إسلام ويب

شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع - باب السبقللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاء الشرع بجواز السبق بغير عوض بلا خلاف بين أهل العلم، أما ما كان بعوض فجماهير العلماء على جواز ذلك في أمور ثلاثة: النصل والخف والحافر، وأضاف بعض العلماء كل ما يتحقق به القوة والاستعداد على الجهاد، ومنهم من أدخل المسابقات العلمية، وللعلماء تفصيل في حكم أخذ الجوائز على المسابقات التي تقوم بها المؤسسات التجارية والصحف والقنوات الفضائية.

    1.   

    تعريف السبق

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    الباب الذي عندنا اليوم هو باب السَبَق.

    والسبَق، يقال: السَبق، ويقال: السبْق، وبينهما فرق، فإذا قلنا: السبْق فهو حينئذ مصدر، فنقول مثلاً: السبق يكون في كذا، فلان سبق فلاناً سبقاً، فهو مصدر للفعل الذي هو أن يتبارى اثنين في شيء ويتغلب أحدهما على الآخر فيه، سواءً كان مسابقة على الأقدام، أو في دراسة، أو في دنيا، أو في تجارة، أو في تدريب على رمي.. أو ما أشبه ذلك، هذا السبق.

    أما السبَق -بفتح الباء- فله معنى ثان ما هو؟

    المقصود بالسبق بفتح الباء: هو الجُعل الذي يوضع للمتسابقين، هذا هو السبق، مثلاً لو أنا وإياك سوف نتسابق على خيل، وأنا قلت: هذه ألف ريال، وأنت قلت: هذه ألف ريال، وتسابقنا، فالألفان تسمى سبقاً، لكن كوني أنا وصلت قبلك هذا يسمى سبْقاً.

    إذاً: السبَق هو الجُعل الذي يُعطى، ونحن نسميه الرهان أو المراهنة، وحتى كلمة الرهان كلمة صحيحة عربية.

    إذاً هذا هو معنى السبق كما ذكره المصنف.

    وهذا البحث على أنه موجز ومختصر إلا أنه مهم جداً تطور في العصر الحاضر، فنحن نجد الآن المسابقات في الحياة في كل مكان، في وسائل الإعلام، ما من جريدة إلا وفيها مسابقة ثقافية، وفي التلفزيون، وفي القنوات الفضائية، وفي مواقع الإنترنت، وحتى الهاتف، مسابقات حدِّث ولا حرج، وتفنن فيها، بل تفنن في أخذ المال من الناس.

    مثلاً تأتيك رسالة بالجوال أحياناً: مبروك حصلت على جائزة، ما عليك إلا أن تتصل بالرقم الفلاني.

    فبعض السذَّج يظن أن المسألة فعلاً أنه حصل على جائزة فيتصل، الاتصال هذا محسوب عليك، هم أخذوا من جيبك، فإذا اتصلت قالوا لك: اضغط على رقم اثنين، إذا ضغطت على رقم اثنين، قال لك: أجب على الأسئلة التالية، فإذا أجبت وكانت إجابتك صحيحة تأهلت، وأصبحت واحداً من مليون شخص دخلوا في المسابقة، هم حصلوا من خلال مليون شخص على مبالغ طائلة؛ لأن في الحالة هذه رسوم الاتصال الهاتفية تكون مرتفعة مثل سبعمائة، رقم السبعمائة، رسوم الاتصال غير الرسوم العادية، فيكونون أخذوا منك ومن آلاف بل مئات بل ملايين الناس، وأعطوا أفراداً قلائل، والباقي ادخروه لأنفسهم وفازوا به، فلذلك أصبحت المسابقات اليوم جزءاً ملحاً جداً في حياة الناس وواقعهم.

    هذا فضلاً عن الجوائز التي توضع في البقالات.. في محطات الوقود مثلاً.. على شراب علب البيبسي، على أشياء كثيرة جداً، كل هذا يدخل في باب السبق. ‏

    ذكر أسماء بعض الكتب في المسابقات

    هناك كتب أعدت ورسائل علمية في هذا الموضوع، منها على سبيل المثال: كتاب الميسر حقيقته وحكمه وتطوراته، وهو رسالة علمية رسالة دكتوراه لباحث اسمه فارس القدومي .

    وهناك أيضاً رسالة أخرى هي عبارة عن بحث للدكتور رفيق المصري، وهو اقتصادي شهير، عنوانها: الميسر والقمار المسابقات والجوائز .

    وهناك المسابقات وأحكامها للدكتور سعد الشثري .

    وهناك رسالة لدكتور اسمه زكريا الطحان ربما كانت من أفضل ما كتب في هذا الباب عنوانها المسابقات والجوائز وحكمها في الشريعة الإسلامية.

    أمور ينبغي مراعاتها في المسابقات

    فيما يتعلق بالسَبَق والمسابقات يراعى فيها ثلاثة أشياء:

    الأمر الأول: أن من مقاصدها أحياناً الترفيه البريء أو غير البريء، فالترفيه مقصد في المسابقات، أي: أن الإنسان يتسلى أو يرفِّه عن نفسه، وهذا المعنى مأذون به شرعاً، بل مطلوب أحياناً؛ لئلا يمل الإنسان، مطلوب للصغار، ولو توسعوا فيه لطبيعة سنهم، ومطلوب للكبار أحياناً ليدفعوا عنهم الملل.

    المعنى الثاني: المال، وهو أيضاً وارد في هذه المسابقات، أي: أن يحصل الإنسان على المزيد من المال، ولا شك أن الحصول على المال هنا يتطلب معرفة الحكم الشرعي في العوض على المسابقات.

    المعنى الثالث المطلوب والموجود في المسابقات هو: الوقت، فإن بعض المسابقات تعتمد على التسلية بإضاعة الوقت أو قتل الوقت كما يسمونه، ولا شك أن هذا المعنى من المعاني التي جاءت الشريعة بضبطها، بمعنى: أن لا يضيع الإنسان وقته في غير طائل وفيما لا يرضي الله تبارك وتعالى.

    ولذلك يتكلم العلماء عن هذه المعاني تبعاً للحديث عن موضوع السبق.

    1.   

    القمار والميسر عند العرب وزواله لمجيء الإسلام

    السبق والمسابقة كان موجوداً في الجاهلية بصور مرذولة ومحرمة كالقمار والميسر، وهو يكون على نوعين: قمار المال وقمار اللهو، أو ميسر المال وميسر اللهو.

    فأما القمار المالي فهو الذي يكون فيه الإنسان إما غارماً أو غانماً، بمعنى: أن يكون هناك طرفان أو أكثر من طرفين -كثلاثة أو حتى مائة أو ألف أو ربما مليون إنسان- اتفقوا على عقد معين، بحيث إن هناك عوضاً اشتركوا جميعاً في دفعه، ويحصل عليه أحدهم عند تحقق شرط من الشروط، مثل أن يكون حصل على الفوز أو السبق، فهذا هو قمار المال.

    وهناك قمار يسميه العرب قمار اللهو، الذي ليس فيه عطاء وأخذ ولا مال، وإنما هو عبارة عن لهو وتسلية مجردة.

    والله سبحانه وتعالى ذكر الميسر في القرآن الكريم، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90] إلى قوله سبحانه: يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ [المائدة:91]، فدل على الآثار السيئة المترتبة على هذا الأمر والتي حرم الميسر والقمار بسببها؛ لأنه يوقع العداوة والبغضاء والحزازات في النفوس، ويصدهم أيضاً عن ذكر الله وعن الصلاة، وأمرهم بالانتهاء عنه وقرنه بالخمر.

    ولذلك نجد أن الإسلام لما حارب هذا النوع زال، حتى أن ابن قتيبة رحمه الله لما أراد أن يكتب عن الميسر والأزلام عند العرب لم يجد مادة تذكر، وكان يقول: لأن الإسلام لما حرمها انقرضت واندرست حتى لا تكاد تجد إلا آثاراً يسيرة في هذا الجانب.

    1.   

    الأدلة على مشروعية السبق بغير عوض

    هناك المسابقة، مثل السبق على -مثلاً- الأقدام أو المسابقات الثقافية، أو المسابقة في أي جانب من الجوانب إذا لم يكن فيها ضرر واضح، وإنما هي عادية مثل المسابقة على الأقدام أو على غيرها، ولكن من غير عوض، فما حكم هذه؟

    هذه جائزة بلا خلاف، وقد ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم كما في قول إخوة يوسف : إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ [يوسف:17] يعني: يتسابقون على أقدامهم، وأيضاً في الصحيح: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة فسبقته في الأولى وسبقها في الثانية -لما ثقلت وكثر عليها اللحم- وقال صلى الله عليه وسلم: هذه بتلك ).

    إذاً: أجمع العلماء وأجمعت الأمة في الأصل على جواز هذه المسابقات، ولكن اختلفوا في تفاصيلها، واختلفوا في مسألة درجة المشروعية، هل يقال في بعضها بالاستحباب أو يقال بالجواز أو يقال بالكراهة.. إلى غير ذلك.

    ولذلك نقول: إن السبق بغير عوض جائز، وهو من العقود الجائزة، ونقصد أيضاً بالجائزة هنا أنه ليس بلازم، بمعنى: أنه لو اتفقت معك على المسابقة، ثم طرأ لي وتراجعت، يمكن أو ما يمكن؟ يمكن.

    إذاً: هو عقد جائز وليس بعقد لازم، فيمكن لأي واحد من الطرفين أن يتراجع ويفسخ هذا العقد، ولكن مجالات المسابقة التي يتسابق الناس فيها هي التي فيها خلاف كثير، يعني: في ماذا يتسابق الناس؟

    1.   

    التفصيل في حكم المسابقات التي فيها عوض

    هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لعل المصنف رحمه الله أشار إليه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر )، فهذا الحديث الصحيح دل على المسابقة في ثلاثة أشياء:

    النصل: وهو طرف السهم، فالمسابقة في الرمي بالسهام، ويؤخذ منه المسابقة في هذا النوع.

    وكذلك الخف: وهو المسابقة على الإبل.

    وكذلك الحافر: وهو المسابقة على الخيل.

    فنص النبي صلى الله عليه وسلم على المسابقة في هذه الأشياء، والمقصود هنا المسابقة عليها بعوض.

    إذا كان العوض من الإمام الحاكم، أو من رعاية الشباب، أو من نادي الفروسية -مثلاً- التي هي جهات حكومية فلا إشكال فيها مطلقاً.

    إذا كان العوض ليس من الحاكم وإنما من شخص متبرع، كأن قال أحد المحسنين: هذا كأس مثلاً أو هذه جائزة بمائة ألف أو سيارة للفائز، هذا أيضاً لا إشكال فيه.

    الحالة الثالثة: إذا كان السبق أو العوض من أحدهما والآخر لم يدفع عوضاً، وقال: إذا فزت فخذ هذا، وإذا لم تفز فلن تأخذه، هذا أيضاً بالاتفاق أنه لا إشكال فيه.

    نبقى في حالة رابعة: إذا وجد المحلِّل، دخلت أنا وإياك في سباق وعبد العزيز دخل معنا بحيث لا يدفع شيئاً، فهذا أيضاً ورد عن سعيد بن المسيب، وجاء فيه حديث في السنن، ولكنه لا يصح، وأشهر من قال بالمحلِّل هو سعيد بن المسيب، وأخذه عنه من جاء بعده، فقالوا حينئذ: يجوز؛ لأنه وجد شخص يمكن أن يأخذ العوض منهما، فالشخص قد يكون غارماً أو غانماً أو سالماً، فلا يكون من الميسر.

    الحالة الخامسة: أن يكون العوض منهما، فأدفع مالاً وتدفع مالاً، والفائز منا يأخذ هذا المال، فإذا كان السبق هنا على بعير أو على فرس أو في سهام فهو جائز بنص الحديث، وقد قصره الجمهور على هذه الأشياء الثلاثة.

    فئة ثانية من العلماء قالوا: يجوز في الأشياء الثلاثة وما كان في معناها من كل ما يتحقق به القوة والاستعانة على الجهاد، مثلاً الرمي بالبندقية ما ورد النص عليه، ولكنه أولى منها أو لا يقل عنها أهمية، أو غيرها من آلات الحرب المتجددة، وهذا ذكره أئمة الشافعية وغيرهم.

    والأولى أن يقال: إن ذكر الثلاثة في الحديث هو على سبيل المثال، وأن قوله: (لا سبق) يعني: لا سبق كاملاً وفاضلاً أو ما أشبه ذلك، ونحن نعلم يقيناً -والله أعلم- أن الحديث ليس ذكر الثلاثة فيه تعبدياً وإنما هو لرعاية المصلحة، ولأن هذه الأشياء يستعان بها في الحرب والجهاد والتدرب على فنون الرمي والركض والقتال.. وغير ذلك، فما كان من بابها فالأولى أن يُلحق بها، بحيث نقول: إن كل ما كان يستعان به على القوة فهو داخل في هذا الباب، ويجوز فيه المراهنة، يعني: بين الطرفين.

    1.   

    حكم المسابقات العلمية

    طيب! هل يدخل في ذلك المسائل العلمية، مثل المراهنة على الكتاب الفلاني أنه لفلان وأنت تقول: بل لفلان، أقول: أنا هذا الكتاب مثلاً لـابن قتيبة، قلت أنت: لا هذا للبيهقي، ووقع رهان على هذا الباب، فهل هذا جائز أو ليس بجائز؟

    أيضاً الجمهور يمنعون ذلك، وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله وابن القيم في كتاب الفروسية أن ذلك جائز، واستدلوا بأدلة قوية، من أدلتهم قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع مشركي مكة لما اختلفوا في مسألة غلبة فارس والروم، غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم:2-3]، ( فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول لقريش: سوف تتغلب الروم وتنتصر -لأنهم أهل كتاب- وكانت قريش يقولون: ستنتصر الفرس -وهم عبدة النار، المجوس - فغلبوا وأخذ أبو بكر رضي الله عنه الرهان، وأقره على ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم )، والحديث ذكره أهل العلم، وهو حديث صحيح.

    وكذلك من أدلتهم قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع ركانة قد يستدل بها، وهذه ليست في محض العلم، ولكنها في الباب الذي ذكرته في قضية المسابقة فيما فيه مصلحة، لما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صارع ركانة ) والحديث ذكره الترمذي وصححه، وله طرق متعددة، وإن كانت كلها ليست بقوية لكن يشد بعضها بعضاً، ( فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة وأخذ منه شاة، قال: أخرى، فصرعه، قال: ثالثة، فصرعه، فقال ركانة : يا محمد! الشاة الأولى أكلها الذئب، والشاة الثانية انكسرت، لكن ماذا أصنع بالثالثة؟ -يعني: كيف أعتذر عند أهلي؟- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنا لنغلبك ونرزأك غنمك، خذها فهي لك )، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم منها شيئاً .

    فالمقصود أن هذين الحديثين وما كان من مجراهما يدلان على أن المراهنة والمسابقة لا تقتصر على النصل والخف والحافر، بل يمكن أن تقال في كل ما كان فيه قوة وإظهار للدين من الأشياء المادية البدنية أو من الأشياء المعنوية العلمية، مثلما ذكرنا في مراهنة أبي بكر مع قريش، وإن كانت المسألة فيها اختلاف بين أهل العلم، لكن هذه هي الخلاصة.

    1.   

    التفصيل في حكم جوائز المسابقات

    نبقى في موضوع الجوائز التي يكثر الحديث عنها، وهذه الجوائز أيضاً إذا كانت الجوائز من جهة خارج الموضوع كالسلطة أو شركة أو وزارة.. أو ما أشبه ذلك -جائزة محضة- فهذه لا بأس بها.

    لكن إذا كانت الجائزة من المتسابقين فيقال فيها ما يقال في الأمر السابق: أن الأصل فيها أنها من الميسر، ونحن نقول: إن ما جاز الرهان فيه مما سبق فهو استثناء من الميسر، هو ينطبق عليه تعريف الميسر أو القمار ولكنه استثني لمصلحة، فنقول بجوازه إذا كان لا يترتب عليه ضرر على الناس في دنياهم ولا ضرر عليهم في دينهم، ولا يكون هذا مصدر رزقهم، وإنما رئي فيه مصلحة في حدود الاعتدال، فيجوز لذلك.

    1.   

    حكم جوائز المؤسسات والمحلات التجارية والصحف وغيرها

    الجوائز التي تكون أحياناً في بعض المؤسسات، أو في بعض المحلات التجارية أو المحطات، أو تكون جائزة على سلعة معينة هل تجوز أو لا؟

    بعضهم أجازها بشروط، مثل أن تكون الجائزة معلومة، ومثل أن يكون الإنسان قصده السلعة وليس قصده الجائزة، وهذا هو الذي أختاره: أن هذه الجوائز تباح بشرط حتى لو كانت مجهولة؛ ما في مانع لأنه فيما يتعلق بالهبة تغتفر الجهالة، ليست المسألة مسألة بيع وشراء، قد تكون الجائزة ريالاً أو ألفاً أو أكثر فلا يضر؛ لأنه ليس بيعاً وشراء بحيث إنه يترتب عليه معرفة أو عدم معرفة، حتى لو وجد جهالة فإنها تغتفر في الهبات، لكن الذي يُمنع أن يكون الإنسان قصد الجائزة، لا أن يكون قصد السلعة.

    فلو أن الإنسان مثلاً عبأ سيارته (بنزين) من هذه المحطة فهنا حصل على جائزة قلَّت أو كثرت فهي له؛ لأن البنزين مما تمس الحاجة إليه، ومن غير المعقول أنه بعد ذلك سوف يأخذ هذا البنزين يستخرجه من السيارة ليبيعه ويكون قصده الجائزة فقط.

    وكذلك لو أن الإنسان أصلاً أراد أن يشتري سلعة أو طعاماً أو شراباً، فاختار ذلك المكان الذي فيه جوائز على الشراء، فهنا هو قصد هذه السلعة يحتاجها، والأظهر أن ذلك لا بأس به.

    لكن لو كان قصد الإنسان الجائزة، بمعنى: أنه اشترى علبة البيبسي من هذا المحل، ولما حصل على جائزة مثلاً أو غيرها راح وباع هذه العلبة، معناه: أن قصده لم يكن شراء السلعة كحاجة وإنما كان قصده أن يشتريها ليستفيد من ورائها الجائزة، وبطبيعة الحال لو اشتراها وهو لا يريدها ولا يحتاجها، فهذا إتلاف أيضاً فيكون محظوراً؛ لأنه يترتب عليه شيوع الروح المادية الاستهلاكية عند الإنسان.

    وقد يقول البعض: إن هذا يترتب عليه منافسة بين أصحاب المحطات أو أصحاب المحلات، فأقول: وليكن، هذه منافسة في أمر للناس فيه بعض الفائدة، مثل منافسات التخفيض، فإذا وضع هذا جائزة ضع أنت جائزة مثله أو أكثر منه لمن يشتري، لا شك أن التخفيض أولى؛ لأنه يستفيد منه الناس كلهم، بخلاف الجائزة، فإنما يستفيد منها أفراد معدودون، لكن أيضاً لا مانع من أن يقال بجواز ذلك، يعني هذا من حيث الجملة هو أهم ما قيل في الموضوع.

    وقد ذكرنا الجوائز التي تجري في الصحف مثلاً، فجوائز الصحف يقال فيها ما يقال في التي قبلها، إن كان الإنسان يشتري الجريدة وهو يقرؤها عادة وشارك في مسابقتها وفاز فلا بأس، لكن لو لم يكن كذلك وإنما اشترى الجريدة من أجل الفوز بالمسابقة، فهنا نقول بالمنع والتحريم؛ لأن الحصول على الجائزة هو سبب الشراء أصلاً، ويصبح الإنسان كأنه يدخل في آلاف المسابقات رجاء أن يفوز، ويضيِّع كل ما معه دون أن ينتفع بشيء.

    1.   

    حكم المسابقات عبر محطات التلفزة

    وهكذا المسابقات التي تقع في محطات التلفزة، فهذه المسابقات على أنواع، منها مسابقات ترتفع فيها الرسوم، تكون الدقيقة مثلاً بسبعة ريالات بدلاً من ثلاثة ريالات، مثل مسابقة (من سيربح المليون) أو غيرها، فهذه المسابقة يأخذون هم نسبة من قيمة الاتصال، وهذه النسبة تكون ضخمة جداً، ومنها يستخرجون جوائز والباقي يمولون به البرنامج، وقد تأخذ القناة أيضاً منه شيئاً؛ لأنهم يحصلون على مبالغ هائلة، فهنا الذين يدخلون في هذه المسابقات هم إما غانم أو غارم، ومن مجموعهم تؤخذ هذه الجوائز.

    لكن لو أن المسابقات كانت بالسعر المعتدل، يعني: دون زيادة، بمعنى: أن أجور أو رسوم الاتصال الهاتفي هي ثلاثة ريالات لا تزيد، ففي هذه الحالة يجوز إجراء المسابقات ومنح الجوائز، ويجوز المشاركة فيها.

    وأيضاً: لو فرض أنه وجد تنسيق بين القناة أو بين الشركة مثلاً -إذا كانت مسابقة هاتفية- وبين شركة الاتصالات أو الهاتف؛ بأن شركة الهاتف تعطيهم هامشاً من الرسوم، يعني: تُخفِّض لهم وتعطيهم هم، لكن بالنسبة لي كمشارك ما زاد علي شيء، في هذه الحالة لا بأس بذلك؛ لأنه بالنسبة لي لست غارماً؛ لأن قيمة الاتصال هي القيمة العادية، فلا يظهر في ذلك إن شاء الله بأس.

    وقد رأيت بحثاً للدكتور خالد المشيقح بارك الله فيه عنوانها المسابقات والألعاب، أظن أننا استخرجناه من الإنترنت، وهو بحث جيد وذكر فيه الخلاف، وإن كان ليس هناك تطابق مع ما ذكرته من كل وجه؛ لأنه قسم المسابقات إلى ثلاثة أقسام: محرم ومباح ومسنون، يعني: بحسب ما وصل إليه رأيه واجتهاده في حكمها الشرعي، ولكنه بحث جيد.

    1.   

    شرح باب السبق من متن عمدة الفقه

    التفصيل في حكم المسابقة بجعل وبغير جعل

    ننتقل هنا إلى ما ذكره المصنف رحمه الله فهو يقول: [ يجوز المسابقة بغير جُعل في الأشياء كلها ].

    يعني: السبق بغير عوض من الشخص نفسه.

    [ ولا تجوز بِجُعل ].

    يعني: من الأطراف المتسابقين سواء كانوا اثنين أو أكثر.

    [ إلا في الخيل والإبل والسهام؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو هريرة : ( لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر ) ].

    والحديث رواه أبو داود وسنده صحيح، وقد ذكرنا معنى النصل والخف والحافر.

    [ فإن كان الجُعل من غير المستبقين جاز ].

    كأن يكون من السلطان.. من الحاكم.. من ولي الأمر، أو أن يكون من متبرع غيرهما.

    [ وهو للسابق منهما، وإن كان من أحدهما فسبق المخرِج أو جاءا معاً أحرز سبقه ولا شيء له سواه ].

    هذا واضح، يعني: لو أنا وضعت مائة ريال وأنت لم تضع شيئاً، ثم تسابقنا ووصلنا في الوقت نفسه، ما الذي يحصل؟ ترجع المائة لي وأنت ليس لك شيء -هذا لا يحتاج إلى تطويل- وإن سبق الآخر أخذه، أي: إذا سبقتني تأخذ المائة التي جعلتها لك.

    شروط جواز المراهنة بوجود المحلل

    [ وإن أخرجا جميعاً ].

    أخرج هذا مائة وهذا مائة.

    [ لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللاً يكافئ فرسه فرسيهما ].

    فهنا على مذهب المصنف رحمه الله وهو قول مشهور معناه: أنه حتى في النصل والخف والحافر لا يجوز المراهنة إلا بوجود محلِّل، وقد نقل هذا أو كما ذكر ابن القيم رحمه الله قال: إن هذا القول لا يُشهر ويعرف إلا عن سعيد بن المسيب، وهو قول ليس بقوي، حتى الحديث الوارد فيه ضعيف، وإنما قال: اشتهر عند الفقهاء لسببين:

    السبب الأول: هيبة القمار عند العلماء والفقهاء، وهذه لا شك أنها صورة من القمار، لكنها مستثناة.

    والسبب الثاني: هيبة سعيد بن المسيب فإنه إمام التابعين؛ ولذلك اشتهر هذا القول.

    قال: [ إلا أن يدخل بينهما محللاً يكافئ فرسه فرسيهما ].

    يعني: يكون مثلهم، بمعنى: أنه لو كان المحلل ضعيفاً جداً، وكان من المضمون أنه لن يفوز فعلى هذا يكون وجوده كعدمه، ولا يجوز على مذهب المصنف، لكن الذي اخترناه أن هذه المسألة تجوز، وأن ما كان من جنسها مما فيه مصلحة في التدريب على فنون الرمي والقتال والتدريب وغيرها فهو جائز، وأيضاً ما كان من الأشياء العلمية فهو كذلك جائز.

    واستدل هؤلاء [ بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو ما يروى: ( من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار ) ].

    قوله: (لا يأمن أن يسبق) هو بمعنى قول المصنف: أنه يكافئ فرسيهما، يعني: لا يكون إدخاله صورياً وإنما حقيقة أنه يمكن أن يفوز، ( ومن أدخل فرساً بين فرسين وهو يأمن أن يسبق فهو قمار )، وهذا الحديث أيضاً رواه أبو داود وسنده ضعيف، فإن فيه سفيان بن حسين الراوي عن الزهري وهو ضعيف.

    قال: [ فإن سبقهما أحرز سبقيهما، وإن سبق أحدهما أحرز سبق نفسه وأخذ سبق صاحبه ].

    بالنسبة للمحلل، ذكرنا صورة: أنه إذا وجد ثالث بين المتباريين لم يدفع شيئاً، فإذا فاز المحلل أخذ الجعل، وإذا فاز الطرف الذي لم يدفع أخذ الجعل أيضاً، وإذا فاز الطرف الذي وضع الجائزة استرجع ماله ولم يأخذ الآخرون شيئاً، لكن إن جاءوا معاً في وقت واحد فلا شيء لهم، ويأخذ هذا حقه. يعني هذه خلاصة المسألة.

    شروط وضوابط في المسابقات المشروعة

    قال: [ ولا بد من تحديد المسافة وبيان الغاية ].

    هذا شرط لابد منه لأمن اللبس وعدم الخلاف في السباق، يعني: أن تحدد المسافة مثلاً كما في الحديث المتفق عليه أيضاً حديث ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي ضُمِّرت من الحفياء إلى ثنية الوداع، وبين الخيل التي لم تضمَّر إلى مسجد بني زريق )، وهذا دليل على تحديد المسافة وبداية السباق ونهايته.

    وكذلك [ قدر الإصابة وصفتها وعدد الرشق ] يعني: إذا كان في مجال الرمي أن يحدد عدد الصواب، ويحدد عدد الحالات أو المحاولات التي يقوم بها المتسابقون.

    [ وإنما تكون المسابقة في الرمي على الإصابة لا على البعد ].

    يقصد أنهم إذا دخلوا في منافسة يكون سباقهم على أيهم يصيب الهدف في الرمي، وليس على أيهم أبعد مدى، هذا مقصود المصنف؛ لأن المقصود الإصابة، وأما البعد فليس مقصوداً، وإن كان الواقع أنه قد تكون الإصابة والبعد كلاهما مقصودان؛ لأنه أحياناً قوة الرمي: ( ألا إن القوة الرمي ) قد تكون في الإصابة وقد تكون في البعد، أو اجتماعهما معاً، لكن ربما كان مراد المصنف أن الإصابة تدل على حذق الرامي، أما البعد فهو غالباً ما يرجع إلى قوة السلاح أو الآلة.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

    1.   

    الأسئلة

    حكم مسابقة الكرة والسباحة

    السؤال: سؤال حول المسابقة في الكرة والسباحة؟

    الجواب: إذا كانت المسابقة في الكرة من طرف خارجي وليس فيها معصية فهي مباحة، يعني: الجُعل والعطاء والعوض من طرف خارجي، أما إذا كانت من الفريقين المتباريين فهذه لا تجوز، بل هي من الميسر والقمار.

    وكذلك المسابقة في السباحة إن كانت من طرف خارجي فهي جائزة، وإذا كانت من المتباريين فلا تجوز، وهي من الميسر والقمار.

    حكم لعب البلوت

    السؤال: يسأل البعض عن الألعاب التي قد تفعل بمال أو بغير مال، مثل لعب الورقة، أو ما يسمى بالبلوت، ما حكمه؟

    الجواب: هذا إن كان على مال فلا شك في تحريمه؛ لأنه من الميسر.

    أما إن كان بغير مال، فقد اختلف فيه الفقهاء المعاصرون: منهم من منعه بحجة إضاعة الوقت، وأنه يكون سبباً في البغضاء، وهذا ليس بظاهر؛ لأنه قد يكون أخف أحياناً من إضاعة الوقت بأمور صريحة التحريم، فالأقرب أنه ليس بحرام إذا كان على غير عوض ولم يترتب عليه تفويت الصلاة ولا تفويت الواجبات التي يلتزم بها الإنسان، فلا يظهر وجه جيد لتحريمه، وإن كان هناك قول من الفقهاء والعلماء -خصوصاً بعض علماء المملكة - بالتحريم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768253819