عندنا اليوم: درس في الزكاة، متعلق بزكاة الحبوب والثمار، عندنا حوالي خمس أو ست مسائل، نحاول أن نمر عليها.
النقطة الأولى: اسم هذا الباب، من الفقهاء من يسميه: زكاة الحبوب والثمار، وهذا الاسم هو الذي سوف نعتمده عملياً اليوم؛ لضيق الوقت، فنقتصر من الباب على ما يتعلق بالمزروعات أو الحبوب والثمار، وإن كان غيره أفضل منه، فمن الفقهاء من يسمي الباب: زكاة الخارج من الأرض، وهذا كثير في كتب الحنابلة.. وغيرهم، وهو أجود؛ لأن الله سبحانه وتعالى سماه هكذا في القرآن الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267].
فإذاً: هي لغة القرآن الكريم، زد على ذلك أن كلمة: (الخارج من الأرض) أشمل، فإنه يدخل فيها المزروعات والحبوب والثمار.. وغيرها.
كما تدخل فيها المعادن وسواها مما يدخله الفقهاء، أو يقحمونه ضمن هذا الباب.
أيضاً: يدخل فيه الركاز والعسل عند من يقول بزكاته، فإنهم يلحقون ذلك كله بالخارج من الأرض، ومثله النحل من الزهور والورود.. وغيرها.
من الفقهاء من يسمي الباب بزكاة المعشرات أو العشور، وهذا أكثر ما يكون في كتب الأحناف، وقد يسمون ما يؤخذ عشراً أو عشوراً، والصواب أنه يسمى زكاة، كما سماه الله تعالى ورسوله.
وقال الجصاص وغيره: إن العلماء أجمعوا على أن النفقة المقصودة في هذه الآية هي الزكاة.
الموضع الثاني: قوله تعالى في سورة الأنعام: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141]، ففي هذه الآية الكريمة عدة أمور منها:
أولاً: أن الله سبحانه وتعالى ذكر الجنات المعروشات وغير المعروشات، فما هو الفرق بينهما؟
أقوال، الأظهر والأقرب منها أن المقصود بالمعروشات: ما يقام لها العروش، كما يضع الفلاحون مثلاً للعنب عروشاً تكون عليها، وأما غير المعروشات فهو الشجر القائم بنفسه، وقيل: إن المعروشات هي التي يزرعها الناس، وغير المعروشات ما يخلقه الله سبحانه وتعالى .
ثم الله سبحانه وتعالى ذكر: (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا)، وذكر: (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)، يعني: متشابهاً في الشكل، مختلفاً في الطعم.. أو غير ذلك من الأقوال.
قال سبحانه: (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ)، فهذا أمر إباحة، (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)، فهذا أمر إيجاب، (وَلا تُسْرِفُوا) هذا أيضاً نهي والنهي للتحريم، فإن الإسراف محرم، وقوله: (وَلا تُسْرِفُوا)، الأقرب أن مرجعه إلى الأكل، وأما بالنسبة لإيتاء الحق فإنه لا مدخل فيه للإسراف، فإن الإنسان لو أنفق كثيراً مما عنده لم يكن في ذلك إسراف، زد على ذلك أن قوله: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) إشارة إلى حق معلوم، و فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، وهذا الحق لا يزيد ولا ينقص في الجملة، ولذلك فالأقرب أن قوله: (وَلا تُسْرِفُوا)، يرجع إلى قوله: (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ).
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) .
قد روى الطبري في تفسيره عند هذه الآية، عن جماعة من الصحابة والتابعين: كـأنس بن مالك وابن عباس وجابر بن زيد والحسن البصري وسعيد بن المسيب وقتادة وطاوس ومحمد بن الحنفية والضحاك .. وغيرهم.. أن الحق المذكور في قوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ)، المقصود به: الزكاة أو الصدقة المفروضة، وهذا مذهب الجمهور.
ثم ذكر في المسألة قولاً آخر: وهو أن المقصود بالحق هنا حق أوجبه الله سبحانه وتعالى في أموال هؤلاء لليتامى، زائداً على الصدقة المفروضة، أو على الزكاة، ونقل هذا القول عن جماعة أيضاً، كـعطاء وحماد ومجاهد وسعيد بن جبير .. وغيرهم..
ثم ذكر قولاً ثالثاً: وهو أن هذه الآية كانت قبل إيجاب الزكاة، ثم أوجب الله سبحانه وتعالى الزكاة المفروضة فنسخت هذه الآية، ونقله عن بعضهم واختاره رحمه الله، فرجح الطبري أن قوله: (وَآتُوا حَقَّهُ) هاهنا منسوخ بإيجاب الزكاة، وما اختاره الطبري رحمه الله ضعيف، ولذلك رده عليه جماعة من المفسرين وغيرهم كـابن كثير وسواه؛ لأن القول بالنسخ يعني: إبطال حكم الآية، وهي نص من كلام الله تعالى محكم في القرآن، فالقول بإبطال حكمها لا ينبغي اللجوء إليه إلا إذا تعذر الجمع بين النصوص، والطبري رحمه الله ممن يردون النسخ في كثير من الحالات بمثل هذا، لكنه في هذا الموضع مال إلى النسخ.
والصواب أنه ليس في الآية نسخ، وأن الآية على وجهها، وأما إيجاب الزكاة فإنه قصاراه أن يكون بياناً لمجمل الآية أو تفصيلاً، ولذلك نقول: إن قوله وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، الحق يوم لم يكن ثمة زكاة مفروضة مؤقتة، كان الحق هو أن تمنح الفقير والمسكين ما تيسر لك، وتعطيه ما قدر الله لك، أما وقد فرضت الزكاة وحددت مقاديرها وأنصبتها، فإن الحق ينتقل إلى الزكاة المفروضة، وتبقى الآية على وجهها محكمة غير منسوخة.
وأما السلف رحمهم الله فإنهم كانوا يطلقون لفظ النسخ أحياناً، ولا يقصدون به النسخ عند المتأخرين، والذي يقصد به رفع معنى آية أو رفع معنى حكم شرعي بحكم آخر نزل بعده، وإنما يقصدون بالنسخ معنى أوسع، فقد يكون التخصيص عندهم نسخاً، وقد يكون الشرط عندهم نسخاً، وقد يكون الاستثناء يسمى في عرفهم نسخاً، ولا يعني ذلك النسخ الذي هو إبطال أو إلغاء حكم النص الشرعي.
إذاً: نقول: إن الآية محكمة غير منسوخة، وهي تدل على وجوب إخراج زكاة الخارج من الأرض مما ذكر في الآية ومما لم يذكر، ويلاحظ أن الآية يذكر فيها الجنات المعروشات وغير المعروشات، وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ [الأنعام:141]، فهذا سوف نحتاجه بعد قليل، هذا الدليل الأول من القرآن الكريم.
ومثل ذلك أيضاً: ما ورد عن ابن عمر وغيره وجابر وسوف يمر ذكرها في مناسبتها في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
أما الإجماع فقد نقل جماعة من أهل العلم: الإجماع على وجوب الزكاة في الخارج من الأرض من حيث الجملة، وإن اختلفوا في تفصيل ذلك، وممن نقل الإجماع ابن المنذر وابن عبد البر وابن تيمية والنووي والكاساني .. وغيرهم..
فالمقصود أن الله سبحانه وتعالى امتن على الإنسان بهذا النبات، وإيجاد الجو والبيئة والظروف الملائمة لظهوره، كما في قوله عز وجل: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ [الواقعة:63-67].
وكما في قوله تعالى في سورة (يس): وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ [يس:33-35]، فكان من الشكر لنعمة الله سبحانه وتعالى أن يخرج الإنسان زكاة هذا المال كما يخرج زكاة أي مال آخر.
وقد ذكرنا قبلاً أنها تجب في نوعين: الأول: النبات، والثاني: المعدن، لكن فيما يتعلق بالنبات أو بالزروع والثمار، في أي الزروع وفي أي الثمار تجب؟ هل تجب الزكاة مثلاً في الفواكه؟ هل تجب في الخضروات؟ هل تجب في البقول؟
هذا محل خلاف كبير بين العلماء، ومن أجل حصر وتقريب وضبط أقوالهم، يمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام؛ للتقريب العلمي، وإن كان كل مذهب له رأيه المنفرد في مسائل خاصة:
فالزكاة عندهم لا تجب إلا في هذه الأصناف الأربعة، وما زاد عليه فلا زكاة فيه: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، أو إن شئت قل: العنب.
وهذه الأصناف الأربعة مما يحتجون به على وجوب الزكاة فيها دون غيرها، قالوا: إن الزكاة في هذه الأصناف بإجماع العلماء، وقد سبق أن ذكرت لكم على سبيل المثال كلام ابن المنذر، وأنه قال: إن الزكاة تجب في تسعة أصناف، فذكر من هذه الأصناف الأربعة، وزاد عليها البقر والغنم والإبل، وزاد عليها الذهب والفضة، فقالوا: إن الزكاة في هذه الأصناف الأربعة إجماع، ولا إجماع فيما وراءها، ولا دليل أو نص أيضاً على وجوب الزكاة فيما سواها، قالوا: فنقتصر على ما ورد الإجماع فيه وما سواه فإن ذمة الإنسان معصومة، وماله معصوم فلا يحل ماله إلا بطيب نفس منه، أو بإيجاب شرعي، ولا إيجاب عندهم، فلا زكاة فيما وراء هذه الأصناف الأربعة.
الدليل الثاني أيضاً: أنهم احتجوا بما رواه أبو بردة بن أبي موسى عن أبي موسى ومعاذ : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم، أمرهما ألا يأخذا الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة -المذكورة-: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب )، وهذا الحديث رواه الحاكم في مستدركه والبيهقي والطبراني، وذكر البيهقي أن إسناده متصل، وأن رجاله ثقات، ولكن الصواب أن في إسناده يحيى بن طلحة وهو مختلف فيه، وأن الحديث أيضاً مختلف في رفعه ووقفه، فالحديث لا يخلو من علة، ولا يصح الاستدلال به في مثل هذه المسألة المهمة في قصر الزكاة على هذه الأصناف الأربعة .
إذاً: هذا هو القول الأول، وهو واضح ليس فيه إشكال.
إذاً: هم يشترطون الكيل، وممكن نقول: أو الوزن، ويشترطون الادخار، أن يكون مدخراً، سواء كان هذا المال أو كانت هذه الحبوب أو الثمار مما يقتات قوتاً أو لم تكن قوتاً.
إذاً: مذهب الحنابلة الذي يوضحه ويميزه أنهم لا يشترطون الاقتيات، يقولون: إذا كانت الحبوب أو الثمار مما يكال ومما يدخر ويحفظ، فإن الزكاة فيها واجبة؛ لأن الادخار فيه قوة، يعني: يجعل لهذا المال قوة، فهو يجعلهم في مقام أنه يواسى به الفقير ويخرج منه الزكاة، وأما القوت فقالوا: إنه ليس بشرط وليس بلازم، وهذا كما قال صاحب الإنصاف : إنه من مفردات مذهب الحنابلة، وعلى هذا تجب الزكاة عند الحنابلة في عدة أصناف مما يخرج من الأرض، تجب الزكاة عندهم في الأقوات، وطبيعي من باب أولى؛ لأنهم لا يشترطون القوت، ولكن معناه أنهم يوجبون الزكاة في القوت وفي غير القوت، فتجب عند الحنابلة في القوت، مثل ماذا القوت؟
مداخلة: .....
الشيخ: مثل الرز -الله يفتح عليك- وهو من أهم الأقوات خصوصاً في العصر الحاضر، أيضاً مثل: الحنطة، الشعير، السلت، الذرة، الدخن، هذه أقوات وإن كان مضى وقتها، ولكنها موجودة في بعض البيئات وفي عصور خلت، فهذه كلها أقوات، إما أقوات بالفعل، أو أقوات بالقوة، يعني: أنها تصلح لأن تكون قوتاً.
طيب، تجب أيضاً عند الحنابلة فيما يسمونها بالقطنيات، والقطنيات سميت بهذا؛ لأنها تقطن البيوت، يعني: تكون في البيوت وتبقى في البيوت وتدخر وتقتات، والقطنيات مثل: الباقلاء، والعدس، والحمص، واللوبيا، والماش، يمكن أكثر الإخوة لا يعرفونه، وهي نبات حبوبه صغيرة جداً، يستخدم غالباً الآن في العلاج وغيره.
تجب عند الحنابلة أيضاً في الأبازير، البزار مثل: الكزبر والكمون والكراويا.. وغيرها.
تجب عندهم أيضاً في بعض البذور كبذر الخيار وبذر البطيخ.. وغيرها.
تجب في حبوب البقول، مثل: الرشاد والسمسم والحلب وأيضاً الزيتون وغيرها.
تجب فيما يجفف ويدخر مما يجمع هذه الأوصاف السابقة أو كثيراً منها، مثل: التمر بطبيعة الحال، وهذا إجماع كما ذكرناه، مثل الزبيب، مثل المشمش، اللوز، الفستق، البندق.. إلى غير ذلك، هذه الأشياء تجب فيها الزكاة عند الحنابلة؛ لأنهم يشترطون أن يكون مدخراً، ولو لم يكن قوتاً.
طيب لكنها لا تجب مثلاً في الفواكه عند الحنابلة مثل الخوخ، والكمثرى، والتفاح، والبرتقال، والأترج، والمانجو.. وغيرها، فهذه الفواكه ليس فيها عندهم زكاة لماذا؟ لأنها لا تدخر، وأما كونها الآن توضع في الثلاجات أو غيرها، فهذا لا يعتبر ادخاراً، كذلك لا تجب الزكاة عندهم في البقول، مثل: الفجل، الثوم، البصل، الكراث، الخس، الجزر، هذه تعتبر بقولاً لا تجب فيها الزكاة، كذلك لا تجب في الخضروات المطبوخة مثل الباذنجان، الكوسة، القرع مثلاً.
إيه نعم، حجة الحنابلة في هذا عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( فيما سقت السماء والعيون العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر )، والحديث رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عمر باللفظ الذي ذكرته.
فقالوا: هذا عام، الحديث له شواهد كما ذكرت قبل قليل عن جابر عند مسلم وعن معاذ عند أحمد وغيره، والحديث يؤخذ بعمومه أن كل ما نبت فالأصل فيه وجوب الزكاة، وكذلك حديث أبي سعيد الخدري : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )، فقالوا: هذا دليل على أن كل ما يوسق يعني: يكال، فإن فيه الزكاة. ننظر في المذهب.
إذاً: هو اشترط الكيل واشترط الادخار، أما الكيل: فإن اشتراطه غير ظاهر؛ لأن الكيل وصف عادي، وصف عام، فهو لا يختلف عن الموزون، لا يختلف عن المعدود، لا يختلف عن غيره، وإنما الفقهاء والعلماء ذكروا الكيل في الربويات، البر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح؛ لأنه يشترط في الربويات التساوي في الوزن أو في الكيل، أما فيما يتعلق بالزكاة فإنه لا اعتبار له، والكيل أستطيع أن أقول: إنه وصف خارجي، فما هو الفرق بين شيء يكال وشيء يوزن، بحيث نجعل في هذا الزكاة، وهذا ليس فيه الزكاة؟ وأما الحديث فهو ليس فيه قوة أن ما لا يوسق ليس فيه زكاة، وإنما دلالة الحديث على أن الموسقات فيها الزكاة، وأما ما سواها فقد يفهم ذلك من نصوص أخرى، ولذلك أشار ابن تيمية رحمه الله إلى هذا المعنى كما في الفتاوى، وهو أن الكيل ليس وصفاً قوياً يمكن ترتيب وجوب الزكاة من عدمها على وجود الكيل أو عدم وجوده.
طيب، هنا هل المالكية والشافعية يوجبون الزكاة في أشياء لا يوجبها الحنابلة أو العكس؟
العكس، يعني: هناك أشياء كثيرة تجب فيها الزكاة عند الحنابلة؛ لأنها تدخر، ولكنها لا تجب عند المالكية والشافعية؛ لأنها ليست قوتاً، فأضاف الشافعية والمالكية شرطاً أو وصفاً جديداً وهو القوت، والمراد بقولهم القوت ما يتخذه الناس قوتاً بالعادة، وليس بحالات الاضطرار، يعني: ما يتخذ قوتاً بالاختيار لا بالاضطرار، ولذلك اختلف المالكية مثلاً في التين، هل تجب فيه الزكاة أم لا؟ فنص الإمام مالك في موطئه على أن التين لا تجب فيه الزكاة، وقال: هذا هو المذهب، والذي وجدنا عليه الفقهاء والناس أنه لا زكاة فيه ولا فيما أشبهه من الفواكه، وخالفه كثير حتى من فقهاء المالكية أنفسهم، وقالوا كما قال ابن عبد البر : الظاهر أن الإمام مالك رحمه الله لم يكن يعلم أن التين يمكن أن ييبس ويجفف ويكال ويقتات ويدخر، وإلا لأوجب فيه الزكاة، ولهذا قالوا: إن طرد مذهب مالك إيجاب الزكاة في التين، وإن كان نصه أنه لا زكاة فيه.
ويظهر لي والله أعلم: أن الخلاف بين الشافعية والمالكية من جهة، وبين الحنابلة من جهة أخرى يتركز فيما يتعلق بالحبوب كالأبازير كما ذكرنا والبذور والبقول.. وغيرها. وأما الفواكه فيكادون يقترب بعضهم من بعض أنه لا يكون فيها زكاة، وحجتهم هي النفع العظيم المترتب على الاقتيات، وأنه يقوم في ذلك مقام بهيمة الأنعام التي يؤخذ منها اللبن والدر والسمن.. وغيره.
فعلى هذا تجب الزكاة عند الأحناف أو عند أبي حنيفة ؛ لأن بعض أصحابه خالفوه، فتجب عنده في كل الثمار، والفواكه: كالتفاح والموز والبرتقال والمانجو والكمثرى.. وغيرها.. فالفواكه تجب عنده خلافاً للجمهور، وتجب أيضاً في كل الخضروات: كالخيار والقثاء والبطيخ والجزر واللفت والفجل.. وغيرها، وتجب في القطن والكتان وما أشبهه، وتجب في الأبازير وتجب في ما ذكرناه قبل قليل في مذهب الحنابلة وغيره.
أما الشاي فعلى مذهب الجمهور لا تجب فيه الزكاة؛ لأنه ليس قوتاً، وإن كان قد يدخر لكنه ليس قوتاً، وأيضاً ليس مما ربما أنه يوسق، والله أعلم.
أما عند الأحناف فإن الزكاة فيه واجبة، ونحن نعرف مثلاً أنك لما تذهب إلى بلاد جنوب شرق آسيا تجد خضرة مسافة كيلو مترات متواصلة، فتسأل: ما هذه المزارع؟ قالوا: هذه مزارع الشاي، وهكذا تذهب إلى تلك البلاد أو إلى غيرها أو إلى الهند فتجد مزارع بالكيلو مترات، تسأل: ما هذه المزارع؟ فيقولون: هذه مزارع الأرز.
ما حجة الأحناف في إيجاب الزكاة في هذه الأشياء احتجوا بعدة أدلة منها:
أولاً: قوله تعالى: وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]، واستدلالهم بهذه الآية ظاهر، فإن الله سبحانه وتعالى عم وقال: وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]، وهذه حجة قوية، إلا أن الآخرين خصوا هذا ببعض الآثار وبعض النصوص، مثل ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ليس في الخضروات صدقة )، والخضروات يعني: ممكن نقول: إنها جمع الجمع، عندك خضرة تجمع على خضر ثم تجمع الخضر على خضروات، فقوله: ( ليس في الخضروات صدقة ) رواه الترمذي واستغربه، يعني: ضعفه، ورواه الدارقطني أيضاً عن علي وعائشة وهو ضعيف، وقال الترمذي : لا يصح في الباب شيء، وكذلك قال البخاري : إنه لا يصح في الباب شيء.
إذاً: لا يصح حديث: ( ليس في الخضروات صدقة )، ولا يسلم أثر منها عن مطعن، لكن بعض الذين أخذوا بهذا الحديث من الشافعية كـالبيهقي والخطابي .. وغيرهما، ومن الحنابلة، قالوا: إن هذا الحديث أولاً: يعتضد بتعدد طرقه، فإنه يعطيه نوع من القوة، وقالوا: إنه يعتضد بنقل الصحابة، فإنه نقل عن عمر وعلي وجابر رضي الله عنهم أنهم قالوا ذلك، وكذلك يعضدونه بفعل الصحابة، فإنهم قالوا: إنه لم ينقل أن الصحابة رضي الله عنهم أخذوا الزكاة من الفواكه.. وغيرها التي كانت موجودة في الحجاز.
يبقى استدلال الأحناف قوياً بالآية، فإن عموم هذه الآية من الصعب الانتقال عنه إلا بوجه قوي، وعدم النقل ليس نقلاً للعدم كما يقولون، يعني: قد تكون الزكاة أخذت دون أن ينقل ذلك، وقد يكون ترك أو فوض أمر إخراجها إلى أهلها ولم يقم الإمام بجبايتها.. إلى غير ذلك من الاحتمالات والحجج.
الدليل الثاني: قول الله سبحانه وتعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، وهذا أيضاً أقوى من الأول؛ لأن قوله: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) جاء في سورة الأنعام، بعدما ذكر الله سبحانه وتعالى: النخيل، والزرع، والزيتون، والرمان، وهذه من الفواكه التي لا تجب فيها الزكاة عند بعضهم، كالرمان مثلاً، وكذلك الزيتون وإن كان عندهم اختلاف في وجوب الزكاة فيه، فهذا مما يقوي وجوب إخراج الزكاة، في كل خارج من الأرض مما يغرسه الإنسان عادة.
الدليل الثالث لهم: قوله صلى الله عليه وسلم: ( فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر )، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يميز في هذا الحديث بين ما يبقى وما لا يبقى، وما يكال وما لا يكال، وما يدخر وما لا يدخر، وما يقتات وما لا يقتات، ولذلك مع أن المسألة حقيقة لا تخلو من إشكال، وهي مسألة شائكة والترجيح فيها عسير إلا أنني أقول: إن مذهب الأحناف له قوة ووجاهة لا تخفى، وإن كان الترجيح المطلق له يحتاج إلى مزيد من البحث والتحري.
مذهب الشافعية والمالكية يأتي في تقديري في الدرجة الثانية في القوة والوجاهة، من جهة أن شرط القوت شرط واضح وقوي في المسألة، ومذهب الحنابلة قريب منه.
الوسق بفتح الواو وكسرها، والفتح أشهر، وهو ستون صاعاً.
وقد جاء في سنن ابن ماجه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الوسق ستون صاعاً ) وهو ضعيف جداً، ولكن أجمع العلماء على معناه، أجمعوا أن الوسق ستون صاعاً، كما أجمعوا أيضاً على أن نصاب الزكاة الموسقة هو ثلاثمائة صاع، ولذلك قال الخطابي رحمه الله قال: حديث أبي سعيد أصل في بيان مقادير ما يحتمل الموافاة من الأموال.
وقال ابن عبد البر : في الحديث دليل على إيجاب الصدقة في هذا المقدار ونفيها عما دونه، وقد أجمع العلماء على أن ما زاد على ذلك ففيه الزكاة.
وهكذا قال النووي: بوجوب الزكاة فيما بلغ خمسة أوسق.
والوسق: ستون صاعاً، طيب ما مقدار الصاع؟
المقصود هو الصاع النبوي الذي كان مستخدماً في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والظاهر أن الصاع واحد كان يستخدم للبر والشعير والتمر.. وغيرها، ويستخدم أيضاً لشيء آخر وهو الماء، فقد ورد: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع )، وهذا في الصحيح، فهذا هو الصاع النبوي.
وبعض العلماء كـابن تيمية رحمه الله حاول الترجيح بين الأقوال المختلفة بأنه كان هناك صاعان: صاع للماء، وصاع للطعام، ولكن الأقرب أن الصاع كان واحداً، لكن يختلف مقداره إذا وضع به الطعام عنه إذا وضع فيه الماء؛ لأن الماء يتخلل بخلاف الطعام، فإنه يبقى فيه فراغات داخلة.
إذاً: الصاع هو الصاع النبوي وهو أربعة أمداد بالإجماع.
والمد يقول الداودي وغيره: إنه بقدر ما تتسع إليه يدا الإنسان المعتدل؛ لأن بعض الناس يده كبيرة ما شاء الله، لكن الإنسان المعتدل يعني: ليس طفلاً، وليس إنساناً ضخم الجثة، وإنما هو من أواسط الناس، فيقولون: المد هو بقدر ما تتسع له يداه منضمتين إلى بعضهما من البر ونحوه، فأربعة مقادير من هذه الحفنات يشكل صاعاً نبوياً، هكذا يقول الداودي .
ويقول الفيروزآبادي صاحب القاموس: إنني قد جربت ذلك فوجدته صحيحاً.
ويقول ابن قدامة في المغني: إن هذه الحفنة بقدر اليدين مضمومتين إلى بعضهما، باتفاق العلماء أن مقدارها رطل وثلث رطل من الأرطال البغدادية.
إذاً: الصاع النبوي كم يساوي من الأرطال؟ يعني: واحد وثلث اضربها في أربعة، خمسة وثلث، يعني: عندك ثلاثة أثلاث وثلث، يعني: خمسة أرطال وثلث.
إذاً: الصاع النبوي أربعة أمداد، والمد هو رطل وثلث، فالصاع النبوي خمسة أرطال وثلث رطل بالبغدادي، هذا قول الحنابلة، والمالكية، والشافعية، وأبي يوسف من الأحناف.
وهذا المقدار هو الذي تدل عليه الدراسات العصرية التي تقوم على قياس ما هو موجود من هذه المقادير وهذه الآصع، ولذلك يقول علي باشا مبارك : إنه درس ذلك وجربه وبنى عليه أن المقدار يساوي بالكيلو جرام الموجود الآن تقريباً: ألفين ومائة وستة وسبعين جراماً، أي: اثنين كيلو ومائة وستة وسبعين جراماً، هذا مقدار الصاع النبوي على سبيل التقريب.
إذاً: الزكاة تجب في خمسة أوسق، نعم، والوسق ستون صاعاً، إذاً: نضرب خمسة في ستين، الناتج ثلاثمائة، نضرب ثلاثمائة في ألفين ومائة وستة وسبعين جراماً، الناتج يطلع عندنا ستمائة وثلاثة وخمسين كيلو جرام.
هذا مذهب الجمهور كما ذكرنا، أما الحنفية فإنهم يخالفون في ذلك، ويقولون: إن الصاع ثمانية أرطال، وحجة أبي حنيفة في ذلك يقول: إنه ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع، وورد أنه كان يغتسل بثمانية أرطال، وقد جاء عندهم أن صاع عمر رضي الله عنه كان ثمانية أرطال فأخذوا بهذا.
والأمر الطريف أن أبا يوسف كان يقول بقول أبي حنيفة أن الصاع ثمانية أرطال، فذهب إلى المدينة وقال: يا أهل المدينة! عندي لكم علم أو شيء من هذا القبيل، قالوا: ما هو؟ قال: إنكم تقولون: الصاع كذا ونحن نقول: الصاع كذا، فما هي حجتكم وما دليلكم على ذلك؟ قالوا له: غداً نأتيك بحجتنا، فلما كان من الغد جاءه مجموعة من كبراء أهل المدينة وشيوخهم ومسنيهم، ومع كل واحد منهم صاعه، كل واحد منهم يقول: هذا صاعي أخذته عن أبي عن فلان من الصحابة، قاس أبو يوسف هذه الآصع كلها فوجدها متفقة أنها تقدر بخمسة أرطال وثلث رطل، فترك قوله وذهب إلى قولهم، وقد ذكر هذه الحادثة الإمام البيهقي وأشار إليها الإمام ابن حزم في المحلى فرجع إليها.
وهذا مما يدل على أن ثمة خلافاً بينهم في تقدير الصاع، خلافاً لمن حاول أن يحمل الأمر على أنه اختلاف فقط في تقدير مقدار الرطل، لا، هناك يبدو خلاف في تقدير الصاع عنده في ذلك الوقت، والراجح ما ذهب إليه أهل المدينة والجمهور كما ذكرت.
لكن يقول الفقهاء: لا يكتمل الوجوب ويستقر إلا بجعل الثمرة في البيدر أو المربد، المكان الذي تشمس فيه وتيبس، فإنه حينئذ يستقر الوجوب، وما هو الفرق؟ قالوا: الفرق أنه لو تلف قبل أن يوضع في البيدر بغير تفريط من صاحبه فإنه ليس عليه فيه شيء، وهذا نقل الإجماع عليه ابن عبد البر وابن المنذر .. وغيرهما. قالوا: ولو تلف المحصول قبل أن يوضع في البيدر بغير تفريط ليس على صاحبه زكاة، نعم، هذا هو الفرق. .
ولذلك أوجب الله سبحانه وتعالى الخمس فيما صادفه الإنسان مجموعاً محصلاً دون عناء ولا تعب وهو الركاز، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( وفي الركاز الخمس )؛ لأن الركاز لم يتعب فيه الإنسان مطلقاً، فأوجب فيه الخمس، وممكن نقول من باب الإيضاح فقط: الخمس كم يعادل في المائة؟ يعادل (20%).
ثم أوجب الله سبحانه وتعالى نصف الخمس فيما كانت كلفته أكثر من ذلك، أكثر من مجرد ركاز وجده مدفوناً في الأرض، وهو الأرض التي يحرثها الإنسان مثلاً، ويسقيها الله سبحانه وتعالى من السماء دون أن يبذل الإنسان فيها جهداً في سقي الزرع وتعاهده بالماء، فهذا يجب فيه العشر، وكم يعادل العشر في المائة؟ (10%)، نعم هذا نصف الخمس كما ذكرنا المسألة تتسلسل، في الأول: الخمس، وفي الثاني: نصف الخمس وهو العشر؛ لأن الإنسان لم يبذل فيه جهداً سقته السماء والأنهار والعيون.. وغيرها.
ثم أوجب الله سبحانه وتعالى فيما تعب الإنسان في سقيه من الخارج من الأرض، أوجب فيه نصف العشر، وهو يعادل (5%)، ثم أوجب الله سبحانه وتعالى نصفه، يعني: نصف النصف ويعادل كم؟ (2.5%)، هذا أوجبه الله سبحانه وتعالى فيما كان نماؤه موقوفاً على عمل متصل من الإنسان من الضرب في الأرض، مثل: زكاة عروض التجارة، وزكاة الأثمان.. ونحوها، فإن الزكاة فيها تعادل (2.5%).
إذاً: الزكاة تتسلسل من (2.5%) إلى (5%) إلى (10%) إلى (20%)، لكن يجب ألا يفهم من هذا أن الزكاة لا تجب إلا في هذا المقدار، يعني: فيما بلغ مائة مثلاً، قد تجب الزكاة فيما دون ذلك، لكن هذا المقصود به بيان أنصباء الزكاة وتدرجها في النقص، بحسب الجهد الذي يبذله الإنسان .
ولذلك فنقول: الواجب العشر في الخارج من الأرض إذا كانت تسقيه السماء بالمطر، أو يسقى بالسيح، ومثله ما يسمى بالبعل الذي يشرب بعروقه دون أن يحتاج إلى سقي، وهذا بالإجماع أنه لا يجب فيه إلا العشر، كما حكى ذلك صاحب المبدع من الحنابلة والنووي .. وغيرهم، ويجب نصف العشر، وهو كما ذكرنا (5%) فيما سقي بمئونة من الدولاب والنواضح.. وغيرها، وفيما سقاه الإنسان بالتقطير، وسواه مما يبذل فيه الإنسان جهداً بدنياً، أو جهداً مادياً، فإنه يجب فيه نصف العشر.
طيب! إذا كان الثمر سقي بعضه بهذا وبعضه بهذا فماذا يجب فيه؟ ثلاثة أرباع العشر، إذا كانا متقاربين فإنه لا نقول: العشر، فنجحف بحق الفلاح، ولا نقول: نصف العشر فنجحف بحق الفقراء، ولذلك توسط الفقهاء وقالوا: ثلاثة أرباع العشر وإن كان لم يرد في ذلك نص، لكن حكاه غير واحد من الحنابلة إجماعاً.
والحديث الوارد حديث ابن عمر يدل على أصل المسألة: ( فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر )، والعثري: قال بعضهم: هو ما سقته السماء بالمطر، وقال بعضهم: هو ما يجمع له المطر، ثم يجعل المطر له في سواقي فيسقيه دون عناء .
الله سبحانه وتعالى يقول: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]، وكأن المقصود بالآية -والله أعلم- بإيتاء الحق يوم الحصاد، إذا فهمنا أن المقصود بالزكاة أن ينوي الإنسان إخراج حقه، كأن يعزله مثلاً أو ينويه نية صادقة أنه سيخرجه، وإلا فالفقهاء يقولون: إنه لا يخرج الزكاة منه إلا بعدما يصفي الحب مما يكون فيه، وبعدما ييبس الثمر، وقد روى عتاب بن أسيد كما في سنن أبي داود قال: ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته منه زبيباً كما تؤخذ زكاة النخل تمراً )، فلا يؤخذ الرطب وإنما يؤخذ التمر، وهذا الحديث رواه أبو داود والراجح أنه مرسل، ولكنه مرسل جيد، وقد حكى بعضهم الإجماع على المسألة، وأنه لا يخرج من الحب إلا بعدما يصفى، ولا من الثمر إلا بعدما ييبس، إلا أن يكون مما لا ييبس من أنواع العنب والتمور.. وغيرها، فإنه يخرج منها بهيئتها ويساوي الفقراء بنفسه، وكذلك إذا كان هذا أطيب وأفضل وأحسن له، مثلما إذا كان يستخدم بهذه الصفة، فإنه أحسن أحواله أن يساوي الفقراء بنفسه في ذلك، وقال بعضهم: يخرج ثمنه أو قيمته، وقيل: يخرج منه رطباً أو عنباً كما ذكره ابن تيمية .. وغيره من الفقهاء.
فهذه الأصناف يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، ويجوز للإنسان أن يخرج الجيد عن الرديء وله أجره وفضله، لكن لا يجوز له أن يخرج الرديء عن الجيد؛ لقوله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267]. والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر