اليوم عندنا موضوع آخر وهو موضوع: الشفعة، والشفعة مأخوذة في اللغة العربية إما من الشفع وهو ضد الوتر، يعني الاثنين ضد الواحد، وذلك لأن الشفيع ينضم إلى المالك الأصلي كما سوف يتضح.
وقد تكون مأخوذة من الزيادة، شفع في الشيء، يعني: زاد فيه، وقد تكون مأخوذة من المساعدة أو من الإعانة؛ لأن الإنسان يتدخل في البيع، يذهب البيع لفلان فيطلب أن يكون البيع له هو بحكم أنه جار مثلاً أو شريك في هذا الملك.
وأما من حيث الاصطلاح والمعنى الفقهي، فقد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الشفعة.
والمصنف رحمه الله عرفها بقوله: [ استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها ]، ويمكن أن نقول: هو استحقاق شريك أو جار أخذ بيع آخر بثمنه.
مثلاً هذه الأرض مشتركة بيني وبينك، فبعتها أنت على شخص آخر بدون علمي، فهنا يكون المالك الأصلي الذي يملك قسماً من الأرض له استحقاق أن ينتزع هذه الأرض المبيعة من مشتريها بالثمن. هذا هو المعنى.
وكذلك جاء في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الجار أحق بشفعة جاره )، وهذا الحديث عند أبي داود وابن ماجة وسنده جيد.
واللفظ الآخر أيضاً: ( الجار أحق بسقبه )، وهو حديث صحيح .
والسقب هو: الشقص أو التعلق المتعلق.
إذاً: عندنا مجموعة أحاديث صحيحة تدل على جواز الشفعة وحصولها، ووقع الإجماع من أهل العلم على إقرارها من حيث الأصل.
قال: [ولا تجب إلا بشروط سبعة]، لماذا قال المصنف رحمه الله: (ولا تجب الشفعة إلا بشروط سبعة)؟ معناه: أنها لا تقع، يعني الوجوب هنا ليس معناه الوجوب الشرعي، وإنما المقصود أنها لا تقع الشفعة ولا تمضي إلا بشروط سبعة كما سوف يتضح.
وإنما لما قال المصنف رحمه الله: (البيع) قصد أنه لو أن الشفعة انتقلت بعوض غير مالي، هل يكون الأمر أيضاً أن الشفعة جائزة أو لا؟ مثل أيش العوض غير المالي؟ العوض غير المالي لو قالوا على سبيل المثال: لو أنه مقابل خلع، افرض أن المرأة هذه تملك نصف الأرض وخالعت زوجها: أن طلقني وخذ أرضي هذه، هذا عوض أو لا؟
لكن هل هو عوض مالي؟ لا، المقابل أنها تفتك من شره -إن كان به شر- فهنا قالوا: إذا كان المقابل عوضاً غير مالي فهل تمضي الشفعة أو لا تمضي؟
على طريقة المصنف أنها لا تقع، وهذا مذهب الحنابلة ومذهب الأحناف أيضاً، بينما ذهب مالك والشافعي : إلى أن الشفعة تقع في هذه الحالة، تقع الشفعة، وفي مثل الحالة التي ذكرنا فإن المرأة بدلاً من أن تعطي الزوج قطعة الأرض تعطيه قيمتها المالية وتعود الأرض إلى مالك النصف الآخر، مالك الشقص الآخر، ويدفع ما يعادل ويساوي قيمة هذه الأرض.
ويقابل هذا القول القول الآخر وهو رواية عن الإمام مالك ومذهب الظاهرية أنهم قالوا: الشفعة تكون في كل شيء.
يعني لو كانت هناك سيارة بيني وبينك، دفعنا قيمتها بالمناصفة، ثم أردت تبيع هذه السيارة أو بعتها على أخيك، في الحالة هذه المالك الثاني مالك النصف الآخر بإمكانه أن يقول: لا أقبل أن تبيع السيارة على أخيك وأنا أحق بالسيارة وهذه قيمتها، فأعطاك أخوك ثلاثين ألفاً، هذه ثلاثون ألفاً ويخرج أخوك من السيارة. هذا مذهب الظاهرية ورواية عن الإمام مالك، حتى إنهم قالوا: إن الشفعة تقع حتى في السير، وقد جاء في هذا حديث لا يصح.
ولذلك لا دليل على أن الشفعة تكون في المنقولات، وإنما الشفعة تقع في الأرض وما يلتحق بها على وفق ما ذكره المصنف رحمه الله، وهو مذهب الجمهور.
الشقص معناه: القسم أو الجزء. والمشاع ما معناه؟
المشاع غير محدد، بمعنى: أن لك نصيباً غير محدد، لكن لو تم تحديد النصيب أنه من المكان الفلاني إلى المكان الفلاني لك، وما وراءه إلى الحد الآخر فهو للشريك. هنا تجرى الشفعة أو ما تجري؟
على قاعدة المصنف لا تجري، وهذا مذهب كثير من الأئمة؛ لأنهم يقولون: تتحول من شريك إلى مجاور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث جابر : ( فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ) هذا قول.
وهناك قول آخر اختاره ابن تيمية رحمه الله وابن القيم أنهم قالوا: إذا كان بينهم شيء مشترك يتضرر الإنسان بالشريك، مثل طريق مشترك، أو بئر مشتركة، أو ما أشبه ذلك؛ فالشفعة جارية، وهذا قول فيه نوع من الاعتدال والتوسط، إذا كان بين الشريكين أو المتجاورين حتى الجيران بينهم شيء مشترك يتضرر أحدهما به فالشفعة هنا ماضية، أما إذا لم يكن بينهم شيء مشترك إلا الحدود فحينئذ نقول: لا شفعة إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فهؤلاء جيران وليسوا شركاء.
وحديث: ( الجار أحق بسقبه ) دليل لمن قالوا: بأن الشفعة تقع للجيران، ويحمل على ما إذا كان بينهما معنىً مشترك جمعاً بينه وبين حديث جابر في البخاري : ( إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ) حتى مع الشريك.
متى يكون غير قابل للقسمة؟
مثل ما لو كان أمراً صغيراً جداً، مثل البئر غير قابل للقسمة، مثل الطريق إذا كان طريقاً ضيقاً لا ينقسم.
إذاً: لابد أن تكون الشفعة في شيء يقبل القسمة بدون ضرر، بدون أضرار بالملك مثلاً، فأما غير المنقسم فلا شفعة فيه.
لو أن الأرض بيعت على اثنين، على أبو عمر وعلى صالح ، بعتها عليهما بالمناصفة، وجاء الشريك قال: أنا أريد أن أدخل مدخل أبي عمر، هنا لا يقبل، قال له: إما أن تدخل مدخلهما وتأخذ الأرض كلها أو لا شفعة لك؛ لأنه لا يمكن تبعيض أو تقسيم الصفقة، لأنه ربما لو دخل مكان أبي عمر لجاء صالح السنيدي وقال: أنا أيضاً أستقيل من البيعة، فيكون من جراء ذلك إفساد العقد، فلابد أن يدخل محلهما معاً، يعني: يأخذ المكان المشفوع فيه كاملاً.
الأرض بيعت بمائة مليون.. تحضرها، وقال: وأنا ما عندي مائة مليون، أنا الأرض هذه سوف أقوم بتخطيطها ثم آخذ من المساكين المال وأضع في جيبي ما يسر الله من الربح الإضافي وبعد ذلك أسدد لكم، هل يقبل منه أو لا يقبل؟ لا يقبل، يقبل إذا كنت تريد شفعة والأرض أنت أحق بها فعليك أن تدفع المال الذي يريده فوراً.
طيب! لو أن مالك الأرض قد أمهل الدائن المشتري، وقال له: يبقى الثمن عندك سنة، فهل يستطيع الشريك أن يقول: تعطيني مهلة مثلما أعطيت الأول؟
لا يلزم، لو قال: أنا حر في مالي، حتى لو وهبتها له هبة ما هو من حقك أنك تتدخل فيها، لو أعطيته إياه هدية، وهنا لا شفعة أو ميراث أو أي شيء، فلو أنني أمهلته سنة ربما أنا أطمئن إليه وأثق بسداده ولا أثق بسدادك، فبالنسبة لك إما أن تحضر المال الآن أو لا شفعة لك.
هذا ذكره المصنف رحمه الله، وهو قول الحنابلة والإمام الشافعي في إحدى الروايتين عنه وأبي حنيفة، يرون أن الشفعة كحل العقال، وهذا جاء في حديث: ( الشفعة كحل العقال ) ولكنه حديث ضعيف لا يصح، والمقصود: ( كحل العقال ) يعني: أنه يشفع الآن، بيعت الأرض يقول: أنا أشفع، أما لو سكت فلا شفعة له، فنقول: هل الأمر كما ذهب إليه هؤلاء بناءً على حديث ابن ماجة : ( الشفعة كحل العقال ) وهو حديث ضعيف كما ذكرنا، أو نأخذ بالقول الثاني أن الشفعة على التراخي، وهذا مذهب الإمام مالك وهو رواية ثانية عند الإمام الشافعي .
نقول: القول الوسط بينهما: أن الشفعة على التراخي ما لم يعلم الشريك ويظهر منه الرضا والإقرار، بمعنى: لو علم أن الأرض بيعت على فلان، وهذا فيه شهود أنه علم، ولم يدع ولم يقل: أنا أشفع في الأرض، فهنا لا يلتفت لقوله بعد ذلك؛ لأنه يترتب على ذلك ضياع مصالح الناس وتعطيل العقود، لكن لو أنه كان صغيراً أو غريباً أو سجيناً أو لم يعلم ثم علم بعد ذلك، فنقول: حتى ولو كان ذلك متراخياً متأخراً فإن له الشفعة.
إذاً: هذه هي الشروط السبعة التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى.
الثاني: [أن يكون عقاراً أو ما يتصل به من البناء والغراس].
العقار هنا بفتح العين أم بضمها؟ عقار بالفتح، إذا قلنا: عُقار فما هو؟ العقار العلاج الذي يصرفه الدكتور الطبيب، وإن كسرنا العين وقلنا: العِقار فهو ما يلحق العقل من الخمر، عاقر الخمر، يعني: شربها فغطت على عقله.
إذاً: هو العَقار أو ما يتصل به.
[الثالث: أن يكون شقصاً مشاعاً، فأما المقسوم فلا شفعة.
الرابع: أن يكون مما ينقسم] يعني: يقبل القسمة.
[الخامس: أن يأخذ الشقص كله] يعني: ما يأخذ بعضه ويترك بعض.
[فإن طلب بعضه سقطت الشفعة.
السادس: إمكان أداء الثمن] يعني: القدرة على تسليم الثمن. وبالنسبة للثمن قال: [إن كان مثلياً فعليه مثله] يعني: لو كان الثمن حبوباً مثلاً موزوناً أو مكيلاً أو زيتاً أو ما أشبه ذلك فعليه مثله، [وإن لم يكن مثلياً فعليه قيمته]، يعني ما يساويه في السوق. [وإن اختلفا في قدره] يعني: في قدر الثمن، [ولا بينة لهما، فالقول قول المشتري مع يمينه] يعني هذا أحد الأقوال وهو الظاهر، أن القول قول المشتري إن هذه الأرض اشتريتها بمائة ألف ريال مع اليمين.
[السابع: المطالبة بها على الفور، فإن أخرها بطلت شفعته إلا أن يكون عاجزاً عنها] يعني: عاجزاً عن المطالبة، [لغيبة أو حبس أو مرض أو صغر، فيكون على شفعته متى قدر عليها، إلا أنه إن أمكنه الإشهاد على الطلب بها فلم يشهد بطلت شفعته] يعني: لما علم أو رجع من السفر أو خرج من السجن وحضر المجلس وقالوا: الأرض الفلانية بيعت، فقال: أنا شريك فيها، اشهدوا يا معشر الحضور أنني قد شفعت فيها.
[فإن أخذ من الأول رجع عليه الثاني بما أخذ فيه] يعني: لو فرضنا أن الأرض بيعت على واحد واثنين وثلاثة.
طيب. لو فرضنا في الأرض التي اشتراها أن فيها زرعاً أو ثمراً بادياً أو غير بادٍ، هنا قال: له قلعه إذا كان لا يتضرر بذلك.
[وإن كان فيه زرع أو ثمر باد فهو للمشتري] الذي اشترى وزرع وغرس.
[يبقى إلى الحصاد أو الجذاذ] لأن هذه مصلحة ولا يمكن إفساده أو إتلافه.
قال: [وإن اشترى شقصاً وسيفاً في عقد واحد فللشفيع أخذ الشقص بحصته] يعني: اشترى قطعة من الأرض وسيفاً بعقد واحد من هذا الشخص، فكيف نصنع؟ قال: يأخذ نصيبه من الأرض بحصته، فإذا كان السيف يشكل مثلاً (10%) من القيمة، والأرض (90%)، وتجري الشفعة في الأرض فقط وليس في السيف.
مالك رحمه الله يرى أن السيف هنا تجري فيه الشفعة تبعاً للأرض كما ذكرنا قبل قليل.
الجواب: والله! الفطرة تكره المعصية، لكن أيضاً الإنسان قد يكون جُبِل على الشهوات: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ [آل عمران:14] والحديث: ( كتب على ابن آدم حظه من الزنا ) .
الجواب: الإعراض جيد، أنا أرى أنه: امض في سبيلك ولا تكثر الالتفات، هذه السياسة الحكيمة في هذا الوقت وإلا تتعب، رقبتك تتعب من كثرة التلفت، اصمد في سبيلك وأبشر بالخير.
الجواب: لا تجمع، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا العدل، وأما ما يقع فيه الناس اليوم فالله المستعان.
الجواب: الاحتكار ذكرناه في وقته وأنواعه، وليس من التطفيف، هو باب آخر، لكن قد يكون محرماً، وهو الغالب إذا كان يترتب عليه أضرار أو منع الناس من حقوقهم.
الجواب: لا، تكون (إن) منفصلة، وبعد ذلك (شاء) فعل ماض منفصلة أيضاً.
الجواب: نعم، للإمام البيهقي كتاب اسمه: الأسماء والصفات تحقيق الدمياطي، وهو كتاب جيد ومفيد، وحققه جماعة من الإخوة.
الجواب: نعم، لكن لم يقل فيما أعلم الحديث، ربما يقصد حديث زاذان الذي عند الترمذي وأبي داود وفيه كلام وأحمد وحسنه غير واحد، لا أعلم أن في الحديث أنه قال: في الأرض السابعة، ويراجع الحديث.
الجواب: هذا الحديث في البخاري .
الجواب: لا، المكذبين لا تكون في المؤمن، الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المطففين:11]، أما المطففون فتكون للمؤمن وغيره.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر