إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عندنا في هذه الحلقة حوالي خمسة أحاديث، وهي تحتاج إلى شيء من البسط والكلام حولها، وينبغي أن نحرص قدر الإمكان على أن ننهي هذه الأحاديث؛ لأنني لاحظت أن من الخير فيما يظهر لي أن نتحرك أكثر مما كان من قبل، بمعنى: أن نحرص على أخذ عدد من الأحاديث في كل جلسة يكون عدداً طيباً، نتمكن به من إنهاء الكتاب خلال مدة معقولة ووجيزة نسبياً بإذن الله تعالى؛ إن وفق الله.
هذه الأحاديث التي معنا تبدأ بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ومسح برأسه وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه )، والحديث كما يقول المصنف: أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة .
والحديث رواه أيضاً النسائي وابن ماجه، ولذلك قال المصنف في كتاب الدراية في تخريج أحاديث الهداية قال: رواه الأربعة إلا الترمذي، فهو في ابن ماجه أيضاً، وقد رواه أيضاً الإمام أحمد في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه، وسعيد بن منصور في سننه وغيره.
هذا الحديث صحيح، فقد قال المصنف في الدراية : وإسناده قوي. وفي تلخيص الحبير ذكر الحديث وقال: من طرق صحيحة.
وقال الإمام ابن دقيق العيد في كتابه الإمام : إن هذا الحديث صحيح على طريقة من يصححون حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأن الحديث كما لاحظتم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فـابن دقيق العيد يقول: إن الحديث صحيح على طريقة من يصححون حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأن إسناده إلى عمرو بن شعيب صحيح. هذا كلام ابن دقيق العيد.
شعيب، هذا من البديهيات يعني: ما هناك إشكال في عمرو بن شعيب عن أبيه، فهذا يشبه سؤال الأعرابي الذي كان يقول: مريم بنت عمران من أبوها؟ فأبوه شعيب -كما هو ظاهر في نفس الإسناد- عن عمرو بن شعيب، لكن جده هل هو جد عمرو أو جد شعيب؟
المسألة -كما هو معروف- فيها خلاف، فإذا قلنا: إن الجد هو جد عمرو فيكون هناك انقطاع في الإسناد، ولذلك يضعفه بعض أهل العلم، وإذا قلنا: إنه جد أبيه -يعني: جد شعيب - يكون الإسناد متصلاً، وهذا هو الراجح أن الجد جد شعيب، وهو يعني شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص فجده هو عبد الله بن عمرو بن العاص، وبذلك يكون الإسناد متصلاً.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد عن إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إنه إسناد صحيح، ومن المعروف -والكلام لا يزال لـابن القيم - أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له صحيفة تسمى الصادقة، فيها أحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي التي رواها عنه عمرو بن شعيب عن أبيه، قال: ومن العلماء وأهل الحديث من عد إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كإسناد أيوب عن نافع عن ابن عمر، يعني: عده إسناداً في غاية الصحة، بل ربما صح أن يقال فيه: إنه من السلاسل الذهبية في الأسانيد الصحيحة، قال: والأئمة الأربعة وغيرهم يحتجون بحديثه.
إذاً: إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيه كلام، ولكن الأقوى والأظهر أنه صحيح، وبناء عليه يكون حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة الوضوء ومسح الرأس والأذنين حديثاً صحيحاً.
لكن من نقص عما ورد في الحديث، يعني: من غسل مرتين مرتين، أو غسل مرة مرة، هل نقول عنه: إنه أساء وتعدى وظلم؟
لا يقال: إنه أساء وتعدى وظلم مطلقاً؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين، ومرة ومرة، وبالاتفاق فإن الواجب في الضوء هو الغسل مرة مع الإسباغ، وما زاد فهو سنة، ولذلك يشكل هذا الحديث، وبالذات رواية أبي داود حيث إن فيها: ( فمن زاد أو نقص )، وقد أجاب على هذا الإشكال ابن رجب الحنبلي رحمه الله، في شرحه لعلل الترمذي حيث عقد باباً للأحاديث النبوية التي اتفق العلماء على عدم العمل بها وذكر منها هذا الحديث بلفظ: ( فمن زاد أو نقص )، وقال: إن الإمام مسلماً ذكر إجماع العلماء على خلافه، يعني: أنه لا يجب الغسل ثلاثاً ثلاثاً.
ويمكن أن يقال: إن رواية: (أو نقص) رواية شاذة، وأن الروايات الصحيحة عند الأئمة بلفظ: ( فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم أو ظلم وأساء )، وهذا هو الموجود في سنن النسائي وابن ماجه وابن خزيمة وغيرهم بلفظ: ( فمن زاد فقد أساء وظلم، أو ظلم وأساء ) وليس فيها: (أو نقص)، فلعل زيادة: (أو نقص) هي زيادة من أحد رواة الحديث، وتكون شاذة مخالفة للمحفوظ.
وللترمذي رحمه الله في آخر السنن كتاب سماه: كتاب العلل، وقد شرحه ابن رجب في كتاب مستقل مطبوع أكثر من طبعة وبأكثر من تحقيق، وقد ذكر الترمذي بعض الأحاديث التي ساقها في سننه ولم يعمل بها أحد، ثم استطرد ابن رجب وذكر أحاديث عديدة من الأحاديث التي اتفق العلماء على عدم العمل بها، وذكر منها هذا الحديث، وإن لم يخرجه الترمذي .
ذكر صفة مسح الأذنين، وأن المشروع أن يدخل المتوضئ إصبعه السبابة أو السباحة؛ وهي التي تلي الإبهام، وهي هذه الإصبع التي تلي الإبهام؛ سميت السبابة لأن الإنسان يستخدمها عند السب، وكذلك يستخدمها في التسبيح فتسمى السبابة أو السباحة أو المسبحة، ولذلك قال: ( وأدخل إصبعيه السباحتين ) يعني: من اليمنى واليسرى، فيدخل أصبَعيه أو أصبُعيه في أذنيه؛ في فتحة الأذن أو في صماخ الأذن الذي ينفذ إلى الرأس، ويجعل الإبهام فوق ظاهر الأذن، ثم يحرك الإبهام فوق ظاهر الأذن، ويحرك السبابة أيضاً في داخل الأذن، وهذا هو المشروع في مسح الأذن، هذه هي الصفة التي تثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر من طريق كما سيأتي.
أما الغضاريف الموجودة في داخل الأذن فلا يلزم الإنسان أن يتقصاها؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان لا يلزم ولا يشرع إيصال الماء إلى جلدة الرأس في أصل مسح الرأس، فكذلك الحال في الأذنين يكفي أن يدخل السبابتين في داخل الأذنين -في صماخ الأذنين- ويمسح بالإبهام على ظاهر الأذنين، كما ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ثبت من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص كما رأيتم في هذه الرواية، وثبت من طرق أخرى: منها حديث ابن عباس عند أبي داود والنسائي وفيه: ( أنه مسح بأصبعيه أذنيه ظاهرهما وباطنها )، وكذلك ثبت ذلك من حديث المقدام بن معدي كرب عند أبي داود، وفيه أنه قال: ( أدخل أصبعيه في صماخ أذنيه ) والصماخ تنطق بالصاد أو بالسين: (في صماخ أو في سماخ أذنيه)، وحديث المقدام هذا قال فيه الحافظ ابن حجر : إسناده حسن. وورد مثل ذلك أيضاً عن جمع من الصحابة.
المهم أن هذه هي الصفة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسح الأذنين، وهذه هي الفائدة التي من أجلها ساق المصنف هذا الحديث.
فأما أنها إساءة: فلأنها مخالفة للشرع؛ لأن الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يزيد على ثلاث غسلات لأعضاء الوضوء، فمن زاد على ثلاث غسلات فكأنه استدرك على النبي صلى الله عليه وسلم، ورغب عن هديه عليه الصلاة والسلام وعن سنته، فقد أساء ولم يحسن وإن كان يريد الإحسان، أما أنها ظلم: (أساء وظلم) فهي لا شك ظلم؛ ظلم للنفس وجور عليها؛ لأن هذه الزيادة هي في الغالب نوع من الوسواس، فإن الإنسان يخيل إليه أنه لم يغسل فيعيد الغسل مرة ثانية وثالثة، ثم يخيل إليه أنه لم يغسل فيزيد، فيدخل بذلك في باب الوسوسة التي تؤدي بالإنسان إلى الهلاك -والعياذ بالله-، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله وغيرهم من أهل العلم: أن من استمر على ذلك فإنه يمنع منه، فإن أصر عليه فإنه يعزر ويؤدب؛ لأنه يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم ويتعبد لله عز وجل بأشياء لم يشرعها الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد رأيت ورأى غيري ما يقع فيه من ابتلي بالوسواس من الغلو في ذلك والمبالغة، حتى إن ذلك يؤدي به إلى ترك الوضوء، ثم يؤدي به إلى ترك الصلاة، ويصيبه بهموم وأحزان كثيرة في نفسه، وهذا ما يريده الشيطان: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة:10]، وقد سبق أن تكلمت في ذلك وأطلت في إحدى المناسبات، ولذلك لا أريد أن استطرد حول هذا الموضوع، وأحيل الإخوة الراغبين في الاستزادة إلى ما كتبه الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه: إغاثة اللهفان في الجزء الأول حول موضوع الوسواس في الطهارة والصلاة، ومداخل الشيطان على بني آدم في ذلك؛ فهو كلام نفيس مهم. فهذا من فوائد الحديث.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: ( فقد أساء وتعدى وظلم )، فلأن هذا من تعدي حدود الله، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حد لنا حدوداً في الوضوء، منها ألا نزيد على ثلاث ولا ننقص عن واحدة، فمن زاد عن الثلاث فقد تعدى الحد الذي حده الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أمر غير مشروع، والتعبد به يعتبر من باب البدع والضلالات.
زيادة (فتوضأ): ( إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثاً ).
( فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت )، وقوله: (يبيت) مشعر بأن المقصود بهذا الحديث نوم الليل؛ لأن البيتوتة أكثر ما تطلق على نوم الليل.
وقوله: ( يبيت على خيشومه -أو على خياشيمه- ) الخيشوم: هو الأنف. وقيل: هو أقصى الأنف. وقيل غير ذلك، المعنى واحد، فالخيشوم هو الأنف.
الأول: أن هذا محمول على الحقيقة، يعني: أن الشيطان يبيت فعلاً على خيشوم الإنسان في نومه؛ وذلك لأن الخيشوم من المنافذ إلى داخل الجسد كالفم، ولكن الخيشوم منفذ ليس له غلق، فيبيت فيه الشيطان ويحاول أن يوسوس إلى القلب بواسطته.
وقد ورد أن الشيطان لا يفتح مغلقاً، فالأنف مفتوح فيبيت الشيطان عليه ويوسوس إلى الإنسان، كيف يوسوس؟ الله أعلم كيف يوسوس؛ لأننا لا نعرف من شأن الشيطان إلا ما أخبرنا الله ورسوله.
فهذه الأشياء أمور غيبية لا يعرف عنها الإنسان أي تفصيل، إلا أنه يجد آثارها في الواقع، ويصدق الرسول صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن ذلك، كما يصدق بما أخبر به عن الله تعالى، أو عن أحوال القيامة، أو عن الجنة، أو عن النار، أو عن قصص الأمم الغابرة أو سواها.
هذا هو الوجه الأول الذي ذكره القاضي عياض ؛ ولذلك أمرنا بأن نستنثر حتى نطرد الشيطان بذلك.
الوجه الثاني: أن يكون هذا على سبيل المجاز، ويكون المقصود أنه إذا استنثر أزال ما في الأنف من الغبار والوسخ وغيره الذي يفرح به الشيطان، والوجه الأول أقوى وأظهر، وإن كان لا يمنع أن يكون الوجه الثاني داخلاً في ذلك، فإن الشيطان يسره أن يكون الإنسان وسخ الظاهر والباطن، فالاستنثار فيه إرغام للشيطان من جهة تحقيق النظافة المأمور بها شرعاً، لكن هذا لا يعارض المعنى الأول الحقيقي، وهو أن الشيطان يبيت على خيشوم الإنسان، وهذا الأمر: ( إذا استيقظ أحدكم فليستنثر ) و( فتوضأ فليستنثر ) عام لكل إنسان، ليس خاصاً -مثلاً- بالإنسان الذي لم يقرأ ورده عند النوم؛ لأنه قد يشكل عند البعض أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال -كما في حديث أبي هريرة في صحيح البخاري -: ( من قال: لا إله إلا الله مائة مرة.. -ذكر في آخر الحديث- أنها كانت حرزاً له من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ).
وحديثه الآخر أيضاً: ( في قصة الشيطان الذي كان يأخذ من الصدقة، وذكر فيه أن الشيطان قال له: إذا أويت إلى فراشك فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح )، فقد يقول قائل: من قرأ هذا لا يقربه شيطان، فهل يبيت الشيطان على خيشومه؟
نقول: لا مانع من أن يكون الشيطان يبيت على خيشومه؛ إما لكونه نسي هذا الورد، أو لم يحقق معناه الصحيح في القراءة، وقد يكون المقصود بقوله: (ولا يقربك) يعني: لا يوسوس لك، ولكن لا يمنع هذا أن يقترب منه ويبيت على خيشومه.
هذه الوجوه تجعل من المشروع لكل إنسان أن يستنثر.
لكن هل يقال: بوجوب الاستنثار؟ سؤال.
الآن: الحديث فيه أمر، وقد سبق معكم مرات أن الأمر يقتضي الوجوب، وقد قال: ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ) وهذا أمر، فهل يفهم من هذا الأمر الوجوب؟
الجواب: لا، حتى نقل بعض أهل العلم الإجماع والاتفاق على أنه لم يقل بوجوب الاستنثار للمستيقظ، ولم يخالف في ذلك أحد فيما اطلعت إلا ابن حزم، فقد قال بوجوب الاستنثار، ولعله محجوز بالإجماع قبله على استحباب ذلك وعدم وجوبه.
ومما يشكل على مذهب ابن حزم أنه قال: (فتوضأ) في رواية البخاري، والرواية المطلقة تحمل على الرواية المقيدة، فيكون الأمر بالاستنثار في حق من أراد الوضوء، وهذا مسلم كما سبق.
هذا الحديث في مشروعية غسل اليد قبل إدخالها في الإناء في حق المستيقظ من نوم الليل.
المسألة الأولى: هذا الأمر أو هذا النهي بقوله: ( فلا يغمس يده في الإناء ) هل هو للتحريم أم هو للكراهة؟
جمهور العلماء: مالك وأبو حنيفة والشافعي، ورواية أيضاً عن الإمام أحمد ذكرها في الإنصاف، ونصرها بعض أهل العلم، منهم من الأئمة المتأخرين: الشيخ عبد الرحمن بن حسن من أئمة الدعوة الوهابية وفقهائها كما في الدرر السنية : أن هذا النهي للكراهة، أو أن الأمر بغسل اليد للاستحباب وليس للوجوب، وذهب الإمام أحمد في رواية عنه والظاهرية إلى أن النهي للتحريم: (فلا يغمس يده)، يعني: أنه لا يجوز للمستيقظ أن يغمس يده حتى يغسلها.
دليل الجمهور على عدم الوجوب: استدلوا بأدلة منها: التعليل الوارد في الحديث، فإن تعليل النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الحكم بقوله: ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) يدل على عدم الوجوب؛ لأن الإنسان إذا شك في نجاسة يده هل يجب عليه غسلها؟
لا يجب غسلها، والتعليل بالشك في الحديث مشعر بعدم الوجوب: ( فإنه لا يدري أين باتت يده )، ومما استدلوا على عدم الوجوب قوله: ( حتى يغسلها ثلاثاً )، فحتى النجاسة هل يجب العدد في غسلها، أو يجب إزالتها فحسب؟
المعتبر إزالتها، فذكر العدد في هذا الحديث وأنه يغسل يده ثلاثاً لاحتمال النجاسة فيها مما استدل به الجمهور على عدم وجوب الغسل.
ومما استدلوا به أيضاً: ما ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ من الليل فقام إلى شن معلقة فتوضأ منها )، وما أدري ما وجه اتخاذهم لهذا الحديث، إلا أن يكون ابن عباس رضي الله عنه لم يذكر غسل اليد ثلاثاً، وهذا الدليل الأخير لا يستقيم وليس بقوي؛ لأن عدم ذكر الشيء في حديث لا يعني عدم وجوده، فقد يكون مذكوراً في حديث آخر كما هو معروف في أشياء كثيرة.
هذه من أهم أدلة الجمهور على عدم الوجوب، وقالوا: إن الأمر في هذا الحديث مثل الأمر في الحديث السابق، يعني: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده )، مثل قوله: ( إذا استيقظ من منامه فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه ).
وإذا كنا عرفنا قبل قليل أن الاتفاق والإجماع على عدم وجوب الاستنثار، فكذلك يقال في هذا الحديث: أنه لا يجب غسل اليد ثلاثاً، ولكنه يشرع ويستحب، هذا رأي الجمهور.
أما الرواية الأخرى عن الإمام أحمد وهي المشهورة عنه ومذهب الظاهرية، فإنهم قالوا بالوجوب لظاهر الحديث، وتحريم غمس اليد قبل غسلها لظاهر الحديث، وعدم وجود قرينة عندهم تصرف هذا الأمر، هذه هي الأقوال.
والواقع أن الذي تطمئن إليه النفس من هذه الأقوال بعد النظر في الأدلة والتأمل فيها، مع أني كنت متردداً في هذه المسألة من شهور؛ أن القول بالوجوب فيه صعوبة، وأن مذهب الجمهور في عدم إيجاب غسل اليد له قوة ووجاهة. والله أعلم.
أيضاً الجمهور على أن المقصود كل نوم؛ لأن العلة موجودة في كل نوم، فحتى لو نام في الظهر أو في الضحى أو في الصباح فإنه يستحب له ألا يغمس يده حتى يغسلها.
و الإمام أحمد رحمه الله ذهب إلى أن المقصود نوم الليل فحسب، وهذا هو الراجح. والله أعلم.
هو الراجح لقوله: ( فإنه لا يدري أين باتت ) والبيتوتة تطلق على نوم الليل؛ وهو الراجح لأن في رواية أبي داود : ( إذا استيقظ أحدكم من الليل )، ورواية أبي داود ساق مسلم إسنادها، فهي على شرط مسلم، وهذه الرواية عند الترمذي وابن ماجه بلفظ: ( إذا استيقظ أحدكم من الليل )، وعند أبي عوانة بسند أيضاً على شرط مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قام أحدكم للوضوء حين يصبح ).
فقوله: (باتت) وقوله: (من الليل) في رواية أبي داود والترمذي وابن ماجه، وقوله: (للوضوء حين يصبح) عند أبي عوانة كلها تدل على أن المقصود بالنوم ماذا؟ نوم الليل فحسب.
جماهير أهل العلم على أن هذا الماء لا ينجس، ولم يقل بنجاسته إلا الحسن وبعض أهل العلم. قال النووي : وهذا مذهب ضعيف، ولا شك في ضعفه، فضعفه ظاهر.
ولكن الأقوى ما ذكره آخرون ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو ظاهر من الحديث: أن هذا مثل الحديث السابق؛ أنه لاحتمال ملابسة الشيطان للإنسان حال النوم، كما قال في الحديث الذي قبله: ( فإن الشيطان يبيت على خيشومه )، فقوله: ( لا يدري أين بتت يديه )؛ لاحتمال أن يكون الشيطان لابسه في حال النوم، وقد استدل الفقهاء للعلة التي ذكروها بما عند ابن خزيمة وغيره بلفظ: ( فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده منه )، فقوله: (منه) مشعر بأنها من جسده.
أسأل الله أن يعيننا على أنفسنا، ويوفقنا لصالح القول والعمل، ويرزقنا الفقه في الدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الجواب: الزيادة على محل المفروض هذه داخلة أيضاً، الزيادة على محل المفروض داخلة في قوله: ( فمن زاد )؛ بحيث يغسل الإنسان ما لا يشرع غسله، إلا أن يكون ذلك وارداً.
فمثلاً: ( غسل أطراف العضدين ورد -في صحيح
الجواب: فيما يتعلق بغسل داخل العين لا يشرع، بل صرح الفقهاء بأنه يكره، حتى قالوا: حتى لو أصابها نجاسة فإنه لا يشرع غسلها، يعني داخل العين، بل صرحوا بأنه مكروه.
الجواب: المعروف من طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في الغسلات الثلاث: أنه يأخذ لكل غسلة غرفة؛ يغترف شيئاً من الماء ثم يغسل فيه العضو، ثم يغترف أخرى وثالثة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر