إسلام ويب

شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب حكم الدينللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا يجب على من له دين على شخص أن يؤدي زكاته قبل قبضه؛ لأنه ليس في يديه، ولكن إذا كان الدين على موسر فإن عليه زكاته كل سنة.
    موضوعنا اليوم هو: حكم الدين، وعندنا فيه تقريباً أربع نقاط ليست بالطويلة:

    النقطة الأولى منها: ما هو الدين؟ ما هو تعريف الدين؟

    تعريف الدين عند الفقهاء: هو لزوم حق في الذمة. فإذا لزم في ذمة الإنسان حق مالي لأخيه الآخر فإنه يسمى ديناً، وقد يكون الحق غير مال.

    وأما قولنا: (لزوم حق)؛ فإنه يخرج ما ليس بلازم، وهو الشيء الذي قد يكون مطلوباً من الإنسان على سبيل الاستحباب، أو على سبيل الإكرام، فإن هذا لا يسمى ديناً، وإنما الدين لابد أن يكون شيئاً لازماً للإنسان.

    وقولنا: (لزوم حق) لو كان الملزم به غير حق فإن هذا الإلزام باطل، ولا يكون ديناً على الإنسان.

    وقولنا: (في الذمة) يخرج إذا أعطى الإنسان الشيء في الحال، فلو أن أحداً طلبك شيئاً فأعطيته لم يسم هذا ديناً؛ لأنك أبرأت ذمتك بالحال، فإذا تعلق الحق بالذمة سمي ديناً، فالدين هو لزوم حق في الذمة، وهذا يشمل الحقوق المالية كما أشرت، مثل: القرض. لو أقرضتك مالاً، كأن أعطيتك ألف ريال على أن تردها إلي فيما بعد، هاهنا يكون وقع في ذمتك دين لي بألف ريال، واسمه الخاص .. يسمى (قرضاً).

    إذاً: القرض هو أحد أنواع الدين، ولكنه لفظ خاص، فالقرض عقد خاص يتميز بأنه عقد إرفاق. يعني: ليس المقصود من القرض الاستغلال، أو أن أعطيك مالاً لتعطيني أضعافه، وإنما المقصود بالقرض هو إرفاق وإحسان، ولهذا سماه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قرضاً، فقال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [الحديد:18] فسماه الله تعالى: قرضاً حسناً، وهكذا قرضك لأخيك المسلم هو قرض حسن؛ لأنك لا تطلب من ورائه زيادة في المال، وإنما للرفق بأخيك، وسد فاقته وحاجته.

    إذاً: القرض نوع من الدين، ولكنه عقد خاص، أو نوع خاص من الدين.

    وكذلك ثمن المبيع، لو أعطيتك سلعة أو عيناً على أن تعطيني ثمنها بعد حين، سواء كان هذا الحين محدداً وهو ما يسمى بالعقد المؤجل، أو كان مطلقاً، تقول: آتيك به فيما بعد، فهذا ثمن لسلعة معينة أو مبيع، وهو أيضاً نوع من الدين.

    ومثله أيضاً: ثمن التأجير، لو آجرتك بيتاً أو سيارة أو شيئاً بمال تدفعه إلي فيما بعد.

    ومثله ثمن المتلف، لو أتلفت شيئاً فغرمت لي هذا المبلغ، لكنك لم تعطنيه حالاً وإنما وعدتني به فيما بعد.

    أو ثمن الجناية، لو جنيت على أحد في عضو من أعضائه أو في عبده مثلاً أو ما أشبه ذلك فثمن الجناية إذا بقي في ذمتك فهو دين .. وهكذا.

    وأيضاً: ثمن الصداق، صداق المرأة لو لم يعطها زوجها الصداق، أو أعطاها بعضه وأجّل بعضه يسمونه: صداق الآجل.

    كل هذه أنواع من الديون تتعلق بذمة الإنسان يدفعها إلى مستحقها فيما بعد، فهذه ديون مالية، أو حقوق مالية.

    وهناك نوع آخر من الدين والحق: وهو ما ليس بحق مالي، مثل: حقوق الله سبحانه وتعالى، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن من سألته عن الصيام: ( اقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) إذاً: أحق بالوفاء، وسماه قضاءً، فالله تعالى له حق على عباده.

    وفي حديث معاذ بن جبل : ( أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ فحق الله على عباده أن يعبدوه ويوحدوه ولا يشركوا به شيئاً ) فسماه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حقاً، مع أنه ليس حقاً مالياً، هو دين في ذمة الإنسان، وحق في رقبته وفي حياته لربه عز وجل.

    وكذلك مثلاً لو أن إنساناً ترك صلاة ناسياً ثم ذكرها، فهي دين في ذمته، يقضيه أو ما يقضيه؟ يقضيه: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ).

    وهكذا الحال بالنسبة للصيام.

    وهكذا الحال بالنسبة للحج أو العمرة لو أفسدها.

    وهكذا الحال بالنسبة للزكاة أيضاً باعتبار أن لها جانب حق لله سبحانه وتعالى، غير حق الفقير والمحتاج.

    إذاً: هذه أنواع من الديون ليست مستحقات مالية في ذمة الإنسان، وإنما هي مستحقات معنوية، حقوق على الإنسان، ولذلك بعضهم يقول: هذا حق الله، وهذا حق العباد، وبعضهم قد يقول: هذه حقوق مالية، وهذه حقوق غير مالية.

    وقد يسمي الفقهاء الدين بأسماء، مثل: الكالئ، من أشهر أسمائه: الكالئ، آخره همزة، وهذا اسم للدين، وقد ورد في حديث: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ ) يعني: نهى عن بيع الدين بالدين، أو بيع المؤجل بالمؤجل، وهذا الحديث رواه الدارقطني وسنده ضعيف، فيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف، وقال الإمام الشافعي رحمه الله: إن أهل الحديث يوهنونه، ولكن معنى الحديث أو معنى هذا الأثر صحيح إجمالاً، فإن الفقهاء متفقون على المنع من بيع الدين المؤجل بالدين من حيث الجملة، وإلا فإن لهذه المسألة صوراً عديدة أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشر صور، بيع الدين بالدين سوف نأتي إليه إن شاء الله في مسألة البيوع؛ لأننا الآن نبحث في الزكاة، وإنما المقصود الإشارة إلى أن كلمة (الكالي) تطلق ويراد بها الدين. هذه المسألة الأولى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088934449

    عدد مرات الحفظ

    780000077