إسلام ويب

شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - مقدمة -1للشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو يجب على البالغ العاقل المستطيع مرة واحدة في العمر، واختلف في حكم العمرة وإن كان الأفضل هو أن لا يتركها الإنسان إما مع حجه أو منفردة عن ذلك، كما اختلف العلماء في اشتراط المحرم مع المرأة، والصحيح وجوب ذلك وليس شرطاً لصحة حجها، والاستطاعة تكون بالزاد والراحلة وآلتهما.
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    الحقيقة قبل بضع سنوات كنت بدأت في شرح كتاب عمدة الفقه للإمام ابن قدامة المقدسي، وانتهينا من كتاب الطهارة وكتاب الصلاة.

    وهناك عدد من الإخوة يتمنون ويطلبون أن يكون هناك استمرار لهذا الكتاب، وأرجو الله تعالى أن ييسر ذلك في المستقبل، لكني رأيت بمناسبة الحج ومجيء الإخوة ورغبة اغتنام هذه الفرصة أن نبدأ بشرح كتاب الحج من عمدة الفقه الذي أشرت إليه، ولعلنا خلال هذين الأسبوعين أرجو أن نتمكن من إنهاء هذا الجزء من الكتاب أو أخذ قدر كبير منه، بحيث يكون في مناسبة الحج وموسمه مناسباً، وسأحرص على استخدام الطريقة نفسها التي كنت استخدمتها، وهي عرض متن الكتاب أو نصه بشيء من الشرح المختصر، وذكر الأقوال على سبيل الإجمال، وذكر الأدلة على سبيل الإجمال أيضاً، وذكر القول الراجح أو القول المختار من هذه المسائل، وعدم الاستطراد بتفاصيل أو مسائل فرعية مما هو موجود في مظانه من كتب الفقه المطولة؛ لأن هذا قد يطول ونستطرد فيه، وكانت طريقتنا في الشرح آنذاك أن يكون الشرح مختصراً.

    فنبدأ باسم الله مستعينين به جل وعلا في كتاب الحج.

    الحج في اللغة كما هو معروف هو: القصد، قصد الشيء أو التردد إليه والذهاب إليه مرة بعد مرة، هذا هو أصل هذه الكلمة في اللغة العربية، وكل اشتقاقاتها تعود إلى هذا المعنى.

    فمثلاً: الحج سمي حجاً؛ لأنه قصد بيت الله الحرام، ومنه أيضاً سميت المحجة وهي الطريق؛ لأن الإنسان يستخدمها في ذهابه وإيابه وتردده إلى ما يقصد ويريد، ومنه أيضاً سميت الحُجَّة التي يحتج بها الإنسان إذا كان في مقام مجادلة أو مخاصمة؛ لأنه يقصد إليها ويريدها ويحتج بها، فسميت حجة، ولذلك يقول الشاعر:

    وأشهد من عرف حلولاً كثيرة يحجون سب الزبرقان المزعفرا

    يحجون أي: يقصدونه ويريدونه، وقيل: إن هذا البيت مدح أو ذم؟ ونحن نختار الأول؛ لأننا نفضل الاشتغال بمعالي الأمور، وكذلك يقول آخر:

    قالت تغيرتمُ بعدي فقلت لها لا والذي بيته يا سلمى محجوج

    أي: مقصود. فالحج إذاً من حيث اللغة هو القصد والإرادة، والفاعل الذي يفعل هذا يسمى حاجاً، ويجمع على حجيج وعلى حجاج، وقد يعبر عن مجموعهم بالحاج، فالحاج يطلق على الفرد الواحد ويطلق على المجموعة أيضاً، كما في قول الله تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ [التوبة:19]، فليس المقصود الحاج المفرد هاهنا، وإنما المقصود الحجاج، سقاية الحجاج أو الحجيج، فقد يكون هذا اسم جمع، والعامة كثيراً ما يقولون: الحاج والداج، وهذا قد ورد فيه آثار.

    ونضيف إليها لفظاً ثالثاً من باب المزاوجة كما يسميه أهل اللغة، فيقول العرب: الحاج والداج والزاج، فما معناها، وما الفرق بينها؟

    أما الحاج فهو الذي ذهب بنية لحج بيت الله الحرام أو ما ظاهره ذلك، وأما الداج فهو الذي لم يذهب للحج، ولكنه تبع مثل الخدم والأعوان والسائقين وغيرهم ممن لم يقصدوا الحج، وإنما ذهبوا تبعاً لمصالحهم الدنيوية، وأما الزاج فقال ابن منظور في لسان العرب : هو المرائي الذي حج رياءً وسمعة.

    ومما هو مستطرف أن العوام عندنا يقصدون بالداج معنىً آخر غير هذا ما هو؟

    وهو الفقير الذي ليس عنده شيء، ولعل هذا المعنى مأخوذ من أصل المعنى الذي أشرت إليه، لأن الحاج قد ظفر بالغنيمة وأدرك الأجر، بينما الداج ذهب وحصل التعب والعناء ولم يظفر بشيء من ذلك، وقد راجعتها في بعض كتب اللغة، قلت: لعلي أظفر بمعنى أن يكون الداج يحمل معنى الفقير أو المعدم، وفي حدود ما بحثت لم أظفر بذلك، ولعل أحداً منكم يوافينا به لو وجده.

    إذاً: الحاج يطلق على المفرد ويطلق على الجمع: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ [التوبة:19]، والحج يطلق بالفتح ويطلق بالكسر الحِج، وأيهما جاء في القرآن الكريم؟ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران:97]، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج:27]، ولذلك القرآن الكريم استخدم اللغتين معاً: الكسر والفتح، وتجد أن الآية الواحدة، مثل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران:97] ورد فيها القراءتان معاً؛ فقد قرأ الكسائي وحمزة وأبو جعفر وخلف وحفص بالكسر: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران:97]، وقرأ غيرهم بالفتح: (ولله على الناس حَجُّ البيت)، فقيل: إن بين اللفظين معنى، والذي اختاره سيبويه وهو أفضل: أنهما مصدران بمعنىً واحد، مثلما تقول: رد الشيء يرده رداً، فهذا على وزن: حج يحجُ حجاً، ومثلما تقول: ذكر يذكر ذكراً، فهذا مثل حج يحج حِجاً، هذا من حيث اللغة.

    أما ما يتعلق بالاستعمال الشرعي والعرفي، فإن الحج: هو قصد بيت الله الحرام، قصد مكة في وقت مخصوص بأعمال مخصوصة، فلا يطلق الحج شرعاً على غير قصد مكة، وأما الذين يقصدون المزارات الأخرى كمن يقصد الذهاب إلى المسجد النبوي، مسجد النبي عليه الصلاة والسلام لقصد الصلاة فيه فهذا لا يسمى حجاً، ولكنه قد يسمى زيارة، وكذلك من باب أولى أن الذين يذهبون إلى المزارات البدعية، كمن يقصدون قبور الأولياء والصالحين والصحابة وأضرحتهم ويطوفون بها ويذبحون عندها وينذرون عندها النذور كما يقع في العالم الإسلامي كثيراً مع الأسف من الطوائف والفرق المنحرفة، بل ومن الفرق المنتسبة للسنة، فيكون الفرق بينهم أحياناً أن هؤلاء يحجون إلى قبر الرضا والكاظم والصادق، والسنة أو من ينتسبون إليها يحجون إلى قبر أبي حنيفة أو قبر الشافعي، فهذا لا شك أنه إضافة إلى كونه من البدع، وقد يقع عند قبور هؤلاء ما هو من الشرك، إلا أنه بطبيعة الحال لا يدخل في هذا الباب أصلاً.

    إذاً: الحج لا يكون إلا إلى بيت الله الحرام، ثم إنه لا يكون إلا لعمل مخصوص، وهو أعمال الحج المعروفة التي تبتدئ بالإحرام ونية الدخول في النسك، وتنتهي بطواف الوداع وما بينهما، فهذا الذي يسمى حجاً، لكن لو ذهب إلى مكة بقصد العمرة مثلاً فإن هذا لا يسمى حجاً، وإن كان بعضهم قد يطلق عليه تجوزاً أنه الحج الأصغر؛ لقوله تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ [التوبة:3].

    ولكنه لا يسمى حجاً، وكذلك لو ذهب ذاهب إلى مكة لغرض الزيارة.. زيارة قريب أو لغرض التجارة أو لغرض من الأغراض المباحة أو غيرها؛ فإن هذا لا يسمى حجاً، فليس كل من ذهب إلى مكة حاج، وإنما الحاج من ذهب بنية أداء أعمال مخصوصة وفي وقت مخصوص وهي المواقيت الزمانية المعروفة التي لا يكون الإحرام بالحج إلا بها، وستأتي الإشارة إليها والخلاف فيها، وهي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة على المشهور، فهذه هي المواقيت الزمانية، وهذا هو الوقت المخصوص، فهذا هو معنى الحج.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088933122

    عدد مرات الحفظ

    779988430