وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
عندنا اليوم حديثان في دم الحيض: عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في دم الحيض يصيب الثوب: تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه )، متفق عليه .
والحديث في الأصول: ( أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب؟ فقال عليه الصلاة والسلام: تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه ).
وهذا رواه الشافعي بسند صحيح ليس له علة ولا به مطعن، أن أسماء سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك فلا وجه لإنكار النووي لهذا حيث ضعفه بلا حجة، أي ضعف أن تكون السائلة هي أسماء ؛ لأن أسماء روت: أن امرأة، فيقال: لا غرابة أن يبهم الراوي اسمه.
ومن أمثلة ذلك كون الراوي يبهم اسمه لغرض من الأغراض:
ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة الرقية: ( أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سرية فنزلوا على قوم من العرب فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فبحث له قومه وأهله عن كل دواء فما أغنى عنه شيئاً، فقال بعضهم لبعض: لو ذهبتم إلى هؤلاء القوم الذين نزلوا قربكم لعل عندهم شيء، فجاءوا إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أيها القوم أو الرهط! إن سيدنا لدغ وقد بحثنا له عن كل دواء فما أغنى عنه شيئاً، فهل عندكم له من شيء؟ قال
فقول أبي سعيد رضي الله عنه: فقال بعضهم أو بعض القوم: (نعم. والله إني لأرقي)، من هذا البعض؟ هو أبو سعيد نفسه، وقوله في آخر الحديث: (فقال الراقي: لا نفعل)، يعني: لا نقسم الغنم، من الراقي هذا؟ هو أبو سعيد، وهو أيضاً راوي الحديث ومع ذلك أبهم اسمه، فلا يبعد أن يبهم الراوي اسمه لغرض من الأغراض.
والإبهام هو قولها: أن امرأة ولم تسمها، وهو من العلوم التي تتعلق بالحديث ومصطلحه، ويهتم لها العلماء حتى ألف فيها بعضهم كتباً خاصة، وممن ألف في المبهمات.. أو من أول من ألف في المبهمات الإمام: أبو بكر الخطيب البغدادي فقد ألف كتاباً سماه: الأنباء المحكمة في الأسماء المبهمة، سواءً كانت في المتن أو في الإسناد، واختصره النووي، وألف ابن بشكوال وغيرهم من أئمة المحدثين في هذا الفن .
الحت بالتاء: هو الحك بالكاف، وهكذا ورد في رواية ابن خزيمة أنه قال: (تحكه)، (تحته، ثم تقرصه)، هذا هو المشهور في الرواية بالتخفيف، وذكر القاضي عياض رحمه الله رواية أخرى بضم التاء وفتح القاف وتشديد الراء، كيف تكون هذه الرواية؟
( تقرّصه )، بالتشديد وهي تدل على نوع من التوكيد وهما بمعنىً.
ومعنى القرص أو التقريص: هو أن تبلل أصابعها بشيء من الماء ثم تفرك فيه موضع الدم، تبلل أصبعها السبابة والإبهام ثم تفرك فيها موضع الدم هكذا، هذا ما قاله أئمة اللغة كـأبي عبيد والأخفش وغيرهما، حتى إن الأخفش بلل أصبعيه السبابة والإبهام ثم أخذ طرف ثوبه ففركه، هذا معنى القرص، والمقصود من القرص هاهنا: أن يخرج ما شرب الثوب من هذا الدم.
(ثم تنضحه)، النضح: يحتمل معنيين المعنى الأول، ما هو؟ أيضاً مر معنا النضح وتعريفه.
المعنى الأول في النضح: هو الرش، وهذا مر معنا في بول الغلام، أن النضح: هو الرش، فقيل: إن المقصود بالنضح أيضاً في هذا الحديث هو الرش، فتكون المرأة بعدما تحك دم الحيض بظفرها أو بغيره تفركه بطرف أصابعها مع شيء من بلل الماء ثم تنضح موضعه بالماء، أي: ترشه، ثم يطهر فتصلي فيه، وهذا قول القرطبي رحمه الله, هكذا فسر القرطبي الرش، والتفسير الثاني للنضح: هو تفسير الخطابي وابن حجر رحمهما الله حيث فسرا النضح: بالغسل، واحتجا بأنه ورد في روايات أخرى أنه قال: ( تحته ثم تغسله )، كما في شواهد هذا الحديث، ومن قال: إن المقصود بالنضح هو الرش قال: إن المقصود التيسير بذلك على الناس أيضاً؛ لكثرة وقوع مثل هذه الحالة وحاجة النساء إلى التخفيف والتيسير فيها: ( تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه ).
في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
واستدل أصحاب هذا القول بأدلة كثيرة لعله سبق معظمها منها:
ما سبق من قصة بول الأعرابي؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث: ( دعا بذنوبٍ من ماء ).
أيضاً: من أدلة هذا القول التي سبقت حديث أسماء في قوله: ( ثم تقرصه بالماء ).
وكذلك الحديث الذي بعده ويأتي، وهو حديث أبي هريرة في قولها: ( إنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن لم يذهب الدم؟ قال: يكفيك الماء )، فنص على الماء.
أما الاستدلال بحديث: ( ثم يغسل المني )؛ لأنه ورد مع الغسل الفرك والحك فقد يشكل الاستدلال به، لكن هناك أحاديث صريحة في النص على الماء. منها مثلاً:
حديث أبي ثعلبة في آنية المشركين والمجوس وأنه أمر برحضها بالماء: ( ارحضوها بالماء ).
ومنها أيضاً أحاديث أخرى كقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـعائشة كما في صحيح البخاري في دم الحيض أنه قال: ( ثم اغسليه بماء وسدر )، وغير ذلك.
حديث ولوغ الكلب، وسبق أحاديث كثيرة ورد فيها الأمر بالغسل، وفي كثير منها النص على الماء.
قالوا: فعين الرسول صلى الله عليه وسلم المادة التي يطهر بها وهي الماء.
ثم قال هؤلاء العلماء: إنه لا يوجد شيء له خاصية مثل خاصية الماء من حيث السيولة واللطف ونحو ذلك، فاختص الماء بكونه مطهراً مزيلاً للأحداث والأنجاس، وكما أن الإنسان لا يحل له أن يتوضأ أو يغتسل فيرفع حدثه -مثلاً- بغير الماء مع وجود الماء، فكذلك لا يحل له أن يزيل النجاسة بغير الماء مع وجود الماء، فقاسوا إزالة الخبث على رفع الحدث، هذا هو القول الأول، أظنه ظاهراً.
قاسوا إزالة الخبث على رفع الحدث، ورفع الحدث مثل الوضوء، ومثل الغسل هذا رفع الحدث، أما إزالة الخبث أو النجس فمثل إزالة النجاسات العينية كالاستنجاء مثلاً، وكغسل النجاسة على الثوب وعلى الأرض ونحوها.
قالوا: فكما أن الإنسان لا يحل له أن يتوضأ بغير الماء، هل يجوز للإنسان أن يغتسل أو يتوضأ بمائع آخر غير الماء؟ هل يجوز له أن يتوضأ بلبن مثلاً؟ هل يجوز؟ لا يجوز، قالوا: فكذلك إزالة الخبث لا تجوز إلا بالماء.
حديث إزالة النجاسة في أسفل النعل، بل أحاديث سبقت، إزالة النجاسة في أسفل النعل بأن تدلك وتفرك بالأرض، وهذا فيه أحاديث عديدة.
ومنها أيضاً حديث تطهير أسفل الثوب الذي يصيب الأرض، تطهيره بما بعده أيضاً، وهذا ورد فيه أحاديث منها حديث أم سلمة.
حديث تخليل الخمر، وما سبق من أن العلماء أجمعوا على أن الخمر إذا تخللت بنفسها بدون فعل آدمي فإنها طاهرة، هذا على القول بأن الخمر نجسة.
حديث الاستجمار بالأحجار، وقد مر منها أحاديث منها حديث سلمان رضي الله عنه في مسلم وهي أحاديث ثابتة وكثيرة.
تطهير الريح والشمس، كما في حديث ابن عمر في البخاري : ( كانت الكلاب تقبل وتدبر -زاد
قالوا: ففي هذه الأمثلة وغيرها ثبت أن النجاسة تزول بغير الماء.
قال هؤلاء العلماء: وإزالة النجاسة تختلف عن رفع الحدث من أوجه كثيرة؛ فإن إزالة النجاسة كما سبق هي من باب التروك يعني الإزالات التي لا يشترط فيها النية، ولا يلزم فيها القصد، بل لو حدثت بدون فعل الإنسان وبأي أمر أزال النجاسة فإنها تطهر حينئذٍ؛ ولهذا ذهب الأئمة الأربعة وغيرهم إلى أن النجاسة في الثوب لو زالت بدون فعل الإنسان كما تزول بالمطر أو غيره وبدون علمه أنه يطهر حينئذٍ، بخلاف رفع الحدث فإنه لابد فيه من النية على القول الراجح عند الجمهور أنه لابد فيه من النية، فلو اغتسل أو توضأ بدون قصد ولا نية فإن هذا لا يرفع حدثه.
وأجاب هؤلاء الأئمة عن الأحاديث التي ورد فيها ذكر الماء كحديث أبي ثعلبة وحديث أبي هريرة في دم الحيض ونحوها، أجابوا عليها: بأننا نوافقكم أن الماء مطهر، هذا الجواب الأول، أنه يقال: إن الماء مطهر بالاتفاق فليس هناك نزاع في كون الماء مطهر، وإنما النزاع في كون غيره مطهراً أيضاً.
أيضاً أجابوا بجواب آخر وهو أنهم قالوا: إن استدلالكم بهذه الأحاديث هو استدلال بالمفهوم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام في تلك الأحاديث ما قال: لا تزل النجاسة بتراب أو باستحالة وتغير، أو بالريح والشمس أو بغيرها، أو بمائع آخر غير الماء، ما نهى وإنما أمر بإزالتها بالماء فنص على الماء، فالمنطوق هو إزالة النجاسة بالماء، أما المفهوم فهو أنها لا تزال بغير الماء.
طيب سبق معنا في الدروس بعد الأذان الكلام على اختلاف العلماء في بعض المسائل الأصولية، ومر الحديث عن المنطوق والمفهوم وأنواع المفهوم عند الأصوليين.
سؤال: هذا المفهوم في هذا المثال من أي أنواع دلالات المفهوم؟ هل هو من دلالة مفهوم الصفة مثلاً أو العدد أو الشرط أو الغاية أو ماذا؟
هذا الحديث دلالته دلالة لقب كما يقولون، لقب يعني: مسمى الماء، مثل دلالة: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر )، إلى آخر الحديث، يعني: هو سمى هذه الأشياء، سمى الماء وأنه يرفع الحدث، فهل يدل الحديث على أن غير الماء لا يرفع الحدث؟ هذا مسكوت عنه في الحديث، الذين يقولون: بدلالة مفهوم اللقب قالوا: لا يزيل الخبث إلا الماء، فقال من يرد عليهم وهم أصحاب القول الثاني قالوا: هذه دلالة لقب وفي ثبوتها نظر، وأصحاب هذا القول -أصحاب القول الثاني- هم أبو حنيفة، ورواية عند الإمام أحمد ومالك، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
إذاً: في المذهب ثلاث روايات في هذه المسألة:
الرواية الأولى كقول الشافعي : لا تزال النجاسة إلا بالماء.
والرواية الثانية كقول أبي حنيفة : تزال النجاسة بكل ما يزيلها من المائعات الطاهرة، وبالاستحالة وغيرها.
والرواية الثالثة في المذهب: أنها لا تزال بغير الماء إلا لحاجة.
والقول الراجح في هذه المسألة والله أعلم: هو القول الثاني أن النجاسة بأي أمر زالت زال حكمها، فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإن أزيلت بالماء فحسن، وإن أزيلت بغيره من المائعات الطاهرات فحسن، وإن زالت بالشمس والريح وكثرة المرور عليها فحسن، أو استحالت، أو غير ذلك، فإذا زالت النجاسة زال حكمها، ولكن لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة المحترمة في إزالة النجاسات؛ لأن هذا نوع من كفران النعم وإهانتها من جهة؛ ولأنه تفريط بهذه الأشياء التي يحتاج الناس إليها، فهي إنما أوجدت للناس للأكل والشرب ونحوهما، فلا يجوز للإنسان أن يستخدمها في إزالة النجاسات، وإنما تزال بأشياء تصلح لذلك، وليس فيها معنى أنها لا تستخدم عند الناس عادة وغالباً إلا للأكل والشرب وغيرهما، وفي هذا القول إعمال للأدلة كلها؛ لأننا إذا قلنا: تزال النجاسة بالماء وغيره نكون أعملنا جميع الأدلة السابقة دون أن نفرط في شيء منها، مع ملاحظة تجنب ما فيه معنى المأكول والمشروب .
من فوائده: نجاسة دم الحيض، وهو إجماع.
ومن فوائده كما يقول المجد ابن تيمية رحمه الله في المنتقى : أنه لا يعفى عن يسير دم الحيض؛ وذلك لأنه قال: ( تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه )، فدل على أنه لا يعفى عن يسير دم الحيض، هكذا قال، وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يعفى عن يسيره كغيره من النجاسات، يعفى عن اليسير الذي يشق ويصعب التحرز منه.
ومنها: السؤال عن الأشياء المستقذرة، وألا يمنع الحياء الإنسان، والمرأة تخاف أن تسأل عما تحتاج إليه في أمور دينها.
ومن فوائد حديث أسماء رضي الله عنها: أنه ينبغي المبالغة في إزالة دم الحيض، ولذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بحته أو حكه؛ لإزالة عينه، ثم فركه بالماء؛ لإزالة ما شرب الثوب منه، ثم رشه أو نضحه بعد ذلك، وهذا ليس على سبيل الوجوب ؛ لأنه سبق أن المقصود: إزالة النجاسة، فمهما زال أثر الدم كفى بأي أسلوب وبأي وسيلة زال.
وإنما هذه الطريقة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم فيها فوائد منها: المحافظة على الماء، وتقليل ما يستعمل في الغسل والإزالة، بخلاف ما إذا غسلته بماء كثير فتغير بدم الحيض فإن الماء ينجس حينئذٍ فلا يستفاد منه ولا ينتفع به.
كما أن في هذه الطريقة فائدة أخرى: وهي أنه يمكن استعمال الثوب بعد أن يحك ويفرك أو يغسل أو ينضح مباشرة؛ لأن الماء لا ينتشر في الثوب حينئذٍ، ومن المعروف أنهم في ذلك الوقت كانت ثيابهم قليلة، حتى أنه في حديث عائشة في الصحيح: أنه لم يكن لها إلا ثوب واحد تحيض فيه فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها كما سبق .
الحديث -أيضاً- ساقه المصنف رحمه الله مختصراً؛ لأن أصل الحديث كما عند أبي داود وأحمد وابن مندة وغيرهم: أن خولة قالت: ( يا رسول الله! إنه ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه فكيف أصنع؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اغسليه ثم صلي فيه، قالت: يا رسول الله! فإن لم يذهب الدم؟ قال: يكفيك الماء ولا يضرك أثره )، هذا سبب الحديث وهذا تفصيله وإنما ساقه المصنف رحمه الله مختصراً .
وذكر ابن عبد البر بعد سياق هذا الحديث لها قال: لعلها هي خولة بنت اليمان أخت حذيفة رضي الله عنه؛ لأنه ورد عنها حديث بالإسناد نفسه، فكأن ابن عبد البر رجح أن خولة هي بنت اليمان، وتعقبه ابن حجر رحمه الله في ذلك وأنه لا يلزم من اتفاق الإسناد: أن تكون خولة بنت يسار هي خولة بنت اليمان .
وفي تخريج المصنف رحمه الله نظران:
الأول: قوله: أخرجه الترمذي، فإن كثيراً ممن خرجوا الحديث وتكلموا في تخريجه لم يعزوه للترمذي، ومنهم الحافظ نفسه في التلخيص فقد نسبه لـأبي داود من رواية ابن الأعرابي وغيره ولم ينسبه للترمذي، وكذلك المجد ابن تيمية في المنتقى، وغيرهما من علماء التخريج ما نسبوا الحديث للترمذي، إنما نسبه للترمذي المصنف في هذا الكتاب قال: خرجه الترمذي، وكذلك نسبه للترمذي الشوكاني في نيل الأوطار، قال: أخرجه أيضاً الترمذي، ولعل الشوكاني متابع لـابن حجر في هذا؛ لأنه نقل قوله: وسنده ضعيف.
فهل الحديث في الترمذي فعلاً أم لا؟ بحثت في الترمذي المطبوع فلم أجده، ولكن ينبغي أن نتعلم ألا نسارع في النفي، فكتب السنة وبالذات الكتب الستة لها نسخ كثيرة، والترمذي له نسخ كثيرة، فاحتمال أن يكون في إحدى نسخ الترمذي وارد، وإن لم يكن قوياً لكنه وارد، فنقول: إنه ليس في الترمذي المطبوع، واحتمال وهم المصنف في هذا الحديث قائم في نسبته للترمذي .
أما النظر الثاني: فهو في قوله: وسنده ضعيف؛ لأن المصنف رحمه الله ضعف إسناد هذا الحديث؛ لأن فيه عبد الله بن لهيعة وهو صدوق، كما قال ابن حجر نفسه في التقريب، وقال العلماء: إن عبد الله بن لهيعة احترقت كتبه في آخر عمره فصار يحدث من حفظه، فمن روى عنه قبل اختلاطه أو قبل احتراق كتبه فروايته عنه صحيحة، ومن روى عنه بعد ذلك فروايته عنه ضعيفة، هكذا قال عدد من أهل العلم منهم ابن حبان وغيره، وقال بعضهم: إنه اختلط عقله في آخر عمره .
خلاصة الكلام في ابن لهيعة : أنه قبل احتراق كتبه ثقة أو صدوق، فحديثه قبل احتراق كتبه إما صحيح أو حسن، أما بعد احتراق كتبه فحديثه ضعيف، فكيف يمكن معرفة ما حدث به قبل احتراق كتبه مما حدث به بعد احتراقها؟ خلاصة قول أهل العلم في ذلك كـابن حبان وغيره: أن الذين رووا عنه قبل احتراق كتبه أربعة، أو ممن عرف أنه روى عنه قبل اختلاطه واحتراق كتبه أربعة يسمون بالعبادلة وهم: عبد الله بن يزيد المقري، وعبد الله بن وهب وعبد الله بن المبارك وعبد الله بن مسلمة القعنبي، هؤلاء يسمون العبادلة، وهم رووا عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه، فما جاء عن ابن لهيعة من طريق أحد هؤلاء العبادلة من الحديث فهو حسن أو صحيح، على اختلاف العلماء في درجة ابن لهيعة، وما ورد عن غيرهم فهو ضعيف، وهذا معتمد لدى عدد من أهل العلم، والحديث الذي بين أيدينا هو من رواية ابن وهب عن ابن لهيعة، إذاً: درجة هذا الحديث حسن أو صحيح، فالقول بتضعيفه فيه نظر، خاصة وأن ابن حجر نفسه كما ذكرت لكم ذكر في كتابه تقريب التهذيب وهو من أواخر كتبه: أن ابن لهيعة صدوق، إذاً: فحديثه عنده حسن، حديث الصدوق حسن، فيترجح أن هذا الحديث حسن.
ذكرت أن إخراج الترمذي للحديث فيه نظر، إذاً فمن أخرجه؟
والحديث كما ذكرت يتجه أن يكون إسناده حسناً .
وفيه كما في الحديث الذي قبله أيضاً: أنه لا يشترط العدد في الغسل، لا يشترط أن تغسله ثلاثاً أو سبعاً كما ذكره بعض أهل العلم، وإنما يزال، فلو زال بغسلة أو غسلتين أو ثلاث لم يشترط أن تغسله أكثر من ذلك.
وفيه: أنه لا يؤثر ولا يضر بقاء أثر الدم في الثوب بعد غسله وإن أزيل بصفرة أو نحوها فحسن؛ لأن الإنسان مأمور بالتطيب خاصة عند الصلاة، وهي ذكرت أنه ليس لها إلا هذا الثوب فهي تصلي فيه.
ومن الفوائد الظاهرة في الحديثين: أن الثوب إذا غسلت منه النجاسة جازت الصلاة فيه، وقد بوب البخاري على ذلك في كتاب الطهارة، وفي الحديثين فوائد أخرى غيرها تُلتمس في مظانها.
وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضى.
اللهم وفقنا لصالح القول والعمل.
اللهم اغفر لنا الخطأ والزلل.
اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى.
اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.
و سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك .
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر