الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونصلي ونسلم على خاتم رسله وأفضل أنبيائه وخيرته من خلقه، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
باب الخيار.
في الدرس الماضي أخذنا تعريف الخيار وما يتعلق به من الأحكام وأقسامه، ومن باب المذاكرة والمراجعة فإنني أقول: إن الفقهاء تفننوا كثيراً في توزيع وتقسيم الخيار، ولعل من أجود وأكمل من اعتنى بهذا التقسيم ما تجده في الموسوعة الفقهية التي طبعتها وزارة الأوقاف الكويتية، وهي مطبوعة في مجلدات مستقلة تنيف على أربعين مجلداً، تباع أيضاً، وموجودة ضمن برنامج جامع الفقه الإسلامي الذي يباع في برنامج كمبيوتر بسعر معقول، وهو مفيد جداً، أنصح الإخوة باقتنائه والاستفادة منه والتدرب على البحث فيه: جامع الفقه الإسلامي.
ولكن خلاصة التقسيمات المتعلقة بالخيار التي ذكرناها ..
كم ذكرنا في الدرس الماضي من أقسام الخيار؟
ذكرنا سبعة، وقلنا إن بعضهم قد يوصلها إلى أكثر من أحد عشر أو اثني عشر نوعاً أو قسماً.
وفي الموسوعة توزيعات وتقسيمات، وقد استحسنت في الأسبوع الماضي تقسيم بعض الشافعية كالإمام النووي وغيره؛ الذين قسموا الخيار إلى نوعين: خيار تشهي أو تروي وخيار نقيصة، وقصدوا بخيار التروي الخيار الذي يرجع لك بغض النظر عن عدم وجود عيب، مثل خيار المجلس أو خيار الشرط، هذا لا يفتقر إلى وجود عيب في المبيع، بينما القسم الثاني الذي هو خيار النقيصة يتعلق بوجود خلل في المبيع، أو اختلاف، أو عيب، أو غبن، أو سبب يبيح ويجيز الخيار.
اليوم نبدأ فيما بقي من باب الخيار إن شاء الله لنجهز عليه، والأشياء التي بقيت من كلام المصنف رحمه الله في باب الخيار كلها تتعلق تقريباً بما يسميه الفقهاء خيار التدليس، وقد أشرنا إليه كأحد أقسام الخيار في الأسبوع الماضي.
التدليس الفعلي: أن يقوم البائع بوضع شيء على السلعة، أو إظهارها بصفة معينة إذا رآها المشتري ظن أنها جيدة أكثر مما هي عليه، كما سوف نضرب لذلك بعض الأمثلة.
أما القسم الثاني: وهو التدليس القولي، فهذا يكون بماذا؟ مثل ماذا التدليس القولي؟ أيضاً نحن ذكرناها الأسبوع الماضي، الزيادة في الثمن، خلك في الأول، التدليس القولي نقصد به الزيادة في الثمن، كما ذكرناه فيما سميناه ببيوع الأمانات.
بيوع الأمانات هي البيوع التي أشتري بناء على أنك قلت لي: إنني اشتريت السلعة هذه بكذا، فإذا قلت لي مثلاً: إنك اشتريت هذه السلعة بمائة ريال وسوف تبيعها علي برأس المال، هذا يسمى بيع أمانة، واسمه الخاص بيع التولية إذا كان بنفس رأس المال، أو المرابحة إذا زدت عليك، أو النقيصة أو الحطيطة إذا نزلت لك، أو الشركة إذا أدخلتك معي بنفس رأس المال، هذه الأقسام الأربعة تسمى بيوع الأمانة، لكن إذا قلت لك: إني اشتريت السلعة بمائتين والواقع أني اشتريتها بمائة وخمسين، فهذا يعتبر تدليساً بالقول.
إذاً: التدليس نوعان: تدليس قولي وتدليس فعلي.
(لا تُصَروا الإبل والغنم)، يعني: على سبيل الخداع للمشتري، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال هنا: ( فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين )، (من ابتاعها) يعني: اشتراها، فمن اشترى شاة أو ناقة أو بقرة محفلة، وظن أنها هكذا على سبيل الاستمرار، ثم وجد أن الأمر فيه غش وتلبيس وتدليس، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فهو بخير النظرين)، يعني: له أحد الرأيين الأحب إليه ( بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر ).
هذا الحديث المشهور حديث المصراة، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والبيهقي والإمام أحمد في مسنده وغيرهم.. كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وألفاظه مختلفة جداً وكثيرة جداً، ففي بعض الأحاديث ذكر أنه بالخيار ثلاثة أيام، وكذلك بعضهم قال: ( ردها وصاعاً من طعام )، وبعضها قال: ( صاعاً من طعام أو تمر لا سمراء )، يعني: ليس من البر.. روايات كثيرة جداً، لكن مدارها على هذا المعنى، وهو أكثر ما ورد في الأحاديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عن تصرية الإبل والغنم، وقال: إن المشتري إذا وجد أن الشاة مصرّاة فهو بالخيار )، أي: والبيع صحيح؛ ولهذا خيره النبي صلى الله عليه وسلم، لكن قال: هو بالخيار إن شاء أمسك الشاة أو الناقة، وإن شاء ردها ورد معها للبائع الأول صاعاً من تمر مقابل اللبن الذي كان فيها يوم اشتراها. لكن لو حلبها مرة ثانية هل يرد أيضاً مقابل الحلبة الثانية؟
لا؛ لأن الحلبة الثانية جاءت وهي في ملكه، وإنما يرد صاعاً مقابل الحلبة الأولى التي كانت موجودة يوم اشتراها التي كان عليها الكلام في مسألة التصرية أو التحفيل.
ولا شك أن التصرية في هذه الحالة لا تجوز؛ لأنها نوع من الغش، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من غش فليس منا )، وهذا الحديث رواه مسلم، والشارح نسبه للصحيحين، وهذا وهم، وإنما هو من أفراد مسلم : ( من غش فليس منا ) أو ( من غشنا فليس منا )، والحديث جاء في قصة صاحب الصبرة الذي وجد في أسفلها بللاً، قال: ( يا رسول الله! أصابته السماء، قال: هلا وضعته في أعلاها حتى يراه الناس، من غش فليس منا، أو من غشنا فليس منا ).
إذاً: لا يجوز للإنسان أن يعمل هذه التصرية أو التحفيل للشاة أو للناقة، وبناء عليه لا يجوز للإنسان أن يقوم بالتدليس أو التلبيس في أي سلعة يقوم ببيعها؛ بما يقتضي تغرير المشتري، إذا كان الأمر خفياً لا يدرك، فهذا مما لا يجوز.
المسألة الأولى: أنه من اشترى هذه المصراة التي ظاهرها أن لبنها أكثر مما هو عليه في الواقع، فما الحكم؟
الجمهور من أهل العلم يقولون: إن له الخيار -كما ذكرنا- بين أن يرد الشاة وبين أن يمسكها، طبعاً إذا كان حلبها فإنه كما قلنا: يرد معها، لكن إذا كان لم يحلبها واكتشف التصرية، فماذا يصنع؟ يردها كما هي، ما دام اللبن موجوداً واكتشف أنها مصراة فعلاً، نقول: له أن يردها.
المهم أن المسألة الأولى في مسألة: خيار المشتري بين الإمساك.. وله شيء مع الإمساك نقول له: أرش الزيادة مثلاً أو يطلب شيء؟ لا يطلب شيئاً؛ بل يمسك الشاة كما هي، وله الخيار في ردها إلى صاحبها مع رد ما يقابل اللبن الذي أخذه.
هذا القول بأن له الخيار هو مذهب الجمهور منقول عن جماعة من الصحابة كـابن مسعود رضي الله عنه وأبي هريرة وأنس بن مالك وغيرهم، وهو مذهب أكابر أهل العلم كـمالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وبعض الحنفية كـأبي يوسف وغيرهم.. فهؤلاء يقولون: له الرد، وحجتهم الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحجتهم أيضاً النظر، فإنهم يقولون: إن الشراء وقع على سلعة أو شاة أو ناقة ظنها هكذا، وتبين له أن الأمر فيه تلبيس، فجاز له أن يرجع، فلهم دليل من الأثر ولهم دليل من النظر، وهذا هو القول الراجح لقوته من الناحية النقلية ومن الناحية العقلية.
ولكن خالف في هذه المسألة الإمام أبو حنيفة وتلميذه محمد بن الحسن ورأوا أنه ليس له الخيار، وكأنهم رأوا أنه فيما يتعلق بالمصراة أن هذا العيب عيب يسير لا يمنع صحة البيع، وقالوا: إنه مثلما لو أشبع الشاة؛ بحيث ظن المشتري أنها مثلاً حامل أو سمينة وليس كذلك فإنه لا يرجع بها، وتأولوا هذا الحديث بتأويلات كثيرة ذكرها الشوكاني في نيل الأوطار وغيره، وكثير من العلماء فصلوا فيها أنهم لم يردوا هذا الحديث رداً مباشراً، وإنما قالوا باحتمال النسخ، وقال بعضهم: إن راوي الحديث أبا هريرة ليس من فقهاء الصحابة، وهذا عذر ضعيف؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه من المتقنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى ثابت وصحيح ومطرد، مع نصوص الكتاب والسنة ومع القواعد الشرعية، ولو رددنا حديث أبي هريرة لرددنا شيئاً كثيراً من السنة.
المقصود: أن لهم أعذاراً في ترك العمل بهذا الحديث، ولكن هل نقبل هذا القول؟ مع أننا نعذرهم إلا أننا نقول: قولهم مرجوح، والراجح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين: أن المصراة لصحابها أن يعود فيها، هذه هي المسألة الأولى.
الذين يقولون بالرد تقريباً، يقولون: بأنه لابد أن يرد مقابل اللبن، لكن ماذا يرد؟
طبعاً منهم من يقول: أنه يرد صاعاً من تمر، كما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم في معظم الروايات الواردة في الصحيحين وغيرهما: ( وإن شاء ردها ورد معها صاعاً من تمر ).
فقالوا: نص النبي صلى الله عليه وسلم على التمر، فإذا رد المصراة رد معها هذا الصاع من التمر، هذا القول الأول، وهو قول جماعة من الصحابة, والليث وإسحاق والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور والإمام أحمد وغيرهم.. أنه يردها ويرد معها صاعاً من تمر، الحجة الحديث.
القول الثاني: مذهب الإمام مالك وبعض الشافعية.. هو وجه عند الشافعية، قالوا: إن الواجب أن يرد صاعاً من غالب قوت البلد، سواء كان تمراً أو غيره، مثل أن يرد مثلاً رزاً أو طعاماً أو غيره، وحجتهم في ذلك:
أولاً: قالوا: أنه في بعض ألفاظ الحديث: ( صاعاً من طعام )، وهذه في روايات حتى في مسلم، والبخاري ذكرها من غير أن يرويها بإسناده، أنه قال بعضهم: صاعاً من طعام، وقالوا: الغالب التمر، فقالوا.. وكذلك جاء في مسند الإمام أحمد وسنده صحيح أيضاً، أنه ذكر صاعاً من طعام، فقالوا: إن ورود صاع من طعام ومرة صاعاً من تمر؛ يدل على أن الأمر يعود إلى غالب قوت البلد، مرة يروا الطعام ومرة يروا التمر بحسب حال أهل البلد بدل هذا اللبن، ولذلك لو رد اللبن نفسه، إذا تبين أنها محفلة واللبن عنده لم يحمض ولم يتغير ولم يفسد له أن يرده أو لا؟ لأن هذه بضاعتك، هذا الذي لك، وهذا له قوة.
العلة الثانية: قالوا: إن هذا الأمر ليس أمراً تعبدياً؛ أن المقصود تمر؛ لأن فيه علة تعبدية يعلمها الله ولا يعلمها الناس، وإنما هو أمر يتعلق بمعاملات ومعاوضات بين الناس مبناها على مراعاة العدل، والشريعة جاءت بالعدل، فإذا رد عليه لبنه وهو لم يتغير يكون عدلاً أو لا؟! طيب. رد عليه ما يقابله من قوت البلد يكون عدل أو ما عدل؟
فقالوا هنا: إن المقصود من صاع من تمر؛ لأن هذا كان غالب قوت أهل المدينة، وهو المتيسر عندهم؛ لأنهم أهل زراعة، لكن قد لا يكون التمر موجوداً في كثير من بلاد الإسلام وغيرها، فيكون المدار حينئذ على أنه يرد ما يقابل هذا الصاع من غالب قوت البلد أو غيره.
والذي يظهر لي -والله تعالى أعلم-: أن القول الثاني له قوة ووجاهة، خصوصاً إذا نظرنا أن الأمر لا يتعلق به تعبد، وإنما هو أمر -كما ذكرنا- يتعلق بالمعاملات بين الناس، ورد صاع التمر قد يكون غير ممكن أو متعذر أحياناً أو لا يتيسر، فكون الناس يردون ما هو من غالب قوت البلد أو ما يتحقق به المكافأة، أو يتحقق به العدل والتراضي بين الطرفين، فإن هذا أعظم مقصود الشارع في مثل هذه المناسبة.
له الحق أن يردها إلى صاحبها، طيب. لو أنه حلبها وهو يعلم أنها مصراة؟
قد يقال -والله أعلم- إنه رضي، وبناء عليه لا يرجع، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: ( فهو بالخيار بعد أن يحلبها )، فكأنه لم يتحقق من التصرية إلا بعد الحلب، لكن لو علم قبل ذلك، فالأقرب أنه يردها، فإذا حلبها.. إلا أن يكون قصده التأكد والتيقن من هذا الأمر.
يقول ابن عبد البر : إنه إن علم بالتصرية قبل الحلب فله ردها بإجماع أهل العلم. هكذا ذكره ابن عبد البر وغيره.
طبعاً الحديث يتعلق بموضوع التدليس -كما ذكرنا-، ويدخل فيه كل مدَلَس لا يعلم المشتري أن فيه التدليس، ولذلك ذكر المصنف أمثلة، ومع الأسف أننا الآن نقرأ في كتب الفقه، هذه الكتب ليست قرآناً ولا حديثاً، وإنما هي من كلام العلماء والمشايخ، فالعلماء كانوا يأتون بأمثلة من واقعهم ومن حياتهم، وربما نحن نحتاج إلى أن نفهم هذه الأمثلة؛ لأنها ربما بعضها غاب عن الواقع تماماً، فالمطلوب منا كطلبة علم ومتفقهين الآن أن نخترع ونبتكر أمثلة من واقعنا.
الجارية هذه معروضة للبيع، هذا لما كان عند الناس رق وأسرى، وهذا الآن أصبح في عداد الماضي، في عداد التاريخ، لا يوجد اليوم رق وأسر بالشكل الصحيح، ولا يباع، وليس له الأسواق التي كانت يسمونها أسواق النخاسة، تباع ويزايد بثمنها، هذا أمر أصبح تاريخاً مضى وانقضى، ولا نريد أن ندخل الآن في الكلام عن نظام الإسلام في مسألة التعامل مع الأسير؛ لأن هذا كان أمراً موجوداً في العالم كله، والإسلام كان يعامل بالمثل، ومع ذلك الإسلام كان يحث كثيراً على تحرير الأرقاء، حتى جعل تحرير الرقيق من ضمن الكفارات: في من أتى أهله في رمضان، في كفارة القتل، في كفارة الظهار، وحث القرآن والسنة على تحرير الرقيق حتى من غير كفارة.. وهكذا: فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [البلد:13-14]، لكن يظل هذا كان واقعاً موجوداً.
العالم الآن تقريباً ألغى قضية الرق والاسترقاق، وأصبح الناس لا يجدون رقيقاً، فعندما يقرأ مثال تسويد شعر الجارية أو تحمير وجهها، كثير من الناس ربما لا يستطيعون أن يفهموا هذه الأمثلة، وليست ضرورية؛ لأنها ليست شرعية، وإنما هذه نصوص للفقهاء، إنما لابد أن يفهمها الطالب.
فمعنا طبعاً (تحمير وجه الجارية)، يعني: مثلما نسميه الآن بالمكياج؛ أنه يضع عليها مثلاً من الأصباغ سواء في خديها أو في شفتيها ما يدل على بياضها أو حمرة وجهها، ونقوع الدم فيها وجمالها، بحيث يشتريها يظن أنها جميلة، فإذا دخلت البيت ودخلت دورة المياه واغتسلت وخرجت وإذا بها خلق آخر، ربما كانت مثلاً سمراء، ربما كان لونها سيئاً، ربما كان في وجهها عيوب، ففوجئ بها المشتري، في هذه الحالة له الرد أو ليس له الرد؟ بلى؛ لأن المسألة فيها تدليس.
كذلك المصنف قال: [أو سود شعرها]، يعني: صبغ شعرها بالسواد، وقد يكون الشعر مثلاً أبيض؛ إما لشيب أو لاعتبار معين، أو يكون أيضاً له لون آخر، فتسويده أعطى أنها شابة وأن شعرها حسن وجميل، فلما مرت عليها أيام وليالي ظهر أثر الصنعة في هذا الشعر.
[أو جعده] والتجعيد هو أن يكون الشعر ملتوياً، يعني: لا هو بالشعر الناعم المسترسل؛ لأنه أحياناً قد يفرد الشعر من أجل أن يكون ناعماً مسترسلاً، شعر الفتاة مثلاً، وأحياناً يكون الشعر مجعداً جداً أو كما نسميه نحن مفلفلاً، يعني: شديد التقارب، فالتجعيد هو مثل لو أن المرأة قامت بجذل شعرها بقوة، وهو رطب فيه الماء، ثم تركته حتى ينشف وفكت الشعر، ما الذي يحدث؟ يكون فيه نوع من التجعيد في الشعر، فهذا هو المقصود بتجعيد الشعر.
والشعر المجعد نوع من الجمال للمرأة، ولذلك لا بأس أن المرأة تتجمل بكل ما يمكن التجمل به لزوجها، وكثير من الناس قد يضيقون من مثل هذا، أنا أذكر أسئلة كثيرة وكلاماً كبيراً يثار حول كل شيء جديد وإن لم يكن فيه نص شرعي، وهو ما هو جديد، أنت ترى الفقهاء الآن من القرون السابقة يتكلمون عن التجعيد ويعترفون بأنه نوع من الجمال؛ لأن الجارية المجعد شعرها إذا تبين أنه غير مجعد اعتبروا أن له الرد، نعم؛ لأن هذا نوع من التدليس.
فالتجعيد وجميع ألوان فرد الشعر وتحسينه من الأشياء التي الأصل فيها الإذن والإباحة، وهي مطلوبة إذا كانت على سبيل التجمل للزوج، ليست لفتنة الأجانب ولا لخداع أو تغرير، وإنما لوجود نوع من التعلق بين الزوجين، وتحقيق قدر من المحبة والانسجام بينهما.
فالتجعيد هنا بعضهم قالوا: لأنه يدل على قوة الجسد، والذي يظهر لي أن التجعيد أولاً يظهر أن الشعر كثير ولو كان قليلاً، هذه من مظاهر الغش أو التدليس في التجعيد، أنه إذا تم تجعيد الشعر، بدا كما لو كان الشعر كثيراً، وإن كان حقيقته بعد زوال التجعيد أنه تبين أن الشعر أقل مما هو عليه، فهذا ربما من مقاصد موضوع.. إضافة إلى أنه يعطيه مسحة من الجمال.
كذلك المصنف ذكر من الأمثلة، قال: [رحى ضم الماء وأرسله عليها عند عرضها على المشتري].
وهذا المثال أيضاً يتواطأ كثير من الفقهاء على ذكره؛ وذلك أنهم كانوا يديرون الرحى التي يطحنون بها؛ كانوا يديرونها عن طريق مكينة لها ريشة، إذا صب الماء على هذه الريشة تحركت بقوة وبالتالي حركت الرحى، يكون هناك سير مربوط بها، فإذا تحركت الريشة تحرك السير ثم حرك الرحى، وهذا موجود، ربما بعضكم رأى نماذج منه، فإذا تحركت الرحى قامت بالطحن، فأحياناً يكون الماء كثيراً وقوياً، فإذا صبه على الريشة تحركت بسرعة وبقوة، فظن أنها هكذا بشكل دائم، فإذا اشتراها تبين له أن الأمر كان مجرد أنه جمع الماء وصبه ربما بشكل مؤقت، لكن لا يمكن هذا أن يكون مستمراً، فإذا اكتشف ذلك فإن له أن يعود ويُرجع الرحى على صاحبها، لكن يظل أن هذا المثال أيضاً ليس موجوداً في واقع الناس اليوم، والكثيرون ربما يحتاجون أن يفهموا المثال فضلاً عن أن يكون هو يفهمهم المعنى.
وكذلك الكتابة، لو قال: إن العبد كاتب، وتبين أنه لا يكتب، فهذا لا شك أنه عيب، وهذا دليل على حفاوة الإسلام وعنايته بالكتابة والعلم؛ لأن الكاتب يفيد سيده مثلاً، وهذا يقال في العبد ويقال في غيره، مثلما لو كان استأجر شخصاً على هذه الأمور، هذا أجير أو عامل عنده، ثم أتاه مكتب من مكاتب الاستقدام بموظف على أنه كاتب آلة أو ناسخ كما يقولون، ثم تبين أنه لا يحسن، فله حينئذ الرد والرجوع؛ لأن هذا نوع من التدليس.
[أو أن الدابة هملاجة] ما معنى هملاجة؟
سريعة وقوية في الوثب، وليست كذلك.
[والفهد صيود] يعني: صاحب صيد وقوي ومدرب، معلم، ولذلك قال: [أو معلم]، والمعلم يعرف كيف يصيد وينزجر إذا زجر ويأتمر إذا أمر.
[أو أن الطائر مصوت] مثل ماذا؟
مثل البلبل ومثل الكناري وغيرها من الطيور [ونحوه]، فهذه الأشياء كلها تعتبر من التدليس.
كذلك لو أنه تبين أن هذه السلعة مقلدة، من السلع التايوانية أو الصينية أو غيرها، ومقلدة ومكتوب عليها أنها صنعت مثلاً في بلد كذا وكذا من البلدان التي يظن أن سلعها جيدة، وهذا يختلف طبعاً، يختلف في موضوع السيارات عن موضوع الملابس، عن موضوع الأحذية، عن موضوع الأثاث كل ..
أيضاً: لو تبين له أن هذه السلعة أحياناً مجمعة تم تجميعها في بعض البلاد، ربما يكون مثلاً ظاهر السلعة أنها مصنوعة في بلد، لكن الماطور مثلاً أو المكنة أو غيرها مصنوعة في بلد آخر ليس بنفس المستوى، هذا يعتبر تدليساً أو لا يعتبر؟ يعتبر، وبالتالي له الحق في أن يرد السلعة.
كذلك لو تبين له أن مادة الصناعة التي صنعت منها البضاعة أو السلعة ليست هي المادة الأصلية الظاهرة، فالناس أحياناً قد يشترون هذه السلعة بالنظر إلى نوع المادة، قد يظن أنها صنعت مثلاً من جلد أصلي، قد يظن أنها صنعت من خشب متميز، قد يظن أن هذا الأثاث صنع من.. ثم يتبين له أنها ظاهراً كذلك، لكن حقيقتها أنها مصنوعة من مادة أخرى ليست قوية، ففي هذه الحال يعتبر كله تدليساً، وهذا يقع في الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، الملابس، الغرف، الأثاث، الفرش، السيارات، البويات.. إلى آخره.
لا بأس من أمثلة منكم أيضاً فيما يتعلق بالتدليس.
والسيارة لو ردها يلزمه أن يردها كما أخذها؛ لأن هذا ممكن، ليس أمراً تقول فات محله، يمكن أن يعبئها البنزين ويردها كما هي، أي نعم.
الشيخ: نظرة الخطاب للمخطوبة، هذا صحيح، إذا بالغت المخطوبة في التزين، ووضعت من الأصباغ والمكياج على وجهها وعلى خديها، وربما لبست مثلاً حذاء طويلاً، وكذلك وضعت في عينيها من الكحل أكثر من الشيء المعتاد، يعني: المرأة قد تكون اعتادت على قدر من التزين في كل الظروف عادي ليس تكلفاً، لكن لو تكلفت لرؤية الخاطب وبالغت في ذلك دون أن يعلم هو بذلك.
نعم، لو أنها فسدت ماكينة السيارة، وتم إصلاحها من جديد، أو إبدالها من جديد بقطع غيار مختلفة عن الأصل الذي كان عليها، ثم عرضها على أنها سيارة جديدة أو لم يخبر بهذا العيب المؤثر، فهذا يعتبر نوعاً من التدليس أيضاً.
الجوال. يعني إذا كان قديماً وغير وجهه وبدا كما لو كان جهازاً جديداً لم يستعمل، كذلك يعتبر هذا نوعاً من التدليس.
وهكذا في كل ما يمكن أن نتخيله من السلع.
طيب. إذاً هذا نوع من التدليس، وغالبه مما ذكرنا أنه التدليس الفعلي العملي؛ الذي يقوم فيه بمعالجة السلعة بحيث تبدو على غير حقيقتها، ومنه التدليس القولي الذي أشار إليه فيما إذا قال: إن هذا الموظف أو هذا العامل كاتب أو عنده مهنة أو حرفة أو صناعة أو إمكانيات معينة، ثم تبين أن الأمر ليس كذلك، فهذا له الرد.
يعني: هذا ما ذكرناه قبل قليل من بيوع الأمانات، بيوع الأمانة التي مبناها على أني وثقت بك، وبالتالي اعتبرت أن ما تقوله أنت صحيح واشتريت بناء على كلامك، وذكرنا أن بيوع الأمانة أربعة أقسام:
باثنين وعشرين، خمسة وعشرين، فهذا يسمى بيع مرابحة، يعني: أني أربحتك بالكتاب.
ممكن نقول: ما له الخيار، لكن الزيادة تعود عليه، افترض مثلاً أني قلت لك: إني اشتريت جهاز التسجيل هذا بمائة ريال، وإنني سوف أبيعه عليك بربح (10%)، كم يكون سعره؟ مائة وعشرة؛ لأنه أصبح سلعة نادرة ولا يوجد في السوق مثله، تصنيعه نادر، وبالتالي بعته عليك بمائة وعشرة، ثم تبين لك من الفاتورة أو من خبر يقين أن شراء هذا الجهاز كان بخمسين ريالاً، في هذه الحالة هل يحق لك أن ترجع وتقول: خذ الجهاز أنت خدعتني؟ لا. وإنما ترجع وتقول لي ماذا؟ تقول: هذا الجهاز أنت بعته علي بربح (10%)، فأخذت مني مائة وعشرة، تبين أن سعره خمسون ريالاً، فالواقع أن لك خمسة وخمسين ريالاً، وتعود علي بخمسة وخمسين، يعني: (10%) تساوي: خمسة من الخمسين، فلما تبين لك أني اشتريته بخمسين ريال وقلت لك: بمائة، تبين أن شراءه بخمسين فتأخذه بخمسة وخمسين ريال، ما لك خيار، لماذا ليس لك خيار؟ لأنك من حيث مواصفات السلعة أنت راضٍ بها، لكن أتى الله سبحانه وتعالى لك بمبلغ من المال زيادة على هذه السلعة التي كنت راضياً بها أصلاً وليس لك خيار.
لا، ليس له ذلك، البيع مضى، والبائع مخادع، ففي الأصل أنه ليس ثمة خيار؛ لأنه لا يوجد في السلعة عيب، المشكلة في الثمن، فيعود عليه بما زاد من الثمن.
إذاً: طيب. لو تبين لك أنه.. لو قلت لك: اشتريت هذا الجهاز بمائة وسوف أبيعه عليك برأس مالي، أعطني مائة، ثم تبين أنني اشتريته بخمسين، ما الحكم؟
ترجع بخمسين، أعطيك خمسين ريالاً ويكون الجهاز لك.
طيب. لو قلت لك: إنني اشتريت هذا الجهاز بمائة، وسوف أنزل لك من قيمته (10%) فيكون سعره كم؟ تسعين، ثم تبين لك أنني اشتريته بخمسين فما الحكم؟
يكون سعره الحقيقي خمسة وأربعين ريالاً، ترجع علي بما زاد على ذلك.. وهكذا.
إذاً: يرجع عليه بالزيادة، وما يقابل الزيادة كاملة يرجع عليه، وما يقابل الزيادة من الربح الذي أخذه إذا كان مثلاً (10%) من المائة عشرة تصبح من الخمسين خمسة.. وهكذا، هذا فيما يتعلق بـ.. وهذا نوع -كما قلنا- التدليس بالقول.
إذاً: المصنف يقول: أنه لو أخبره بثمن المبيع فزاد عليه، يعني: تعمد أنه يخدعه ويزيد عليه، رجع عليه بالزيادة التي ذكرها وبحظها من الربح، أي: ما يقابلها من الربح إن كان مرابحة، وكذلك الزيادة إذا كان مثلها أو غير ذلك.
يعني هذا مثلاً لو تبين أنني أنا غلطت لما أخبرتك بالسعر، فقلت لك مثلاً: إن سعر هذه السلعة خمسمائة ريال، وتبين لي بعدما اشتريتها أنت أن سعرها كان ألف ريال، قلت لك: الحقيقة أنا غلطت، كنت أحسبها سلعة أخرى، وقع عندي لبس، شريتها من قديم ونسيتها، لما راجعت الفواتير تبين أن سعر السلعة ألف ريال.
المصنف هنا يقول: إذا تبين للبائع أنه غلط على نفسه، أي: ما تعمد الكذب مثل الحالة الأولى، لكنه غلط بإخبار المشتري بقيمة السلعة، هنا يقول: خير المشتري بين رد السلعة وبين إعطائه ما غلط به، يعني: تكون أنت بالخيار:
إما أن تقول: والله السلعة هذه لا تناسبني بألف ريال، أنا اشتريتها بناء على أن سعرها خمسمائة، فتردها إليه، هذا الخيار الأول.
الثاني: أن تعطيه ما غلط به، يعني: تعطيه الخمسمائة الريال الأخرى، ولو كان أيضاً بربح، افترض إنه قال لك: أنا كنت اشتريتها بخمسمائة, وأريد فيها ربح مثلاً (5%) كم تصبح؟
خمسمائة وخمسة وعشرين، طيب. ثم تبين أنها بألف، فإنه مخير، إما أن يردها أو يعطيه ألفاً وكم؟
ألفاً وخمسين، إلا إذا تراضوا على غير هذا، هذا موضوع آخر، لكن المسألة في حالة وجود نوع من المشاحة وعدم التراضي بينهما، هذا القول الذي اختاره المصنف؛ أنه إما أن يردها إذا تبين أنه غلط، أو يحتفظ بها مع رد ما غلط به.
وقيل إنه إذا قال: إنني غلطت لا تقبل دعواه إلا ببينة، فلابد أن يأتي بشهود أو بينة تدل على أنه غلط فعلاً فيما أخبر به.
وقيل: تقبل إذا كان الرجل مشهوراً بالصدق مع اليمين؛ يحلف بالله أنه غلط وهو معروف بالصدق وليس من الناس الكاذبين فتقبل دعواه.
وقيل: لا تقبل حتى مع البينة إلا إذا صدقه المشتري، أما إذا لم يصدقه المشتري فإنها لا تقبل، وهذه رواية عن الإمام أحمد، وهو قول الإمام الشافعي، ولعل ما ذكره المصنف هو الأجود والأقوى أنه يخير بين الأمرين.
طيب. لو تبين لك أنه مؤجل وأنا لم أخبرك بالتأجيل، فما هو الحكم بالنسبة لك؟ ما هو الحكم لما عرفت أني اشتريتها بالتأجيل، الصورة واضحة الآن أو لا؟ يعني: قلت لك: بثمانين ألف وأخذتها أنت بثمانين ألف نقداً، ثم تبين لك أنها مؤجلة، والمفروض أنها لا تساوي بالحاضر إلا خمسة وأربعين أو خمسين ألف ريال، فماذا تصنع أنت في حقك؟ نقول: المشتري في هذه الحالة بالخيار:
الخيار الأول: أن يرد السيارة، يقول: أنا اشتريتها بناء على أن ذاك كان ثمنها، أما وقد تبين أنه كان بالتقسيط؛ فإنك تأخذ سيارتك وتعود بالبيع.
الخيار الثاني: أن يمسك السيارة بسعر التقسيط كما هي، وهذا يكون إذا وثق البائع بذمته، فله أن يمسك السيارة بالتقسيط.
وهناك رواية ثانية عن الإمام أحمد ذكرها ابن المنذر : أن له الفسخ أو أخذها بالثمن مؤجلاً كما ذكرنا، هذه رواية.
الرواية الثانية: أنه يمسكها بسعرها، يعني: يدفع له ثمانين الآن إذا لم يكن واثقاً بذمته، يعني: نقول: إما أن تدفع ثمانين الآن هذا قول؛ لأنه يمكن المشتري لا يثق البائع بذمتك، أو ترد السيارة هذا القول الذي ذكره المصنف، قال: [وإن بان أنه مؤجل ولم يخبره بتأجيله فله الخيار بين الرد وإمساكه].
فعلى كلام المصنف إما أن ترد السيارة أو تمسكها بسعرها المؤجل، حالّ بالنسبة لك، يعني: المثال الذي ذكرناه: إما أن تمسك السيارة أو تدفع لي ثمانين ألف ريال، وهي بالنسبة لي كانت مؤجلة، لكن أنت تدفعها حالة؛ لأنه ربما أنا لا أثق بذمتك، هذا الذي ذكره المصنف: إما أن يردها أو يمسكها بالسعر المتفق عليه أصلاً من غير نظر إلى التأجيل.
القول الثاني -وهو أجود- ذكره ابن المنذر عن الإمام أحمد، أن له الخيار بين ردها وبين إمساكها بالسعر مؤجلاً؛ لأن هذا التأجيل نوع من الخداع والتلبيس، مثل موضوع المصراة، فلما تبين جاز له أن يمسك السيارة بحسب التقسيط الذي كان عليك، أقول: نعم السيارة دخلت ذمتي وأنت خدعتني لم تخبرني بأنها بالتقسيط، فلن أعطيك ثمانين ألف ريال الآن، وإنما أعطيك ثمانين ألف ريال بحسب الأقساط الموجودة عليك، كل شهر سوف أدفع لك ألفين ريال، مثلما تدفع أنت للبنك -مثلاً- ألفين ريال، وهذا القول أقوى وأوجه وأكثر تحقيقاً للعدل؛ لأنه كونك ستدفع ثمانين ألف ريال بسيارة قيمتها مؤجلة ثمانين ألف، وقيمتها حالة مثلاً خمسة وأربعين أو خمسين هذا ليس مناسباً.
هذه هي النقطة الثالثة والأخيرة في الباب، يعني: اشتريت سيارة منك وأنا ظننت أنها بعشرين ألفاً، وأنت قلت: لا، أنا قلت لك: بأربعين ألفاً، فاختلفنا في قدر الثمن، فالمصنف هنا يقول: تحالفا، يعني: حلف كل واحد منهما للآخر، ولكل واحد منهما الفسخ إلا أن يرضى بما قال صاحبه.
وما يقرره المصنف واضح، طبعاً هذا إذا كانت السلعة قائمة وموجودة، فالسيارة بحالها الآن، ثم اختلفنا في القيمة، فقلت: أنا اشتريتها بأربعين، وقلت أنت: بعتها بخمسين، فهنا يحلف كل واحد منا، ثم ترد السلعة، والدليل أو الحجة في هذا هو ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه والأشعث بن قيس، وهذا حديث مشهور جاء من طرق:
طريق الحديث الأول: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( أنه باع من
فهذا الحديث رواه أبو داود ورواه ابن ماجه والدارمي والبيهقي والدارقطني وغيرهم، وفي سنده مقال؛ لأنه من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه وفيه انقطاع واختلاف، وإن كان البخاري ثبّت نقله عنه، وأنه روى عنه مباشرة.
وقد وردت الرواية نفسها عند أبي داود وغيره من حديث محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده؛ تقريباً مثل الرواية السابقة: ( أنه اشترى منه رقيقاً من رقيق الخمس بعشرين ألفاً، فأرسل إليه
والحديث الثاني إسناده متصل، وصححه الحاكم والبيهقي والذهبي وكثير من أهل العلم، وله طرق كثيرة مرسلة، لكن يشد بعضها بعضاً مما يدل على أن للحديث أصلاً.
فهذا يدل على أنه إذا اختلف البائع والمشتري في قيمة السلعة، فإن القول ما قاله البائع أو يتتاركان، يعني: ينتهي البيع ويرجع البائع بما اشترى، ويرجع المشتري بما أعطى، إلا أن يرضى بما قال صاحبه، ويقول: أنا أقبلها -مثلاً- ولو كانت بهذا الثمن.
هذا طبعاً إذا كانت السلعة قائمة كما ذكر، وهنا يبدأ بيمين البائع كما ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه هو الغارم.
أما إذا كانت السلعة ثالثة، هب أننا اكتشفنا أن هناك اختلافاً حول ثمن المبيع بعد تلف السلعة، فماذا نصنع هنا؟ نقول باختصار: إنه يرجع بالقيمة، يعني: تقدر قيمة السلعة ويرجع بقيمة السلعة.
الجواب: نقول: إنه فرق بين ما يؤثر في قيمة السلعة وبين ما لا يؤثر، يعني: لو كان مثلاً حصل فيها عطب يسير مثلاً وتم إصلاح زجاجة مثلاً أو المرآة، هذه أشياء يسيرة لا داعي لأن يقولها، لكن لو أنه قام بتوظيب الماكينة، فلا شك أن هذا يؤثر في قيمة السلعة ويجب ذكره، ولا يجوز كتمان العيب.
كذلك السمكرة، لو كان وقع للسيارة حادث انقلاب، وتم تصليحها من جديد هذا يؤثر، وأهل الصنف يعرفون أنه فرق بين السيارة الجديدة والسيارة المسمكرة.
السلعة التالفة، يعني: الآن مثلاً إذا اشتريت منك سيارة على أنها بثلاثين ألف ريال، ثم قلت: لا، أنا بعتها عليك بأربعين ألف ريال، وكانت السيارة هذه سبق أنه صار لها حادث معين، وتلفت هذه السلعة، بما يعني أنه لا يمكن رد السلعة إليك، فما هو الحل في مثل هذه الحالة؟
لا، هو الآن السلعة تلفت، فماذا نصنع، هل نقول: يرد عليه مثلها؟ يأتي بسيارة مثلها تماماً ويردها عليه، أو يرد عليه القيمة التي يقدرها أهل الصنف؟ فقلنا لهم: سيارة مثلاً موديل (2003م)، نوعها كذا، لونها كذا، وقدروا أن سيارة بهذه المواصفات تساوي خمسة وثلاثين ألف ريال فيردها إليه؛ لأنه لا يمكن رد السلعة بعينها بسبب تلفها.
الجواب: ذكرنا في الأسبوع الماضي وغيره أنه يستحب دعاء القنوت في مثل هذه النوازل، ويدعو الإنسان لإخوانه المسلمين في صلاة المغرب والفجر وغيرهما، وإذا حصل هناك منع لا قدر الله، فيدعو الإنسان سراً، ويمكن أن يخبر جماعته أنهم بعد الركوع يطيلون في الدعاء، وكل واحد يدعو في نفسه فلا بأس.
الجواب: والله أحتاج أن تقرأ؛ لأني كتبت في تقرير من ثلاث صفحات ممكن نعطيك إياه لو أحببت أخي صاحب السؤال، نعطيك الأوراق لتقرأها حتى نجلي لك الأمر؛ لأن هناك نوعاً من التفصيل.
الجواب: هل ذكرنا نحن كلب الصيد؟ ما الذي ذكرناه؟
مداخلة: الفهد.
الشيخ: الفهد نعم.
يقول: تلك عاجل بشرى المؤمن: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17]، ذكرى في مثل هذا التاريخ ليلة الثلاثاء: (23/1/1414هـ) كانت هناك محاضرة بعنوان: حديث الهجرة، نعم عشر سنوات كفى بها ذكرى، وأترك لك التأمل والموعظة، وأما دوري فأقول: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:98-99]، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]، إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [التوبة:120].. وعجزت عن أن أرقرق دموعي وأكف عيوني عن البكاء عندما أسمع المحاضرات..
الجواب: جزاك الله خيراً على كلامك اللطيف ودعواتك الصادقة، وجمعنا الله وإياك في الجنة وجعلك من الهداة المهتدين وإيانا وجميع الإخوان.
الجواب: حزب البعث هو حزب يقوم على أساس قومي عربي، وأساس اشتراكي أيضاً، وكان في سوريا في الشام وفي العراق، ثم انقسم الحزب.
وطبعاً كلمة (البعث)، البعض لا يعرف لماذا سمي؛ لأنهم يعتبرون أن مهمتهم إعادة بعث الأمة العربية، طبعاً كان عندهم الشعور بالعروبة وإعادة مجد العرب، لكن ليس على الأساس الإسلامي الشرعي، وإنما على أساس قومي وعلى أساس اشتراكي.
وغالباً حزب البعث كان يدور في المعسكر الشرقي، ولذلك تجدون أنه بعد انهيار الشيوعية وانهيار روسيا : الاتحاد السوفييتي، أصبح هناك مشكلات في الدول التي تدور في فلكها، ولكن مع الوقت الأفكار تتطور وتتغير، فالمعلومات التي أتتنا من فترة طويلة من العراق، أن هناك نوعاً من التحول، لا ينبغي المبالغة، وتخيل أنهم تحولوا إلى ناس إسلاميين لا، لكن هم شعروا بأن ظهورهم انكشفت بعد سقوط الشيوعية والاشتراكية، وأنه لابد أن يكون هناك شيء يجتمع الناس عليه ويتآلف الحزب عليه، فبدءوا يقيمون دورات شرعية في التاريخ والفقه والعقيدة والتفسير.. ويحيون نوعاً.. وهذا أحدث أثراً معيناً، وكثر حفاظ القرآن، وكثر المتعلمون، وكثرت المساجد، وصار هناك نوع من التحول نحو الأفضل، وهذا لا يعني أنه تحول إسلامي.
يعني: أحب أن أؤكد، بعض الناس قد يسرف، وبعض الناس يقول: هذا خداع ونفاق، حتى لو كان خداعاً، ما دام أمراً يترتب عليه توجيه مباشر للناس، ودورات تقام للكبار والصغار والضباط وجميع الأعضاء، هذا شيء بحد ذاته مطلب، ويعني يظل الحزب قائماً على أسس علمانية، ينبغي أن لا تكون خافية على أحد. الكفر، والله تعرف إنه أنا لست من أهله، أنا وجهة نظري أنه على الإخوة أن لا يحرصوا على ملاحقة الناس في مسألة الكفر، حتى الذي يستحق التكفير لا يلزم أن تكفره؛ لأنك لست مطالباً بذلك، المهم أن تعرف دينك وما يقع به الكفر وما لا يقع؛ حتى تتجنبه وحتى تحذر منه وتحذر منه، لكن محاولة ملاحقة كل شخص مثلاً أو مجموعة بأنهم كفار هذا ليس بلازم شرعي؛ لأنه يترتب عليه مخاطر كثيرة، قد يكون عندهم جهل، وقد يكون عندهم تأويل، وقد لا يكون الإنسان لديه تمكن ومعرفة كاملة، قد يحكم على الأشياء النظرية والأمور الواقعية مختلفة، قد يحكم على جانب تاريخي والواقع أيضاً تغير، وهذا أمر مؤكد ومشاهد.
يعني: مثلاً أنا أذكر -دعوني أذكر لكم هذه القصة- لما كنت في المرحلة المتوسطة، وكنت مع والدي رحمه الله في الدكان، فكان الحجاج العراقيون يأتون ويوزعون مطويات وكتباً ومنشورات لحزب البعث، وكنت أذكر الآن أني أقرأ هذه المطويات كان فيها كفر صراح بواح لا يجادل فيه أحد، لكن الآن عندما تسمع حتى تصريحاتهم وأقوالهم تدرك أن ذلك الكلام لم يعد يقال الآن، يعني: قد يكون هذا مرحلة وتجاوزوها أو أي اعتبار آخر، المهم أن كثيراً من الأحيان الإنسان إذا أراد أن يصدر حكماً بالكفر، فهذه مسألة توقيع خطر له ما بعده، فالأولى للإنسان أنه لا يتسرع في ذلك، حتى أولئك الناس الذين هم مستحقون للكفر، لا يلزمك شرعاً أنك تقول: هذا كافر وهذا كافر، وإنما من ظهر منه الأمر ظهوراً جلياً، حكم عليه أهل العلم، وإلا يكون الأمر في منهجهم يقوم على أساس علماني هذا هو الأصل، كما ذكرنا.
الجواب: هذا صحيح. يعني: أنتم تذكرون مثلاً العام الماضي، لما اعتقلوا مجموعة من الطلبة في أفغانستان ومن ضمنهم الأمريكي هذا الطالباني، وأتوا بصورهم بطريقة بشعة وسيئة، وكانوا يحققون معه ويستنطقونه وهو في حالة نفسية صحية رديئة، وكانت الكدمات والضربات في وجهه، ونفسيته لا شك أنها كانت متأثرة، ونقلوا هؤلاء الشباب مكبلين مغمضي العيون، وصورت هذه ووزعت على وكالة الأنباء وكلنا رأيناها، ولم يثر آنذاك أي كلام عن قضية معاملة الأسرى أو حقوق الإنسان، وهذا يدل على الانتقائية عند هؤلاء.
فلما وقع من وقع منهم في الأسر، وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى، بل حتى في هذه الحرب هم عرضوا أسرى عراقيين قبل أيام، ولم يقع أي اعتراض، فلما عرض جنود.. كأنهم يرون أن حقوق الإنسان، وأن الاتفاقيات الدولية هي للرجل الأبيض أو للرجل الأمريكي، لكن الملون أو العربي أو المسلم كأنه ليس إنساناً، وبالتالي لا تراعى هذه الحقوق بالنسبة له.
وأنا حقيقة أستغرب: حربكم على العراق الآن، هل يوجد حتى في قوانين البشر ما يؤيدها؟!
أليست حربكم خروجاً على اتفاقيات الأمم المتحدة نفسها ومجلس الأمن الدولي؟!
فأنت تأتي الآن وتضرب دولة مستقلة وتحشد أكثر من ألف دبابة ومائتين وثمانين أو ثلاثمائة ألف جندي لإقحامه في هذا البلد وإسقاط حكم، وتدخل بأمور خاصة، وتضرب بالنظام الدولي عرض الحائط، ثم تستعين بهذا النظام إذا كان لمصلحتك، فهذا يؤكد أنه أصلاً ما هي مرجعية هذا النظام الدولي؟ من المسئول عن تطبيقه وتنفيذه؟ ولكن الحمد لله رب ضارة نافعة، ولذلك الحمد لله، ربما سمعتم أنه أخرج اليوم أو أمس؛ مجموعة من أسرى كوبا أعتقد حوالي سبعة عشر، ونسأل الله أن يكون الباقين في الطريق إن شاء الله تعالى.
هذه هي تقريباً ..
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر