هذه ليلة الخميس الثاني من شهر صفر من سنة 1424هـ، وكالمعتاد فالدرس اليوم هو في شرح عمدة الفقه باب السلم.
وباب اليوم هو باب السلم.
السلم: يسمى السلم ويسمى السلف، فعند الحجازيين اسمه السلم، وعند العراقيين اسمه السلف، وهو نوع من أنواع البيع، فهو أحد أقسام أو أنواع البيوع، ويقال في تعريف السلم أو في تعريف السلف: إنه بيع موصوف في الذمة.
تقريباً هذا أجمع وأكمل وأخصر التعريفات: بيع موصوف في الذمة.
وبعضهم يضيف إلى التعريف كلمة، فيقول: بيع موصوف في الذمة إلى أجل مسمى.
وسوف ننظر هل هذا في أصل التعريف أم أنه شرط خارج عن التعريف، فأما أنه بيع موصوف؛ فلأنه فعلاً أحد أنواع البيوع كما ذكرنا لكم، ومثاله: أن أعطيك الآن مائة ألف ريال حالّة، أعطيكها في مجلس العقد مقابل أن تعطيني -مثلاً- عشرة آلاف كيلو تمر بعد سنة، أو أي شيء آخر.
يعني: ممكن أعطيك الآن مائة ألف ريال مقابل أن تعطيني بعد سنة سيارة، أو كراتين صابون أو حليباً، أو أي شيء آخر كما سوف يتضح.
إذاً: هو بيع لكن الثمن فيه حالّ، والقيمة -المثمن أو السلعة- مؤجلة.
إذاً: هو عكس البيع الآجل الذي يكون الثمن فيه آجلاً والسلعة مقبوضة، أنا الآن مثلاً أبيع عليك هذا البيت بمائة ألف ريال إلى سنة، فتأخذ البيت الآن وتدفع الثمن بعد سنة، فعكسه السلَم، وهو أن يكون الثمن مدفوعاً الآن والسلعة هي المؤجلة.
هذا هو المقصود بالسلَم، ولهذا نسميه بيعاً، فهو بالاتفاق نوع من أنواع البيوع، لكن هذا البيع نقول: إنه بيع موصوف، وكلمة موصوف معناها أنه شيء قابل للوصف، أو بالأصح نقول: شيء منضبط بالوصف، يعني: شيء يمكن تحديده بالوصف، مثلاً: لما أبيع عليك سيارة بعد سنة، المال يؤخذ الآن والسيارة تستلمها بعد سنة، هنا السيارة يمكن أن تنضبط بالوصف أو لا تنضبط؟ تنضبط.
كيف تنضبط؟
نوع السيارة، فرق بين الداتسون والروزرايز أو مثلاً مرسيدس وإلا أي شي.. فلا بد من تحديد نوع السيارة، وتحديد الموديل وما أشبه ذلك، بحيث يمكن أن تحدد كل الأشياء، مثلما يقولون الآن: سيارة فل كامل، يعني: فيها كل المميزات، بمعنى أن يكون الوصف منضبطاً بالدقة، أو لما أبيع عليك جهاز كمبيوتر مثلاً، يمكن أن يكون هذا الجهاز محدداً منضبطاً بشكل دقيق جداً.
إذاً: لابد أن يكون البيع هنا على شيء موصوف كما سوف يأتي في تحديد الوصف، المهم معنى موصوف أنه منضبط بالوصف.. قابل للوصف.
طيب. الشيء الذي لا ينضبط بالوصف مثل ماذا؟
الفقهاء مختلفون كثيراً في هذا الشيء وربما يأتي طرف منه، لكن الآن ما دمنا في التعريف أعطي مثالاً واحداً لما لا ينضبط بالوصف، وهو الشيء المغشوش الذي يدخله الغش. فكثير مما يدخله الغش لا ينضبط بالوصف، مثل لو باع عليه لبناً مغشوشاً، يعني: ما مقدار اللبن، ما مقدار الغش أو الحموضة فيه، هذا لا ينضبط، لكن هل هناك شيء مغشوش يمكن ينضبط بالوصف الآن، ربما ما كان عند الفقهاء في الماضي، لكن الآن هناك أشياء وإن كان فيها نوع من الغش إلا أنها تنضبط بالوصف، وإن لم نقصد الغش بمعناه، يعني ليس شيئاً أصلياً ولكنه تقليد، مثل بعض الأدوات وبعض الأجهزة ممكن أن تبيع منه سلعة أصلية يابانية، أو تبيع منه سلعة صينية أو مقلدة من السلعة الأصلية، هذا ينضبط أو لا ينضبط؟ ينضبط الآن.
إذاً: لابد أن يكون البيع لموصوف قابل لأن ينضبط بالوصف.
أيضاً ذكروا شرطاً ثالثاً، قالوا: بيع موصوف في الذمة.
ما معنى كلمة: (في الذمة)؟ أي: أن هذا المبيع ليس معيناً، يعني: لا أبيع عليك السيارة هذه بعد السنة، هل يجوز أن أقول لك: سيارتي التي عند الباب أبيعها عليك بعد سنة وتعطيني الآن المال وتستلم السيارة بعد سنة؟
لا؛ لأن السيارة ممكن يجري عليها البقاء وعدمه.
إذاً: الموصوف هنا في الذمة، يعني: غير معين، أبيع عليك مثلاً مائة كيلو تمر بعد سنة لا بأس، لكن لو قلت لك: مائة كيلو تمر من مزرعة فلان بن فلان، هل يجوز هذا؟ لا؛ لأنه ممكن مزرعة فلان لا تنتج، يمكن يطلع تمرها رديئاً إلى آخره، وإنما مائة كيلو تمر معروفة موصوفة بذمتك غير معينة، غير محددة، هذا معنى قولنا: (في الذمة).
طيب. بعضهم يضيفون كلمة: (إلى أجل مسمى) ويقصدون بالأجل طبعاً المدة التي يحدد فيها تسليم السلعة قلّت أو كثرت كما سوف يأتي خلافهم في مقدار الأجل، والأقرب أن هذا شرط في السلم، ولا يلزم ذكره في التعريف؛ لأن العادة أن التعريف لا يستوعب الشروط، وهناك شروط أخرى سيتبين أنها لم تذكر، فلو قلنا في التعريف: إنه بيع موصوف في الذمة لكفى، وكلمة (إلى أجل مسمى) تأتي ضمن شروط السلم كما سوف نتحدث عنها الآن.
إذاً: هذا هو السلَم: بيع موصوف في الذمة.
القرآن: قول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282].
يقول ابن عباس رضي الله عنه: (أشهد أن السلم حلال في كتاب الله عز وجل) ثم قرأ هذه الآية؛ لأن السلم دين إلى أجل مسمى، والله سبحانه وتعالى لم يبين في هذه الآية أن يكون الأجل مسمى للثمن أو للمثمن، فكله جائز كما هو ظاهر الآية.
فالآية دليل إذاً على جواز بيع السلم.
وأما السنة: فما رواه الشيخان عن ابن عباس، بل رواه أهل السنن أيضاً أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وغيرهم، فهو مما رواه السبعة، عن ابن عباس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلمون أو يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، فقال صلى الله عليه وسلم: من أسلَم أو أسلَف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم )، فهذا دليل على أنهم كانوا يتعاطون هذا البيع في الجاهلية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر هذا البيع ولكنه وضع له ضوابط، ووضع له شروطاً.
فالحديث دليل على جواز السلم.
وأما الإجماع: فقد حكى معظم المصنفين في الإجماع هذه المسألة، كما ذكره ابن المنذر وابن رشد وابن قدامة وغيرهم من أهل العلم، وكذلك ابن بطال، أن الفقهاء أو العلماء أجمعوا على جواز بيع السلم، فهو جائز بالكتاب والسنة والإجماع.
يعني: أنه فيما يتعلق بالمبيع -لو ذكرتم شروط البيع- كنا اشترطنا ملكية المبيع، أن يملك المبيع، يعني: أبيع عليك سيارة عندي، وحديث حكيم بن حزام : (لا تبع ما ليس عندك)، لكن بالنسبة للسلم هل يشترط في السلعة التي سوف أعطيك بعد سنة أن تكون موجودة عندي الآن؟ لا يشترط. هذا صحيح.
هناك شرط آخر أيضاً أن يكون مقدوراً على تسليمه وقت التسليم، لكن مثلاً المعدوم، نحن سبق أن ذكرنا أن فقهاء الحنابلة يقولون: لا يجوز بيع المعدوم، على أنا ذكرنا تفصيلاً هناك.
بالنسبة للسلم معدوم أو غير معدوم، قد يكون معدوماً، السلعة التي سوف أبيعها لك الآن وقت العقد هي معدومة، لكنها تكون موجودة عند التسليم.
إذاً: شروط السلم في الجملة هي شروط البيع ويضاف إليها ستة شروط أخرى ذكر المصنف بعضاً منها، فالمصنف رحمه الله في باب السلَم قال: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم، أو وزن معلوم، إلى أجل معلوم ) ] فساق الحديث الذي هو عمدة الباب.
ما هو الشيء الذي ينضبط بالصفة؟
معظم الأشياء تكون منضبطة في الصفة، وهذا أمر يتفاوت بين الحاضر وبين الماضي.
الأشياء التي تنضبط بالصفة مثلاً: جميع الأجهزة الآن تنضبط بالصفة؛ لأنه يمكن تحديدها من كل وجه، كذلك الملابس تنضبط بالصفة.
طيب. الفواكه هل تنضبط بالصفة أو لا تنضبط؟
بعضهم يقول: تنضبط. وبعضهم يقول: لا تنضبط. فالذين قالوا: لا تنضبط منعوا بيعها كما سوف أشير إليه، والذين قالوا: إنها تنضبط أجازوا بيعها.
والأقرب أن معظم المبيعات تنضبط بالصفة، وربما لا تستطيع أن تجد مثالاً واحداً لشيء لا ينضبط، وقد راجعت كلام الفقهاء فوجدت أن أكثر ما قالوا: إنه لا ينضبط بالصفة هي الجواهر المعروفة؛ لأن الجواهر هذه ثمينة وغالية جداً، ومختلفة الأثمان جداً، مثلاً: اللؤلؤ أو غيره ربما تكون أثمانه متفاوتة، وبحسب كمال استدارته وكبره وصغره وحجمه وإلى آخره يتفاوت سعره تفاوتاً كبيراً، فهذا قالوا: لا ينضبط، مع أن الإمام مالكاً رحمه الله قال: إنه منضبط، ولذلك يجوز بيعه.
ولهذا قد لا تستطيع أن تجد شيئاً لا ينضبط بالصفة إلا مثل ما ذكرنا قبل قليل، لما يكون الشيء مغشوشاً، والمغشوش اليوم منه شيء ينضبط بالصفة كالذي نقول: إنه صناعة تقليدية، فهذا ينضبط بالصفة، ومن المغشوش ما لا ينضبط مثلما لو باعه مثلاً لبناً حامضاً، أو لبناً مشوباً بالماء، فإنه لا يعرف مقدار اللبن ومقدار الماء.
طيب. الحيوان هل ينضبط بالصفة؟
قولان: من الفقهاء من قال: إن الحيوان ينضبط بالصفة، أن يبيعه مثلاً بعيراً إلى سنة أو شاة أو بقرة أو غير ذلك.
ما حجة الذين قالوا بعدم جواز السلم في الحيوان؟
استدلوا أولاً بأثر عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول: (إن من الربا أبواباً لا تخفى -غير خفية- وذكر منها السلم أو السلف في الحيوان)، وهذا الأثر لو صح لم يكن إلا أنه قول لـعمر رضي الله عنه خالفه غيره كما سوف نذكر مع أن في صحته نظراً .
وكذلك نقلوا عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه نهى عن السلف في الحيوان )، وهذا رواه الدارقطني والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. وضعفه غير واحد بأن فيه إسحاق بن إبراهيم وهو ضعيف، بل قال ابن حبان : منكر.
فالحديث إذاً نهى عن السلف أو السلم في الحيوان وهو لا يصح، وقد عارضه ما هو أقوى منه وأصح.
كذلك نظروا إلى المعنى في منع السلم في الحيوان، فقالوا: إن الحيوان لا يمكن ضبط وصفه، يعني: كون البعير سميناً أو ضعيفاً .. فقالوا: إنه لا ينضبط بالوصف، وإذا بالغنا في الأوصاف وذكرنا كل التفاصيل، فإنه لا يتسنى أن يحصل عليه عند القبض؛ ولهذا مما يذكر في الطريف يقولون: إن أحد أمراء بني أمية -وكان فيه تغفيل- فجاء لرجل عنده رحى تدور على حمار، وهذا الحمار قد وضع فيه صاحبه قلادة فيها جرس، ما دام الحمار يمشي فهي تتحرك، وإذا وقف الحمار وقف الجرس، فجاء صاحبه وحركه، فقال له: لماذا وضعت الجرس؟ قال: حتى أعرف إذا وقف الحمار أعرف أنه وقف فآتي إليه. قال له: طيب. لو الحمار وقف وظل يحرك رأسه ذات اليمين وذات الشمال، بحيث إن الجرس يتحرك ماذا تصنع؟ فقال له: هذا لو كان عقل الحمار مثل عقل الأمير فعل هذا.
والشاهد أنهم قالوا: إن كثيراً من الحيوانات لا تنضبط بالوصف، وإذا ضبط وصفها ضبطاً دقيقاً فإنه قد لا يتسنى وجودها عند التسليم، هذه حجتهم.
فهو مذهب جمهور أهل العلم، وهذا هو القول الراجح أنه يجوز السلم في الحيوان.
الأدلة:
أولاً: حديث أبي رافع وهو في صحيح مسلم قال: ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبتاع البعير بالبعيرين والأبعرة إلى إبل الصدقة ) فقوله: (أبتاع البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة) هذا هو عبارة عن عقد السلم، يعني: يأخذ منك الآن بعيراً ويرده لك بعيرين بعد سنة مثلاً، هذا هو السلم.
فهذا حديث صحيح رواه مسلم، وهو دليل على جوازه.
ومثله أيضاً حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، الذي رواه أبو داود والحاكم وعبد الرزاق والدارقطني وغيرهم، وفيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتري البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة ) وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص في طرقه كلها ضعف، فمنهم من صححه بمجموع طرقه، ومنهم من قال: إنه وإن كان ضعيفاً إلا أنه يتعزز بحديث أبي رافع .
وعلى كل حال هذا من الأدلة، وكلا الحديثين واضح في دلالته على الجواز.
وأيضاً: نقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أنه كان عنده بعير يسمى عصيفير وكان ثميناً، فباعه بعشرة أبعرة، أو قال: بعشرين بعيراً إلى أجل) فهذا دليل على أنه كان يرى جواز السلم.
أما قول عمر رضي الله عنه الذي سبق: (من الربا ربا لا يخفى ومنه السلم في الحيوان أو قال: في السن) يعني: فيما له سن وعمر، يعني: الحيوان، ويدخل فيه طبعاً السلم في الرق، في الرقيق لما كان موجوداً، يدخل في هذا الباب.
فنقول: قول عمر رضي الله عنه معارض بما هو أقوى وأصح منه، وأكثر حتى في الرواية عن الصحابة، كما أنه قد يقال: إن قول عمر ونقل عن ابن مسعود أيضاً مثله أنه محمول على أنهم كانوا يسلمون سلماً خاصاً، يعني: أنها حيوانات مثلاً من ضراب الفحل الفلاني مما لا يتسنى وجوده، فهذا يكون ممنوعاً.
ومن الأدلة على جواز السلم في الحيوان أنهم قالوا: إن الحيوان يثبت في الذمة صداقاً، فيجوز أن يكون فيه السلم.
فعلى كل الحال الراجح في المسألة أن السلم في الحيوان جائز وهو مذهب جمهور أهل العلم كما ذكرنا.
إذاً: الشرط الأول في السلم هو أن ينضبط بالصفة.
فقوله: [إذا ضبطه بها] هذا شرط آخر. يعني: أنه لابد في العقد أن يقوم البائع والمشتري بضبط المبيع بالصفة، والصفة تعرف بأحد أمرين: إما بالرؤية وإما بالوصف، هل الرؤية ممكنة فيما يتعلق بالسلم؟ ليست ممكنة؛ لأن المسلَم فيه قد يكون معدوماً أو غير مملوك له الآن، ولو قلنا بالرؤية لكان هذا سلماً في شيء معين، ونحن اشترطنا في السلم أن يكون في الذمة، لكن يمكن أن يضبطه برؤية مثله أو يضبطه بالوصف كما ذكرنا.
طيب. هذه الصفة التي لابد منها في السلم تنقسم إلى قسمين أو فئتين من الصفات:
الفئة الأولى: صفات متفق على أنه لابد منها.
والقسم الثاني: صفات مختلف فيها.
إذا اتفقنا على أنني سوف أسلم -أبيعك سلماً- تمراً -مثلاً- إلى سنة، لابد من ثلاثة أشياء يتفق عليها:
الشرط الأول: معرفة أن المبيع هو عبارة عن تمر ليس تفاحاً -مثلاً- ولا رزاً ولا سكراً وإنما هو تمر، وهذا نسميه الجنس.
الشرط الثاني: وهو النوع، مثل أن نقول: إن التمر هذا سكري أو برحي أو برني أو أي نوع من أنواع التمور التي تتميز عن غيرها.
إذاً: لابد أن يكون الجنس معلوماً، ولا بد أن يكون النوع معلوماً.
والشرط الثالث: الجودة أو الرداءة، يعني: أن يكون من التمر الجيد مثلاً أو المتوسط أو الرديء، مثل التمر الذي تكون حبته كبيرة، هذا غير التمر الذي تكون حبته صغيرة، أو يكون أحياناً من منطقة معينة، ولا يجوز أن يقول: أشتري منك تمراً من حائط فلان أو من حقل فلان، لكن يجوز أن أقول: أشتري منك مثلاً تمر خلاص من الأحساء، ولا يقصد أنه من مزرعة معينة، لكن يقصد الجنس، أن خلاص الأحساء أجود من خلاص القصيم، يعني: لو كان الفلاحون يوافقوننا على هذا، بينما تجد الفلاحين ربما يقول: لا، يقول لك: هذا مثله أو أجود، لكن المهم أنه لا بأس أن يحدده من منطقة معينة ويقصد به النوع ويقصد به الجودة.
كذلك لو كان -مثلا- سيشتري سيارة بالسلم، فيقول: أشتري منك سيارة، هذا عبارة عن جنس، لما يقول: إن السيارة هي مرسيدس، هذا نوع، ولما يقول: إنها إما موديل أو يعطونا.. أنا أعرف بعض السيارات لها رقم، يقول لك: هي (360) أو (660)، المهم عندهم لها أوصاف معينة، أن هذا الرقم يدل على سيارة بمواصفات، فيما يتعلق بالتكييف، فيما يتعلق بالخدمات، جودتها.
إذاً: هذه أشياء لابد منها: الجنس، النوع، الجودة أو الرداءة. هذه أشياء لابد منها.
بينما أبو حنيفة لا يرى هذا، ويقول: إنه إذا ذكر الجنس والنوع والجودة فإن هذا كافٍ، ولا يلزم ذكر الأشياء الفرعية.
مثلاً: لو كان سوف يبيع السيارة وذكر الجنس وذكر النوع، وذكر أن السيارة من النوع الجيد أو من النوع المتفوق، يقول: هذا يكفي، ولا يلزم ذكر ما يختلف الثمن باختلافه عند أبي حنيفة.
كذلك لو كان الإنسان سوف يسلم في عسل مثلاً عشرة آلاف ريال الآن، أعطيك -مثلاً- خمسمائة علبة عسل بعد سنة، هل يكفي أن نقول: عسل؟
لا، لابد أن نقول مثلاً: هذا العسل عسل سدر، أو نوع آخر حضرمي أو غير حضرمي؛ بحيث يحدد الإنسان الأشياء التي يختلف الثمن باختلافها ويتفاوت.
وفي تقديري أن مسألة اشتراط ما يختلف الثمن باختلافه أنه ليس أمراً ضرورياً دائماً لكن عند الحاجة إليه، بحيث إذا كان اختلاف الثمن كبيراً فإنه يلزم ذكرها؛ لئلا يترتب على ذلك إجحاف بحق البائع أو المشتري، أو كثرة الخصومات بين الناس، فإنه مثلاً نحن نجد أن الأجهزة الحديثة تتفاوت تفاوتاً كبيراً، ربما ضعف الثمن أحياناً، وكبر السيارة، كبر حجمها وجودتها، هذا يختلف.
إذاً: لا يمكن الاقتصار على الجنس والنوع والجودة، بل لابد من ذكر ما يختلف الثمن باختلافه إذا كان الفرق كبيراً.
طيب. هل يجوز أن يشترط الأجود من السلعة؟ يقول: أبيع عليك أجود سلعة في السوق، أو أجود سلعة عند الناس بعد سنة؟
لا يجوز، لماذا؟ لأنه لا يدري، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف:76]، وفكرة أجود سلعة يمكن يأتي ما هو أجود منها، ويمكن يكون في بلد ثانٍ ما هو أجود منها، وهكذا لو كان يريد -مثلاً- يبيع عبداً، فيقول: أن يكون أعلم الناس بالخياطة، أو أعلم الناس بالخط، هذا لا يمكن؛ لأنه ربما يوجد من هو أجود وأعلم منه، لكن يشترط الجيد فقط.
إذاً: الشرط الثاني: هو أن يضبط المبيع بالصفة، ويتفقان على الجنس والنوع والجودة، وما يتأثر به الثمن زيادة أو نقصاً.
إذاً: الشرط الثالث هو تقدير المبيع بما يقدر به، إن كان مكيلاً قال مثلاً: أبيع عليك مائة صاع، وإن كان موزوناً قال: أبيع عليك مائة كيلو أو مائة رطل مثلاً، وإن كان معدوداً قال: مائة حبة، وإن كان مذروعاً قال: مائة ذراع أو متر.
المهم أن يحدد المبيع بالقدر الذي يحدد به كيلاً أو وزناً، وهذا ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث في قوله: ( في كيل معلوم أو وزن معلوم )، فدل على أنه لابد من التحديد.
المكيل مثل ماذا؟ مثل: الرز، البر، الطعام، الشعير.. هذا يباع كيلاً.
الموزون مثل ماذا؟ التمر قد يكال أيضاً، التمر يعتبر مكيلاً، وقد يكون موزوناً.
الفواكه منها الموزون، وأيضاً اللحم موزون، ومثله: الحديد، القطن؛ لأنه يجوز السلم في الحديد أو لا يجوز؟ يجوز. يجوز السلم في القطن؟ يجوز.
إذاً: هذه أشياء توزن.
طيب. العد مثل ماذا؟ مثل السيارات، أجهزة، حيوانات، بيوت.. إلى غير ذلك.
وحتى بعض الفواكه مثل الحبحب والبطيخ يمكن يعده؟ يمكن.
طيب. الذرع مثل القماش.
إذاً: لابد من أن يقدر بما يقدر به عادة، من كيل أو وزن أو عد..
ولو أنه عكس، نحن قلنا مثلاً: البر يكال، فلو اتفقوا على مائة كيلو بر فهل يجوز أو لا يجوز؟
الأقرب والأرجح أنه يجوز؛ لأن المقصود هو أن يكون أمراً مقدراً منضبطاً، ولذلك نقول: التمر لو باعه كيلاً جاز، ولو باعه وزناً جاز أيضاً، فلو أنه باع ما يكال وزناً واتفقا على ذلك، أو باع ما يوزن كيلاً واتفقا على ذلك، وكان الأمر منضبطاً فإنه يجوز، وهذه هي الرواية الصحيحة عن الإمام أحمد، وهو قول الشافعي ومالك وغيرهما، وهو الأصح لعدم الدليل على المنع.
والمصنف طبعاً قال: [أو عد] مما يدل على أن السلم في المعدود جائز، السلم في الأشياء المعدودة كما ذكرنا.
عند الحنابلة روايتان: الأولى لا يجوز، قالوا: لأنه لا ينضبط، العد ليس ضابطاً دقيقاً، فقد يختلف ويتفاوت في الكبر والصغر والجودة وغيرها.
والرواية الأخرى عند الحنابلة أنه يجوز السلم في المعدود، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وهو الراجح، كما ذكرنا مثلاً، السلم في السيارات، السلم في الأجهزة، هذه معدودة الآن، ومع ذلك هو واضح جداً ومنضبط أكثر من انضباط أي شيء آخر.
طيب. ذكرنا قبل قليل السلم في الفواكه، وهذا أيضاً رواية عند الإمام أحمد بعدم جوازه؛ لأن الفواكه لا تنضبط، مثلاً: الرمان أو مثلما قلنا قبل قليل: الحبحب لا ينضبط، يعني: كبر، جودة.. لا ينضبط، ولذلك هناك رواية في المذهب بعدم جواز السلم في الفواكه.
والجمهور أن ذلك جائز وهو الذي رجحه ابن قدامة صاحب المغني وغيره، وهو الراجح، أنه يجوز السلم في الفواكه وتضبط بما تنضبط به، ولا بأس من وجود نوع من التفاوت، مثلاً: البيض يجوز السلم فيه أو لا يجوز على هذا؟ يجوز السلم فيه عن طريق العد، ممكن العد بالحبة أو بالطبق أو بالكرتون، لا يمنع من هذا، هذه الأمور قابلة للتطوير بحسب ما عليه حال الناس وعرفهم.
إذاً: هذا ما يتعلق بقول المصنف [وذكر قدره بما يقدر به من كيل أو وزن أو ذرع أو عد]، وهذا هو الشرط الثالث في السلم.
أولاً: القرآن، يقول الله سبحانه وتعالى: إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ [البقرة:282] ثم قال: إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282]، فلاحظ أنه لابد من الأجل ولا بد أن يكون الأجل معلوماً، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم ).
إذاً: الأجل على هذا لابد منه في السلم، وقالوا: إن السلم لم يسم سلماً إلا لوجود الأجل فيه؛ لأنه إذا لم يكن فيه أجل فهو بيع حاضر، وإنما سمي سلماً أو سمي سلفاً؛ لأن الثمن قد سلف، يعني: تقدم، وتأخرت السلعة، أو تأخر المبيع، فهذا معنى اشتراط الأجل، والحنابلة قالوا: لابد أن يكون الأجل له تأثير في الثمن.
يعني: كالشهر والشهرين، فلا يصح على هذا القول السلم الحال الذي يكون في الوقت نفسه، ولا يصح أيضاً على هذا القول الأجل المجهول.. المطلق، ولا يذكر له وقت.
طبعاً هذه أيضاً مسألة فقهية مشهورة، ولذلك نقف عندها بعض الشيء، وهي: اشتراط الأجل في السلم.
وهذه الحقيقة مسألة لها تعلق بالسلم، ولها تعلق بالبيع الآجل، ببيع ما ليس عنده أحياناً، مثلاً: (لا تبع ما ليس عندك).
هذه المسألة وهي: هل يشترط الأجل في السلم، فيها قولان مشهوران:
الأول: وهو مذهب الجمهور، مذهب أحمد ومالك في الرواية المعتمدة عندهم، وأبي حنيفة، ومذهب الأوزاعي أيضاً، قالوا: إن الأجل لابد منه، وهو شرط في السلم.
وحجتهم الآية: إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282].
وحديث ابن عباس : ( إلى أجل معلوم ).
وأيضاً من حججهم، حديث جابر في إبل الصدقة، أنه كان يسلف البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة.
كذلك حديث أبي رافع وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( يشتري البعير بالبعيرين والثلاثة إلى إبل الصدقة ) فهذا دليل على الأجل.
ومن الأدلة قالوا: إن السلم خلاف القياس؛ لأنه بيع معدوم، وبيع شيء لا يملكه، لاحظ هذا دليل عقلي، ربما يكون فيه قوة لهم.
قالوا: إن السلم بيع شيء معدوم غير مملوك، فالشارع تسامح فيه مقابل وجود أجل لحاجة الناس إلى ذلك، فإذا ألغي الأجل أصبح هذا بيعاً حاضراً، وبيع الحاضر لابد أن يكون موجوداً مملوكاً للإنسان، وأن يكون حاضراً لا يكون معدوماً أو غير مملوك له، فقالوا: إن السلم هو استثناء من القاعدة، استثناء من القياس، خلاف القياس؛ لأنه بيع معدوم، وبيع ما لا يملك، وإنما تسامح الشارع فيه لحاجة الناس كما في الحديث أنهم يسلفون في الثمار، فلا بد أن يكون في ذلك أجلاً مضروباً.
كذلك من أدلتهم -وهو قريب من الدليل السابق-:
قالوا: إن السلم استثناء من القواعد الشرعية في البيع، أن يكون مملوكاً عنده، والاستثناء لا يتعدى به حدود ما ورد.
الشيء المستثنى لا يقاس عليه، وإنما يبقى عليه عند حدود ما ورد في الشريعة، إضافة إلى استدلالهم بحديث: (لا تبع ما ليس عندك) حديث حكيم بن حزام عند أهل السنن وأحمد .
إذاً: هذه تقريباً ستة أدلة للجمهور على أنه لابد أن يكون السلم إلى أجل مسمى.
القول الثاني في المسألة: وهو مذهب الإمام الشافعي ونص عليه في الأم، وكذلك هو قول أبي ثور وابن المنذر وغيرهم، وذكره صاحب بداية المجتهد ابن رشد تخريجاً على قول للإمام مالك أنه يجوز السلم الحالّ.
يعني: بلا أجل، وهذا اختيار الإمام ابن تيمية رحمه الله كما في الاختيارات الفقهية .
ما حجتهم؟
الشافعي رحمه الله نص على أنه: إذا جاز السلم مؤجلاً فإنه يكون حالّاً من باب أولى؛ لأنه يقول: المؤجل عرضة للغرر أكثر من الحالّ، فالحالّ أقل غرراً، فإذا أجاز الشرع السلم مؤجلاً فيجوز حالّاً من باب الأولى؛ لأن زوال الأجل يخفف من الغرر ولا يزيده، فهذه حجة للإمام الشافعي .
كذلك استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه الإمام أحمد والبزار، وقال الهيثمي في المجمع : إن إسناد أحمد صحيح، وكذلك رواه الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي بأحد رواته عن عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من أعرابي جزوراً بوسق من تمر، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد هذا الوسق فقال الأعرابي: واغدراه! ) يعني: غدرتم وخالفتم وكذبتم علي ( فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى
الشاهد قالوا: إن هذا نوع من السلم الحالّ، أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم طلب من خولة وسقاً من تمر ليعطيها بدله، فهذا سلم حالّ يدل على جوازه.
الدليل الثالث عندهم: قالوا: إن الآية الكريمة وكذلك الحديث النبوي ليس فيه اشتراط الأجل، وإنما فيه اشتراط أن يكون الأجل معلوماً، يعني: يقولون: ليس المقصود في الآية والحديث أنه لابد من الأجل، لكن كأنهم يقولون: معنى الآية والحديث أنه إذا وجد الأجل فلا بد أن يكون معلوماً؛ لأنه لو لم يكن الأجل معلوماً أصبح ممكن أن يكون بعد يوم، وممكن أن يكون بعد عشر سنوات، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إلى أجل معلوم ) يعني: أن يكون الأجل معلوماً، لكن لو لم يكن في السلَم أجل أصلاً لم يكن في ذلك حرج، لانتفاء الغرر والجهالة والخصومة بينهم.
والذي أراه أن قول الإمام الشافعي جيد، وهو كما ذكرنا اختيار الإمام ابن تيمية رحمه الله.
وضمن هذا القول هل هناك مدة محددة للأجل أم لا؟
يعني: عند من يقولون باشتراط الأجل-وهم الجمهور- هل يشترطون مدة معينة؟
اختلفوا في ذلك:
الحنابلة -كما ذكرت لكم- يقولون: لابد أن يكون الأجل له تأثير في الثمن، وعلى أقل تقدير مثلاً بعد شهر، لكن غيرهم قالوا: يكفي في الأجل ثلاثة أيام، هذا عند جماعة.
وبعضهم كالحنفية قالوا: لو اشترط أي أجل حتى لو قال: إلى يوم أو نصف يوم جاز ذلك، وهذا أجل ليس له كبير تأثير.
أما المالكية فقالوا: الأجل يتفاوت بحسب حال السوق، وبحسب نوع السلعة، قد يكون الغالب خمسة عشر يوماً وقد تزيد وقد تنقص، لا دليل على اشتراط شيء من ذلك فيما يتعلق بالأجل، ولكن ذكرنا أن القول الراجح هو جواز السلم الحالّ والله أعلم.
طيب. هل يصح الأجل المجهول؟ لا. لماذا؟
أولاً: مخالفة النص (أَجَلٍ مُسَمًّى)، وأيضاً أنه يترتب عليه الغرر والخصومة، ممكن هذا يقول: بعد شهر، وهذا يقول: بعد عشر سنوات إذا كان الأجل مجهولاً.
طيب. لو كان الأجل محدداً يكون محدداً بماذا؟ العرف. كيف العرف؟ نحدده بالتاريخ، نقول: بعد سنة، في شهر محرم، في ذي الحجة، في اليوم الفلاني، هذا الأجل.
طيب. لو حدد أجلاً، قال مثلاً: دخول الشتاء أو قدوم الحاج، يجوز أو لا يجوز؟
الأقرب أنه يجوز؛ لأن هذا يتحدد تقريباً، وهناك حديث أبي رافع وابن عمرو قال: ( إلى إبل الصدقة ) وهذا ليس أجلاً محدداً باليوم، فلو حدده بشيء تقريبي لا يتفاوت كثيراً، فإن الأقرب أن ذلك جائز.
وبعضهم قالوا: لابد من تحديده بدقة.
مداخلة: ما تجيب.
الشيخ: سيارة واحدة. تقبض الثمن الآن في مجلس العقد، قال: [وأعطاه الثمن قبل تفرقهما].
وهذا مذهب جمهور العلماء، ولهذا يقولون: إن تفرقا قبل قبض الثمن بطل العقد، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد كما رأيتم، واستدلوا بأدلة:
منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أسلف فليسلف في كيل معلوم ) فقوله: (فليسلف) هذا أمر، ومعنى الإسلاف هنا هو دفع الثمن.
فقالوا: هذا دليل على أنه لابد أن يدفع الثمن، أي: فليعط الثمن الآن.
وقالوا: لأنه لو لم يعطِه الثمن الآن فكأنه يصبح من باب بيع الدين بالدين، بيع الكالئ بالكالئ، وهذا سبق أن ذكرنا أن غير واحد حكوا إجماع الفقهاء على تحريم بيع الكالئ بالكائي أو بيع الدين بالدين، وذكرنا تحفظ الإمام ابن القيم وغيره على هذا الإجماع، وأنه ليس في كل الصور، فبيع الدين بالدين له صور كثيرة جداً، منها ما هو متفق على تحريمه ومنها ما هو محل اختلاف بين الفقهاء.
الإمام مالك رحمه الله يقول: يجوز أن يتأخر قبض الثمن، لكن إن كان التأخر يوماً أو يومين فهذا حتى لو شرطه، يعني: بعدما اتفقنا على أن أشتري منك -مثلاً- مائة صاع تمر تدفعها بعد سنة بألف ريال الآن، قلت لك: لكن الألف ليست عندي الآن، إنما بعد ثلاثة أيام أنا أحضرها لك، عند مالك يجوز تأخير الثمن مع أنه مشروط؛ لأن التأخير قليل وليس له أثر.
وأما إن كان أكثر من ذلك فعند مالك يجوز إذا كان من غير شرط، يعني: اتفقنا على العقد وذهبنا وما أعطيتك وبيني وبينك ميانة وعلاقة ومودة وأخوة؛ ولذلك تأخرت أسبوعاً، شهراً، شهرين بتسديد الثمن، لكن من غير شرط بيني وبينك على التأخير، فعند مالك يجوز ما لم يكن شرطاً، فإن كان شرطاً فإنه يجوز في حدود ثلاثة أيام.
كذلك التمر يشترط أن يكون في وقت تسليمه مقدوراً عليه، ومثلها الفواكه والأشياء، فلو باع عليه فواكه أو تمراً أو عنباً أو أي شيء في وقت يعلم أنه لا يمكن أن يكون مقدوراً عليه، فهنا يكون باطلاً.
لو قال لك قائل: طيب. ليس هناك شيء مقدور عليه إلا الله سبحانه وتعالى هو الذي يقدر، أما البشر ربما تأتي مثلاً آفة، تأتي جائحة، يأتي حرب، تأتي مشكلة، ماذا نقول؟ نقول: العبرة بالغالب، أن يكون مقدوراً في الغالب على تسليمه في وقت حلول الأجل.
ونحن نقول: أن يكون مقدوراً على تسليمه لكن تغير الوقت الآن، التمر أصبح موجوداً في الثلاجات، فإذا كان العقد يدل على أنه ليس تمراً طرياً من النخل، وإنما هو تمر مضبوط بصفات معينة ولو كان تمراً مجمداً أو مبرداً، هذا يجوز أو لا يجوز؟ يجوز. لماذا؟ لأنه مقدور على تسليمه.
ولذلك في الإنصاف -وهو من كتب الحنابلة- يقول: بلا نزاع أن هذا الشرط لابد منه بلا نزاع، صحيح؛ لأنه إذا لم يكن مقدوراً على تسليمه، فالشرط غير صحيح.
إذاً: هذه تقريباً هي الشروط التي ذكرها أكثر الفقهاء.
مثل لو أتيت إلى الجزار، وقلت له: أعطيك ألف ريال مقابل أن ترسل لي كل يوم نصف كيلو من اللحم، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز؛ لأن الثمن هنا دفعه، والمثمن يقبض على فترات، وهذا عبارة عن أجل معلوم، وإن كان الأجل متدرجاً يوماً فيوماً.
هل هناك أمثلة حديثة ينفعنا فيها السلم؟
مثلاً: عندما يكون عندي كتاب -مثلاً- في التفسير عشرة مجلدات، سوف يخرج مجلداً مجلداً، فآخذ منك قيمة الكتاب كاملة، مثلاً: مائة ريال مقابل أن أدفع لك المجلدات، كلما صدر مجلد دفعت لك نسخة منه، وهذا يكون محدداً وليس بالضرورة بشهر معين، لكن عند صدوره، وصدوره يستغرق ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر مثلاً، هذا يكون سلماً أو لا يكون سلماً؟ نعم.
كذلك المجلات الآن، تجد الواحد يشترك في مجلة أو في جريدة، أو في أي شيء معين لمدة سنة، الأجل معلوم أو غير معلوم؟ أنه في كل شهر يصدر عدد، يدفع هو الاشتراك السنوي دفعة واحدة، ألا يمكن أن نعتبر هذا من أنواع السلم؟ هذا يعتبر من أنواع السلم.
لا يجوز بيع المسلَم فيه قبل قبضه؛ لأنه غير موجود ولا مقدور عليه.
يقول بعض الفقهاء: إلا لبائعه، وهذا صح عن ابن عباس واختاره ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله- ونصروه، أنه لا بأس أن يبيعه على صاحبه.
قال: [ولا الحوالة به] يعني: لا يجوز أن يحول به على شخص معين.
وفي قول المصنف: [من أسلف في شيء لم يصرفه إلى غيره] أسلف مثلاً في رز فلا يصرفه إلى تمر أو إلى بر، أو أسلف في سيارات لا يصرفها إلى أجهزة كمبيوتر، هذا هو المذهب، والشيخ ابن تيمية -رحمه الله- نقل عن مالك جواز ذلك واختاره، أنه لو أسلف في شيء واتفقا على نقله إلى شيء آخر، فإن ذلك يجوز ولا دليل على المنع، وقد ورد في هذا حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره )، والحديث رواه أبو داود وسنده ضعيف، فيه عطية العوفي وهو مشهور بالضعف.
فالحديث إذاً لا يصح، فلو أسلف في شيء جاز له أن يصرفه إلى غيره باتفاق بينهما؛ شريطة أن تكون الشروط معروفة في هذا الغير.
هذا تقريباً باب السلم.
الجواب: زواج المسيار إذا اكتملت فيه الشروط، بالتراضي بين الطرفين، وأن يكون بولي وشهود أو بإعلان، فهو جائز على القول الراجح.
الجواب: لا. الشيخ سعيد حفظه الله لم يخرج بشروط أبداً.
الجواب: طبعاً، السلم الحالّ أنت تلاحظ أنه يظل السلم في الذمة أو لا؟ يعني: أبيع عليك سيارة مثلاً، هذا السلم الحالّ بمواصفات معينة بالسعر الفلاني، فهذا سلم حالّ؛ لأنني لم أقل: أبيع عليك هذه السيارة، وإنما سيارة معينة أو ثلاجة معينة، وهذا يحتاج إليه كثير من الذين يبيعون ويشترون أحياناً، وربما يريد المشتري سلعة متوفرة في السوق، ولكنها ليست موجودة عنده الآن.
الجواب: لا بأس بذلك، هذا سفر، لكم فيه الجمع والقصر، الجمع رخصة والقصر سنة، حتى لو كانوا جالسين يجوز الجمع، وإن كان الأولى أن يصلوا كل صلاة في وقتها إذا لم يشق عليهم ذلك.
الجواب: لا يجوز؛ لأن هذا ليس في الذمة، ولذلك بعضهم قالوا: لا يجوز السلم في الدور، وهذا ذكره ابن رشد، وذكره الحنابلة إجماعاً، اتفاقاً، وإن كان فيه نظر؛ لأن التحديد ممكن لو حدد له أرضاً بشروط معينة دقيقة ومنضبطة فالأقرب جواز ذلك؛ لعدم وجود نص على استثنائه.
الجواب: والله يا إخواني أنا أقول: إن الأمة حقيقة فيها مشكلة كبيرة، يعني الآن نحن نرى عدوان الأمريكان على العراق، وصباح مساء نتغدى ونتعشى بالمشاهد القاتلة التي لو أن إنساناً خرج عن طوره وانضباطه فيها لم يكن ملوماً للمعاناة والقهر والعجز الذي تعيشه الأمة، ثم مع ذلك تجد أننا ابتلينا بأن ألذ ما نجد هو الوقيعة في بعضنا البعض، وكأن هذا الشعور الذي في أعماقنا شعور القهر والقلق والضيق أحياناً؛ لأننا لا نوصله إلى عدونا، وربما انعكس على علاقة بعضنا ببعض، فترتب على ذلك كثير من التوتر وكثير من الاحتقان، الذي يحتاج إلى نوع من الهدوء في التعامل، أنت لا تصنع شيئاً إذا دمرت علاقتك بإخوانك المسلمين، وجعلت أن هذا كافر وهذا فاسق وهذا فاجر وهذا خائن، يعني كان ماذا؟ سلم منك عدوك ولم يسلم منك أخوك المسلم.
الجواب: التعيين أن تقول: هذه السلعة، هذا الجهاز.. أما الوصف فأن أبيع عليك جهاز تسجيل من ماركة باناسونيك أحمر اللون، مقاس كذا.
الجواب: لا، انتهاء الحرب لا يمكن؛ لأنه يمكن أن الحرب تنتهي في أسبوع، ويمكن تمتد خمس سنوات، ويظهر لي أنه والله أعلم أنه كلما طالت فهي في مصلحة المسلمين، والعدو حريص على أن ينهيها بأقرب وقت وينصرف لتنفيذ مآربه وخططه وإظهار التغني بالحقوق الإنسانية والرغد على الناس وشيء من هذا القبيل، فهذا لا ينضبط، مسألة الحرب، لكن لو قال: بعد الرجوع مثلاً من السفر وهو منضبط مثل بعد رجوع الحاج من السفر هذا ممكن.
الجواب: لا نقول: إنه من السنة عدم تمجيد الله سبحانه وتعالى، لكن نقول: إنه إذا كان قنوت نازلة فينبغي أن يصمد أو يتجه للشيء الذي قنت من أجله، ولا بأس أن يثني على الله سبحانه وتعالى في أول القنوت ولا يطيل في ذلك.
وأيضاً من الجدير بالتنبيه: أنه لا ينبغي التوسع في الدعاء بالأمور العامة؛ لأن هذا يمل الناس، وهو أيضاً ليس وارداً في السنة، فلا بأس أن يقول: اللهم لك الحمد، نحمدك ونثني عليك ونشكرك ولا نكفرك، ثم يدعو بالفرج للمسلمين والهزيمة للكافرين، وما أشبه ذلك، ويختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لا بأس بذلك، وإن كان هذا لم يرد بخصوصه، لكن ورد في أحاديث عامة.
الجواب: نعم. وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، هكذا وصف سيد الدعاة محمد عليه الصلاة والسلام.
الجواب: نقول: ورد في الصحيح النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو، وهذا كأن الظاهر أن العلة معروفة، وهي أن يهينه الكفار أو يتعرضوا له، أما إذا كان ذلك لدعوته إلى الله عز وجل مثل إن كان غير عربي أن يعطى نسخة من معاني القرآن الكريم، وإن كان عربياً قد يعطى أجزاءً من القرآن أو تفسير القرآن ليقرأه ويتأمل فيه، إذا ظهر أن هذا وسيلة من وسائل الدعوة فلا يظهر في ذلك حرج إن شاء الله تعالى.
الجواب: زواج موسى : أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ [القصص:27] يعني: هذا لا يعد والله أعلم من باب السلم؛ لأنه ليس بيعاً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر