للصلاة في الإسلام مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة، فهي الركن الأعظم بعد الشهادتين، وقد فرضت في السماء السابعة ليلة الإسراء والمعراج، وهي واجبة على كل مسلم عاقل بالغ، وذلك بإجماع الأمة، وقد ورد في فضلها وفضل المحافظة عليها نصوص كثيرة، كما ورد الوعيد الشديد على من تركها أو تهاون في أدائها، بالكفر والخروج عن ملة الإسلام، وما ذاك إلا لعظيم منزلتها وقدرها في دين الإسلام.
المسألة الرابعة: قال المصنف: [ فمن جحد وجوبها لجهله عُرِّف ذلك، وإن جحدها عناداً كفر ].
من جحد وجوبها لجهله عرف ذلك، أي: إن كان ممن يجهل مثله، كما إذا نشأ في بادية بعيدة، أو كان في زمن الجهل والغفلة أو في مناطق بعيدة، أو كان حديث عهد بالإسلام، فمثل هذا يتوقع منه الجهل بوجوب الصلاة، ولهذا لا يتعجل بتكفيره حتى يُعرَّف ذلك، ويبين له أن الصلاة واجبة، وتساق له الأدلة، ويبين له إجماع المسلمين على وجوبها، وعلى كفر من لا يقر بالوجوب، فإذا عاند بعد ذلك وأصر على جحدها؛ فإنه يكفر كفراً اعتقادياً بالإجماع.
إذاً: من جحد وجوب الصلاة فإنه يعرف بالوجوب إذا كان مثله يجهله، فإذا أصر كفر، وهذا بإجماع أهل العلم حتى ولو صلى فإنه يكفر، فلو أن إنساناً يصلي الصلوات الخمس، لكنه يقول: أنا أصليها مع اعتقادي بعدم وجوبها؛ فإنه يكون كافراً كفراً اعتقادياً بإجماع المسلمين؛ لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، وعاند القرآن الكريم الذي أوجب الصلوات وتوعد تاركيها، وعاند السنة المتواترة القطعية قولاً وفعلاً التي تدل على وجوب الصلاة، وأنها من أركان الدين، وأن تاركها كافر، هذا فيما يتعلق بجحد الوجوب.
المسألة الخامسة: قال المصنف: [ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها إلا لناو جمعها أو مشتغل بشرطها].
أي: أن الصلاة إذا وجبت لا يحل لإنسان تأخيرها عن وقت الوجوب، يعني: عن وقتها.
[ إلا لناو جمعها ] يعني: من جاز له أن يجمع الصلاة مع الصلاة الأخرى، فإذا نوى أن يجمع الظهر مع العصر -مثلاً- جمع تأخير لسفر أو مرض أو عذر يبيح له الجمع؛ فإنه حينئذ يجوز له أن يؤخر الظهر إلى العصر، وكذلك المغرب مع العشاء، فمن نوى جمع صلاة المغرب مع العشاء جاز له أن يؤخر صلاة المغرب إلى العشاء بهذه النية إذا كان ممن يجوز له الجمع، هذا قوله: [إلا لناو جمعها].
[ أو مشتغل بشرطها ]، يعني: بشرط الصلاة، مثلما لو كان مشتغلاً بالوضوء أو بالغسل للصلاة، فحينئذ لا بأس ليس عليه إثم لو خرج الوقت وهو على هذه الحال، فلو فرضنا أن إنساناً لم يستيقظ إلا قبل طلوع الشمس بعشر دقائق، وعليه غسل ثم جلس يغتسل هذه المدة فلم ينته إلا بعدما طلعت الشمس، ولم يكن منه تفريط، فهل عليه إثم بذلك؟ هل عليه إثم؟ لا إثم عليه بهذا؛ لأن اشتغاله حينئذ كان بشرط الصلاة، فإن الطهارة -كما هو معلوم- هي أحد شروط الصلاة، فلا حرج عليه في هذا، أو لمشتغل بشرطها.
وقول المصنف: [ لا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها ] وقت الوجوب: هو وقت الصلاة، لكن مما ينبغي أن يعلم أن الوقت وقتان: وقت اختيار، ووقت اضطرار، هناك أوقات لها اختيار واضطرار، فمثلاً: صلاة الظهر ليس لها إلا وقت واحد وهو الاختيار، صلاة العصر لها وقتان: الأول: من دخول الوقت إلى اصفرار الشمس، هذا يسمى وقت اختيار، أي: أنه يجوز لكل إنسان أن يصلي في هذا الوقت من غير إثم. الثاني: يسمى وقت اضطرار يبدأ من اصفرار الشمس إلى غروبها، وهذا الوقت لا يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة إليه إلا لضرورة، ومثله أيضاً: وقت صلاة العشاء، فإن من أهل العلم من يقول: العشاء ليس لها إلا وقت واحد ينتهي بانتصاف الليل، ومنهم من يقول: إلى نصف الليل هذا وقت الاختيار، أما ما بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر فهذا وقت الاضطرار، وهذا هو مذهب الجمهور، وهو الراجح، والأصح دليلاً إن شاء الله تعالى على ما سوف يأتي في باب المواقيت.
إذاً: قول المصنف: [ ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها ]، هل يقصد وقت الاختيار أو وقت الاضطرار؟
وقت الاختيار؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة إلا لضرورة أو حاجة شديدة.
إذاً: هذا مما ينبغي أن يضاف إلى هذه المسألة، يعني: يجوز للإنسان أن يخرج الصلاة عن وقتها إذا نوى جمعها مع الأخرى، كجمع الظهر مع العصر أو جمع المغرب مع العشاء، ويجوز له أن يؤخرها من وقت الاختيار إلى وقت الاضطرار، هذا للضرورة كما بينا وهو يكون في صلوات قد لا تجمع، فقد يؤخر العصر إلى ما قبل غروب الشمس، مع أنه من المعروف أن العصر تجمع مع الظهر لكنها لا تجمع مع ما بعدها، وكذلك يؤخر العشاء إلى ما بعد نصف الليل، مع أنه من المعلوم أن العشاء تجمع مع ما قبلها، تجمع مع المغرب، لا تجمع مع ما بعدها وهي الفجر.
والدليل على أنه لا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها:
أولاً: قوله الله تعالى:
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ
[الماعون:4-5]، قال كثير من المفسرين: إنهم لم يتركوها ولكنهم كانوا يؤخرونها عن وقتها، وجاء هذا عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما.
ومثله أيضاً من السنة: حديث أبي قتادة رضي الله عنه: ( لما ناموا عن صلاة الفجر -وهو في صحيح مسلم - فاستيقظوا بعد طلوع الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط فيمن لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى )، وفي لفظ: ( أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة ).