عندنا اليوم باب جديد وهو باب اللقطة، وسوف أعرض لبعض مباحثه باختصار، ثم ننتقل إلى فك لفظ أو عبارة المصنف.
فاللقطة -أولاً- من حيث اللفظ: بضم اللام وفتح القاف (اللُقَطة).
هكذا ذكره جمهور أهل اللغة وحذاقهم والنحويون، وبعضهم يقولها بسكون القاف اللقْطة، وهذا نقل عن الليث وهو ضعيف، بل إن بعضهم عده من لحن العوام.
ومعنى اللقطة هو: ما يلتقطه الإنسان من الأرض من مال أو غيره، وقد جاء هذا اللفظ في القرآن الكريم في أكثر من موضع؛ لأنه قد يطلق على التقاط المال أو الحيوان أو غيره، أو حتى التقاط الإنسان، كما قال الله سبحانه وتعالى عن موسى : فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص:8] وجاءت هذه الكلمة أيضاً في نبي آخر وهو يوسف عليه السلام، في قوله سبحانه: وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ [يوسف:10] فهذا معنى الالتقاط.
أحياناً تسمى لقطة وأحياناً تسمى ضالة، فبعضهم كـأبي عبيد رحمه الله فرقوا بين اللقطة وبين الضالة فقالوا: الضالة هي: ما ضلت بنفسها، مثل البعير والشاة، وأما اللقطة فهي: ما ضلت من صاحبها كالمال.
وقد أنكر أبو جعفر الطحاوي وغيره على أبي عبيد هذا التفريق، وقالوا: إن اللقطة والضالة بمعنىً واحد، وقد جاء في قصة عائشة رضي الله عنها في غزوة بني المصطلق: ( إن أمكم ضلت قلادتها ) يعني: ضاعت.
العلماء في الجملة أجمعوا على جواز الالتقاط، لكن اختلفوا فيما هو الأفضل للإنسان: هل يأخذ اللقطة أو ألا يأخذها؟
فالإمام أحمد رحمه الله نقل عنه أنه كان يقول: ترك اللقطة -ترك أخذها- أفضل.
و للشافعي في ذلك قولان، أحد القولين عنه: أنه يرى أن أخذ اللقطة أفضل.
والقول الثاني: أنه يرى وجوب أخذ اللقطة خصوصاً إذا خشي ضياعها، يعني الشافعي تردد بين الوجوب وبين الاستحباب.
وكذلك أبو حنيفة عنه في المسألة روايتان: أن الترك أفضل، والأخذ أفضل.
و مالك رحمه الله عنده تفصيل.
وفي المسألة طبعاً أدلة:
منها: حديث خالد بن زيد رضي الله عنه ( أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اللقطة؟ قال: اعرف عفاصها ووكاءها، وعرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فاستنفقها. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضالة الإبل؟ فقال: دعها، مع حذاءها وسقاءها ترد المال وترعى الشجر حتى يلقاها ربها. فسأله عن ضالة الغنم؟ فقال: هي لك أو لأخيك أو للذئب ) .
وقد ورد أن أبي بن كعب وعلي بن أبي طالب وسلمان بن ربيعة وغيرهم من الصحابة وجد بعضهم صرة فيها دراهم وغير ذلك وأخذوها ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا دليل لمن قال بمشروعية الأخذ.
والذي يظهر من الأقوال في موضوع الأخذ والترك وأيها أفضل أن نقول:
إن الأمر يختلف بحسب المصلحة، فمدار اللقطة على المصلحة، فقد يرى الإنسان من المصلحة ألا يأخذ اللقطة، مثلما إذا كان غريباً في البلد ولا يستطيع أن يعرفها، وقد يشق الأمر عليه، فحينئذ الأولى له أن يتركها.
وقد يكون الأمر على العكس أن الإنسان الأفضل له أن يأخذها، مثلما إذا كان عنده أمانة، ويطمئن إلى نفسه أنه سوف يحفظها ويعرفها حتى يوصلها إلى صاحبها.
وقد يحرم عليه أخذها، مثلما إذا كان يعرف أنه إنسان ضعيف وتغلبه نفسه، وأنه إن أخذها استدخلها وأكلها، فهذا يحرم عليه أخذها.
وقد يجب عليه أخذها مثلما إذا عرف أن هذه حارة الحرامية وأنه إن تركها أخذت، فيأخذها هو حتى يحفظها لإخوانه المسلمين، من باب التعاون على البر والتقوى كما أمر الله تعالى به.
إذاً: المسألة تدور على المصلحة في أفضلية الأخذ وأفضلية الترك.
نقول: إن غير واحد من أهل العلم كصاحب الإفصاح الذي هو ابن هبيرة وابن عبد البر في التمهيد والقرطبي وغيرهم ذكروا إجماع العلماء في الجملة على مشروعية التعريف، أنه يشرع له إذا أخذ اللقطة أن يعرفها إذا كانت ذات قيمة.
وبعض الشافعية يقولون: إنه إن أخذها بقصد أن يتملكها وجب عليه التعريف، وإن أخذها بقصد حفظها حتى يأتي صاحبها لم يجب عليه التعريف، وهذا قول عند الشافعية، والأقوى حتى عند الشافعية خلافه كما رجحه النووي وغيره؛ لأنه ماذا يدري صاحب اللقطة أنها موجودة عنده.
ولذلك نقول: إن أكثر أهل العلم يرون وجوب تعريف اللقطة.
والتعريف هنا كل شيء بحسبه، وكل بلد بحسب العرف الذي هو فيه، فيعرفها عند أبواب المساجد، ويعرفها في المجامع، ويعرفها في الأسواق، ويعرفها في الأماكن التي يرد إليها أصحابها بحسب اللقطة أيضاً، إن كانت مثلاً جهاز كمبيوتر، أو كانت سيارة، أو كانت مالاً، أو كانت حيواناً؛ كل شيء يختلف بحسبه، وأين يمكن أن يكون الإعلان عنه والإخبار به.
لكن لا تعرف اللقطة داخل المسجد؛ للحديث الذي رواه مسلم وسبق معنا: ( إذا سمعتم رجلاً ينشد ضالة في المسجد فقولوا له: لا ردها الله عليك ) وفي لفظ: ( لا وجدت، إنما بنيت هذه المساجد لما بنيت له ) إنما لو أعلن عنها خارج المسجد كالإعلان عند باب المسجد، أو وقف عند باب المسجد والناس يخرجون، فهذا كما أشار إليه ابن قدامة وغيره من الأماكن التي تعرف فيها اللقطة كما ذكرنا.
أما إن كانت شيئاً يسيراً أقل من ذلك، فهل يعرف أو لا يعرف؟ هل يعرف حولاً كاملاً مثلما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عرفها سنة ) أو أقل من ذلك؟
الجمهور يرون أن التعريف إن كانت كبيرة عرفها سنة، وإن كانت دون ذلك لا تعرف.
أما أبو حنيفة فكأن اللقطة عنده على ثلاث درجات: كبيرة تعرف سنة، وهناك لقطة أقل من ذلك تعرف بحسبها، قد تعرف أسبوعاً أو عشرة أيام أو عشرين يوماً ثم تكون له، وإذا كانت شيئاً تافهاً فإنه لا يعرف مطلقاً.
وهذا سوف يأتي له مزيد إيضاح إن شاء الله تعالى، إنما نذكر هنا أن الأحناف استقلوا بذكر أن هناك تعريفاً أقل من سنة، وعندهم في ذلك نصوص ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( أنه وجد ديناراً أو عشرة دراهم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرفه سبعة أيام )، واستدلوا بهذا الحديث وما شابهه مع أنه لا يثبت من ذلك شيء واضح.
هناك أيضاً -ما دمنا نتكلم عن الكثرة والقلة- أن اللقطة ليست واحدة، هناك لقطة حقيرة أو تافهة، هذه لا إشكال فيها، وقد أجمع العلماء كما ذكره ابن قدامة وغيره على أن الإنسان يأخذها بلا تردد، مثلاً في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو في الطريق بتمرة فقال: ( لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأخذتها ) فهذا شيء تافه خصوصاً من المأكولات والأشياء التي تتلف إذا تركت، فلا خلاف بين أهل العلم أن مثل هذه الأشياء اليسيرة أن الإنسان يأخذها ويأكلها، أو يطعمها ولده، أو ينتفع بها من هذه الأشياء اليسيرة الحقيرة التي إذا تركت تلفت.
هذا لا إشكال فيه إطلاقاً كما ذكرت الإجماع على ذلك، وهناك اللقطة التي هي فوق ذلك مما يجب تعريفه.
ولذلك نقول: الجمهور وهو الراجح على أن ضالة الإبل لا يأخذها الإنسان، يتركها خصوصاً الإبل التي في الصحراء؛ لأنها جرت عادة العرب والبادية على أنهم قد يطلقون هذه الإبل، وقد تجلس فترة طويلة وهي من غير راع، إلا إذا خشي عليها من التلف أو من العدوان.
قال الإمام مالك : نعم. يأخذها لنفسه؛ لأن الذئب سوف يأخذها لنفسه، والنبي صلى الله عليه وسلم ساواك بالذئب، فأنت تأخذها وتفعل بها كما يفعل الذئب، يعني: تذبحها وتأكلها.
والجمهور خالفوا الإمام مالك في هذا وقالوا: يأخذها لكن للتعريف.
والقسم الثالث هي: مثل ضالة المال ونحوه، فإن الإنسان أيضاً يأخذها ويعرفها.
وخالف في ذلك الظاهرية وجماعة قالوا: إذا انتفع بها لا يردها؛ لأنه قد تملكها وضاعت على الأول، واستثنوا من ذلك إذا كانت عيناً قائمة -موجودة-، مثلاً ضيع كمبيوتر، وهو موجود الآن هذا جهازي، ما تقول: خلاص راحت السنة وقد تملكت الجهاز! ترده إليه حتى عند المخالفين، هذا لا إشكال فيه إذا كانت العين قائمة وموجودة، لكن إذا كان الإنسان قد استنفقها -يعني: أكلها- فلا ترد عند الظاهرية، وترد عند جمهور أهل العلم.
وإذا كانت الضالة أو اللقطة شيئاً يفوت أو يفسد أو يتعب الإنسان في الإنفاق عليه، فله بمجرد ما يلتقطه أن يضع علاماته وأن يأكله أو يبيعه أو يتصرف فيه ويجعل ذلك لصاحبه؛ لئلا يشق عليه مسألة الحفظ ومسألة الإنفاق عليه وما أشبه ذلك.
ضالة الإبل ذكرنا كلام جمهور العلماء فيها، وكذلك ضالة الغنم.
جمهور العلماء وهو مذهب أبي حنيفة ومالك ورواية عند الشافعي وأحمد : أن ضالة الحرم وغيره سواء، حكمها واحد مثلما ذكرنا.
وذهب الإمام أحمد في رواية وهي المشهورة عند الحنابلة والشافعي أيضاً في رواية إلى أن لقطة الحرم لها حكم خاص، واستدلوا بالحديث المشهور الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا تلتقط لقطته -يعني الحرم أو مكة - إلا لمنشد أو معرف ) والمنشد هو الذي يأخذها لا ليتملكها ولكن ليعرفها، وبناءً على ذلك قال هؤلاء: إن لقطة الحرم تختلف عن غيرها لهذا الحديث.
وقد تأملت المسألة فوجدت أن الحديث ليس نصاً، وإن كان بعض الشراح قالوا: إنه نص في الباب، فوجدت أن الحديث حقيقة ليس نصاً؛ لأن النبي عليه السلام لما قال: ( ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف أو منشد ) يعني الحرم، ما قال: إن هذا حكم خاص، وإنما أشار إلى أن الإنسان الذي يريد أن يأخذ هذه اللقطة ويتملكها كما جرت عليه عادة العرب، ولا يزال إلى اليوم تجد الحرم يكثر فيها النشالون واللصوص وغيرهم ويتأولون ويختلط الناس، ولهذا تسمى أحياناً لقطة الحاج، نهى عن لقطة الحاج.
فنقول: إن المقصود ( إلا لمنشد ) يعني: يعرفها على وفق ما جاءت به السنة، يعرفها سنة، ولا يلزم من ذلك أن يعرفها إلى الأبد.
وبكل حال وإن كان في المسألة خلاف، إلا أنه ينبغي أن يراعى في لقطة الحرم وغير الحرم قضية المصلحة، فإن من اليقين أن الشرع جاء بما فيه تحقيق المصالح، والمصلحة لها تأثير كبير حتى في الحكم الشرعي، فحتى لقطة الحرم كما أشار إليه كثير من الفقهاء يبدو أنه من القديم والآن أكثر الناس يأخذون الذي في الجيوب فكيف باللقطة المرمية على الأرض؟ فكون الإنسان يأخذها ويحفظها ويبلغ الجهات المختصة، فإن ذلك أولى وأفضل من أن يتركها للصوص وغيرهم.
والمقصود به: الطفل الذي يوجد مرمياً في الطريق بسبب فقر مثلاً أو ظروف عائلية أو انفصال أو أي سبب آخر قد يترتب عليه أن يتخلى الأهل عن الطفل ويتخلصون منه، فلا يكون له عائل أو كافل، ولا شك أن هذه أولاً:
ما يتعلق بإسلامه إذا وجد في أرض إسلامية فهو مسلم.
وأيضاً هو حر حتى في زمن العبودية، عندما كان هناك أرقاء كان يعتبر حراً ما دام أنه لم يتبين عليه رق.
وإذا ادعاه أحد وكان ممن يمكن أن يكون أباه فإنه يقبل، فله أن يستلحقه وينسبه إليه.
وكما قلت: إنه محكوم بإسلامه ما دام موجوداً في بلاد المسلمين.
وأما النفقة عليه فهي من بيت المال، فإن كان عند أسرة أو عائلة بديلة عن عائلته فكانوا إذا أنفقوا عليهم فهذا خير، وهو ربما أولى بالرعاية والفضل والأجر من اليتيم الذي يعرف أبوه وتعرف أمه، وإذا لم ينفق عليه بيت المال أو ضاق وجب على عائلته أو من كفله، وجب عليه شرعاً أن ينفق عليه حتى يغنيه الله سبحانه وتعالى من فضله، وإذا وجد معه شيء أو مال فهو له.
أما ميراثه فقيل: إنه يرثه الذي وجده ورباه وكفله، وهذا الذي نقل عن الإمام أحمد واختاره تقي الدين بن تيمية رحمه الله، وقيل: إن ماله يعود إلى بيت المال.
وله الولاية على نفسه وعلى غيره إذا كان بالغاً عاقلاً رشيداً، فله أن يبيع ويشتري، ويتصدق، ويعقد ويتعامل بجميع المعاملات التي يتعامل بها الآخرون.
أحدها: ما تقل قيمته، فيجوز أخذه والانتفاع به]، كالسوط والشسع -وهو في طرف النعل- والرغيف، فيملك بلا تعريف، لما روى جابر قال: ( رخص النبي صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه ).
وهذا الحديث الذي ذكره المصنف رواه أبو داود وفيه ضعف، والأقرب أنه مرسل لا يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من رواية أبي الزبير عن جابر، وقد جاء مرسلاً لا يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أقوى . هذا النوع الأول إذاً: الشيء اليسير.
النوع [الثاني: الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع كالإبل والخيل والبقر والبغال، فلا يجوز التقاطها]؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما لك ولها، دعها، فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء وتأكل الشجر ) ومن أخذ هذا لم يملكه -يعني بالأخذ-، ولزمه ضمانه لأنه أخذ منك غيره بغير إذنه ولا إذن الشارع فيه، فهو كالغاصب يعني لا يملكه بأخذه.
النوع [الثالث: ما تكثر قيمته كالأثمان والمتاع والحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع]، يعني لا يعدو عليه الذئب ونحوه، [فيجوز أخذه، ويجب تعريفه حولاً]، طبعاً هنا يقول: يجوز أخذه، ذكرنا الخلاف من أهل العلم من اعتبر أن الأخذ مكروه، وقد يستدلون بحديث: ( لا يأوي الضالة إلا ضال ) وهو في صحيح مسلم، وحديث: ( ضالة المسلم حرق النار ) وهذا محمول على من أخذه بقصد أن يأكله وليس بقصد أن يعرفه، [ويجب تعريفه حولاً في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد، فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه بغير بينة].
وذكر المصنف هنا حديث زيد بن خالد رضي الله عنه.
قال: [ وإن لم يعرف -يعني عرفه ولم يأت له أحد- فهو كسائر ماله، ولا يتصرف فيه حتى يعرف وكاءه -يعني: يكتبه عنده- ووعاءه وصفته، فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه أو دفع مثله إن كان قد هلك ].
هذا إن كان قد هلك بتفريط منه، أما إذا كان هلاكه بغير تفريط من الإنسان الذي التقطه فلا شيء عليه؛ لأن بابه باب الأمانة التي لا شيء على من تلفت عنده إلا بتفريط.
قال: [ وإن كان حيواناً يحتاج إلى مئونة أو يخشى تلفه فله أكله قبل التعريف أو بيعه ثم يعرفه ].
يعني: لئلا يتعب في حفظه وصيانته والإنفاق عليه، ثم يعرفه بعد ذلك، وهؤلاء يستدلون بحديث: ( لك أو لأخيك أو للذئب ).
قال: [ وإن هلكت اللقطة في حول التعريف من غير تعد فلا ضمان ].
هذا أشرنا إليه.
أما إن كان غير مسلم وقد وجد هذا الطفل في أرض إسلامية فلا يمكن من ذلك.
[ ونفقته في بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه، وما خلفه ]، يعني: بعد وفاته من الميراث [ فهو فيء ] يعني: لبيت المال.
والقول الثاني وهو عند الإمام أحمد واختاره ابن تيمية أنه لكافله.
[ ومن ادعى نسبه ألحق به ].
وهنا المقصود: إذا ادعى نسبه يقول: إنه ولدي، وقد زلت بعض المجامع أو اللجان الفقهية، إحدى اللجان في البحرين أصدرت فتوى بأنه لأي إنسان أن يدعيه وينسب إليه، وهذا غلط؛ لأن الله سبحانه يقول: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5] فإذا ادعاه الإنسان من غير أن يكون أباه فلا يجوز أن ينسب إليه، وإنما إذا قال: هذا ولدي، ادعى أنه ولده لا يحتاج إلى نأتي ببينة ولا شيء؛ لأن فيه حفظاً لمكانة هذا الطفل وفيه إلحاقاً له بأبيه، وهو مصدق وليس له معارض في ذلك، إلا لو اختلف اثنان فينظر أيهما أحق وأولى به.
ولذلك يقول: [ إلا إن كان كافراً ألحق به نسباً لا ديناً، ولم يسلم إليه ].
يعني: يقبل أن يلحق في نسبه لكن لا يلحق به في دينه، ولا يكون حكمه حكم ذلك الكافر.
السؤال هنا: إذا وقع أو وجد الحمل من سفاح، فما هي الأحكام؟
والمسألة فيها تفصيل، ولها موضع آخر؛ لكن لا بأس بالإشارة إليها هنا فأقول:
أولاً: إذا كان الحمل في أول فترته، والبعض يسألون عن إسقاطه من باب الستر، كأن يكون في الثلاثين يوماً أو الأربعين يوماً أو ما أشبه ذلك، ولم تنفخ فيه الروح، وكان في إسقاطه حماية وحفظ، فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى على الخلاف المعروف في هذه المسألة عند أهل العلم.
الأمر الثاني: إذا كان الأمر معروفاً أنه من فلان ابن فلان، ورغبوا في وجود نوع من الستر وإزالة المشكلة عن طريق العقد فلا بأس بذلك أيضاً.
وهذا نص عليه جماعة من أهل العلم وأشار إليه ابن مفلح في الفروع، وذكره عن العلماء: أن ذلك فيه الستر، وفيه إلحاق هذا الولد بأبيه.
النقطة الثالثة: مسألة إذا عرف والده حتى لو لم يتزوج بأمه، فهل يمكن نسبة الولد إلى أبيه؟
هذه ذكر الحنفية فيها قولاً بالجواز، وورد من النصوص ما يدل على ذلك، كما في قصة جريج والراعي في صحيح البخاري لما ولدت المرأة، فكانوا سألوا الطفل، أو جاء جريج العابد وسأل الطفل: من أبوك؟ فقال: أبي هو الراعي، وكانوا يتهمون جريجاً به، فنسب نفسه إلى أبيه، فدل ذلك على أنه إذا عرف أبوه -كما أشرنا قبل قليل- فإنه ينسب إليه حتى لو لم يقع نكاح. .
الجواب: لا يأخذ ما زاد على الأصل، لكن هذا بحسب الحال، يحكم فيه أهل المعرفة، بحيث إنه يأخذ ما يناسبه كشريك أو أجير على هذا العمل.
الجواب: نعم، إذا كان إعلاناً تجارياً محضاً فلا يوضع في المسجد، لكن إذا كان الإعلان التجاري تبعاً، مثلاً إعلان عن محاضرة ومكتوب اسم الشركة أو المؤسسة التي صنعت الإعلان فلا بأس بذلك.
الجواب: أيضاً أشرنا إلى هذا أنه يأكلها ويستخدمها، فإن جاء صاحبها أدى إليه ثمنها.
الجواب: هذا يرجع فيه إلى العرف، فيمكن أن يعرف في جريدة، أو في إذاعة، أو في سوق، أو عند أصحاب الاختصاص.
الجواب: لا، النسخ انتهى بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر