هذا اليوم السبت هو طليعة الأسبوع الرابع من هذه الدورة المباركة، وأسأل الله تعالى أن يعيننا على ما توجهنا إليه.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب آداب المشي إلى الصلاة ].
وهذا الباب فيه عدة مسائل:
المسألة الأولى: قوله رحمه الله: [ باب آداب المشي إلى الصلاة ]، وهذا الباب سنه المؤلف رحمه الله تعالى ومن وافقه من الفقهاء في كتاب الصلاة، وهو غير موجود في كتب كثيرة، إلا أن المصنف رحمه الله من أقدم الفقهاء الذين بوبوا لهذا الباب، ووضعوا هذا العنوان وأدخلوا تحته بعض هذه المسائل، وقد تبعه على ذلك جماعة من فقهاء المذهب من الحنابلة وغيرهم من الفقهاء أيضاً، كما فعل شرف الدين موسى بن أحمد الحجاوي صاحب كتاب الإقناع، فوضع ترجمة: باب آداب المشي إلى الصلاة، ومثله أيضاً في كشاف القناع كما تجدونه، ومن آخر من فعل ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، فقد ألّف رسالة صغيرة مختصرة مفيدة عنوانها: آداب المشي إلى الصلاة ضمنها هذا الباب، وفوائد أخرى كثيرة وصفة الصلاة المشروعة وما يتعلق بذلك من الأحكام.
ومعنى الباب -آداب المشي إلى الصلاة- يتعلق بالأحكام والآداب التي تخص الخارج من بيته إلى المسجد، وما يفعله أثناء وجوده وبقائه في المسجد قبل الصلاة وفي أثنائها.
وقال الإمام النووي رحمه الله: إن بينهما فرقاً، وإن السكينة تتعلق بحركات الإنسان، ألا يكثر من الحركة والتلفت، وأما الوقار فإنما يتعلق بهيئة الإنسان وصفته العامة.
وأما استحباب المشي إلى الصلاة بسكينة ووقار فقد جاءت في ذلك أحاديث:
منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إذا أقيمت الصلاة فأتوها وعليكم السكينة )، وفي رواية للبخاري : ( وعليكم بالسكينة )، يعني: الزموا السكينة وعليكم بها، ( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )، وهذا الحديث رواه الشيخان : البخاري ومسلم، بل هو حديث رواه الجماعة الشيخان وأهل السنن وأحمد وغيرهم.
وفي لفظ: ( وما فاتكم فأتموا )، كما ذكرت، وفي رواية أخرى أيضاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا )، وهذا الحديث دليل على أنه ينبغي لمن جاء إلى الصلاة أن لا يأتيها وهو يسعى، أي: يركض، بل يأتيها وهو يمشي، وعليه السكينة والوقار، فما أدرك من الصلاة صلاه، وما فاته منها أتمه أو قضاه.
والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة والوقار )، كيف نجمع بين الآية والحديث؟
نقول كما قال الإمام أبو حاتم وابن حبان وغيرهما من أهل العلم: إن اللفظة الواحدة في اللغة قد تدل على معنيين، فقوله تعالى في الآية: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، معناه: فامضوا إلى ذكر الله، فامشوا إلى ذكر الله.
أما الحديث: ( فلا تأتوها وأنتم تسعون )، يعني: وأنتم تركضون وتسرعون، كما في قوله تعالى: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى [القصص:20]، أي: يسرع ويركض؛ لخوف فوات المصلحة، هذا هو الجمع بين الآية والحديث.
ولهذا الحديث قصة رواها البخاري ومسلم أيضاً في صحيحيهما عن أبي قتادة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع جلبة وهو في الصلاة -سمع أصواتاً وهو في الصلاة- فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته قال لهم: ما شأنكم؟ قالوا: يا رسول الله! استعجلنا إلى الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تستعجلوا، إذا أتيتم الصلاة فأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) .
ومما ينبغي أن يضاف إلى ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أنه يستحب لمن خرج أو مشى إلى الصلاة أن يخرج من بيته متطهراً، أن يتطهر في بيته ثم يخرج إلى الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث: ( وذلك أن أحدكم إذا تطهر في بيته ثم أتى الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله تعالى بها درجة، وحط عنه بها خطيئة )، فيستحب أن يتطهر في بيته ثم يأتي الصلاة.
إنما جاء في زيادة عند النسائي أنه رضي الله عنه قال: ( ولقد رأيتنا نقارب الخطا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) وهذا دليل أن ذلك كان من هدي الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فهو سنة معمول بها عند الصحابة رضوان الله عليهم.
ومما يدل على مشروعية مقاربة الخطا ما جاء في صحيح مسلم عن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن له بكل خطوة درجة ).
لكن هاهنا سؤال: هل يستحب للماشي إلى الصلاة أن يسلك طريقاً بعيداً عن المسجد؛ يكون ذلك أكثر لخطواته وأعظم لأجره؟
لا يستحب ذلك، بل حتى مقاربة الخطا بمعنى الإبطاء في المشي قد لا يكون مشروعاً، إنما المشروع مقاربة الخطا بما لا يؤثر في تأخيره عن المسجد؛ لأننا نسأل: لماذا تستحب مقاربة الخطا؟ ولماذا كان هناك أجر لكل خطوة يخطوها؟ أليس ذلك لأنه ماشٍ إلى الصلاة؟! إذاً الأمر الذي مشى له أفضل، يعني: الغاية التي مشى إليها وهي الجلوس في المسجد والصلاة أفضل من المشي، وإنما كان المشي فاضلاً لأنه إلى الصلاة، فالجلوس في المسجد وأداء الصلاة في المسجد أفضل؛ ولهذا لا يستحب أن يسلك طريقاً أبعد؛ لأن هذا الوقت الذي قضاه في الطريق أفضل لو قضاه في المسجد، وكذلك الوقت الذي قضاه في مقاربة الخطا إذا ترتب على ذلك تأخير في الوصول إلى الصلاة، إنما يستحب مقاربة الخطا على ما دل عليه حديث ابن مسعود إذا كان لا يترتب على ذلك تأخير عن المسجد وعن الصلاة.
على كل حال: الحديث فيه دليل أولاً على ما ذكرته قبل من استحباب الطهور في البيت والوضوء في البيت، ثم الخروج إلى المسجد، لقوله: ( إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد )، فهو دليل أيضاً للمسألة التي سبقت، ثم فيه دليل على أنه لا يشرع له أن يشبك بين أصابعه، وتعليل ذلك بأنه في صلاة، يعني: إذا خرج إلى المسجد فهو في صلاة حتى لو كان في الشارع ما وصل إلى الصلاة، وذلك دليل من باب أولى على كراهية تشبيك الأصابع في الصلاة؛ لأنه علل النهي قبل الصلاة بأنه في صلاة.
إذاً: إذا كان في صلب الصلاة فهو منهي عن التشبيك من باب أولى؛ وذلك لأن تشبيك الأصابع قد يكون دليلاً في الغالب على ضيق الصدر والتبرم، والمقبل على الصلاة لا ينبغي له أن يعمل ما يدل على ضيقه وتبرمه بذلك؛ لأنه في حال عبادة ومناجاة لله جل وتعالى، كما أن ذلك فيه انشغال وتشاغل عن الصلاة بمثل هذا العمل، فلذلك نهي عنه.
وقد جاء حديث في الصحيحين يحتاج إلى أن يجمع بينه وبين هذا الحديث، حديث أبي هريرة رضي الله عنه المعروف: ( لما سلم النبي صلى الله عليه وسلم من ركعتين في صلاة الظهر أو العصر، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، وشبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه، وفي القوم
وكذلك جاء حديث آخر رواه أهل السنن وهو حديث صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعبد الله بن عمرو بن العاص : ( كيف بك -يا
الوجه الأول: أن يقال: إن النهي هو فيما كان قبل الصلاة وفي أثنائها، ويجوز ذلك بعد الصلاة، جمعاً بين الأحاديث، خاصة وأنه إذا قلنا: إن النهي بسبب أن ذلك يدل على ضيق صدر الفاعل وتبرمه بحاله فإن ما بعد الصلاة لا يكون فيه ذلك؛ لأن ما بعد الصلاة بإمكان الإنسان أن يقوم ويخرج لو كان ضاق صدره، فبقاؤه دليل على رغبته في الخير وتطلعه إليه وأنه لم يتبرم بذلك، فهذا وجه.
الوجه الثاني: أنه يحمل ذلك على حال الحاجة، فإنه في قصة عبد الله بن عمرو بن العاص كان ذلك للتعليق وإقامة البينة، ولفت نظر السامع إلى ما حصل من التشابك والاختلاف؛ ولهذا قال: ( واختلفوا فكانوا هكذا )، فكان ذلك وسيلة للإيضاح والبيان.
أما في حديث أبي هريرة ففعلاً كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضاق صدره بسبب أنه سلم قبل تمام الصلاة، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدري سبباً لهذا الضيق الذي ألم به لقوة يقينه وإيمانه حتى أخبروه بأنه سلم قبل إتمام الصلاة، فقام صلى الله عليه وآله وسلم وأتمها.
إذاً: الشاهد أنه في النقطة الرابعة: لا يشبك بين أصابعه إذا خرج إلى المسجد ولا في أثناء الصلاة، أما ما كان بعد الصلاة فلا حرج في ذلك..
الثاني: التوسل بالأعمال بالصالحة، كأن تقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وأني مؤمن بك، مؤمن برسولك، أن تهديني وتوفقني وتصلحني، فإن ذلك جائز، كما دل عليه قصة أصحاب الغار الثلاثة، الذين سقطت عليهم الصخرة فسألوا الله تعالى بصالح أعمالهم، فهذا من التوسل المشروع.
الثالث من التوسل المشروع: التوسل بدعاء الصالحين، كأن تطلب من الإنسان الصالح أن يدعو لك، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استسقى: [ اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بـالعباس، قم يا عباس ! قم يا عم رسول الله! فقام العباس واستقبل القبلة ودعا وقال: اللهم إنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، ثم سأل الله تعالى واستغاث وبكى فأغيثوا وسقوا ونزلت الأمطار قبل أن يغادروا المسجد ] .
فكان توسل عمر بـالعباس أنه توسل بدعائه، فهو دليل على أنه يجوز أن تتوسل بدعاء الصالحين، فتقول: يا فلان! أدع الله تعالى لي، أو أدع الله تعالى للمسلمين، فهذه من الوسيلة المشروعة.
القسم الثاني: الوسيلة الممنوعة وهي التوسل إلى الله تعالى بجاه فلان وعلان، أو التوسل إلى الله تعالى بدعاء أصحاب القبور، أو التوسل إلى الله تعالى بكل وسيلة لم يثبت لها أصل في الشرع، فكل ذلك ممنوع.
طيب السؤال: هذه الوسيلة الموجودة في الحديث: ( أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا إليك )، هل هي من المشروع أو من الممنوع؟
الظاهر أنها من المشروع؛ لأن ذلك كما قلنا: مما أوجبه الله تعالى على نفسه، فهو من التوسل بالعمل الصالح أو ثمرة العمل الصالح، والله تعالى أعلم.
وذلك دليل على أنه ينبغي له أن يمشي إلى الصف مشياً ليس فيه سرعة، لكن إن كان يريد أن يدرك تكبيرة الإحرام خشية أن تفوته وكان يسرع سرعة لا تشق عليه، ولا يترتب عليها ارتفاع نفسه وحفزه أو انشغاله عن الصلاة لم يكن في ذلك حرج عليه؛ لأنه كما قال الإمام أحمد : لا بأس إذا طمع أن يدرك تكبيرة الإحرام أن يسرع شيئاً ما، ما لم يكن في ذلك عجلة تقبح.
ثم نقل الإمام أحمد رحمه الله عن الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك؛ من أجل أن لا تفوتهم تكبيرة الإحرام مع الإمام إذا لم يكن في ذلك ركض أو مشقة شديدة يترتب عليها جلبة أو صوت أو أن يحفزه النفس فيشغله عن الصلاة.
وفي ذلك سر، النهي عن الإسراع إلى الصف فيه سر؛ لأنه إذا كان الماشي إلى المسجد منهي عن السرعة، مع أنه يمكن أن يرتاح قبل أن تأتي الصلاة؛ فإن الماشي إلى الصلاة بعد الإقامة أولى أن لا يسرع؛ لأنه قد لا يجد وقتاً يرتاح فيه قبل أن يكبر، فيكبر وهو ثائر النفس محبوس مسرع، ويترتب على ذلك إخلال بصلاته وضعف في خشوعه، هذا معنى.
المعنى الثاني: أن الإنسان في صلاة منذ أن خرج من بيته متطهراً فهو في صلاة، وما دام في المسجد فهو في صلاة، والملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فلا معنى لأن يسرع إلى الصلاة حينئذ، لماذا لا يسرع إلى الصلاة؟ لأنه هو في صلاة، فكيف يسرع إلى شيء هو متلبس به، فلا معنى للإسراع هنا؛ ولهذا زاد مسلم في روايته قال: ( فإن أحدكم في صلاة إذا كان يعمد إلى الصلاة )، ( فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة ) أي: فلا معنى لأن يسرع إذا سمع الإقامة، فلا يسع إليها.
لكن إذا كان بعيداً فينبغي أن يقوم من أول ما سمع الإقامة حتى يتمكن من الوصول إلى الصف، ومن إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام، وهذا يذكرنا بالمسألة التي مرت قبل وهي مسألة: متى يقوم إذا سمع الإقامة، مرت في الأذان والإقامة، وهذا الموضع من مواضعها، وفيها أقوال كثيرة: قيل: يقوم أول ما يسمع الإقامة، يعني: أول ما يسمع: الله أكبر، وهذا نقل عن سعيد بن المسيب، وقيل: إنه يقوم عند: (قد قامت الصلاة)، كما نقل هذا ابن المنذر عن بعض الصحابة، عن أنس بن مالك، ونقل أيضاً عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأصحابه: أنهم كانوا يقومون عند (قد قامت الصلاة)؛ لأن ذلك هو غرض الإقامة، وهو المثبت في بعض كتب الحنابلة المتأخرين، يستحب القيام عند ( قد ) من إقامتها.
القول الثالث: أنه يقوم عند آخر الإقامة، يعني: بعد الفراغ منها، وهذا نقله الحافظ ابن حجر رحمه الله عن جمهور العلماء: أنه يقوم عند الفراغ من الإقامة وبعد نهايتها.
القول الرابع: قول أبي حنيفة : أنه يقوم عند (حي على الصلاة حي على الفلاح) من الإقامة، فيستحب له حينئذ أن يقوم.
القول الخامس وهو الصحيح: ما نقل عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود، يقول: لم أسمع بحد محدود يقوم الناس له، إلا أن ذلك على قدر طاقة الناس، فإن من الناس الثقيل والخفيف، هذا كلام مالك رحمه الله.
وقد جاء في حديث عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)، وهذا دليل على أنه إذا كان الإمام يمكن أن يرى -سواء كان في المسجد ويخرج إلى الصلاة أو كان في بيته ثم جاء إلى المسجد- فإن على المأمومين أن يقوموا إذا رأوا الإمام، أما إذا كانوا لا يرونه فإنهم يقومون في أي وقت بالقدر الذي يسمح لهم برص الصفوف وضمها وتسميتها قبل أن يكبر الإمام، وأن يدركوا معه تكبيرة الإحرام، فيختلف ذلك بحسب ثقل الإنسان وخفته، وبعده عن الصف، وقربه من الصف، وكثرة الصفوف وما أشبه ذلك، فيراعى ذلك كله فيما يستحب من القيام للإقامة.
هذا الحديث بهذا اللفظ هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو حديث متفق عليه، بل رواه الجماعة، رواه الشيخان وأهل السنن وأحمد وغيرهم، وقد جاء في غالب الطرق والألفاظ لفظ: ( وما فاتكم فأتموا )، كما ذكره المصنف وهو عند الجماعة.
وجاء في بعض الألفاظ: ( وما فاتكم فاقضوا )، ولا اختلاف بين هذين اللفظين، فإن الظاهر أن هذا من اختلاف الرواة، فإن مخرج الحديث واحد كما ذكره أهل العلم، فهذا من اختلاف الرواة، فالمقصود بالقضاء الإتمام، وليس على ما يفهمه الفقهاء من اصطلاحاتهم الخاصة.
فالمقصود بالقضاء والإتمام واحد، والمعنى أن الإنسان إذا أدرك شيئاً من الصلاة أداه، وإذا فاته شيء أتم ما بقي عليه، فما أدركه مع الإمام فهو أول صلاته، وما أتمه فهو آخر صلاته، هذا هو الظاهر.
أما قوله: ( فاقضوا ) فلا يعني: أنه قضاء للأول فيكون هو أول صلاته كما فهمها بعض الفقهاء؛ لأن قوله: ( فاقضوا )، وقوله: ( فأتموا ) لفظ واحد معناه متقارب، والمعنى: أن ما فات الإنسان فإنه يقوم بأدائه بعد ذلك.
أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه أن يصلي صلاة في وقت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الفجر أو أقيمت صلاة الفجر.
وهذا دليل على أن الإنسان إذا أقيمت الفريضة لا ينبغي أن يتشاغل بغيرها، ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة )، وفي رواية عند أحمد وغيره: ( فلا صلاة إلا التي أقيمت )، وهذا خبر معناه النهي، أي: فلا تصلوا إلا الصلاة التي أقيمت -المكتوبة- ولا تشتغلوا بغيرها، حتى لو كان الإنسان شرع في صلاة أخرى وكانت تلهيه عن المكتوبة فإنه يقطعها ويقبل على المكتوبة.
وفي المسألة ما يزيد على سبعة أقوال ذكرها أهل العلم، كما ذكرها الإمام النووي وابن حجر والشوكاني وغيرهم من أهل العلم، وكذلك ابن حزم في المحلى .
وخلاصة وأفضل وأرجح هذه الأقوال أنه إذا شرع في نافلة ثم أقيمت الفريضة؛ فإن استطاع أن يتم النافلة خفيفة دون أن يخل بها مع قدرته على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام؛ فإنه يتم النافلة خفيفة ويصلي مع الإمام بحيث يدرك تكبيرة الإحرام ولا تفوته في وقت طويل.
أما إن ترتب على إتمام النافلة فوات تكبيرة الإحرام أو ما زاد عليها فإنه يقطع النافلة ويقبل على صلاة الفريضة؛ لعموم حديث: ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ).
وبم تدرك تكبيرة الإحرام؟ تدرك بالتكبير مع الإمام أو بعده بوقت يسير عرفاً لا يكون وقتاً طويلاً، وليس لذلك حد محدود، وفي تكبيرة الإحرام مع الإمام فوائد أو فضائل، منها: أحاديث جاءت فيمن أدرك تكبيرة الإحرام أربعين يوماً لا تفوته مع الإمام، ومنها حديث: ( تكبيرة الإحرام خير من حمر النعم )، وأما حديث: ( تكبيرة الإحرام خير من الدنيا وما فيها ) فليس له أصل في كتب العلم. إذاً: هذا ما يتعلق بقوله: [ وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ].
هذا جاء به حديث عن أبي حميد أو أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك )، وقوله: ( فليسلم )، يعني: فليسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو فليسلم على الموجودين في المسجد، وكلا الأمرين مطلوب، لكن الأقرب أن المقصود السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك جاء في حديث أبي هريرة وهو نحو حديث الباب الذي رواه ابن ماجه ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة، ورواه ابن السني أيضاً في عمل اليوم والليلة وابن حبان، وهو حديث فيه ضعف، ولكنه يحسن بشواهده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا دخل المسجد فليسلم علي ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم )، هذا حديث أبي هريرة .
فالحديثان دليل على أن الداخل إلى المسجد يستحب له أن يقول: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وأن يسلم أيضاً على الناس لعموم الأحاديث الآمرة بالسلام، وكذلك الأمر بالسلام على المصلي.
سؤال: هل يستحب له لو وجد رجلاً أو رجالاً يصلون هل يستحب أن يسلم عليهم أو لا يسلم؛ لئلا يشغلهم عن الصلاة؟ يسلم عليهم، يستحب له أن يسلم.
وهكذا إذا جاء إلى حلقة علم يستحب له أن يسلم، ( وقد كان الصحابة - كما في الصحيح- يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فكان يرد عليهم بالإشارة بيده أو بطرف أصابعه عليه الصلاة والسلام )، وهذا جاء في أحاديث كثيرة، لعلها تأتي إن شاء الله تعالى. فإذاً: يستحب له إذا قدم على قوم وهم في صلاة أن يسلم عليهم أيضاً.
قال: [ وإذا خرج قدم رجله اليسرى ]، يعني: في الخروج [ وقال ذلك ] قال: ( باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب فضلك ) بدلاً من قوله: ( اللهم افتح لي أبواب رحمتك )، وذلك لأنه خرج من المسجد الذي هو مظنة الرحمة والصلاة والدعاء إلى السوق الذي الغالب على أهله أنهم أهل دنيا وتجارة، ولا بأس أن يسأل الإنسان ربه من فضله، كما قال سبحانه: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل:20]، وقال: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الجمعة:10]، فلا حرج على الإنسان أن يخرج ويبتغي من فضل الله، ويضرب ويصفق في الأسواق ويتاجر، فإن هذا من الأمور المباحة التي فيها خير وقوام للإنسان؛ ولهذا استحب للإنسان إذا خرج من المسجد أن يقول: أسألك من فضلك، فالإنسان في المسجد مقبل على طاعته وعلى عبادته وعلى ذكر ربه قد خلع الدنيا ويسأل الله تعالى الآخرة، ولا بأس أن يقول: آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، فإذا خرج فلا بأس أن يقبل على الدنيا ويسأل الله تعالى حتى شسع نعله، ويقول: اللهم افتح لي أبواب فضلك، ويستفاد أيضاً من حديث أبي هريرة السابق الذي ذكرته عند ابن ماجه والنسائي وابن السني في عمل اليوم والليلة، وابن حبان وصححه أنه يستحب أن يقول أيضاً إذا خرج: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم.
طيب، غداً إن شاء الله عندنا باب صفة الصلاة، وسنكون مضطرين إلى أن نأخذ قدراً لا بأس به من ذلك فتحملوا؛ لأنه أنتم تعرفون الآن أن الدورة قد انهزعت أيامها وتصرمت، والله تعالى المستعان، هذا الأسبوع الرابع قد بدا وعُدَّه قضى، فعندنا باب صفة الصلاة إلى قوله: [ويقول: رب اغفر لي ثلاثاً].
الجواب: نعم، يعتبر ما أدركه من صلاة الإمام هو أول صلاته، وما يتمه هو البقية، فتعتبر الركعات التي يأتي بها هي الثالثة والرابعة.
الجواب: من الغرائب والعجائب التي ذكرها أهل العلم -كما ذكر ذلك الصنعاني وغيره- أن الأذان والإقامة من الشعائر الظاهرة التي تعلى في اليوم والليلة خمس مرات، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسمعون الأذان طيلة أعمارهم، وقد نُقِل ذلك كثيراً، ومع ذلك وقع من الاختلاف في مثل هذه المسألة في صيغ الأذان وألفاظه والإقامة شيء عظيم عجيب يتعجب منه الإنسان، ومن ذلك الإقامة أيضاً، وقد جاء إفراد الإقامة عند بعض أهل العلم.
لكن الصواب في قوله: ( أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ) أن الألفاظ الرباعية في الأذان كل لفظين منها يعتبران في مقام واحد، فمثلاً: (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر) في الأذان، هذه أربعة ألفاظ لكنها معدودة مثنى مثنى، فإذا قلنا: يوترها في الإقامة أي: يأتي بواحد منها، أي: (الله أكبر الله أكبر).
الجواب: لا بأس أن نصلي على النبي صلى الله عليه وآله وأزواجه وذريته.
الجواب: لا، ليس ببدعة، لا حرج في ذلك، والمقصود تحديد القبلة، وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين وهو سنة عملية موجودة من فجر التاريخ؛ ولذلك تجد مساجد المسلمين التي أقيمت منذ مئات السنين، وبعضها أقيم حتى في عهد النبوة، تجد لها محاريب تحدد جهة القبلة ولا حرج في ذلك.
الجواب: كما ذكرنا يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويسلم أيضاً إذا جاء؛ لأنه لا بأس؛ لأنه يسلم على الملائكة.
الجواب: لا، إذا ما جاءها الحيض فهي تصوم وتصلي، ولو تأخر الحيض عن وقت العادة، فالعبرة برؤية الدم.
الجواب: إذا كانت السرعة في ذلك تضر به فإنها داخلة في النهي، أما إذا كانت لا تضر، بل سرعة معتادة فلا حرج فيها.
الجواب: حتى في الأذان لا ينبغي السعي، أي: الركض.
الجواب: لا يجوز، لو كان في أصل الصلاة نوى مثلاً الوتر، ثم أراد نقل ذلك إلى راتبة مثلاً أو العكس فإن ذلك لا يجوز، بل النفل المقيد لابد له من نية من أول الصلاة.
الجواب: لا يتكلم بشيء من أمر الدنيا كالبيع والشراء، أما لو تكلم بذكر الله أو بالأمور المباحة فلا حرج في ذلك، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه يتكلمون في المسجد في أمر الجاهلية وما كانوا عليه، فيضحكون ويتبسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الجواب: مراعاة ذلك من الرفق والرحمة بالأمة، فالإمام على صواب في أن يرفق بالمصلين، ويراعي أحوالهم، وصفهم، وتقريبهم، وينبغي أيضاً أن يراعي ألا يطيل عليهم في التكبير، فبعض الناس إذا صفوا قد يشق عليهم كثيراً أن يتأخر الإمام في الصف وانتظار هذا وتقريب هذا وما أشبه ذلك فيتضايقون لذلك، فينبغي للإنسان أن يكون حكيماً يراعي أحوال المأمومين.
الجواب: بل يسلم، إذا دخل على المصلي وسلم فالدخول على القارئ من باب أولى.
الجواب: كل من سمع السلام يرد -كما سبق- بالإشارة.
الجواب: تحسب، لا يضيع شيء: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12].
الجواب: الظاهر أنه يشرع في كل الصلوات.
الجواب: نعم هذا هو ما قلنا، هذا معروف، هو شيء أوجبه الله تعالى على نفسه، الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( حق الله على العباد، وحق العباد على الله )، وما قال: لماذا هو حق؟ لكن معروف لماذا أوجبه الله على نفسه، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54]، هذا أمر معروف.
الجواب: إذا قطع لا يسلم.
الجواب: يأخذ ثوابها إن شاء الله، لكن المتطهر أفضل.
الجواب: هذا يختلف، إذا كان يستطيع أن يكمل النافلة ويعرف أن المقيم يترسل في الإقامة، وأن الإمام ينتظر وقتاً في تسوية الصفوف وما أشبه ذلك، بحيث يمكنه إتمامها أتمها، وإلا قطعها من أول الإقامة.
الجواب: هذا ذكرته في درس البلوغ ليلة الأربعاء السابقة بعدما ذكرنا الأقوال: أنه فرض كفاية، ويتأكد في حق الأفراد وأن يأتي إلى الصلاة في المساجد؛ لما في ذلك من الفضل العظيم الذي لا يحرم منه إلا محروم.
الجواب: لا حرج إذا علم ذلك.
الجواب: بل أرى أن الإقامة بمكبر الصوت فيها مصلحة؛ ليأتي من كان بعيداً عن المسجد.
أما القول بأن ذلك مما يعتاده الناس فإن هذا هو الغالب على أحوال الناس، الكسل، وبعض الناس إذا لم يسمع الإقامة ليس المعنى أنه يبكر بحيث يأتي قبل الإقامة، بل المعنى أنه يتأخر فلا يأتي إلا بعدما يمضي جزء من الصلاة، فلأن تقام الصلاة فيسمع الإقامة ويأتي ليدرك التكبيرة أو الركعة الأولى أفضل من ألا يسمع الإقامة فلا يأتي إلا وقد مضت الصلاة أو جزء منها.
الجواب: ليس في ذلك شيء، بل الدعاء يطلب من كل إنسان ولا حرج في ذلك، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أرشد الصحابة إلى أن يطلبوا الدعاء من أويس بن عامر القرني كما في صحيح مسلم، وكان معروفاً عند الصحابة والسلف أن بعضهم يطلب الدعاء من بعض، وجاء في هذا أحاديث كثيرة جداً في البخاري ومسلم وغيرهما، وكذلك إخوة يوسف : قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ [يوسف:97]، هذا أمر كان معروفاً، مشهوراً لا حرج فيه.
الجواب: كيف يجوز سؤال الصالحين من الأموات؟! إذا كان المقصود دعاء الصالحين وسؤالهم فهذا شرك أكبر والعياذ بالله، بل لا يدعى إلا الله عز وجل، لا يدعى إلا الله تعالى، والدعاء هو العبادة، كما قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، فالأموات لا يدعون، سواء كانوا صالحين أو أنبياء أو غير ذلك، ودعاؤهم بمعنى: أن يدعوهم الإنسان هو شرك بالله تعالى، بل ولا يجوز التوسل بهم كأن تقول: اللهم إني أتوسل إليك بنبيك مثلاً، أو بجاه نبيك، أو بفلان من أوليائك الصالحين، حتى هذا لا يجوز وإن لم يكن هذا شركاً، لكنه حرام.
إنما التوسل يكون بأن تطلب من إنسان أن يدعو لك وهو شخص حي يرجى قبول دعائه فتقول: ادع الله تعالى لي، أو استغفر لي، أو تقول: ادع الله للمسلمين كما طلب عمر من العباس : [ قم يا عباس ! فادعو الله، فقام العباس وسأل الله تعالى واستغاث به وطلب المطر فنزل المطر وسقوا ]، وقد سجّل ذلك حسان في قصيدته:
فسقى الغمام بغرة العباس
فهذا لا حرج فيه.
الجواب: هذا الحديث حديث ابن عمر رضي الله عنه هو في السفر؛ لأن الحديث نفسه هو الحديث الذي رواه آخرون، وقد جاء في ألفاظ أخرى أن ذلك في السفر.
الجواب: نعم، بعد الأذان وما بين الأذان والإقامة هذا من مظان إجابة الدعاء، وقد جاء فيه أحاديث.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر