إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. سلمان العودة
  5. شرح العمدة (الأمالي)
  6. شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع

شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوعللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • صلاة التطوع من أعظم الأعمال المشروعة التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وهي تعتبر مكملة للخلل والنقص الواقع في صلاة الفريضة، والتطوع على أنواع كثيرة، منها السنن الرواتب، وآكدها ركعتا الفجر، ومنها صلاة الوتر، وهناك التطوع المطلق، وأفضله صلاة الليل، وآخره أفضله، وهناك تطوع يستحب له صلاة الجماعة، كصلاة التراويح، والكسوف والخسوف والاستسقاء، وهناك ما هو سجود مجرد، كسجود التلاوة والشكر، ونحو ذلك من التطوعات المشروعة.

    1.   

    المقصود بالتطوع

    المسألة الأولى: قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صلاة التطوع].

    التطوع مأخوذ من الطاعة، وذلك لأن المصنف سوف يتحدث عن بعض الأعمال التي هي من الطاعات لكنها طاعات مستحبة أو مسنونة غير واجبة.

    فالمقصود بالتطوع إذاً هو ما يعمله الإنسان من العبادات تقرباً من غير الفريضة، وهذا في الأصل يشمل نوافل الصلاة أو غيرها، لكن المقصود هنا نوافل الصلاة.

    وقد ذكر الله تعالى هذا المعنى في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [البقرة:158] فهذا يشمل التطوع في الحج، وكما في قوله تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة:79] فهذا يشمل المتطوع في الصدقة والزكاة، وكذلك التطوع في الصلاة، جاء في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من صلى لله ثنتي عشرة ركعة تطوعاً من غير الفريضة )، فدل على أن المقصود بالتطوع: الأعمال المسنونة غير المفروضة، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في اليوم والليلة أربعين ركعة ما بين فريضة وتطوع، منها الصلوات المفروضات.

    كم عدد ركعات الصلاة المفروضة؟ كم عددها؟ سبع عشرة ركعة، والباقي ثلاث وعشرون ركعة هي تطوع.

    والعلماء إذا أطلقوا لفظ التطوع فهم يقصدون به كل الصلوات المشروعة من غير إلزام ولا إيجاب، ولكن بعض الفقهاء -كالشافعية- يقصدون بالتطوع معنىً خاصاً، وهو ما لم يرد فيه نقل بذاته، ما لم يرد فيه نص بذاته من السنن والمستحبات في الصلوات فهو عندهم تطوع، أما ما ورد فيه نقل خاص أو نص خاص -كالسنن الرواتب مثلاً أو الكسوف أو الخسوف- فقد يسمونها سنناً أو مستحبات، ولكنهم لا يسمونها تطوعاً.

    1.   

    أحكام السنن الرواتب

    مشروعية السنن الرواتب ومعناها وميزتها

    قال رحمه الله: [وهي على خمسة أضرب: أحدها: السنن الرواتب] وهذه هي المسألة الثانية، والرواتب جمع راتبة، ومعنى ذلك أنها مرتبة، فهي آكد من غيرها وأكثر استحباباً من سواها.

    وهذه السنن الرواتب تتعلق بالصلوات المفروضات، فهي قبلها أو بعدها، قبلها فتكون كالمقدمة والتمهيد لها، أو بعدها فتكون كالخاتمة لها، وفيها تهيؤ لصلاة الفريضة أو تكفير عما قد يكون في صلاة الفريضة من الخلل أو العيب أو النقص.

    وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم هذه السنن الرواتب بقوله وفعله وحث عليها، وجاء من ذكر النصوص في فضلها ما لم يرد في سواها، ولهذا ذهب أكثر أهل العلم إلى أن السنن الرواتب أفضل من جميع التطوعات الأخرى من قيام الليل أو من غيره، وذلك لما جاء فيها من الفضيلة والأجر والمحافظة عليها.

    وقد أسلفت قبلاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي في اليوم والليلة أربعين ركعة ما بين فرض ونفل، من ذلك السنن الرواتب التي هي ثنتي عشرة ركعة.

    عدد السنن الرواتب

    المسألة الثالثة: [وهي التي قال ابن عمر رضي الله عنه: ( عشر ركعات حفظتهن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ركعتين قبل الظهر، وركعتين قبل الفجر. قال: وحدثتني حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى ركعتين )] الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو من رواية عبد الله بن عمر لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ذكر أنه حفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، وهذه الركعات التي حفظها منها ركعتان قبل الظهر في بيته، ومنها ركعتان قبل الفجر -أو قال: قبل الغداة- في بيته، ومنها ركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان بعد الظهر، فهذه عشر ركعات ثبتت في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها ويحافظ عليها.

    كما جاءت هذه الركعات من قوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال كما في الحديث المتفق عليه: ( من حافظ على ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة )، وجاء ذلك من حديث ميمونة رضي الله عنها وعائشة وغيرهما.

    وهذه الركعات الثنتا عشرة فيها أربع قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر. فهذه اثنتا عشرة ركعة هي السنن الرواتب.

    وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى مشروعية هذه الركعات الثنتي عشرة، كما جاء في حديث عائشة وميمونة وغيرهما، وحديث ابن عمر يدخل فيها ضمناً، لأنه حفظ عشراً من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يمنع أن يكون لم يطلع على ما زاد على ذلك، واطلعت أمهات المؤمنين كـعائشة وميمونة على أكثر من هذا؛ لمعرفتهما بخصوصية أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وما يفعله في بيته. هذا مذهب جمهور أهل العلم.

    وخالف في ذلك الإمام مالك رحمه الله فكان لا يرى مزية أو خصوصية لهذه السنن الرواتب اللهم إلا الوتر وإلا ركعتي الفجر، ومذهب الجمهور هو الصحيح؛ أن هذه السنن الرواتب صلوات مستحبات فاضلات جاء فيها من الأحاديث والأقوال والفضائل ما لم يرد في غيرها، فأما الفعل فحديث ابن عمر أنه حفظها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: من فعله والله أعلم، وأما القول فكما في حديث عائشة وميمونة رضي الله عنهما، وكلاهما صحيح. فتستحب المحافظة على هذه الركعات، وألا يخل الإنسان بها.

    بل بلغ من محافظة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها أنه كانت إذا فاتته قضاها كما يقضي الصلاة المفروضة، فقد فاتته راتبة الظهر البعدية بسبب انشغاله بوفد عبد القيس استقبالهم ودعوتهم، فقضاها بعد العصر مع أنه وقت نهي، كما جاء في الصحيحين في حديث أم سلمة رضي الله عنها وغيرها، وكذلك فاتته راتبة الفجر فقضاها بعد طلوع الشمس.

    آكد الرواتب راتبة الفجر

    المسألة الرابعة: قال: [وهما آكدها] يعني: راتبة الفجر، ركعتا الفجر قبل الصلاة هما آكد السنن الرواتب، وهذا معروف عند أهل العلم، وجاء فيه أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى إنه صلى الله عليه وسلم ( لم يكن يدع ركعتي الفجر في حضر ولا في سفر)، كما في الحديث المتفق عليه، وقالت عائشة رضي الله عنها فيما رواه الشيخان: ( لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر تعاهداً منه على ركعتي الفجر)، حتى قال عليه الصلاة والسلام: ( صلوها ولو طردتكم الخيل )، يعني: كنتم في حال حرب وقتال ومسايفة، ولم يكن على شيء أشد تعاهداً منه على هاتين الركعتين، فكان عليه الصلاة والسلام يتعاهد ركعتي الفجر ويصليها بكل حال ويأمر بها، ولهذا فهي آكد السنن الرواتب على الإطلاق.

    استحباب تخفيف ركعتي الفجر

    قال: [ويستحب تخفيفهما] أما استحباب تخفيفهما فلفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه كان يصلي قبل الفجر ركعتين خفيفتين، حتى كانت عائشة رضي الله عنها تقول -كما في الصحيح-: ( لا أدري أقرأ فيهما بأم الكتاب أم لا )، والمعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ أو ما قرأ بالفاتحة؟ قرأ أو ما قرأ؟ قرأ، يقيناً قرأ، لماذا؟ لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، وإنما مقصودها رضي الله عنها أنه كان يبالغ في تخفيفهما حتى إنها تتعجب كيف استطاع أن يقرأ الفاتحة، هل أمكنه الوقت أن يقرأها أم لا، تتعجب من سرعته صلى الله عليه وسلم في صلاة راتبة الفجر، والمعروف -كما هو ثابت في الصحيح- أنه صلى الله عليه وسلم: ( كان يقرأ في الركعة الأولى بسورة الفاتحة وقل يا أيها الكافرون، وفي الركعة الثانية بسورة الفاتحة وقل هو الله أحد)، إذاً هو يقرأ الفاتحة ويقرأ السورة، الأولى: قل يا أيها الكافرون، والثانية: قل هو الله أحد، وهاتان السورتان تسميان سورتا الإخلاص؛ لما فيهما من تجريد التوحيد لله تعالى، وإثبات الوحدانية له والأسماء والصفات، ونفي ذلك عما سواه كما في سورة الإخلاص، وسورة الكافرون التي فيها نفي الألوهية عما سوى الله تعالى والكفر بآلهة المشركين.

    فالمقصود أنه يقرأ الفاتحة ومعها سورة، لكنه كان يخففها، وما ذلك إلا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الليل ويطيل القيام، فإذا برق الفجر وبزغ صلى هاتين الركعتين الخفيفتين، اللتين تكونان كالتمهيد لصلاة الفجر التي كان صلى الله عليه وسلم يطيلها ويحسنها ويتأنق فيها، فهذه هي الحكمة في تخفيف هاتين الركعتين.

    أفضلية أداء ركعتي الفجر في البيت

    السادسة: قال: [وفعلهما في البيت أفضل] وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها في بيته، كما قال ابن عمر رضي الله عنه: ( وركعتين قبل الفجر في بيته )، وهكذا نقل من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، فكانت هاتان الركعتان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، أما الصحابة فقد كان منهم كثيرون يصلونها في المسجد من باب المبادرة إلى الصلاة والإسراع إليها وإدراك الصف الأول أو ما خلف الإمام، والاستجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ( تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله تعالى ).

    والمقصود أن فعل هاتين الركعتين في البيت أفضل من فعلها في المسجد، بل إن فعل جميع التطوعات في البيت أفضل منها في المسجد، إلا ما دل الدليل على مشروعيته في المسجد وهي أنواع.

    ما يشرع فعله في المسجد: الأصل أن كل التطوعات تفعل في المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المتفق عليه: ( أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة )، والباب الذي عندنا اليوم اسمه (باب صلاة التطوع)، إذاً: هو من غير المكتوبة، فالأفضل في هذا الباب أن يفعل في المسجد، كذا؟ لا، الأفضل أن يفعل في البيت.

    يستثنى من ذلك مسائل مما يشرع فعله في المسجد: أولاً: صلاة الكسوف، أو نقول بشكل عام: ما تشرع له الجماعة، كالكسوف والخسوف والعيدين وغيرهما والجنازة.

    الثاني: صلاة القدوم من السفر عند من يقول باستحبابها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين) كما في حديث كعب بن مالك المتفق عليه.

    الثالث: صلاة ركعتين بعد ارتفاع الشمس لمن قعد في المسجد يذكر الله تعالى حتى ترتفع الشمس، فيستحب له أن يصلي بعد ذلك ركعتين خفيفتين قبل أن يخرج من المسجد.

    الرابع: الركعتان بعد الطواف، ركعتا الطواف، فإن السنة فعلهما في المسجد خلف المقام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وفعل.

    الخامس: تحية المسجد؛ لأنها إنما تشرع لدخول المسجد لا غير.

    السادس: الصلاة في مسجد قباء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن من أتاه ماشياً وصلى فيه .. أنه صلى الله عليه وسلم (كان يأتي مسجد قباء كل سبت ويصلي فيه ركعتين)، وجاء في ذلك فضيلة كبيرة.

    فهذه الصلوات وما شابهها تفعل في المساجد، أما ما سواها فالأصل أنها تفعل في البيوت، ومن ذلك فعل ركعتي السنة قبل الفجر في البيت كما سبق.

    استحباب أداء ركعتي المغرب في البيت

    السابعة: قال: [وكذلك ركعتا المغرب] أي: الركعتان بعد صلاة المغرب، فالسنة أنها تفعل في البيت، وقد جاء في حديث عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبني عبد الأشهل: ( هذه صلاة البيوت )، وقال: ( صلوها في بيوتكم )، وكان صلى الله عليه وسلم يصليها في بيته، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أنها لا تجزئ إلا في البيت، كما قال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، و[ نقله عبد الله بن الإمام أحمد لوالده فاستحسنه وقال: ما أحسن هذا ]، كان ابن أبي ليلى يرى أن ركعتي المغرب لا تجزئ إلا في البيت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تصلى في البيوت، فهي آكد ما يكون في البيت، أن يصليها الإنسان في بيته.

    وصلاة هذه السنن في البيت فيها فوائد عديدة، منها: طرد الشياطين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الشيطان لا يدخل البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ).

    ومنها: نزول الملائكة.

    ومنها: بعد البيوت عن مشابهة القبور، لقوله عليه السلام في حديث ابن عمر : ( صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً ).

    ومنها: البعد عن الرياء، وأن ذلك أقرب إلى الإخلاص وحضور القلب.

    ومنها: تعويد الأهل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، فإن الله تعالى جاعل من صلاة المرء في بيته خيراً ).

    1.   

    أحكام صلاة الوتر

    مشروعية صلاة الوتر

    الثامنة: قال: [الضرب الثاني: الوتر] والوتر: هو ضد الشفع، كما قال الله تعالى: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:3]، فالواحد والثلاثة والخمسة والسبعة تسمى وتراً في اللغة، والمقصود بالوتر هاهنا صلاة الوتر، وهي صلاة ليلية ثبتت من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وهي من آكد الصلوات المستحبات، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعها في حضر ولا في سفر، وهي سنة عند جمهور أهل العلم، ولهذا جاز أن تصلى على الراحلة في السفر، وجاز للإنسان ألا يصليها، ولكنها سنة مؤكدة، ولهذا أمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: ( إن الله تعالى وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا )، وسئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن رجل لا يصلي الوتر، فقال: [ذلك رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة]، فهي صلاة مستحبة مؤكدة عند جمهور أهل العلم وهو الصحيح.

    وذهب الأحناف إلى أنها واجب لكنه غير مفروض، هي واجب غير فريضة، فعندهم الواجب ما ثبت الأمر به من دون أن يكون ذلك أمراً قطعياً كالأمر في القرآن الكريم مثلاً، فهو عندهم واجب لكنه ليس مفروضاً. والصواب مذهب الجمهور؛ أن الوتر سنة في حق الأمة مؤكدة وليس بواجب عليهم.

    وقال بعضهم: إنما هو واجب على حفظة القرآن وطلاب العلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فأوتروا يا أهل القرآن )، فخص أهل القرآن الذين هم حفاظ القرآن وتلاته وقراؤه والذين استدرجوه بين جنوبهم، فخصهم بهذا الأمر، وذلك حتى يتعاهدوا القرآن ويقرءوه ويرددوه لئلا ينسوه، والصواب أن قوله: ( يا أهل القرآن ) يعني: يا أهل الإسلام، فكل الأمة داخلة في هذا الأمر، وهو أمر استحباب لا أمر إيجاب؛ لأدلة كثيرة من أقواها وأشهرها قصة الأعرابي كما في الصحيحين، لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( خمس صلوات، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع )، وهذا الحديث أيضاً يصلح أن يدخل في تعريف التطوع باب صلاة التطوع ( قال: لا، إلا أن تطوع )، فدل على أنه ما ليس بواجب فهو تطوع.

    وقت صلاة الوتر

    التاسعة: [قال: ووقته ما بين صلاة العشاء والفجر] هذا وقت الوتر، يبدأ بصلاة العشاء وينتهي بصلاة الفجر، وقد جاء في ذلك حديث رواه أحمد وغيره -وهو حديث فيه مقال- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( إن الله تعالى زادكم صلاة ما بين صلاة العشاء وصلاة الفجر )، ولكن لهذا الحديث شواهد، ومن أقوى الأدلة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ( إذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة )، واللفظ الآخر: ( فإن خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى )، وكذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( أوتروا قبل أن تصبحوا )، فذلك دليل على أن وقت صلاة الوتر هو ما بين العشاء والفجر، فإذا صلى العشاء جاز له أن يوتر في أي وقت شاء، وقد أوتر النبي صلى الله عليه وسلم من كل الليل، من أول الليل وأوسطه، وانتهى وتره صلى الله عليه وآله وسلم إلى السحر، وآخر الليل أفضل كما سوف يأتي.

    فإذا دخل وقت صلاة الفجر ذهبت عامة صلاة الليل والوتر، لكن يجوز للإنسان أن يقضي الوتر بعد طلوع الفجر وقبل الصلاة، ويقضيه بهيئته ثلاث ركعات كما ثبت ذلك عن جماعة كثيرة من الصحابة رضي الله عنهم؛ أنهم كانوا يقضون الوتر إذا استيقظوا قبل الصلاة كما تقضى الصلوات الأخرى، فإذا استيقظ الإنسان بعد أذان الفجر ولم يوتر فإنه يوتر بثلاث ركعات قضاءً؛ لأن الوقت قد انتهى، ولكنه يقضيه على هيئته، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك )، أو إذا استيقظ يعني. وجاء في حديث: ( من نام عن وتره فليصله إذا ذكر أو استيقظ ) وهو حديث رواه أهل السنن.

    أما إذا لم يصل الوتر إلا بعد طلوع الشمس فإنه لا يقضيه بهيئته، لكنه يصليه مثنى مثنى؛ لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا غلبه على صلاة الليل نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ).

    إذاً: إن قضى الوتر قبل صلاة الفجر قضاه بهيئته ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً أو إحدى عشرة، فإن لم يقضه إلا بعد طلوع الشمس فإنه يصليه مثنى مثنى؛ أربعاً أو ستاً أو ثمانياً أو عشراً أو ثنتي عشرة ركعة، هذا أصح ما قيل، وعليه تجتمع الأدلة.

    أقل الوتر وأكثره

    المسألة العاشرة: قال: [وأقله ركعة] أقل الوتر ركعة، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المتفق عليه: ( فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى )، وقد صلى معاوية رضي الله عنه ركعة واحدة، وأقره على ذلك الصحابة، فقال ابن عباس رضي الله عنه: [إنه فقيه] كما في صحيح البخاري . وصلى الصحابة رضي الله عنهم ركعة، وصلاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بها.

    أما حديث النهي عن البتيراء فهو ضعيف، وعلى صحته فإنه يحمل على معنىً خاص؛ جمعاً بينه وبين الأحاديث الأخرى، فقد يحمل على النهي عن التنفل بركعة واحدة في سائر الأوقات في غير الوتر، أو يحمل على أن ذلك دليل على أفضلية ألا يقتصر على ركعة واحدة، بل أن يصلي ثلاثاً كما قال المصنف، وذلك أدنى الكمال أو ما أشبه ذلك.

    قال: [وأكثره إحدى عشرة] أكثر الوتر إحدى عشرة ركعة، وهو الذي كان يحافظ عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما في حديث عائشة المتفق عليه قالت: ( ما كان صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ) وفي رواية: (على ثلاث عشرة ركعة)، فهذا أكثر الوتر، ويمكن أن يصليه بطرق مختلفة، فيمكن أن يصلي ثلاثاً، ويمكن أن يصلي خمساً أو سبعاً أو تسعاً أو إحدى عشرة ركعة، ويمكن أن يصلي هذه الركعات الإحدى عشرة بتسليم واحد، ويمكن أن يصليها بتسليمات مختلفة يسلم من كل ركعتين، ثم يوتر بواحدة أو ثلاث أو خمس أو سبع أو ما أشبه ذلك، وقد جاء ذلك كله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما جمع هذه الطرق أو عدداً منها الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد وغيره من أهل العلم.

    صفات أدائها ثلاث ركعات

    الثانية عشرة: [وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين] أي: ثلاث ركعات بتسليمتين. أدنى الكمال ثلاث، والثلاث لها ثلاث صور أيضاً:

    الصورة الأولى: أن يصلي الثلاث سرداً بتسليم واحد ولا يجلس بينها، بل يصليها سرداً، لا يجلس في التشهد بينها ولا يسلم بينها، وهذا نقل جماعة من أهل العلم الإجماع من الصحابة على جواز ذلك وفعله، وهو جائز عند جميع أهل العلم فيما أعلم أنه يجوز أن يصلي الوتر ثلاثاً، وهو داخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي أيوب : ( من أحب أن يوتر بثلاث فليفعل )، والحديث رواه أبو داود وله شواهد.

    الصورة الثانية: أن يجلس بعد الثنتين ويتشهد ولا يسلم ثم يقوم إلى الثالثة، فيكون ذلك كصلاة المغرب، وهذا نقل عن بعض السلف كـأنس بن مالك رضي الله عنه وغيره، وقال به بعضهم، وكرهه آخرون؛ لأن فيه تشبهاً بصلاة المغرب، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا تشبهوا بصلاة المغرب ).

    الصورة الثالثة -وهي ما أشار إليه المؤلف-: أن يصلي ثلاث ركعات بتسليمتين، فيصلي ركعتين ثم يسلم ثم يصلي ركعة ثالثة، وهذا هو الذي استحبه الإمام أحمد وغيره وفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة، حتى كان ابن عمر يسلم بعد الثنتين، ويأمر ببعض حاجته ثم يصلي الركعة الثالثة، وذلك أفضل؛ لأن فيه زيادة عمل، وفصلاً بين الثنتين والواحدة، وهو أكثر المنقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن صحابته رضوان الله تعالى عليهم، ولهذا كان ما اختاره المصنف صواباً من أن الثلاث بتسليمتين أفضل.

    مشروعية القنوت في صلاة الوتر

    الثالثة عشرة: قال: [ويقنت بعد الركوع] القنوت في الأصل هو الخشوع، كما قال تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، وقد يطلق على القيام، وقد يطلق على مطلق العبادة أو الطاعة، والمقصود هنا بالقنوت: الدعاء ورفع اليدين لذلك، وهو مستحب في الوتر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الوتر، كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة جداً.

    وكان يرفع يديه أيضاً كما في سنن البيهقي من حديث عمر رضي الله عنه بسند صحيح: (أنه كان يرفع يديه في قنوت الوتر).

    وجاء ذلك من حديث الحسن رضي الله عنه عند الترمذي، قال: وهو أحسن ما روي في قنوت الوتر، وسنده جيد، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علمه أن يقول بعدما يرفع رأسه من الركوع: ( اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت )، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن، وهو أحسن ما يقال في القنوت، ولا مانع أن يزيد عليه من الدعاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه في آخر التشهد، قال: ( ثم ليتخير من المسألة ما شاء )، وفي لفظ: ( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به )، فلا بأس أن يدعو الإنسان بما أحب من خير الدنيا والآخرة.

    وكذلك جاء قنوت عمر رضي الله عنه، وهو ما يسمى بسورة الحفد، جاء من حديث أُبي رضي الله عنه وهو في مصحفه: (أن عمر رضي الله عنه كان يقنت بها: اللهم إنا نستعينك ونستهديك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، ونشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق)، وقد أضاف إليها عمر رضي الله عنه: (اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويحاربون أولياءك)، وذلك لأنه بعث البعوث إلى قتال النصارى في الشام الروم وغيرهم فناسب أن يدعو بهذا الدعاء، ففيه دليل على اختيار الدعاء المناسب للحال والمقام، فهذا هو القنوت.

    وأيضاً: جاء في حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول آخر القنوت: ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) كما عند أبي داود وغيره وسنده جيد، ويدعو بين ذلك بما أحب، ويرفع يديه كما سبق.

    ثم إذا رفع يديه وانتهى من الوتر هل يمسح بهما وجهه أو لا يفعل؟

    جاء في ذلك حديثان حسنهما بعض أهل العلم، ولذلك قالوا باستحباب ذلك، وضعفهما آخرون فقالوا: لا يثبتان. والحديثان أقرب إلى الضعف، فلا يثبت مسح الوجه باليدين، لكن لو فعل أحد لم يكن عليه في ذلك حرج، ولا يقال: إن ذلك من البدع؛ لأنه جاء فيه أحاديث، فمن مسح فإنما تأول ثبوت هذه الأحاديث عنده، وقد ( مسح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجهه وجسمه بيديه لما أوى إلى فراشه، وقرأ: قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس )، ووضع يده على الموضع الذي يؤلمه، وقال: ( أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ). فهذا له أصل في الشرع، فلا يقال ببدعية مسح الوجه باليدين، بل من فعله متأولاً ثبوت الأحاديث عنده فلا حرج عليه في ذلك إن شاء الله تعالى.

    1.   

    أحكام التطوع المطلق

    مشروعية التطوع المطلق

    الرابعة عشرة: قال: [الضرب الثالث: التطوع المطلق] يعني: غير المحدد الذي لم يرد فيه نص بخصوصه، كالصلوات بعد الظهر غير الرواتب وغير الأربع؛ لأنه جاء قبل الظهر أربع وبعدها أربع، هذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو صلى زيادة على ذلك، ومثله الصلوات بعد العشاء غير الرواتب، غير السنة الراتبة وغير الوتر المحدد، ومثله أيضاً لو صلى في الأوقات التي تباح الصلاة فيها ولا ينهى عن الصلاة فيها، صلى ما أحب ركعتين ركعتين، فإن ذلك يسمى تطوعاً مطلقاً، أي: غير محدد ولا منصوص على عدد معين فيه.

    والأصل في التطوع المطلق أن يسلم فيه من كل ركعتين؛ لأن هذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر ما نقل عنه، أكثر ما نقل عنه صلى الله عليه وآله وسلم وأكثر السنن، فتجد -مثلاً- صلاة تحية المسجد ركعتين، صلاة الكسوف ركعتين، الخسوف ركعتين، صلاة العيد ركعتين، الرواتب ركعتين ركعتين، صلاة الطواف ركعتين، صلاة الوضوء ركعتين، صلوات الضحى ركعتين ركعتين، صلاة الليل كان يصليهما مثنى مثنى كما سوف يأتي، وهكذا معظم التطوعات المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين، ولهذا ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الأفضل أن يتنفل الإنسان ركعتين ركعتين في الليل والنهار، ولو تطوع بأكثر من ذلك فسلم من أربع لم يكن عليه في ذلك حرج إن شاء الله تعالى لعدم النهي عن ذلك أيضاً.

    المفاضلة بين صلاة الليل وصلاة النهار

    الخامسة عشرة: قال: [وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار] وذلك لأن الله تعالى ذكره في كتابه فقال: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:1-2] إلى قوله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل:5]، وقال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: ( أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل )، فدل ذلك على أن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار، وهو مذهب جماهير أهل العلم، بل حكاه بعضهم إجماعاً، كما قال النووي رحمه الله: إن صلاة الليل في الجملة أفضل من صلاة النهار.

    وكيف نوفق بين هذا وبين ما ذكرناه قبل قليل من أن الرواتب أفضل؟

    إما أن يقال: إن الرواتب أفضل ثم تأتي بعد ذلك صلاة الليل. أو يقال: حتى رواتب الليل أفضل من رواتب النهار، وصلاة الليل المطلقة أفضل من صلاة النهار المطلقة، وهذا هو القول المعتدل، أن يقال: إن الرواتب أفضل من مطلق صلاة الليل إلا الوتر، والرواتب الليلية أفضل من الرواتب النهارية -والله تعالى أعلم- لهذا الحديث: ( أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل )، قال: [وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار].

    المفاضلة بين نصف الليل الآخر ونصفه الأول

    المسألة السادسة عشرة: [والنصف الأخير أفضل من الأول] وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ينام أول الليل ويقوم آخره كما هو معروف، وهذا ما أرشده الله تعالى إليه في الآية السابقة، حيث قال: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6]، وناشئة الليل هي الصلاة التي ينشئها بعدما ينام أول الليل، و(كان ينام نصف الليل -صلى الله عليه وسلم- ثم يقوم ثلثه ثم ينام سدسه)، هذا كان ورده بالليل صلى الله عليه وسلم. وقال: ( أفضل الصلاة صلاة داود ) كما في الصحيح: ( أفضل الصلاة صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه )، فدل على أن النصف الثاني من الليل أفضل، وهو وقت التنزل الإلهي، فقد ثبت في الحديث المتواتر: ( أن الله تعالى ينزل حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ حتى ينفجر الفجر ) أو ( حتى يطلع الفجر )، وقال بعضهم: حتى تصلى الفجر.

    وصلاة آخر الليل مشهودة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تشهدها الملائكة وهي أفضل) .

    كيفية صلاة الليل

    السابعة عشرة: [وصلاة الليل مثنى مثنى] لحديث ابن عمر الذي رواه السبعة: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) أي: ثنتين ثنتين، يسلم من كل ركعتين، هذا المعنى. والحديث جاء في سياق: ( أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله! كيف ترى في صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة )، والحديث دليل على أنه يسلم في صلاة الليل من كل ركعتين، وهذا هو المستحب، وهو الأفضل كما نطق به هذا الحديث، وكما جاء في حديث ابن عباس ليلة مبيته عند خالته ميمونة، وهو متفق عليه أيضاً في صفة وحكاية صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكما جاء في حديث عائشة الذي ذكرناه قبل قليل أنها قالت: ( ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين )، فهذا هو الأغلب والأكثر. لكن ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لو زاد على ذلك فسلم من أربع أو ما أشبه ذلك جاز له هذا؛ لعدم النهي عنه، وقد جاء في الصحيحين من حديث عائشة : ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً -يعني: من الليل- فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً )، قال بعضهم: ( يصلي أربعاً ) أي: بتسليم واحد، والظاهر أنه بتسليمين، فيحمل على الأحاديث الأخرى، وإنما قالت: أربعاً؛ لأنه يصلي أربعاً متشابهات، يعني: ركعتين ثم ركعتين متشابهات، ثم يفصل قليلاً، ثم يصلي أربعاً يعني: بتسليمين متشابهات ثم يصلي ثلاثاً.

    والأقرب أن السنة أن يصلي ركعتين ركعتين، ولو صلى أربعاً جاز له ذلك في ليل أو في نهار لعدم الدليل على منع ذلك، والأصل في التطوع الجواز، وقد جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه: ( صلاة الليل مثنى مثنى )، جاء في زيادة عند أهل السنن وأحمد وغيرهم: ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى )، فلفظة: (والنهار) هذه رواها أحمد وأهل السنن، وهي زيادة شاذة، سندها صحيح لكنها شاذة، فقد روى الحديث عن ابن عمر نحو ست عشرة نفساً كلهم رووه عنه: (صلاة الليل مثنى مثنى)، إلا علي بن عبد الله الأزدي البارقي فإنه زاد هذه اللفظة: (والنهار مثنى مثنى) فشذ بها من بين جميع الرواة، وخالفه في ذلك خمسة عشر راوياً فلم يذكروا هذه اللفظة، ولهذا حكم الأئمة المتقدمون الكبار الجهابذة بأنها زيادة شاذة وإن صح إسنادها، ولا عبرة بمن صححها اغتراراً بظاهر الإسناد.

    صلاة القاعد نافلة وصفتها ومقدار أجرها

    الثامنة عشرة: قال: [وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم] لما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة ).

    ويجوز أن يصلي قاعداً حتى من غير عذر بالنسبة للنفل التطوع إجماعاً، يجوز له أن يصلي قاعداً إجماعاً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري : ( من صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم ).

    أما قوله عليه السلام لعمران : ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ) فهذا في الفريضة. وقالت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنه لم يمت حتى كان كثير من صلاته وهو جالس بعدما أسن وثقل )، صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ربما قرأ جالساً فعند الركوع قام فركع عن قيام، ويجوز أن يركع ويسجد وهو جالس، يومئ بالركوع ثم يسجد سجوداً تاماً كالمعتاد.

    فإذا صلى قاعداً فكيف يفعل؟ قيل: يجلس كجلوسه في الصلاة. وقيل: يتربع، يصلي متربعاً كما جاء عن عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى متربعاً ) وهو في سنن النسائي .

    1.   

    ما تسن له الجماعة من صلاة التطوع وأنواعه

    المسألة التاسعة عشرة: قال: [الضرب الرابع: ما تسن له الجماعة، وهو ثلاثة أنواع: أحدها: التراويح] وهذه المسألة العشرون.

    طيب. إذاً: المسألة التاسعة عشرة: [ما تسن له الجماعة] وما تسن له الجماعة يسن له المسجد غالباً كما سبق في صلاة الكسوف والخسوف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في المسجد، ومنها ما لا يسن له المسجد كصلاة الجنازة، فإنه يسن لها الجماعة ولا يسن لها المسجد، فلو صلاها في غير المسجد جاز ذلك، ولم تكن صلاة الجنازة تصلى في المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا لما طلبت عائشة جنازة أن توضع في المسجد تصلي عليها فاستغرب الناس فقالت: ( ما أسرع ما نسي الناس! ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد )، فدل على أن الصلاة على الجنازة في المسجد لم تكن هي الأمر الغالب، وإنما كانت تفعل أحياناً. وهذا سوف يأتي في الجنائز إن شاء الله تعالى.

    وكذلك العيد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في الجبانة في الصحراء، خارج المدينة.

    والمقصود أن ما يسن له الجماعة من التطوعات منها ما يسن له المسجد كالعيدين عند من يقول بسنيتهما، وصلاة الكسوف والخسوف ونحوها، ومنها ما لا يسن له المسجد بعينه بل تصلى في أي مكان.

    النوع الأول: صلاة التراويح وصفتها

    قال: [وهو ثلاثة أنواع: أحدها: التراويح] وهذه هي المسألة العشرون: صلاة التراويح. وهذا الاسم -التراويح- من المعلوم أنه لم يرد في السنة بهذا اللفظ، وإنما هو لفظ اصطلاحي، ربما سميت التراويح بهذا الاسم لأن الناس يرتاحون فيما بينها، فيصلون قدراً منها ثم يرتاحون ثم يصلون ما بقي منها، كما نقل ذلك عن صلاة المسلمين في مساجدهم في المسجد النبوي وفي غيره، وإن كانت الصلاة بذاتها -صلاة التراويح- منقولة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن بغير هذا الاسم، كانت تسمى قيام رمضان، وقد جاء في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في رمضان، احتجر له حجرة مخصفة، فصلى فذهب إليه رجال وصلوا بصلاته، ثم كثروا في الليلة الثانية وفي الليلة الثالثة، ثم لم يخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى طال بهم المقام وحصبوا بابه صلى الله عليه وسلم فلم يخرج إليهم، قال عليه الصلاة والسلام: إنه لم يخف عليَّ مكانكم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا خشية أن تفرض عليكم، فصلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة )، فلم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقم صلاة التراويح إلا ثلاث ليال أو أربع خشية أن تفرض، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم وقبض زالت خشية الفرضية، وأقامها عمر رضي الله عنه، فجاء والناس يصلون أوزاعاً في المسجد، يصلي الرجل فيصلي بصلاته الرجل والرجلان، فجمع الناس على أبي بن كعب وتميم بن أوس الداري رضي الله عنهما.

    الحادية والعشرون: قال: [وهي عشرون ركعة بعد العشاء في رمضان] لأن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم عشرين ركعة كما نقل ذلك من حديث السائب بن يزيد، وسنده صحيح. وجاء في رواية أخرى إسنادها صحيح أيضاً عند البيهقي وغيره أنه جمعهم على عشر ركعات، وإن قال بعضهم: إن هذه الرواية شاذة.

    على كل حال! صلاة القيام في رمضان هي من النوافل المطلقة، فإن صلى عشرين ركعة بعشر تسليمات جاز، وإن صلى أكثر من ذلك جاز. وقال بعضهم: ستاً وثلاثين ركعة، وقيل: أربعين ركعة، وقيل أكثر من ذلك، ولكن إن صلى واقتصر على ما جاء في الحديث المتفق عليه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ) كان هذا هو الأولى والأقرب إلى إصابة السنة، خاصة أنه إذا صلى إحدى عشرة أو ثلاث عشرة فإنه سوف يطيلها ويتأنق فيها ويتم ركوعها وسجودها، ويكون ذلك أيضاً خفيفاً على الناس بحيث يصلون الصلاة كلها، ويحضرون الوتر مع الإمام، ولو زاد على ذلك لم يكن فيه حرج ولا مخالفة للسنة، لأن النبي عليه السلام لما سأله الأعرابي: ( كيف ترى في صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى )، يعني: ما دمت تصلي وتسلم من كل ركعتين فصل ما شئت، ولو صلى خمسين أو ستين لم يكن عليه في ذلك حرج، وقد كان من السلف من يصلي ستين ركعة، ومنهم من يصلي مائة ركعة.

    النوع الثاني: صلاة الكسوف والخسوف

    الثانية والعشرون: قال: [الثاني] يعني: النوع الثاني مما يشرع له الجماعة [صلاة الكسوف] أي: والخسوف، والكسوف يطلق على كسوف الشمس، والخسوف يطلق على خسوف القمر، ولهذا قال الله تعالى: وَخَسَفَ الْقَمَرُ [القيامة:8]، ويقال: كسفت الشمس وخسفت الشمس، والمعنى واحد: إذا ذهب ضوؤها أو بعض ضوئها، وكذلك القمر.

    وقد كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، وقيل: أكثر من ذلك، والأقرب أن الكسوف كان مرة واحدة، لأن معظم الروايات تتفق على ذلك؛ أنها كسفت يوم موت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال الناس: ( انكسفت لموت إبراهيم، فقام النبي عليه السلام وخطبهم وقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله تعالى بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ) الحديث متفق عليه.

    المقصود أن صلاة الكسوف مشروعة، وقد صلاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر بها فقال: ( إذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ) أي: يزول.

    قال: [فإذا كسفت الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة] للحديث السابق، وقال الله تعالى: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [الإسراء:59]، ولهذا ذهب جماعة من أهل العلم إلى مشروعية صلاة الآيات، يعني: الكسوف منها، والخسوف منها، ومثلها صلاة الزلزلة -مثلاً- أو البراكين أو أي آية تقع في الناس من الأمور الخارقة والمخالفة للمألوف، فإنه يشرع للناس أن يفزعوا فيها إلى الصلاة، وهذا هو اللائق المناسب بالمعاني المعتبرة في الشرع: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [الإسراء:59]، وكذلك قال عليه السلام: ( إذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ).

    مشروعية صلاة الكسوف فرادى وجماعة

    قال في المسألة الثالثة والعشرين: [إن أحبوا جماعة وإن أحبوا فرادى] أما فرادى فلحديث ابن مسعود : ( فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ) فإن الصلاة تتحقق بصلاة الجماعة وصلاة الأفراد.

    وأما قوله: [إن أحبوا جماعة] فإن ذلك هو الأفضل، وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة، كما في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم ( خرج حينما كسفت الشمس، فبعث منادياً ينادي: الصلاةَ جامعة، الصلاةَ جامعة ) ويجوز: (الصلاةُ جامعة) أيضاً (الصلاةَ) يعني: احضروا الصلاة، ويجوز: (الصلاةُ) مبتدأ، ( وخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه، وصلى بهم ركعتين بأربع ركوعات وأربع سجدات )، وكذلك حديث أسماء الطويل في البخاري وهو معروف، يعني: حديث عائشة في قصة أسماء رضي الله عنها.

    المهم أنه فعله النبي صلى الله عليه وسلم وصلى بهم جماعة، فالسنة أن يصلوا جماعة، لكن لو صلوا فرادى جاز، أو من فاتته صلاة الجماعة ولم يزل الأمر استحب لهم أن يصلوا فرادى.

    صفة صلاة الكسوف والخسوف

    الرابعة والعشرون: قال في صفة صلاة الخسوف والكسوف: [فيكبر] يعني: تكبيرة الإحرام [ويقرأ الفاتحة وسورة طويلة] جاء في الصحيحين أنها قدر سورة البقرة قرأها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بأس أن يقرأ أقل من ذلك بحسب حال الناس وقدرتهم، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع من ركوعه فيقرأ سورة الفاتحة وسورة طويلة لكنها دون التي قبلها، ثم يركع فيطيل أيضاً ولكنه دون الذي قبله، ثم يرفع من ركوعه، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم تنتهي الركعة الأولى فيفعل الركعة الثانية مثل ذلك.

    ومن فاتته ركعة منها كيف يقضيها؟

    يقضيها بهيئتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فليصلها إذا ذكرها )، فيقضيها بركوعين كما فعل الإمام، هذه صفة صلاة الكسوف، وهي أصح ما ورد.

    وقد جاء في صحيح مسلم أيضاً عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بثلاث ركوعات وأربع ركوعات وخمس ركوعات، يعني: في كل ركعة، ولكن الأقرب أن ذلك -والله تعالى أعلم- فيه نظر؛ لأن الغالب أن الكسوف حصل مرة، وصلاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة، فيحمل ما سوى ذلك على ضرب من التأويل أو الترجيح، ويقال: السنة الثابتة أنه صلى ركوعين في كل ركعة، والظاهر أن النبي عليه السلام صلى صلاة الكسوف مرة واحدة.

    النوع الثالث: صلاة الاستسقاء

    المسألة الخامسة والعشرون: قال: [الثالث] يعني: مما تشرع له الجماعة [صلاة الاستسقاء] يعني: طلب السقيا، طلب المطر.

    والاستسقاء مشروع بالصلاة أو غيرها، وقد استسقى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر كما في حديث أنس في الصحيحين: (لما جاء الأعرابي وسأل النبي صلى الله عليه وسلم، طلب منه أن يستسقي وقال: إن البلاد قد أجدبت، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. فما نزل من المنبر -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وآله وسلم- إلا والمطر يتحادر من لحيته، قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً ) يعني: أسبوعاً كاملاً، ( ثم دخل رجل من الباب نفسه وقال: يا رسول الله! انقطعت الطرق وكثرت الأمطار، فادع الله يمسكها عنا، فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، فانقشعت وخرجوا يمشون في الشمس ).

    وقد استسقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستسقى بأصحابه، وكذلك لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم خرج الناس، فقام عمر وقال: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بالعباس، قم يا عباس قم يا عم رسول الله. فقام العباس ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة. ثم توسل إلى الله تعالى ودعا واستغاث وبكى وبكى الناس، فسقوا) كما قال حسان:

    خرج الإمام وقد تتابع جدبنا فسقى الإمام بغرة العباس

    والتوسل المقصود هنا التوسل بدعائه لا غير كما هو ظاهر من السياق.

    وقال أبو طالب في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:

    وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

    يعوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في خيرة وفواضل

    وقد جاء في حديث طريف عند أهل السنن وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ( ذكر أن سليمان خرج يستسقي فوجد نملة على ظهرها تستسقي وهو خرج بقومه، فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم ) وذهبت هذه الكلمة مثلاً.

    هيئة الخروج لصلاة الاستسقاء

    قال: [إذا أجدبت الأرض واحتبس القطر خرج الناس مع الإمام متخشعين متبذلين متذللين متضرعين] هذه المسألة السادسة والعشرون، فيخرجون إذا وجد ما يدعو إلى ذلك كإجداب الأرض، يعني: لعدم خروج النبات واحتباس القطر من السماء، فيخرج الإمام مع الناس إلى المصلى [متخشعين متذللين متبذلين متضرعين]؛ لأن هذا هو اللائق بحال من يريد أن يدعو ويسأل، أن يكون على حال من الذل والخشوع لله تعالى والانكسار بين يديه والتوبة إلى الله تعالى، رجاء أن يرفع ما بهم مما أصابهم بسبب ذنوبهم، وأن يقدم بين يدي ذلك صدقة وقربة إلى الله تعالى، ويتخلص من المظالم والذنوب والمعاصي الكبار الخاصة والعامة ليكون ذلك أدعى للإجابة، وهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأرشد إليه.

    صفة صلاة الاستسقاء

    قال: [فيصلي بهم ركعتين كصلاة العيد] هذه المسألة السابعة والعشرون. أي: مثل صلاة العيد، كما جاء ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنه -وهو في الصحيح- أنه قال: ( لم يخطب مثل خطبتكم هذه، وإنما صلى ركعتين كصلاة العيد )، والمعنى: أنه يصليها مثل صلاة العيد، ويستحب له أن يكبر في أولها سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية، ولو كبر أقل من ذلك جاز.

    صفة خطبة الاستسقاء

    الثامنة والعشرون: [ثم يخطب بهم خطبة واحدة] أي: ليست كخطبة الجمعة، لقول ابن عباس : ( فلم يخطب كخطبتكم هذه )، وإنما كانت موعظة أو نصيحة، ولذلك جاء أنه لما صلى صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف أيضاً خطب بهم -كما في المتفق عليه- وقال: (يا عباد الله! ) حتى في الكسوف ( يا عباد الله! والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته )، يعني: ذكر أن الزنا وانتشاره وترويجه والسماح به وإعانة أهله والإغراء به أن ذلك كله من أسباب العقوبة ونزول البلاء، فعلى المؤمنين أن يسعوا في إزالة ذلك ومدافعته إذا كانوا يريدون النجاة من عذاب الله، ويريدون الفوز بمرضاته وببركات السماء والأرض.

    فالمعنى: أنه يخطب خطبة تناسب المقام، وليست كخطبة الجمعة، ولو خطب خطبتين فلا حرج أيضاً؛ لأن ذلك جائز على أقل الأحوال، وبعضهم يرى أنه مستحب وأن الخطبة كخطبة الجمعة.

    قال: [ويكثر فيها] يعني: الخطبة [من الاستغفار وتلاوة الآيات التي فيها الأمر به] الأمر بالاستغفار، كقوله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [نوح:10-11]، وهذه الآية مناسبة لواقع الحال حيث طلب السقيا، وقوله: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [هود:3].

    مشروعية تحويل الأردية بعد خطبة الاستسقاء

    التاسعة والعشرون: قال: [ويحول الناس أرديتهم] يعني: بعد الخطبة تفاؤلاً بتحول الحال من القحط والجدب إلى الغيث والمطر، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، كما في البخاري (أنه حول رداءه)، يعني: جعل اليمين شمالاً كما فسر ذلك سفيان رضي الله عنه، وجاء ذلك في أحاديث عدة، فيجعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين.

    حكم خروج أهل الذمة مع المسلمين في صلاة الاستسقاء

    المسألة الثلاثون: قال: [وإن خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا، ويؤمرون أن ينفردوا عن المسلمين] أهل الذمة المقصود بهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين لهم ذمة وعهد عند المسلمين، وهم باقون في بلادهم على دينهم شريطة دفع الجزية والالتزام بأحكام الإسلام العامة، الالتزام بالأحكام العامة المتفق عليها مع أهل الذمة، فيسمح لهم بالخروج؛ لأن هذا طلب الرزق، ويجوز لهم أن يطلبوا الرزق، لكن يؤمرون أن ينفردوا عن المسلمين، أولاً: ليتميزوا عنهم، وصلاة المسلمين صلاة شرعية لا ينبغي أن يشاركهم فيها غيرهم.

    وقال بعضهم: يؤمرون أن ينفردوا بحيث إذا نزل بهم بلاء أو عقاب لم يشمل المسلمين معهم.

    1.   

    أحكام سجود التلاوة

    مشروعية سجود التلاوة

    [الضرب الخامس: سجود التلاوة] وهذه المسألة الحادية والثلاثون. أي: السجود لتلاوة القرآن إذا مر بآية سجدة، كقوله: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:62]، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إذا مر ابن آدم بالسجود فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله! -يعني: يا ويلي- أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار )، فيستحب أن يسجد في مواضع السجود في القرآن الكريم.

    وسجود التلاوة وما سبق إنما وضعه المصنف بناءً على اختياره، ومثله أيضاً صلاة الكسوف وغيرها بناءً على الاختيار أن هذا كله من النوافل، وهو كذلك، وإن كان هناك من أهل العلم من يذهب إلى أن بعض هذه الأشياء واجبات وليست نوافل، لكن المؤلف جعلها في باب التطوع بناءً على اختياره أنها نوافل، والأمر كما ذهب إليه رحمه الله؛ أن هذه الأشياء كلها نوافل ليس شيء منها واجباً، ومن ذلك سجود التلاوة فهو تطوع كما سوف أذكره بعد قليل.

    عدد سجدات التلاوة ومواضعها في القرآن الكريم

    المسألة الثانية والثلاثون: قال: [وهي أربع عشرة سجدة في القرآن] وقيل: خمس عشرة سجدة، وقيل: إحدى عشرة، والأقرب أنها خمس عشرة سجدة، كنت أتمنى أن أسمعها منكم، لكن ضيق الوقت يجعلني أسردها سرداً.

    في آخر الأعراف سجدة، في قوله: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف:206].

    في سورة الرعد: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الرعد:15].

    الثالثة: النحل، في قوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:49-50].

    الرابعة: سورة بني إسرائيل في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء:107-109].

    الخامسة: في مريم، في قوله تعالى: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم:58].

    السادسة: في الحج، نعم. في الحج ثنتان، الأولى في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ [الحج:18] إلى آخر الآية. الثانية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77].

    الثامنة: في سورة الفرقان، في قوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا [الفرقان:60].

    التاسعة قبل السجدة، في سورة النمل، في قوله تعالى: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ [النمل:25].

    العاشرة في سورة السجدة، (الم تنزيل السجدة)، في قوله تعالى: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا [السجدة:15]. كم ذكرنا؟ العاشر الآن؟ عشر.

    الحادية عشرة: في سورة النجم، في قوله تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم:62].

    نعم، فصلت. الحادية عشرة؟ لا، في سورة فصلت، في قوله تعالى: فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ [فصلت:38]، يسجد عند هذا الموضع كما صح ذلك عن عمر، ومناسبة السجدة التي قبلها.

    الثانية عشرة: السجدة كما ذكرنا، (الم تنزيل السجدة).

    الثالثة عشرة: الانشقاق: إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ .

    الرابعة عشرة: العلق، (اقرأ) في قوله: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19].

    هذه كم؟ أربع عشرة سجدة، والمؤلف قال كم؟ قال: [فيها أربع عشرة سجدة]، هي ما ذكرنا. وهذه رواية في مذهب الإمام أحمد وغيره أن السجدات أربع عشرة، وهو قول عند الإمام الشافعي ومالك وغيره.

    الرواية الثانية عند أحمد -وهو مذهب مالك وهو الصحيح- أن السجدات خمس عشرة.

    الخامسة عشرة ما هي؟ هي سجدة (ص) عند قوله تعالى: وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص:24]، وهو أيضاً مذهب أبي حنيفة، ولهذا يستحبون السجود أو حتى الركوع عند هذه الآية؛ لأنه قال: وَخَرَّ رَاكِعًا [ص:24].

    فالسجدات خمس عشرة سجدة، وإنما لم يذكر بعضهم سجدة (ص) لأن ابن عباس قال: [ليست من عزائم السجود]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنها توبة نبي سجد ) مرة، والمرة الأخرى ( رآهم تهيئوا للسجود فسجد وقال: رأيتكم تهيأتم فسجدت، وإنما هي توبة نبي سجدها داود شكراً )، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عباس قال: [ ليست من عزائم السجود (ص) ]، فبعضهم حمل هذا على أنه لا يسجد فيها، والواقع أن قوله: [ ليست من عزائم السجود ] يدل على أن غيرها آكد منها، ولكن السجود كله أصلاً ليس واجباً، وكونها توبة نبي لا يمنع أن يسجد فيها، فهل سجد النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً لتوبة آدم؟ هل سجد النبي صلى الله عليه وسلم لتوبة يونس؟ لا، إنما سجد لتوبة داود بمناسبة قوله: وَخَرَّ رَاكِعًا [ص:24].

    وكونه سجدها شكراً -داود عليه السلام- لا يمنع أن نسجدها نحن أيضاً شكراً لله تعالى على توبته على نبيه، وطلباً للتوبة أيضاً وسجوداً عند هذا الموضع، فالصواب أنها موضع يستحب السجود فيه في الصلاة وفي غيرها.

    المسألة الثالثة والثلاثون: قال: [في الحج منها اثنتان] كما سبق بيان موضعهما، وقد جاء ذلك في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عقبة بن عامر وحديث عمرو بن العاص، وفي حديث عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نعم -يعني: في الحج اثنتان- فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما ) والحديث رواه أبو داود وأحمد، وإسناده لا بأس به، قال: ( فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما ) وهذا دليل على آكديتهما.

    من يستحب له سجود التلاوة

    الرابعة والثلاثون: قال: [ويسن السجود للتالي والمستمع دون السامع] القاري يستحب له السجود، [والمستمع] يعني: الذي يتعمد السماع، [دون السامع] يعني: الذي سمع من غير إرادة ولا قصد، فهذا لا يسمى مستمعاً ولا يسجد، ولهذا جاء أن عثمان رضي الله عنه مر من عند قاص فقرأ القاص سورة فيها سجدة حتى يسجد عثمان، فلم يسجد رضي الله عنه لأنه قال: [ إنما السجدة على من قرأ أو استمع ]، ومثل ذلك جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال: [ إنما السجدة على من سمع ]، يعني: من تعمد الاستماع.

    حكم التكبير لسجود التلاوة والرفع منه

    الخامسة والثلاثون: قال: [ويكبر إذا سجد] جاء هذا عند أبي داود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيكبر ويسجد فنسجد معه )، والحديث رواه أحمد وأبو داود، وفي سنده شيء، ولكنه أصح ما ورد، فيستحب التكبير، وهذا يكبر إذا سجد.

    وماذا يقول إذا سجد؟ أولاً: يقول مثلما في السجود المعتاد: سبحان ربي الأعلى، سبوح قدوس، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، وما أشبه ذلك مما يقال في سجود الصلاة.

    ومما يستحب أن يقال في سجود التلاوة كما جاء في الحديث الصحيح: ( اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وأدخلني بها الجنة )، وكذلك من الدعاء الوارد الثابت أن يقول: ( سجد وجهي لله الذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين ).

    قال في المسألة السادسة والثلاثين: [وإذا رفع رأسه] أي: استحب له أن يكبر، وهذا لم يثبت فيه شيء، ولهذا قال الإمام أحمد: [ما أدري ما التكبير، ما أدري ما التسليم]. قال بعض أهل العلم: لا يشرع له التكبير، وقال أكثرهم -وهو رواية في المذهب-: يستحب له أن يكبر إذا رفع. والدليل على مشروعية التكبير إذا رفع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي مضى معنا: ( تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم )، فقالوا: وكذلك تكبيرات الانتقال، قالوا: هي تكبير لانتقال أو ذكر لانتقال، فاستحب له أن يكبر.

    حكم التسليم لسجود التلاوة

    المسألة السابعة والثلاثون، قال: [ثم يسلم] قال أحمد : [لا أدري ما التسليم]. والقول بمشروعية التسليم رواية في مذهب أحمد، واختاره الأكثرون من أهل العلم، لقوله عليه السلام: ( وتحليلها التسليم )، والأقرب أن التكبير إذا رفع والتسليم مشروع ليس بواجب، فإن كبر وسلم فحسن، وإن لم يفعل فلا شيء عليه؛ لأن ذلك لم يثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من أمره.

    1.   

    مشروعية سجود الشكر

    المسألة الثامنة والثلاثون هي: سجدة الشكر، لم يشر إليها المصنف، وهي من السنن والتطوعات، وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر بإسلام أهل اليمن، وسجد في مناسبات عدة صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر بالسجود إذا تجددت النعمة، وسجد الصحابة كما سجد كعب بن مالك إذ تاب الله عليه، وسجد علي لما رأى ذا الثدية الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وسجد أبو بكر رضي الله عنه، فهو سنة مستحبة بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ].

    قال ابن القيم : لو لم يرد فيها نص لكان القياس يقتضيها ويدل عليها. فيستحب للإنسان إذا تجددت له نعمة أن يسجد لله تعالى ويشكر الله تعالى على نعمته، والله تعالى أعلم.

    في الغد إن شاء الله عندنا باب ساعات النهي وعندنا باب الإمامة، لا يتسع الوقت للأسئلة، فدعوها معكم للغد إن شاء الله تعالى، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767986066