الجعالة عقد جائز بخلاف الإجارة فهي عقد لازم، وهي مشروعة بالكتاب والسنة عند جماهير العلماء خلافاً للحنفية، ومعناها التزام عوض معلوم على عمل مطلوب فعله، وهي نوعان: جعالة عامة لعموم الناس، وجعالة خاصة لأفرادهم، ومن الفروق بينها وبين الإجارة أن الإجارة تكون على عمل معلوم والجعالة لا تكون كذلك، والإجارة لا بد فيها من حضور المتعاقدين بخلاف الجعالة.
الجَعالة أو الجِعالة بفتح الجيم وبكسرها، وهي ما يجعل للإنسان مقابل شيء يفعله، ويسمى هذا الشيء المجعول جُعلاً، مثل أن أقول مثلاً: من حفظ الكتاب فله كذا. أو يقول: سيارة مسروقة، من وجد هذه السيارة فله ألف ريال. وهذا هو معنى الجعالة.
والجعالة في الاصطلاح عند الفقهاء: الأحناف والمالكية والحنابلة والشافعية تقريباً نصوصهم وأقوالهم متقاربة في تعريفها، فهم يرون أن الجعالة هي التزام عوض معلوم على عمل يعمله كما ذكرنا.
النقطة أو الفقرة التالية: أن الجعالة عقد جائز بخلاف الإجارة فهي عقد لازم، يعني: إذا أجرتك البيت سنة فلا يمكن للإنسان أن يتراجع عن هذا العقد إلا بموافقة الطرف الآخر، لكن بالنسبة للجعالة هي عقد جائز، من الممكن أن ألغي هذا العطاء الذي جعلته بعد يوم أو يومين.
وهكذا الإنسان الذي مضى وتعب ربما يتراجع أيضاً ويترك العمل والسعي، فهي عقد جائز وليست لازماً أو واجباً.
لا يشترط في الجعالة حضور المتعاقدين كما نص عليه الشافعي وغيره، بخلاف بقية العقود، لابد فيها من إيجاب ومن قبول.
فنقول: الجعالة ليس فيها هذا الشرط، وإنما يكفي فيها الإذن العام، ولا يشترط فيها أيضاً المطابقة بين الإيجاب والقبول كما كنا ذكرناه سابقاً في موضوع البيوع.
الجعالة عند الفقهاء نوعان: جعالة عامة وجعالة خاصة، ما الفرق بين العامة والخاصة؟
الجعالة العامة لعموم الناس، مثلاً: (من قتل قتيلاً فله سلبه)،
وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ
[يوسف:72]، هذه عامة (من جاء به)، أي إنسان كان.
أما الخاصة فهي أن ينص على شخص معين فيقول له مثلاً: إن فعلت لي كذا، وقد يكون من الجعالة مثلاً، أن أقول مثلاً: أنا أرغب في شراء هذه الأرض، قطعة أرض مهمة، فأقول لشخص صاحب علاقات: إن استطعت أن توفر لي وتسهل لي شراء هذه الأرض فلك كذا وكذا منها، أي: من الأرض، أو مبلغ من المال، فهذه تكون جعالة خاصة؛ لأنها تتعلق بشخص معين.
كما أن الأعمال التي تجرى عليها الجعالة هي نوعان أيضاً:
النوع الأول: أعمال يقصد بها استحداث نتيجة جديدة لم تكن موجودة من قبل، مثل قصة الصحابة مع اللديغ، يعني: الرقية، العلاج، تعليم الجاهل مثلاً، الحج، الخياطة، العمل، يعني مثلاً: من حج عن والدي فله كذا، ويأتي واحد يقول: أنا أحج، أو من خاط هذا الثوب فله كذا، معناه أنه عبارة عن عمل يقوم به الإنسان لنتيجة جديدة أو تغيير.
النوع الثاني من الجعالة ما هو؟ هو إيجاد شيء مفقود، العثور على شيء مفقود، إذا ضيع الإنسان شيئاً: دابة أو سيارة أو جهاز كمبيوتر أو جوالاً أو ما أشبه ذلك، فيقول: من ظفر به فله كذا وكذا.
ومن الطريف أن بعض الحمقى ضيع بعيراً فقال: من حصل بعيري فهو له، قالوا له: ماذا تستفيد ما دام أنه له؟ قال: يكفي لذة الوجدان، يكفي فرحة الإنسان أنه وجد البعير يعني، هذه تكفيه.
هنا سؤال: لو إنسان ضاع عليه شيء فحصله شخص آخر ورده إليه، وكان حصوله عليه قبل أن يعلن ذلك الشخص أن له كذا، ثم أعلن بعد ذلك، فهل يلزمه أن يعطيه الجعل أو لا يلزمه؟
ما يلزم؛ لأنه ظفر به قبل أن يكون هناك جعل، فيرده إليه من غير شيء، وكذلك لو كان الإنسان ما وضع جعلاً، مثلاً إنسان وجد جهاز كمبيوتر يباع في السوق السوداء وعرف أنه لفلان، فأخذه ورده إليه، وفلان هذا لم يكن وضع جعلاً، هل يقول: لازم تعطيني مثلاً مائتين ريال مقابل أني رديت لك الجهاز؟
من المروءة ربما أن يعطيه، لكن هل يلزمه؟ لا يلزم؛ لأنه ما اتفق معه على شيء.
واستثنى الحنابلة من ذلك حالة واحدة وهي جيدة، وهي حالة ما إذا كان يترتب على ترك هذا الشيء ضياع أو هلاك للمال، يعني: مثلاً هنالك مال إذا لم أقم بأخذه الآن ربما هلك وضاع على صاحبه، وهو مال نفيس، وأدري أن صاحبه يريده، فأخذته وأنا لا أدري، هل جعل أو لم يجعل.فهنا قالوا: يجب أن يعطيه جعلاً، يعني: إذا لم يتفقوا عليه يحكم بينهم من أهل الاعتدال والإنصاف من يحدد ما يناسب، وهذا الكلام جيد في نظري؛ من أجل أن يندفع الناس إلى المحافظة على الأموال؛ لأنه لو لم يكن هناك جعل قد يرى مثلاً هذا المال يهلك، مثلاً سيارة تسرق، أو تحرق، أو مال يعطب فيتركه وهو يقول: ما دام ليس لي مصلحة فلا حاجة لأن أنقذه. لكن إذا قيل: إنه يكون لك إذا أنقذته مصلحة، ويكون لك جعل؛ تتوفر عزائم الناس حينئذ على أن ينفع بعضهم بعضاً، ويحمي بعضهم مال بعض.
ما هو الفرق بين الجعالة وبين الإجارة؟
ربما ذكرنا الآن بعض الفروق، مثل ماذا الفروق؟
أولاً قلنا: الإجارة عقد لازم والجعالة عقد جائز، هذه من الفروق.
كذلك الإجارة لابد فيها من حضور المتعاقدين بخلاف الجعالة.
أيضاً من الفروق أن الإجارة على عمل معلوم، والجعالة قد لا تكون كذلك.
وأيضاً أقول: الجعالة لا تستحق إلا بتمام العمل من خياطة أو صناعة أو تعليم، أو من إحضار شيء ضائع للإنسان، بخلاف الإجارة فإنه يستحق جزءاً منها بجزء من الوقت.
حكم قول: إن وظفتني فلك كذا
السؤال: يقول: هل يجوز أن تقول لفلان: إن وظفتني فلك مرتب شهر؟
الجواب: هذه جعالة لا حرج فيها، بس بشرط ألا تكون رشوة، أو أن يكون سوف يقدمك على من هو أحق منك.
نفس السؤال يعني، إذا قلت لشخص: إن سهلت لي أمراً سأعطيك مالاً، هذا لا بأس به، إلا أن يكون موظفاً، وسوف يقدمك على غيرك، أو يكون هذا واجباً عليه بأصل التكليف، فلا يجوز حينئذ.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.