله بن لهيعة ، وأن رواية العبادلة عنه مقبولة وما عداها فمردودة، هذا من الأقوال المشهورة في روايته، وهو قول معتدل بين من يقبلونها بإطلاق أو من يضعفونه بإطلاق، ولكن ابن لهيعة لم ينفرد بهذا الحديث، فقد تابعه الليث وغيره، كما في رواية البيهقي .. تابعه الليث بن سعد -وهو إمام معروف- عند البيهقي ، وبناءً عليه فإن هذا الحديث صحيح: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدلك أصابع رجليه بخنصره)، وهو فعل من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على صفة التخليل، وهي أن يخلل الإنسان أصابع رجليه بأصبعه الخنصر، وأما أصابع اليدين فإنه يخلل بعضها ببعض، فيدخل أصابع اليمنى في اليسرى واليسرى في اليمنى ويخللها، هذا على القول بأن تخليل أصابع اليدين سنة، وهو ما يدل عليه حديث ابن عباس السابق.

    حكم تخليل أصابع اليدين والرجلين في الوضوء

    بقي أن يجاب على هذا السؤال.

    لو قال لنا قائل: إن تخليل أصابع اليدين والرجلين واجب في الوضوء، يعني نفترض أننا سمعنا هذه المقالة من أحد، إن تخليل أصابع اليدين والرجلين واجب في الوضوء، سنقول له: ما الدليل على هذا الوجوب؟ فيجيب بالأدلة التي سبقت قبل قليل، أن هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث المستورد بن شداد ، وأصرح منه في الدلالة على الوجوب حديث ابن عباس ، ما وجه دلالة حديث ابن عباس على وجوب التخليل؟ ما وجه الدلالة من حديث ابن عباس على وجوب تخليل أصابع اليدين والرجلين؟

    الأمر في قوله: ( فخلل أصابع يديك ورجليك )، وقد سبق في مرات كثيرة أن الأمر يقتضي الوجوب إذا لم توجد قرينة صارفة.

    فقد يدعي أحد هذا، يعني القول بوجوب التخليل، بل قال بعض العلماء بوجوب التخليل، وممن نصر القول بوجوب التخليل الشوكاني في نيل الأوطار، والصنعاني في سبل السلام وغيرهما، ولكن القول الذي عليه جمهور أهل العلم: أن التخليل مستحب وليس بواجب، وهو أقوى؛ لأن النصوص دلت على وجوب الغسل والإسباغ، يعني: إيصال الماء إلى المحل المغسول، فإذا تحقق غسل العضو بأي صفة كان التخليل حينئذ سنة، يعني: إذا تيقن الإنسان من وصول الماء إلى ما بين الأصابع، سواء أصابع اليدين أو أصابع الرجلين، فحينئذ يكون التخليل سنة وليس بواجب.

    أما إذا توقف الإسباغ وإيصال الماء على التخليل كما إذا كانت ملتفة ومتلاصقة ومتراصة فحينئذ نقول بوجوب التخليل لا لذاته، ولكن لأنه لا بد منه في إيصال الماء إلى المحل المطلوب غسله، وهذا القول رجحه النووي ورجحه ابن سيد الناس وغيرهما من الفقهاء، وهو أقوى لأسباب منها: أن التخليل صفة في الغسل وليس غسل موضع ينبغي غسله، فهو صفة وطريقة في الغسل، يقصد من ورائها إيصال الماء إلى المحل المفروض، وإذا تحقق المطلوب بغيره لم يتوقف الأمر عليه بل أصبح سنة؛ ولذلك قال أبو داود في روايته في مسائله للإمام أحمد، الرجل يسأل الإمام أحمد يقول له: الرجل يدخل رجله في الماء، ثم يخرجها هل يجزئه ذلك؟ فقال له الإمام أحمد: لا بد أن يمر بيده على رجله ويخللها، فكأنه راجعه في ذلك وذكر له إن فعل ذلك ولم يخلل ولم يمر بيده فهل يجزئه؟ فقال له الإمام أحمد: إن حرك رجليه في الماء وحرك أصابعه فأرجو أنه لا بأس بذلك، فكأنه جعل القضية متوقفة على موضوع إيصال الماء إلى ما بين الأصابع، فإذا حرك رجله وحرك أصابعه واطمأن إلى وصول الماء إلى ما بينها كفاه ذلك، وأصبح التخليل سنة، وذكر الإمام ابن القيم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل أصابع رجليه ولا يحافظ على ذلك، ذكر ذلك في زاد المعاد أنه كان يخلل أصابع رجليه ولم يحافظ على ذلك، وأن الصحابة الذين ضبطوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ونقلوه بصورة دقيقة لم يذكر أحد منهم التخليل.

    مسألة تخليل أصابع اليدين والرجلين، وخلاصة الكلام فيها: أن التخليل سنة على مذهب جماهير أهل العلم وهو الراجح.

    حكم المبالغة في الاستنشاق

    ثم قال صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط : ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) وقوله: بالغ هذا أمر، وهو يدل على مشروعية واستحباب المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم، لكن هل يقال: بأن المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم واجبة؟ لأنه يوجد أمر الآن ( وبالغ في الاستنشاق )، فهل نقول: إن المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم واجبة؟ الجواب: لا. لا يقال: إن المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم واجبة، بل هي مستحبة لغير الصائم أما الصائم فلا تستحب له.

    وقد حكي الإجماع على ذلك -يعني: على عدم الوجوب- كما قال الموفق بن قدامة في المغني قال: المبالغة في الاستنشاق مستحبة لغير الصائم، لا نعلم في ذلك خلافاً بين أهل العلم.

    والصارف الذي يصرف هذا الأمر في قوله: (وبالغ) عن الوجوب إلى الاستحباب هو: قوله صلى الله عليه وسلم: ( إلا أن تكون صائماً )؛ لأن هذا الاستثناء يدل على أن الأمر في الأصل للاستحباب؛ لأنه لو كان للوجوب لكان الصائم مأموراً بالتحري في التوفيق بين واجبين: واجب المحافظة على الصيام وواجب المبالغة في الاستنشاق، فلما أمر الصائم بترك المبالغة مطلقاً؛ دل هذا على أنها سنة في الأصل وليست واجبة.

    ذكر هذا الصارف الصنعاني في سبل السلام.

    وقد يستدل على عدم الوجوب بأن أكثر الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء في الأمر بالاستنشاق والمضمضة، أو في فعله صلى الله عليه وسلم فيها الاقتصار على المضمضة والاستنشاق، ولم يرد ذكر المبالغة إلا في حديث لقيط بن صبرة هذا، هذه أهم المسائل في حديث لقيط رضي الله عنه.

    أما رواية أبي داود (إذا توضأت فمضمض) فهي تدل على وجوب المضمضة في الوضوء، وقد سبق تقرير هذه المسألة، وهذه الرواية قال الحافظ ابن حجر: رواها أبو داود بإسناد صحيح، فسندها صحيح.

    1.   

    شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته في الوضوء)

    ننتقل بعد ذلك إلى الأحاديث المطلوب حفظها، بالنسبة للحديث الأول وهو حديث عثمان رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته في الوضوء ).

    تخريج الحديث وكلام أهل العلم فيه

    أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة .

    الحديث أخرجه أيضاً غير الترمذي . ابن ماجه، وابن حبان، وابن خزيمة، والحاكم، وغيرهم، وصحح الحديث جمع من الأئمة، فنقل الترمذي عن البخاري أنه قال: إن حديث عثمان أصح شيء في الباب، ذكر الترمذي هذا في سننه.

    ومن المعلوم -كما سبق- أن هذه الكلمة لا يلزم منها صحة الحديث مطلقاً، بل هو أصح ما ورد في الباب، وقد لا يكون صحيحاً بل قد يكون دون ذلك، ولكن صرح الترمذي رحمه الله في كتابه العلل الكبير بأن البخاري قال عن هذا الحديث: هو حديث حسن، وهذا دليل على أن قوله: هو أصح شيء في الباب، لا يعني أنه صحيح بالضرورة، فقد صرح في العلل الكبير بأنه حديث حسن، والترمذي نفسه رحمه الله قال عن هذا الحديث: هذا حديث حسن صحيح. وكذلك النووي صحح الحديث، ومثله الحافظ ابن حجر وابن خزيمة وابن حبان والحاكم كما سبق.

    الحاكم روى الحديث في مستدركه، وقال: هذا إسناد صحيح على شرطهما -يعني: على شرط الشيخين-، وقد احتجا بجميع رواته غير عامر بن شقيق وهو ثقة، لم يطعن فيه أحد. هكذا يقول الحاكم .

    وقد تعقبه الذهبي بذكر بعض من طعن في عامر بن شقيق هذا أو ضعفه.

    شواهد الحديث

    ثم قال الحاكم : وله شاهد صحيح -يعني: الحديث- من حديث أنس وعائشة وعمار بن ياسر وساق هذه الشواهد.

    حكم تخليل اللحية في الوضوء

    إذاً: الحاكم صحح الحديث على شرط الشيخين، وذكر أنهما قد احتجا بجميع رواته غير عامر بن شقيق وهو ثقة لم يطعن فيه أحد، وقال: إن للحديث شواهد صحيحة، ثم ذكر هذه الشواهد من حديث عائشة وأنس وعمار بن ياسر، في تخليل النبي صلى الله عليه وسلم للحيته في الوضوء.

    وهذا يدل على ثبوت هذا الفعل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد هذا المعنى -يعني: تخليل اللحية في الوضوء- من طرق كثيرة جداً، ذكر منها الزيلعي في نصب الراية نحو أربعة عشر حديثاً عن أربعة عشر صحابياً كلها في تخليل اللحية في الوضوء، وإن كان غالبها ضعيف وفيها الضعيف جداً، ولكن فيها ما يرتقي إلى درجة … أيضاً في الدراية، الأحاديث التي ذكرها الزيلعي وزاد حديثاً فصار مجموعها خمسة عشر حديثاً، وهذه الأحاديث كما ترون يصلح أن يدعى فيها أنها من باب المتواتر على طريقة بعض علماء المصطلح؛ لأنهم يعتبرون .. أو بعضهم يعتبر أن ما رواه عشرة متواتر، وبعضهم أقل من ذلك، وبعضهم أكثر من ذلك.

    وبالجملة فهذا يدل على أن تخليل اللحية في الوضوء ثابت، وهو يرد على ما ذكره بعض الحفاظ من أنه لا يثبت فيه شيء ... الإمام أبو حاتم وأبو زرعة وأحمد رحمهم الله ذكروا أنه لا يثبت في التخليل شيء …

    يثبت شيء في تخليل اللحية، يقابله ما ذكره هؤلاء الأئمة الذين أسلفت كـالبخاري والترمذي والحاكم وغيرهم، من أنهم صححوا بعض أحاديث تخليل اللحية، بل منهم من ادعى فيها التواتر، وكما هو معروف في الأصول: أن المثبت مقدم على النافي، ولذلك فإن تخليل اللحية مستحب على الراجح إذا كانت اللحية كثة وكثيفة لما دلت عليه هذا الأحاديث.

    أما إن كانت اللحية خفيفة والشعر يسير، فإن أكثر أهل العلم؛ الإمام مالك والشافعي وأحمد وداود وغيرهم، يوجبون غسلها وغسل الجلد الذي تحتها إذا كان الشعر خفيفاً؛ وذلك لأن الأصل غسل الجلد الذي هو جزء من الوجه المأمور بغسله فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6]، وليس في غسله مشقة إذا كان الشعر خفيفاً حتى يقال بأنه ينتقل إلى البدل وهو غسل الشعر النابت فيه، ولذلك فالقول بغسل الشعر والمحل الذي هو الجلد إذا كانت اللحية خفيفة هو مذهب الجمهور، وهو قول قوي، وذهب أبو حنيفة إلى خلاف ذلك.

    لكن قول الجمهور أقوى وأصح دليلاً وهو الأصل، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى الوسوسة؛ لأن بعض الناس قد يوسوس أولاً في حد الكثافة، فيبدأ يتردد هل لحيته كثيفة أو ليست بكثيفة؟ وقد تكون لحيته كثيفة ثم يرجح أنها ليست كثيفة، ويبدأ يدلك شعره حتى يبين هذا في شعره، من أجل إيصال الماء إلى ما تحته، ثم قد يجد صعوبة في إيصال الماء إلى الجلد بسبب الشعر النابت فيه فيزداد الأمر عليه صعوبة.

    فنقول: مذهب الجمهور في وجوب غسل ما تحت الشعر إذا كان خفيفاً هو الراجح، لكن يجب ألا يكون هذا باباً ومدخلاً إلى الوسوسة في دلك الشعر وعركه ولو كان كثيفاً كما يقع فيه بعض الموسوسين.

    وقد روى أبو داود في سننه من حديث أنس رضي الله عنه قال: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كفاً من الماء فوضعها تحت لحيته وعركها وقال: هكذا أمرني ربي )، والحديث تفرد به أبو داود عن الستة، وضعفه بعضهم.

    وقال الإمام النووي في المجموع : هو حديث حسن أو صحيح.

    وهذا الحديث يدل على ما سبق من مشروعية تخليل اللحية ... وجوب تخليل اللحية وإن كان فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( هكذا أمرني ربي ) لأننا إن قلنا: إن الحديث ضعيف كما قال به بعض أهل العلم فلا دلالة فيه؛ لأن بقية الأحاديث السابقة التي ذكرتها عن نحو خمسة عشر صحابياً هي أفعال من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله عليه الصلاة والسلام لا يدل على أكثر من السنية.

    فإذا قلنا: إن حديث أبي داود هذا .. حديث أنس صحيح فإننا نقول: لا يدل على الوجوب؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: ( هكذا أمرني ربي) مشعر بأن هذا خاص به صلى الله عليه وسلم ( هكذا أمرني ربي) ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أمر أمته بذلك، وهناك قرائن أخرى تصرف هذا الأمر عن الوجوب عن الأمة، أنه ليس أمراً للأمة كلها، وإنما هو أمر له صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    شرح حديث عبد الله بن زيد في دلك الذراعين في الوضوء

    الحديث الذي يليه هو حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بثلثي مد فأخذ يدلك ذراعيه ).

    والحديث أخرجه أحمد وصححه ابن خزيمة .

    هذا الحديث هو رواية في حديث عبد الله بن زيد بن عاصم الذي سبق معنا مرات، وسبقت روايته في الصحيحين وغيرهما.

    وقد صحح هذه الرواية مع ابن خزيمة ابن حبان أيضاً، يعني: رواها أحمد و ابن خزيمة و ابن حبان في صحيحيهما.

    معاني ألفاظ الحديث

    وقوله: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بثلثي مد ) المد أسهل وأحسن ما قيل فيه: هو ما ذكره الفيروزآبادي في القاموس عن الداودي أن المد هو: بقدر كفي الإنسان المعتدل غير مقبوضتين ولا مبسوطتين.

    يعني: إذا جمع الإنسان المعتدل كفيه دون أن يقبضهما إلى بعضهما ولا يبسطهما، فملء الكفين هو ما يسمى بالمد؛ وذلك لأن الإنسان يستخدم كفيه في ذلك، ولذلك سمي المد، قال الفيروزآبادي -بعدما ذكر كلام الداودي -: وقد جربت ذلك فوجدته صحيحاً.

    روايات في قدر ما كان يتوضأ به النبي صلى الله عليه وسلم

    وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم روايات عديدة في قدر ما يتوضأ به.

    ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ).

    وفي مسلم عن سفينة أيضاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بمد ).

    وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ بأقل من ذلك، كما في حديث الباب عن عبد الله بن زيد بن عاصم ، وفيه ذكر ثلثي المد.

    وقد ورد ذكر نصف المد، أنه توضأ بنصف مد، وذلك عند البيهقي والطبراني في معجمه الكبير، من حديث أبي أمامة ، وهو ضعيف جداً، فيه الصلت بن دينار وهو متروك.

    وورد أيضاً ذكر الوضوء بثلث مد قال الحافظ ابن حجر: لم أجده، وقال الصنعاني في سبل السلام: لا أصل له.

    إذاً خلاصة الكلام: أن أقل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ به ثلثا المد، أما النصف فروايته فيها راو متروك، وأما الثلث فهو حديث لا أصل له.

    المصنف رحمه الله ساق الحديث من أجل قوله: ( فجعل يدلك ذراعيه ) وفيه استحباب الدلك .. فيه استحباب دلك الأعضاء: الوجه والذراعين والقدمين، وهذه سنة لم يقل أحد بوجوبها؛ لأنها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    شرح حديث عبد الله بن زيد في أخذ ماء جديد للأذنين في الوضوء

    الحديث الذي يليه هو حديث عبد الله بن زيد بن عاصم وقد سبق هذا الحديث، حديث: ( أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء غير الذي أخذ لرأسه ) الحديث رواه الحاكم وصححه، ورواه البيهقي وصححه.

    كلام أهل العلم في الحديث

    وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إسناده ظاهره الصحة، وليست ظاهر الصحة كما يتوهم البعض لا، ظاهره الصحة يعني: إشارة إلى أنه فيه علة باطنة.

    ولذلك صحح الحافظ ابن حجر وقبله ابن دقيق العيد وغيرهما أن الرواية المحفوظة عن عبد الله بن زيد بن عاصم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه بماء غير فضل يديه )، وهذه الرواية في صحيح مسلم كما ذكر المصنف.

    وقد قال الصنعاني في سبل السلام : إن المصنف -يعني: ابن حجر - لم يعزه في التلخيص لـمسلم، ولا رأيناه فيه، يعني: كأن الصنعاني شك في وجود الحديث في صحيح مسلم ؛ لأن الحافظ ابن حجر ذكره في التلخيص وعزاه لـابن حبان وغيره، ولم يعزه لـمسلم .

    قال الصنعاني : ولا رأيناه نحن في صحيح مسلم .

    والواقع أن الحديث في صحيح مسلم في كتاب الطهارة باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في الجزء الأول صفحة مائة وواحد وثلاثين فيما أعتقد، فالحديث في صحيح مسلم خلافاً لما توهمه أو ظنه الصنعاني .

    1.   

    شرح حديث: (إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء ...)

    الحديث الذي بعده حديث أبي هريرة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ) الحديث متفق عليه.

    معاني ألفاظ الحديث

    الغرة: هي البياض في جبين الفرس، والتحجيل: هو البياض في يديه ورجليه.

    وقد استعار ما يكون من النور في جبهة المتوضئ ويديه ورجليه يوم القيامة .. استعار له البياض الذي يكون في جهة الفرس ويديه ورجليه.

    قوله: ( فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل )، هذا مدرج من كلام أبي هريرة على الراجح، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

    إن شاء الله نكمل بحث هذا الحديث في الأسبوع القادم، نطلب من الإخوة مع حفظ الحديثين السابقين في موضوع التيمن حفظ حديث المغيرة في المسح على الناصية، وحديث جابر في البداءة بما أمر الله به، وفي إدارة الماء على المرفقين، وحديث أبي هريرة في وجوب التسمية على الوضوء (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه).

    أسأل الله أن يفقهني وإياكم في الدين، ويعينني وإياكم على تطبيق سنة سيد المرسلين، ويرزقنا السداد في أقوالنا وأفعالنا.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768034264