الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يقول المصنف رحمه الله: [باب: الحوالة والضمان]، وهذا باب خفيف، ولكن فيه ربما ثلاث مسائل، فالعنوان يدل على أنه سوف يبحث الحوالة أولاً، وسيبحث الضمان ثانياً، والواقع أن هناك موضوعاً ثالثاً سيشير إليه إشارة سريعة في الأخير وهو الكفالة.
إذاً: نحن نقول: باب: الحوالة والضمان، وبين قوسين: (والكفالة)، وبعض الفقهاء يفردون لكل واحدة من هذه المسائل باباً خاصاً، وإن كانت متقاربة، وسوف يتضح من خلال عرض هذه المسائل الثلاث أوجه الفرق وأوجه الاتفاق بينها.
ففيما يتعلق بالحوالة، فمعناها -طبعاً من حيث اللغة- من حال وأحال أي: تغير وانتقل، ومنه مثلاً: حال الظل إذا انتقل، ومنه: حال اللون، إذا تغير من لون إلى لون آخر، والحال أيضاً، يقال: لا تدوم حال، يعني: سميت حال؛ لأنها تتحول، وهكذا أمر الدنيا.
والمقصود بالحوالة في الاصطلاح: هو نقل الدين من ذمة إلى ذمة أخرى، مثلاً عندما يكون عندك لي مليون ريال في ذمتك، وقلت لي: سوف أحولك بهذا الدين على صالح ؛ لأن عنده لي مليوناً فسوف أحيلك عليه لتأخذ الدين الذي له، فهنا الدين بدلاً مما كان في ذمتك انتقل إلى ذمة صالح، فلذلك سميت حوالة.
هذا معنى الحوالة: انتقال الدين من ذمة إلى أخرى، بغض النظر عن سبب الدين، قد يكون قرضاً، قد يكون بيعاً، قد يكون شيئاً آخر ترتب عليه في ذمتك حق لي أو دين لي، فانتقاله إلى ذمة شخص آخر يسمى حوالة.
والسنة النبوية: قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة حديث: ( مطل الغني ظلم، وإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل أو فليتبع )، الحديث متفق عليه عن أبي هريرة .
فقوله صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم)، يعني: مماطلته في السداد هذا ظلم.
وقوله: (وإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل، أو أتبع على مليء فليتبع) يعني: إذا أحالك من لك عليه دين، وقال: اطلب الدين من فلان عنده لي نفس المبلغ أو أكثر منه، فعليك إذا كان الذي أحالك عليه مليئاً أن تقبل هذه الحوالة، هذا معنى قوله: فليحتل أو فليتبع، عليك أن تقبل هذه الحوالة وتنتقل إلى مطالبة الغريم الجديد، هذا سوف يأتي تفصيله.
المهم الحديث يدل على أصل الحوالة.
وأما الإجماع على جوازها فقد حكاه الموفق وغيره في المغني أن العلماء أجمعوا على جواز الحوالة وعلى مشروعيتها من حيث الأصل.
يعني: هل الحوالة على وفق القياس أم ليست على وفق القياس؟
أكثر الفقهاء من الحنابلة والشافعية والأحناف يرون أن الحوالة ليست على وفق القياس وأنها استثناء، لماذا استثناء؟ قال لك: لأن الأصل النهي عن بيع الدين بالدين، وعندنا حديث: ( نهى عن بيع الكالي بالكالي )، وهذا الحديث مر معنا كثيراً، وذكرنا أنه لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الفقهاء من حيث الجملة أجمعوا على المعنى؛ أنه لا يجوز بيع الدين بالدين.
طيب الآن الحوالة أليست صورتها في الظاهر أنها بيع دين بدين؟ بدل ما الدين بذمة محمد، أصبح بذمة صالح، فقالوا: هذا نوع من بيع الدين بالدين، ولذلك اعتبروه استثناءً من النهي عن بيع الكالي بالكالي، بيع الدين بالدين.
والذي يختاره ابن تيمية وابن القيم وجماعة: أن الحوالة وفق القياس، وأنها ليست استثناءً، سواء قلنا: أن الحوالة عقد مستقل، عقد إرفاق بالناس؛ لأن فيها فائدة لصاحب الدين وفائدة للمدين وفائدة للمحتال، وليس فيها ضرر على أحد منهم، وليست بيعاً، هذا يمكن أن يقال.
ويمكن أن يقال من وجه آخر -وهذا أيضاً ذكره ابن تيمية رحمه الله-: أن النهي عن بيع الدين بالدين ليس مطلقاً، ومادام لم يصح الحديث في النهي عن بيع الدين بالدين يبقى أن المسألة من كلام الفقهاء، فهناك صور متفق عليها أنه منهي عنها بيع الدين بالدين، ولعل أوضح صورة ينهى عنها في بيع الدين بالدين هو بيع دين السلَم بسلَم، يعني: كون السلم ثمنه مؤجلاً كما أن السلعة مؤجلة، يعني: أشتري منك مثلاً مائة كيس رز بعد سنة بماذا؟ بفلوس أو بذهب أو بشيء، لكن يكون أيضاً بعد سنة أو بعد سنتين أو بعد ستة شهور، فيكون الثمن مؤجلاً وتكون السلعة مؤجلة، هذه صورة من السلم المؤجل بطرفيه، التي ربما وقع الإجماع -كما ذكره غير واحد على تحريمها-، ولعل هذه هي الصورة التي يصح الإجماع عليها في النهي عن بيع الدين بالدين.
أما بقية صور بيع الدين بالدين، ففي كثير منها خلاف، وبعض العلماء أوصلها إلى عشر صور، كثير منها قد يكون له وجه من النظر.
إذاً: المقصود أن الحوالة سواء قلنا: أنها من باب بيع الدين بالدين وهي استثناء وليس هناك نهي عنها، أو قلنا: إنها عقد مستقل وهي وفق القياس، إلا أن العلماء متفقون على جواز الحوالة.
هذا فيما يتعلق بالقسم الأول الذي هو الحوالة.
ضمن. بينما بعض الفقهاء يقولون: مشتق من ضَمَّ، وهذا في نظري أنه ضعيف أو خطأ؛ لأن الضمان فيه النون، والنون فيه أصلية، بخلاف ضم فليس فيه نون، فلذلك نقول: الضمان مشتق من ضمن، وإن كان في معناه الضم، لماذا نقول الضم في معناه؟ لأن الضمان فيه نوع من إشراك ذمتي مع ذمتك في ضمان الدين، وليس مثل الحوالة أنه انتقال الدين من ذمة إلى أخرى.
ولذلك نقول: إن الضمان هو التزام ما وجب في ذمة الغير مع بقائه في تلك الذمة، يعني: إذا كان لوكالة (تويوتا) عليك مال بمائة ألف ريال، فأنا أضمن هذا المال وأكتب عندهم في العقد أنني ضامن، هل ضماني يبرئ ذمتك من الحق الذي عليك؟ لا، وإنما ينضم إليك، ذمتي وذمتك تكون مشغولة، ولذلك نقول عن الضمان: إنه من عقود التوثيق، نقول: الضمان من عقود التوثيق، مثل ماذا؟ مثل الرهن، مثل الإشهاد، مثل الكتابة، هو من عقود التوثيق ومن أدوات التوثيق، مثل الكفالة أيضاً، الكفالة نوع من التوثيق للدين أو للحق.
أما من السنة النبوية، فقد روى أبو أمامة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: ( العارية مؤداة، والزعيم غارم )، لاحظ الزعيم الذي هو الضامن أو الكفيل، ( والزعيم غارم، والدين مقضي، والمنحة مردودة ). وهذا الحديث رواه أهل السنن؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وذكر أنه قد جاء عن أبي أمامة من غير هذا الوجه، ورواه أيضاً أبو داود وابن ماجه والإمام أحمد والبيهقي في سننه، وصححه ابن حبان، ورواه النسائي في سننه الكبرى .
هذا الحديث حديث أبي أمامة في حجة الوداع، والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: ( والزعيم غارم )، وفيه فوائد منها أن العارية مؤداة والمنحة مردودة، وبالذات العارية؛ لأنه في خلاف في مسألة العارية كما سيمر.
فالمقصود أن هذا الحديث فيه كلام، فإن في سنده عند من ذكرنا: إسماعيل بن عياش، وإسماعيل منهم من ضعفه، ومنهم من قال: إنه صالح الحديث إذا روى عن قومه من أهل الشام من الشاميين، وضعيف في روايته عن غيرهم، وروايته هنا هي عن الخولاني، وهو من أهل الشام، فهي من روايته عن الشاميين، ولذلك صحح الحديث من ذكرنا: ابن حبان وغيره.
وأيضاً للحديث طريق آخر عند ابن حبان توبع فيه إسماعيل بن عياش، ولهذا صححه الشيخ الألباني، وذكرنا قبل قليل أن الترمذي أيضاً ممن صحح الحديث، فيبقى أن الحديث إذاً لا بأس بإسناده إن شاء الله تعالى.
طيب. إذاً الكتاب والسنة دلتا على موضوع الضمان.
وهكذا الإجماع، فقد حكى ابن قدامة وابن هبيرة .. وكثير من الفقهاء الإجماع على جواز الضمان ولا خلاف فيه، أنه يجوز أن تضمن شخصاً وتضم ذمته إلى ذمته في التزام هذا الدين.
طيب. فيما يتعلق بالشبه بينهما، ما هو الشبه بين كل من الضمان والحوالة؟
نقول: إن الجامع بين الحوالة والضمان: أن في كل منهما شغل ذمة جديدة غير ذمة الأول، غير ذمة الأصيل، فأما في الحوالة فهو شغل ذمة جديدة بدل عن القديمة، وأما في الضمان فهو شغل ذمة جديدة مع القديمة، فنقول في كل منهما: انتقال إلى ذمة جديدة، لكن في الأولى انتقال مع فراغ الذمة الأولى وشغورها، وفي الثاني الذي هو الضمان: انتقال مع بقاء الحق متوجهاً للذمة الأولى، وأما ما يتعلق بالكفيل أو الكفالة فيأتي الكلام عنها بعد قليل.
من باب أولى؛ لأنه مادام أن الدين أكثر من الإحالة، نقول: يأخذ عشرة والعشرة الباقية تبقى في ذمته لصاحب الدين الأصلي.
إذاً: المقصود هنا: (من عليه مثله)، يعني: ما يكافئه، ولو وجد زيادة تبقى في ذمة المدين لصاحبه الأصلي هذا لا بأس به.
[على من عليه مثله فرضي]، من هو الذي رضي؟
المحال. هو يقول: (من أحيل بدينه فرضي)، يعني: كأن المؤلف هنا يشترط أنه لابد من الرضا؛ لأنه لما أحيل لك، أقول مثلاً: هذا الدين الذي لك علي عشرة آلاف ريال خذه من الأخ تركي، فإذا رضي وقال: خلاص أنا أذهب.. هنا برئت ذمتي وانتقل المطالبة إلى تركي، ومعنى ذلك أنه لو لم يرض فإنها لا تبرأ الذمة، ولا ينتقل.. هذا طبعاً ظاهر كلام المصنف.
المليء له ثلاثة شروط: أن يكون مليئاً بماله -بالرصيد-، يكون عنده رصيد. هذا رقم واحد.
الشيء الثاني: أن يكون مليئاً بقوله، لا يكون مماطلاً: تعال بكرة.. تعال بعد بكرة!
الشرط الثالث: أن يكون مليئاً ببدنه، يعني: قابلاً أن ينتقل لو طلب للقضاء أو للمحكمة.
الإمام أحمد ذكر هذه الأشياء الثلاثة، وهذا أكمل ما يكون من الملاءة، أن يكون مليئاً بماله وقوله وبدنه، ونحن نقول: لا يلزم أن تكون الملاءة بكل هذه الأشياء الثلاثة، فالملاءة أمر عرفي، حتى لو كان إنساناً -مثلاً- عاجزاً عن الحركة، إذا كان عنده أموال ومعروف بالسداد ولا إشكال، فلا يلزم أن يكون مليئاً ببدنه مثلاً.
إذاً: هذا المقصود بالملاءة من حيث الأصل، طيب! هذا معنى المليء.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أحيل على مليء فليتبع )، هل الأمر هنا: (فليتبع) (فليحتل) يدل على الوجوب أو على الاستحباب، هل يجب أني أتحول إلى تركي وأطالبه بالدين بدلاً عن المدين الأول، أو لا يجب علي وبإمكاني أن أقول للمدين الأول: لا أعرف غيرك، وسدد أنت هات لي المال ممن شئت، الجمهور يرون أن هذا مستحب، وهذا مذهب الثلاثة: مالك وأبي حنيفة والشافعي ؛ يرون أن الأمر بالإحالة هنا مستحب وليس بواجب، لماذا؟ قالوا: لأن الناس يتفاوتون في سداد الدين، حتى المليء، وهذا دين توجب لي في ذمة فلان فلا ينتقل من هذه الذمة إلا برضاي وبموافقتي، هذا مذهب الجمهور.
القول الثاني: وهو مذهب الإمام أحمد وأبي ثور وابن جرير الطبري أنه يجب عليه أن يتحول إذا كان المحال إليه مليئاً، وحجتهم الحديث وأن فيه الأمر والأمر للوجوب.
والقول الثالث: وهو للكمال بن الهمام من الحنفية أنه قال: إن الأمر للإباحة، ولعل هذا أضعف الأقوال، ولا شك أن الأمر متردد بين الاستحباب وبين الوجوب، وقد يجب إذا لم يترتب على ذلك ضرر عليه، والضرر مدفوع، إذا كان يترتب عليه أي ضرر، مثلاً يقول: فلان أنا لا أعرفه، وقد يكون في بلد آخر، أو يخشى منه، أو يكون بينه وبين هذا الإنسان الذي أحيل عليه علاقة معينة تقتضي أنه يتضرر، كما لو أحاله على قريب له، أو على إنسان سيجامله مثلاً في المطالبة، فلا يلزمه في هذه الحالة أن يتحول؛ لأن عليه ضرراً، لكن إذا لم يكن عليه ضرر البتة، فهنا يجب عليه أن يقبل الحوالة.
وأيضاً أن يكون الدين متحد الصفة، فإذا كانت -كما يقولون- صحاحاً، إذا كان له عليه دراهم صحاح وله على الآخر دراهم مكسرة، لا يحل الصحاح بالمكسرة أو الجيد بالرديء؛ لأن هذا فارق مؤثر.
الجانب الثالث: هو الوقت، فلا يحيل بالمؤجل على الحالّ، أو بالحالّ على المؤجل؛ لأن هناك فارقاً مؤثراً، فإذا اتحد الدينان في الجنس والصفة والوقت وجبت أو صحت الإحالة. هذا الشرط الأول: تماثل الحقين.
وهذا لا إشكال فيه أن يكون برضاه.
طيب. بالنسبة للمحال الذي له الدين هل يلزم رضاه؟
هذا الذي ذكرناه قبل قليل، أنه فيه الأقوال الثلاثة: قيل الوجوب، وقيل: الاستحباب وقيل: الإباحة، واخترنا أنه إذا كان عليه أدنى ضرر فإنه لا يلزمه ولابد من رضاه، أما إذا لم يكن عليه ضرر فلا يشترط رضاه.
بقينا في الثالث: المحال عليه هل يجب رضاه أم لا؟ الجمهور أيضاً لا يشترطون رضاه، ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أحيل أحدكم على مليء ) ما قال: على مليء راض أو موافق، وإنما قال: على مليء، فالمحال عليه لا يشترط رضاه؛ لأنه أنا أستطيع أستحصل الدين الذي عليه بنفسي، وأستطيع أن أستحصل الدين بمن؟
بغيري، مثلاً بالوكيل، أقدر على أن أوكل واحداً يأخذ الدين منه، وإذا جاءه الوكيل هل يستطيع أن يقول له: لا أعطيك، لازم أعطي صاحب الدين الأصلي؟ أبداً. يعطيني أو يعطي وكيلي، فالمحال مثل الوكيل، ولذلك الجمهور لا يشترطون رضا المحال عليه. فلي استيفاؤه بنفسي أو وكيلي أو من أحلته.
إذاً: عندنا ثلاثة: صاحب الدين الذي له الدين، وعندنا الذي عليه الدين، وعندنا الذي أحيل إليه، هؤلاء ثلاثة، فتبين لنا القول في إمكانية رضا كل واحد منهم.
نعيدها باختصار:
بالنسبة لي أنا مدين (مديون)، هل يشترط رضاي في تحويلك إلى الطرف الثالث أو لا؟ نعم يشترط؛ لأني أستطيع أن أسدد لك الدين بنفسي ولا أحيلك إلى غيري.
طيب. بالنسبة لصاحب الدين الذي هو المحال، هل يلزم رضاه أو لا يلزم؟ يلزم رضاه إذا كان عليه أدنى ضرر، فإذا لم يكن ضرر البتة فلا يلزم رضاه، وهذا مذهب الجمهور.
الطرف الثالث من هو؟ المحال عليه، وهذا أيضاً نقول: إنه لا يشترط رضاه عند الجمهور؛ لأنه يسدد الدين لي أو لوكيلي.
طيب. إذاً: ذكرنا شروط الحوالة:
الشرط الأول: تماثل الحقين.
الشرط الثاني: ما يتعلق برضا المحيل، وبحثنا ضمنها رضا المحال والمحال عليه.
طيب. مال الكتابة هذا هل هو مستقر أو غير مستقر؟
غير مستقر؛ لأنه لو عجز بعد سنتين ما الذي يكون؟ يعود قناً، والمال الذي ذهب هل يطالب به؟ لا؛ لأنه مال أعطاه لسيده، فيقولون: دين الكتابة هنا غير مستقر، وهذا عند الحنابلة.
والشافعية يرون أنه لا بأس بالإحالة بمال الكتابة.
كذلك دين السلم -كما ذكرناه- غير مستقر؛ ولذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الإحالة به، وقال: ( من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره )، وهذا الحديث عن أبي سعيد الخدري عند أبي داود وابن ماجه والبيهقي، وفيه عطية بن سعيد العوفي وهو ضعيف، ولذلك لا يصح الحديث، وقد ضعفه الإمام أحمد وغيره: ( من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره ).
إذاً: الشرط الثالث: هو أن يكون الدين مستقراً.
ومن الدين غير المستقر -كما يذكر بعض الفقهاء- المهر قبل الدخول؛ لأنه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ [الأحزاب:49].. والآية الأخرى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237]، فهذا غير ثابت، غير مستقر.
نقول: ليس لها صفة، وهذا سبق أن بحثناه في موضوع البيع، وذكرنا أن الراجح من أقوال أهل العلم أن هذه أمور ليس متعبداً بألفاظها، ولذلك نقول: إنه حتى لو أحاله -كما يقول بعض المالكية- بالإشارة وكانت إشارة مفهومة يصلح أو ما يصلح؟ يعني: أشار إلى فلان وأنه الدين الذي علي ينتقل إلى فلان، وقال هذا هز رأسه موافقاً، وفهم الناس أنه أحاله بماله وقبل، هذا يصلح أو ما يصلح؟ يصلح؛ لأن هذا ليس أمراً تعبدياً، وإنما هو أمر عرفي بين الناس، فلذلك نقول: ليس للحوالة عند الجمهور من الحنابلة والشافعية والمالكية والأحناف صفة معينة، بل بكل لفظ تتأدى، وعند كثير منهم لو عبر عنها بإشارة مفهومة أو غيرها فإن ذلك جائز ومجز.
قال: [وإن ضمنه عنه ضامن لم يبرأ وصار الدين عليهما]، هذا هو الفرق بين الضمان وبين الحوالة، أنه لا يبرأ بالضمان، لكن يصبح الدين في ذمة الاثنين، كأن ذمة الضامن انضمت إلى ذمة المدين في تحمل الدين، وصار الدين عليهما.
[ولصاحبه] يعني: صاحب الدين [مطالبة من شاء منهما] بإمكانه أن يطالب صاحب الدين الأصلي، وبإمكانه أن يطالب الضامن.
قال: [فإن استوفى من المضمون عنه أو أبرأه برئ ضامنه] وهذا واضح. يعني: لو سامحه أو أبرأه أو أخذ منه واستوفى منه الدين برئ الضامن، إذا برئ الأول برئ الثاني.
قال: [وإن أبرأ الضامن لم يبرأ الأصيل] يعني: أنت كفلتني أو ضمنتني في دين، صاحب الدين قال: أنت يا تركي خلاص ما أحتاج أني أطالبك، ضمانك هذا أنا متنازل عنه، وسوف أظل أطالب صاحب الدين الأصلي، هل أبرأ أنا أقول: مادام أبرأت الضامن تبرئني أنا صاحب الدين الذي علي الدين أصلاً؟ لا، هو قال: أبرأت الضامن لن أطالبه، معناه: أنه يحق له أن يرجع إلى من؟ إلى الأول الذي عليه الدين، ولهذا قال: (وإن أبرأ الضامن لم يبرأ الأصيل).
قال: [وإن استوفى من الضامن رجع عليه] من هو الذي يرجع؟
الضامن. يعني: لو أنك أنت ضمنتني -كما قلنا- لشركة التقسيط مثلاً: للبنك الأهلي بسيارة (داتسون)، ثم قمت أنت بالسداد عني باعتبارك ضامناً، وقلت: أنا سأحافظ على سمعتي وعلى مكانتي وسددت، تطالبني أو لا تطالبني؟ تطالبني بهذا الحق؛ لأنك سددته عني، وسدادك ليس على سبيل التبرع، وإنما هو على سبيل الضمان والرجوع علي بهذا الدين، فيتحول إلى أن يكون ديناً في ذمتي لك بدل ما كان لصاحب الدين الأصلي.
والكفالة هنا معناها: هو الالتزام، كفل الشيء، يعني: التزمه، والكفالة وردت في القرآن الكريم أو لم ترد؟
نعم وردت هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12]، وأيضاً: أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ [آل عمران:44].
إذاً: الكفالة وردت بمعناها العام في القرآن الكريم، ووردت أيضاً بغير اللفظ في قوله سبحانه وتعالى في قصة يوسف : قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ [يوسف:66].
وقد جاءت في السنة النبوية أيضاً، ففي حديث عند أبي داود وابن ماجه والحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنه: ( أن رجلاً لزم غريماً له بعشرة دنانير، فقال له: والله لا أفارقك حتى تقضيني ما عليك، أو تأتيني بحميل )، يعني: يتحمله عنك، وهو الكفيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنا أحملها أو أنا أتحملها، فأتاه بقدر ما وعده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أين أصبت هذا؟ فقال: من معدن ).. إلى آخر الحديث، وقد خرجه الحاكم في مستدركه، وقال: حديث صحيح الإسناد، وهكذا صححه الشيخ الألباني .
المقصود: أن هذا الحديث يدل على مسألة الكفيل، وأنها جاءت في السنة النبوية، وحكي إجماعاً أنه يجوز للإنسان أن يكفل غيره.
إذاً تعريف الكفالة: هي التزام إنسان رشيد -أي: عاقل بالغ- إحضار من عليه الحق لصاحب الحق، هذا معنى الكفالة.
وقد تكون الكفالة -كما قلنا- بدين أو بعارية.
لي عليه دين، وقلت: دعه يسافر وأنا أكفله، يعني: تكفل حضوره، فإذا أحضرته انتهى الأمر وأطالبه، لكن إذا لم تستطع إحضاره، فالدين حينئذ ينتقل إلى ذمتك.
قال: [فإن مات برئ كفيله]، لو مات هذا المكفول يبرأ الكفيل، لماذا؟ لأنه كان التزم بإحضاره وقد مات، وأصبح إحضاره متعذراً، فيبرأ الكفيل، هذا هو الوجه الذي ذكره المصنف.
وفي المسألة وجه آخر: أنه لا يبرأ، وإنما تنتقل الذمة وينتقل الدين إلى الكفيل، والمسألة هنا فيها محل اجتهاد ونظر، وقد يقال -والله أعلم- بالتفريق بين ما إذا كان في المسألة نوع من الإهمال أو التفريط أو عدمه، وبين ما إذا كان موته بأمر قدري محض، أو كان موته بسبب هذا السفر، فالمصنف رحمه الله يرى أنه يبرأ الكفيل مطلقاً؛ لأن قصارى ما هو مطلوب منه الإحضار، وهنا تتوجه مطالبة هذا الإنسان، مطالبة ورثته إن كان له ورثة أو ما أشبه ذلك.
هذا ما يتعلق بهذا الباب، وبذلك تبين أن المصنف رحمه الله شرح فيه الحوالة والضمان والكفالة، وتبين أيضاً أن بين هذه الألفاظ الثلاثة نوعاً من الاشتراك في كونها محافظة على الحق، فالحوالة محافظة على الحق بإحالته إلى مصدر آخر، والضمان بضم ذمته إلى ذمة الآخر، والكفالة بإحضار من عليه الحق وتتوجه عليه المطالبة.
الجواب: قد تكون دعاء، وقد تكون خبراً، والأقرب أنها دعاء، ولذلك نقول: اللهم صل على محمد، كما في الصلاة الإبراهيمية، وأما من الله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ فالصلاة من الله عز وجل قد تكون معناها الثناء عليه في الملأ الأعلى، وبعضهم يقول: الصلاة من الله الرحمة.
الجواب: نعم، هذه الحملة ربما أعلن عنها وقرأتم عنها، وأمين الحملة الشيخ سفر، والرئيس هو الدكتور محمد عمر زبير مدير جامعة الملك عبد العزيز سابقاً، وفيها عدد أكثر من مائتين وخمسين، ربما وصل العدد أضعاف هذا الآن ممن وقعوا على هذه الحملة، ومهمة الحملة هي مقاومة العدوان الغربي على العالم الإسلامي بالوسائل السلمية؛ بوسائل الإعلام، بالدفاع، بالوسائل الحقوقية والقانونية، بالمقاطعة الاقتصادية.. بكل الطرق الممكنة.
الجواب: بالنسبة لقوله تعالى: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ هذا بالنسبة للوثنيات، بإجماع العلماء أنه لا يجوز نكاحهن، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10].
بالنسبة لقوله سبحانه: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ، هنا لا ينكح، هل معناها لا يجامع، أو معناها لا يتزوج؟ الأقرب -والله أعلم- أن المعنى لا يتزوج، وهكذا جاء في قصة عناق، لما قال الصحابي رضي الله عنه: ( يا رسول الله! أنكح
سبحانك اللهم، وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
الجواب: أقول: نعم، قرأت قبل قليل في موقع البشير (الإسلام اليوم)؛ الخبر الذي تبلغت به من مكتب الدعوة مساء هذا اليوم بالفسح لي وللشيخ سليمان العلوان بالدروس والمحاضرات بشكل طبيعي وعادي، وقد قدمت لهم الدورة، فكان عندنا ترتيب دورة في الإجازة كما هو المعتاد العام الماضي، وكان ترتيبنا أن تكون الدورة من (2/5) إلى (20/5) تقريباً، بينما هم عندهم دورة من (5/5) في نفس الوقت تقريباً، فقلنا: ممكن أنها تدمج مع نفس برنامج الدورة، بحيث تكون مدة أسبوعين من خمسة إلى عشرين تقريباً أو تسعة عشر من حيث المبدأ، فالحمد لله.
وهكذا أحد الشباب جاءني الظهر يتأكد من خبر قرأه في الصحف، وهو إدراج اسمي واسم الشيخ سفر ضمن قائمة طويلة تزيد على ثلاثمائة في من تلاحقهم أمريكا بتهمة الإرهاب ودعم الإرهاب وتعزيز الإرهاب، وكانوا حزينين، وفي مساء هذا اليوم جاءهم خبر أفرحهم وسرهم، وهكذا الدنيا، يعني: فيها من التقلبات والتحولات الشيء الكثير، والمهم هو أن الإنسان يبذل جهده في كل الأحوال، فكما قال:
فما أنا من رزءٍ وإن جل جازع ولا بسرور بعد موتك فارح
الحياة كلها تقلبات وتحولات، والمؤمن ينبغي أن يكون له عبادة في كل الأحوال، فللشدة عبادتها، وللرخاء عبادته، والقوة والضعف والغنى والفقر والصحة والمرض والغربة والأوبة.. كلها لها عبادات ينبغي للمؤمن أن يلتزم بها قدر مستطاعه.
الجواب: المؤكد أن الخبر على الأقل الآن غير صحيح؛ لأن التعديلات الوزارية أعلنت، وتم فيها دمج عدد من الوزارات والمؤسسات، وإلغاء بعض المؤسسات والهيئات والمجالس، ولم يكن من ذلك شيء على الإطلاق، فبعض الأشياء هي قد تكون إشاعة، وبعضها قد لا تكون إشاعة بقدر ما هي نوع من تصعيد بعض الأشياء.
يعني: قد يكون في وقت من الأوقات أو ظرف من الظروف، يمكن يكون ورد مثل هذا الطرح أو الاقتراح، لكنه ليس واضحاً أنه موجود، وبكل تقدير أيضاً اليوم قرأت في المواقع الإلكترونية وغيرها أن وزير الخارجية الأمريكي سوف يأتي إلى المملكة خلال هذين اليومين، ومعه قائمة من المطالب ومن المقترحات والملاحظات، وهذا كما فعل مع سوريا، وكما سوف يفعله مع دول أخرى، فهم لن يألوا جهداً في محاولة ممارسة ضغوط معينة في تغيير المناهج الدراسية، وفي تقليص التعليم الشرعي، في حجب -هكذا في نص الخبر أيضاً- منع الإسلاميين، ومنع الإرهابيين من إثارة الكراهية للسياسة الأمريكية، هذا من ضمن مطالبه أيضاً.
ولكن علينا أن ندرك أنه دائماً ليست المشكلة تأتيك من عدوك بقدر ما تأتيك المشكلة من داخل نفسك، فإذا كان عندك كفاءة وقدرة استطعت أن تعمل في كل الظروف، وإذا كان الإنسان ضعيفاً أو الشعب أو الأمة واهنة، فربما لا تحتاج إلى كبير جهد من عدوها، فتتهاوى وتضعف.
وكذلك من ناحية النفط فبإمكانهم الحصول على احتياجاتهم من هذه الدول، وحتى النفط من السعودية، يعني: نحن إذا لم نبع النفط لنستفيد منه، ماذا نصنع به نشربه أو نسقي به زرعنا؟ هو قيمته أن يباع لتستفيد منه، فهم يحصلون على مطالبهم بهذه الطريقة، وفي نفس الوقت قد تكون هذه رسالة أنهم سوف يكون هناك نوع من ممارسة الضغوط على المجتمع السعودي؛ على حكومته وعلى شعبه، وعلى هيئاته الرسمية والشعبية وغيرها.
يبقى السؤال: هل الناس لديهم من الوعي والإدراك ما يستطيعون به أن يتعاملوا مع هذه الأزمة بطريقة ذكية وواعية، أم أننا ربما أحياناً نظل نمارس الأمور كما هي، كما لو أن كل شيء لا يتغير، بينما الواقع أن كل شيء يتغير، والمفروض أننا نواجه هذه الأشياء بوسائل مكافئة، وليس بمجرد التقليد أو العادة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر