وهو في الشرع: غسل أعضاء مخصوصة بنية.
و النية في اللغة: هي القصد، والمقصود بالنية في الوضوء: ألا يكون وضوءه مثلاً لتعليم جاهل، أو أن يكون وصل الماء إلى أعضائه دون إرادة منه، ويكفي في النية أن يعلم أنه سيغسل هذه الأعضاء لرفع حدث واستباحة صلاة وما أشبه ذلك .
أما ما يقع من بعض الموسوسين الذين يشكون في النية، فيطيلون في ذلك، ثم يبدأ أحدهم في الوضوء ثم يعود ظناً أنه لم ينو وهكذا، فهذا من التنطع في دين الله عز وجل؛ لأن مجرد كون الإنسان وقف أمام الماء وفتح الصنبور وعرض يديه للغسل هذا كاف في الدلالة على أن الإنسان قد نوى الوضوء، بل إن دفع النية في هذه الحالة أمر صعب جداً، ولو كلفنا الشارع بدفع النية وإزالتها في هذا الموضع وقطعها لما أمكن ذلك؛ لأنها في تلك الحال ضرورة لا يستطيع الإنسان دفعها، فلا يحتاج الإنسان إلى أن يستحضر نية أو أن يستصحبها خلال الوضوء؛ لأن دفعها أصلاً أمر شاق، بل متعذر، إنما لو أن الإنسان توضأ ليعلم شخصاً، ولم يكن في باله أن يرفع الحدث، أو أن الماء أصاب أعضاءه دون قصد، ففي مثل تلك الحال يحتاج الإنسان إلى أن يعيد الوضوء لا غير.
من هذه الصوارف: أن ذكر اسم الله تعالى في الوضوء لم يذكر في القرآن الكريم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] ولم يذكر التسمية فهذا هو الصارف الأول عن الوجوب.
الصارف الثاني: أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في وضوئه أنه كان يذكر اسم الله تعالى، وقد نقل الصحابة صفة الوضوء؛ نقل ذلك عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعائشة وغيرهم، ولم يذكر أحد منهم قط أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ وضوءه بذكر اسم الله تعالى.
الصارف الثالث: أن ذلك لم ينقل في الغسل مطلقاً، ومن المعلوم أن الغسل يجزئ عن الوضوء.
والصارف الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم الأعرابي الذي سأله كيف الوضوء؟ علّمه الوضوء وكان في مقام التفصيل والبيان والتوضيح لهذا الأعرابي الذي لم يكن يعرف صفة الوضوء، ومع ذلك لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم التسمية على الوضوء، وإنما قال له في آخره: ( هذا الوضوء فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم )، فدل على أن التسمية على الوضوء ليست بواجب؛ لأنها لو كانت واجباً لعلمها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأعرابي.
والقول بأن التسمية سنة ليست بواجب هو مذهب الجمهور، وهو رواية صحيحة عن الإمام أحمد، حيث روي عنه لما سئل عن تلك الأحاديث أنه قال: لا أعلم في التسمية حديثاً له إسناد جيد، وقال ذلك غيره من أهل العلم.
إذاً: التسمية سنة على الصحيح من أقوال أهل العلم، وقال بعضهم وهي رواية في المذهب اختارها الأكثرون من الفقهاء: إن التسمية واجبة، ولو تركها عمداً أعاد الوضوء، ولو تركها سهواً أجزأه الوضوء، وقال بعضهم: لا تسقط سهواً ولا عمداً. والصواب: أن التسمية على الوضوء سنة لما سبق.
الحال الأولى: غسل الكفين إذا استيقظ من نوم الليل، وهذا جاء فيه حديث صحيح متفق عليه: رواه أبو هريرة : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإنه لا يدري أين باتت يده )، وهذا الحديث أخذ منه بعضهم أنه يجب على من استيقظ من نوم الليل أن يغسل كفيه، وجمهور أهل العلم وهي رواية في مذهب الإمام أحمد اختارها بعض المحققين من المتقدمين والمتأخرين أن غسل اليدين إذا استيقظ من نوم الليل سنة وليس بواجب، واستدلوا لذلك بأدلة منها:
قوله: ( فليغسل يديه ثلاثاً ) ولم يقل أحد فيما نعلم بوجوب الغسل ثلاثاً، فقالوا: لما لم يقل أحد بوجوب الغسل ثلاثاً اطرد ذلك في أصل الوجوب أنه لا يقال بوجوبه، بل يقال باستحباب الغسل، هذا دليل.
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا استيقظ أحدكم فليستنثر ثلاثاً )، ومع ذلك لا قائل بوجوب الاستنثار، بل حكي الإجماع على عدم الوجوب، ويعكر على هذا أن الظاهرية يقولون بوجوب الاستنثار.
الصارف الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم علل بقوله: ( فإنه لا يدري أين باتت يده )، ومن المعلوم أن الأصل في الأشياء الطهارة، والتعليل بأمر مشكوك فيه: ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) يدل على عدم الوجوب، وقال بعضهم: العلة تعبدية.
والذي يظهر والله تعالى أعلم أنه لا يجب على القائم من نوم الليل أن يغسل كفيه، وهو مذهب الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد اختارها بعض المحققين كما أسلفت، والدليل يدل عليه فيما ظهر لي، ولذلك نقول: يستحب للقائم من نوم الليل أن يغسل كفيه ثلاثاً قبل أن يدخلها في الإناء للحديث، لكن لا يجب ذلك.
هذه هي الحال الأولى حال المستيقظ من نوم الليل.
الحال الثانية: حال الإنسان العادي، فيستحب له أيضاً أن يغسل كفيه ثلاثاً؛ لأن ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما في حديث حمران عن عثمان رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه دعا بماء فغسل كفيه ثلاثاً )، وحديث عثمان متفق عليه، وغسل الكفين ثلاثاً عند أول الوضوء لغير القائم من النوم سنة بإجماع أهل العلم، ولا قائل بوجوبه إلا الزيدية، والصواب أنه سنة كما سبق.
أولاً: أن المضمضة والاستنشاق من الوجه، فالأنف والفم من الوجه ظاهراً، وقال بعض الفقهاء: هما من الوجه لخمسة أحكام:
أولاً: لو وضع الخمر في فمه لم يجب عليه الحد بذلك إذا بزقه وأخرجه، فلا يجب عليه الحد إلا إذا شربه.
ثانياً: أنه لا يحرم الرضاع، فلو رضع الصبي فكان اللبن في فمه ثم أخرجه ولم يصل إلى جوفه فإنه لا ينشر الحرمة في بدنه.
ثالثاً: أنه لو كان في فمه أو أنفه نجاسة وجب إزالتها، والنجاسة الباطنة لا تجب إزالتها.
الرابع: لو أن الصائم استدعى ما في جوفه -تقيأ- فوصل القيء إلى فمه فإنه يفطر بذلك.
الخامس: لو وضع في فمه ماء أو غيره فلا يفطر به.
فقالوا: هذه أحكام خمسة يدل اطرادها على أن الفم والأنف من الوجه، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6]، قالوا: فالأنف والفم من الوجه فوجب غسلهما بالمضمضة والاستنشاق، هذا دليل على الوجوب.
ومن الأدلة على الوجوب أيضاً فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه كان يمضمض ويستنشق إذا توضأ ولم ينقل عنه خلاف ذلك، بل نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يأمر بالمضمضة والاستنشاق كما في حديث لقيط بن صبرة قد رواه أهل السنن وهو حديث صحيح، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا توضأت فمضمض ) كما عند أبي داود، وفي الرواية الأخرى المشهورة: ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )، فهو دليل على وجوب المضمضة، وهو أيضاً دليل على وجوب الاستنشاق وهذا هو الظاهر: أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل، وواجبان في الوضوء، فإذا وجبا في الوضوء ففي الغسل من باب الأولى؛ لأنه يجب في الغسل ما لا يجب في الوضوء كإيصال الماء إلى منابت الشعر وما أشبه ذلك.
والرواية الثانية: أنهما مستحبان فيهما، وقيل: واجبان في الوضوء، وليسا بواجبين في الغسل إلى أقوال أخرى.
والذي يظهر أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء لما سبق من الأدلة، وواجبان في الغسل أيضاً.
إذاً: المضمضة والاستنشاق تتصور بعدة أحوال:
الحال الأولى: أن يتمضمض ويستنشق ثلاثاً ثلاثاً بغرفة واحدة، يعني: يأخذ غرفة واحدة ويتمضمض ويستنشق ثم يستنثر بيده اليسرى، ثم يفعل ذلك من نفس الغرفة الأولى ثم مرة ثالثة، وهذا ممكن لبعض الناس إذا اعتاد عليه، فتكون المضمضة والاستنشاق ثلاثاً ثلاثاً من غرفة واحدة فقط، وهذا يحتمله الحديث الوارد؛ حديث عبد الله بن زيد وحديث ابن عباس، حديث ابن عباس : ( أنه صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق من كف واحدة )، ومثله حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في الوضوء: ( أنه تمضمض واستنشق من كف واحدة ).
الحال الثانية: أن يأخذ كفاً ويتمضمض ويستنشق منها، ثم يأخذ أخرى ثم يأخذ ثالثة، ولهذا قال المصنف: (بغرفة واحدة أو ثلاث)، فبغرفة واحدة يعني تمضمض واستنشق ثلاث مرات من غرفة واحدة، (أو ثلاث) يعني: تمضمض واستنشق من غرفة، ثم تمضمض واستنشق من أخرى، ثم تمضمض واستنشق من غرفة ثالثة.
ويجوز أيضاً أن يتمضمض من غرفة ويستنشق من غرفة أخرى فيكون مجمل الغرفات للمضمضة والاستنشاق ستاً، وقد ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الإمام عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند وسنده لا بأس به إن شاء الله تعالى، فهذا كله جائز ولا حرج فيه.
قوله: (ثم يغسل وجهه ثلاثاً)، أما غسل الوجه فهو من واجبات الوضوء بالإجماع؛ لأن الله تعالى أمر به في قوله: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6]، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم غسل وجهه، ويغسل الوجه بما لا يغسل به بقية الأعضاء؛ وذلك لما في الوجه من التجاعيد والأسارير التي تحتاج إلى الماء، ولهذا جاء في أثر ضعيف عن علي [ أنه أخذ شيئاً من ماء -في حديث ابن عباس وفي بيت ابن عباس - فصك به وجهه ] أي: غسله به بقوة، وذلك حتى يبلغ الماء إلى جميع تجاعيد الوجه وتقاسيمه وأساريره.
وحد الوجه: (من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً)، والمعنى: من منابت شعر الرأس المعتاد بالنسبة للإنسان العادي، وإلا فإن بعض الناس قد ينحسر شعره كالأصلع الذي لم ينبت على مقدم رأسه شعر، فلا يلزمه أن يغسل الرأس، وإنما يغسل حد الشعر المعتاد بالنسبة لغيره من الناس، أما هو فلا يعتبر انحسار شعره، وكذلك بعض الناس قد ينزل شعره على جبهته وجبينه، فيجب عليه غسل ما غطاه الشعر؛ لأن العبرة بالإنسان المعتاد كما أسلفت.
(من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً)، هذا هو حد الوجه، وهو دليل على أن الأذن ليست داخلة في الوجه، بل هي داخلة في الرأس، والدليل على ذلك حديث: ( الأذنان من الرأس ) وسوف أشير إليه بعد قليل.
وقال بعض أهل العلم: إن ما أقبل من الأذنين من الوجه، وليس ذلك بشيء، بل الأذنان ليستا من الوجه، وحد الوجه هو من الأذن إلى الأذن عرضاً.
ولا يلزم تخليلها بالأصابع والله تعالى أعلم، بل يكفي أن يخللها بالماء، يعني: أن يمر الماء عليها.
قوله: (ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً) غسل اليدين من فروض الوضوء بالإجماع؛ لقوله تعالى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6]، أما الغسل ثلاثاً فهو سنة كما سبق ويجزئ واحدة، أما قوله: (يدخلهما في الغسل)، فالمعنى: يدخل المرفقين، والمرفق: هو العظم الناتئ في آخر الذراع، هذا هو المرفق، وغسله واجب، فهو داخل في الغسل، وهذا مذهب الأئمة الأربعة: مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، وخالف في ذلك داود الظاهري، والصحيح أن المرفق من اليد وأنه يجب غسل المرفقين، فقوله تعالى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6]، أي: مع المرافق، فإلى بمعنى مع، كما في قوله: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ [النساء:2]، يعني: ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم، وكما في قوله تعالى: وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [هود:52]، فالمعنى: ويزدكم قوة مع قوتكم.
فيجب غسل المرفق مع الذراع، وقد جاء في هذا حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أنه غسل يديه حتى أشرع في العضد، وقال: إن هذا وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو حديث صحيح.
أما حديث جابر الذي ذكره الشارح: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأدار الماء على مرفقه أو أمرّ الماء على مرفقه أو مرفقيه ) فقد رواه الدارقطني وغيره، وهو حديث ضعيف، بل منكر، ضعفه الدارقطني والبيهقي وغيرهما من أهل العلم، لكن في حديث أبي هريرة غنية عنه.
وإن كان شعره كثيفاً وخشي أن ينتفش وينتشر أجزأه أن يذهب برأسه إلى الخلف ولا يرد يديه بعد ذلك، وقد جاء هذا عن الإمام أحمد : أنه سئل عمن كان شعره كثيفاً يضرب إلى منكبيه أو إلى شحمتي أذنيه؟ فأشار الإمام أحمد رحمه الله بيديه أنه يذهب بهما إلى قفاه، وقال: يفعل هكذا، وروى في ذلك الأثرم في سننه حديثاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكره الإمام أحمد واحتج به، فإذا كان شعره كثيفاً -قال بعضهم: المرأة كذلك- وخشي أن ينتفش وينتشر عليه فإنه يكفيه أن يذهب به إلى قفاه ولا يلزم أن يرده؛ لأنه بذلك يتحقق المسح المأمور به.
أما عمومات الأحاديث فيما ورد: ( أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ومرتين مرتين )، فهذا باعتبار غالب الأعضاء، والمقصود: الأعضاء التي تغسل، أما الرأس فإنه يمسح، فيمسح مرة واحدة، وهو من باب المسح وإلحاق المسح بالمسح كمسح الخفين والجوربين أولى من إلحاقه بالغسل، والرأس أيضاً مبني على التخفيف، ولهذا عدل عن غسله إلى مسحه تخفيفاً وتيسيراً على المتوضئ، فهذه الأشياء كلها تدل على أنه يكفي، وأن السنة في مسح الرأس أن يمسحه مرة واحدة ولا يزيد على ذلك، ويجزئ في المسح -أيضاً- أن يمسح عامة الرأس وغالبه ولو لم يمسحه جميعاً.
والجواب: لا يلزمه أن يأخذ ماء جديداً، بل يمسح أذنيه بما بقي من البلل على كفيه بعد مسح رأسه، إلا أن تنشف يداه فيحتاج إلى أخذ ماء جديد، وقد جاء في هذا حديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء غير الذي أخذ لرأسه )، وهذا الحديث غير محفوظ؛ شاذ، والمحفوظ: ( أنه صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماء غير فضل يديه ) مسح رأسه بماء غير فضل يديه هذا هو المحفوظ وهو في الصحيح، أما أخذ ماء جديد لأذنيه فلم يصح ذلك، بل يمسح أذنيه بما بقي من بلل على أصابعه بعد مسح الرأس.
أما غسل الرجلين فقد جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، وهو معطوف على قوله: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6]، أي: (واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين)، هذه هي القراءة السبعية المعروفة، والقراءة الأخرى: (وأرجلِكم) بالخفض، (وأرجلِكم) عطفاً على قوله: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ [المائدة:6]، وهي لا تدل على المسح، بل هي من باب الإتباع، وإن كانت تدل على المسح فيكون المقصود: وامسحوا بأرجلكم في حالة ما إذا كانت الرجل مغطاة بخف أو نحوه، فتكون الآية دلت على الغسل في رواية النصب: (وأرجلَكم)، ودلت على المسح في رواية الخفض: (وأرجلِكم)، فكل رواية أتت بحكم جديد.
أما ما ذهبت إليه الشيعة من الاكتفاء بمسح الرجل ولو كانت ظاهرة، فهذا مخالف للمحفوظ الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم للأحاديث الكثيرة المتواترة من أنه غسل رجليه، وأمر بالغسل، وأن الصحابة كافة نقلوا عنه ذلك، بل كان صلى الله عليه وسلم يقول لهم: ( أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار )، كما ثبت ذلك في أحاديث كثيرة جداً معروفة في الصحيحين وغيرهما.
فالواجب في الرجلين هو غسلهما إلى الكعبين، وأن يحرص على الإسباغ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ويل للأعقاب من النار ) إلا أن تكون الرجل مغطاة بخف أو نحوه، وسوف يأتي باب المسح على الخفين.
قال: (ويدخلهما في الغسل)، يعني: الكعبين؛ لقوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] أي: مع الكعبين، كما سبق في قوله: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6]، وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومما يلحق بذلك أن بعض الفقهاء يقول: يستحب له أيضاً أن يستقبل القبلة عند التشهد بعد الوضوء وهذا لا أصل له ألبتة في حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف فيما أعلم، فلا يشرع له أن يرفع بصره إلى السماء، ولا يشرع له أيضاً أن يستقبل القبلة عند التشهد، وإنما المشروع إذا توضأ أن يقول: [أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله]، كما ذكر المصنف وحسب، أما استقبال القبلة أو رفع البصر إلى السماء فلا أصل له كما ذكرت.
أما قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) فهو ثابت في حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) هذه رواية مسلم، وفيها دليل على استحباب أن يقول هذا الذكر في البداية، زاد الترمذي : ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين )، وهي زيادة صحيحة، فيستحب أن يقولها.
وذكر ابن السني وغيره والنسائي في عمل اليوم والليلة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه زيادة وهي: ( أنه كان يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك )، جاءت هذه الزيادة مرفوعة وموقوفة، ورجح أهل العلم أن هذه الزيادة موقوفة على أبي سعيد، ولكنها من الأذكار التي لا تقال من قبيل الرأي والاجتهاد، فالظاهر أن أبا سعيد رضي الله عنه قد تلقاها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا لا بأس أن يقول هذا عقب الوضوء.
إذاً الخلاصة: أن الذكر الوارد عقب الوضوء هو كالتالي: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
هذه هي المسائل الواردة، وإن شاء الله في الدرس القادم نأخذ بقية باب الوضوء يوم السبت إن شاء الله تعالى.
الجواب: شرب بقية ماء الوضوء ليس له أصل.
الجواب: نعم، إذا غسل وجهه ثم أراد غسل يديه فإنه يغسلهما من أطراف الأصابع إلى نهاية المرفق، أما الغسل الأول فلا يجزئ؛ لأنه -أولاً- قبل غسل الوجه، والترتيب في الوضوء واجب كما سيأتي، وثانياً: لأن الغسل الأول سنة وليس بواجب، فلا يجزئ عن الغسل الواجب، فيغسل يديه من أطراف الأصابع إلى نهاية المرفق.
الجواب: هذا سؤال عن درس الأمس، نعم، يمكن أن يحمل على البنيان، وابن عمر رضي الله عنه ذهب إلى هذا، فكان يعرض راحلته -يجعلها بينه وبين القبلة- ثم يقضي حاجته ويقول: [ إذا كان بينك وبين القبلة شيء فلا بأس ]، هذا أحد الوجوه في الجمع بين تلك الأحاديث، وقد سبق أن ذكرت أن في المسألة سبعة أقوال، هي سبعة مذاهب للعلماء وسبعة أقوال في المذهب أيضاً.
الجواب: الظاهر أن ذلك كله ليس بواجب، فالماء -فيما يتعلق باللحية- بطبيعته يتخلل الشعر، ولا يلزم أن يصل الماء إلى أصول شعر اللحية فيما يتعلق بالوضوء، وكذلك أصابع اليدين والرجلين، إلا إن كانت أصابع الرجلين متلاصقة بحيث لا يصل إليها الماء فيخللها حينئذ.
الجواب: نعم.
الجواب: نعم، ذكر عليه السلام أن غسل البراجم من سنن الفطرة، والبراجم: هي العقد في الأصابع، العقد في أطراف الأصابع.
الجواب: إن كرر العمرة في أسفار متعددة فلا حرج؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما )، أما تكرار العمرة في سفر واحد فإنه لا يشرع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وإنما أذن به عليه الصلاة والسلام لـعائشة، فلو كرره إنسان لا ينكر عليه؛ لأنه فعلته أم المؤمنين عائشة، والأصل العموم في هذه الأشياء.
الجواب: الأعقاب: العقب هو ما يكون خلف القدم، وهو العرقوب.
الجواب: نعم، يجب غسل الرجلين أعلاهما وأسفلهما.
الجواب: بل يجب غسل اليد من أطراف الأصابع إلى نهاية المرفق كما سبق.
الجواب: لا يشرع بل هو مكروه، فرفع العينين والنظر إلى السماء حال الدعاء منهي عنه، بل نص بعضهم على تحريمه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم حال الدعاء أو لتخطفن أبصارهم -وفي رواية:- أو لا ترجع إليهم أبصارهم ).
الجواب: لا، لا يخلل شعر الرأس في الوضوء.
الجواب: لا يلزم هذا، المهم ألا يخرج من المسجد.
الجواب: بل ينبغي إبقاء الصغار وتعويدهم على الصلاة وأن يكونوا متفرقين بين الجماعة؛ لأن الصغار لو اجتمعوا في مكان واحد لحصل منهم أذى، ودرب بعضهم بعضاً على اللعب.
الجواب: إذا اغتسل فإنه يكفيه ذلك عن الوضوء مع النية، إلا أن ينتقض وضوءه أثناء الغسل أو بعده، فحينئذ يجب عليه أن يتوضأ مرة أخرى.
وعليه أن يتمضمض ويستنشق؛ لأننا ذكرنا أن المضمضة والاستنشاق واجب في الغسل أيضاً.
الجواب: من هو صاحب هذا السؤال؟ لأننا سوف نطالبه بالبينة على ما قال، وقد يكون ما قاله علماً مما جهلناه؛ لأن الحديث الذي أعرفه حديث عائشة : ( مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم ).
ولا يكفي نقل الحديث من الشرح؛ لأن الشرح قد يكون نقله من غيره من كتب الفقهاء، أريد أن ينقل الحديث من كتب الحديث؛ من كتب السنة.
الجواب: نعم، تكفيه النية الأولى، ولو نوى الوضوء مثلاً لقراءة القرآن صلى بذلك، ولو نوى الوضوء للنافلة أجزأه ذلك وصلى به الفريضة.. وهكذا.
الجواب: ممكن هذا، بعض الإخوة يقول: لا يمكن هذا إلا إذا كان قد حفر بئراً ارتوازياً في كفه بحيث يكون الماء يفور باستمرار، لا، هذا ممكن بالنسبة لمن تعودوا على ذلك ويخفف؛ لأن الشارع خفف في مسألة استعمال الماء، والنبي صلى الله عليه وسلم توضأ بمد، بل بثلثي مد وأقل من ذلك، أما ما يقع فيه بعض الناس من استخدام الماء والتوسع فيه والمبالغة، فإن هذا من أبواب الوسوسة التي جرت على كثير من الناس عدم التلذذ بالعبادة وضرتهم في دينهم ودنياهم.
الجواب: نعم، بأي صفة مسح الرأس أجزأه ذلك؛ لأن الهيئة ليست واجبة، وهكذا في غسل الأعضاء إن بدأ من أعلاها أو أسفلها لا يضر، وكذلك.
الجواب: نعم يجب ذلك كما ذكرته قبل قليل.
الجواب: يكفي.
الجواب: نعم، ( لا يمس القرآن إلا طاهر )، إلا أن يمسه من وراء حائل.
الجواب: هكذا ذكره وأظنه عند البزار، لكن الصحيح في الحديث أنه كما ذكرته سابقاً؛ لأنهم قالوا: ( إنا نجاور أقواماً من أهل الكتاب من اليهود فكانوا يغسلون فروجهم بالماء ).
الجواب: كلا، لا يشرع أن يصل إلى الحلق.
الجواب: المرأة كالرجل في ذلك، ولو مسحت رأسها مقبلة فقط أو مدبرة فقط كفى ذلك.
الجواب: إما يسمي في نفسه أو يسمي سراً.
الجواب: لعل المقصود بنضح الفرج أمراً زائداً على الوضوء بعد الوضوء، وقد جاء في بعض الأحاديث: أنه ينضح فرجه بالماء حتى يطرد الوسواس عنه، والله تعالى أعلم.
الجواب: نعم، هذا لا شك فيه، فالتيامن ليس بواجب، فيجوز غسل اليد اليسرى قبل اليمنى، ويجوز غسل الرجل اليسرى قبل اليمنى، وإنما التيامن سنة.
الجواب: نعم، كذلك هذا كفارة المجلس: ( من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك )، وفي حديث آخر: ( أنه إن كان مجلس ذكر كان كالطابع فلا يفصل إلى يوم القيامة، وإن كان مجلس لغو كان كفارة لما فيه )، لا مانع، هذا الدعاء: سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك هو في كفارة المجلس، وكذلك يقال في نهاية الوضوء.
الجواب: لا، [ أسبغوا الوضوء ] هذا من كلام أبي هريرة .
الجواب: الخُبْث بسكون الباء: مصدر خبُث يخبث خُبثاً وهو الشر، تقول: هذا الفعل من الخُبْث، يعني: من الشر، أما الخبُث بضم الباء جمع خبيث، وهو الذكر من الشياطين، والخبائث: ( من الخبُث والخبائث ) جمع خبيثة وهي الأنثى منهم.
الجواب: هذا من فعل أبي هريرة رضي الله عنه، وقد حكم الأئمة كـابن تيمية وابن حجر وابن القيم وغيرهم أن هذا من فعل أبي هريرة، وأنه ليس من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولعله يأتي مزيد إيضاح له.
الجواب: كلا، بل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( وما فاتكم فاقضوا أو فأتموا )، فالمسافر إذا صلى مع المقيم يجب عليه أن يصلي أربعاً كما هو مذهب الجمهور، وعليه تدل الأحاديث كحديث ابن عباس وغيره في صحيح مسلم، فلو جاء في آخر ركعة وجب أن يصلي أربعاً.
الجواب: أبداً لا يلزم غسله بالصابون، توضأ كغيرك ولا شيء عليك.
الجواب: هذا لا يرد في هذا الباب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه عبد ربه، وقام حتى تفطرت قدماه، ومع ذلك كان يستغفر ربه كثيراً في ركوعه وسجوده: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي )، ويقول عليه السلام: ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ).. إلى غير ذلك، فليس المقصود الاستغفار دائماً من ذنب أو معصية.
الجواب: هذا سيأتي، لكن الحديث الوارد فيه ضعيف.
الجواب: الغرة هي: البياض في وجه الفرس، والتحجيل هي البياض في أطرافه، فمعنى غراً محجلين أي: يأتون بيضاً في وجوههم وأيديهم وأرجلهم من أثر الوضوء.
هذا والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك..
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر