إسلام ويب

شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب الآنيةللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يحرم استعمال آنية الذهب والفضة في الوضوء وغيره، وكذلك المضبب بالذهب والفضة على الذكر والأنثى، كما أنه يباح اتخاذ الآنية من المعادن الطاهرة، ويباح استعمالها ولو كانت ثمينة كالجوهر والبلور، وكذا إذا كانت غير ثمينة كالمصنوعة من الخشب والحديد والنحاس، وفي ذلك تفصيل عند العلماء.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

    قال رحمه الله تعالى: [باب الآنية] الآنية جمع إناء، وقد ناسب أن ينتقل المصنف رحمه الله تعالى بعد المياه إلى الظروف والأوعية التي تكون فيها المياه، وهي الآنية.

    حكم استعمال آنية الذهب والفضة

    المسألة الأولى: قال: [لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها].

    [لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة ] أي: الآنية المصنوعة من الذهب أو الفضة، ومثلها في ذلك الآنية التي تصبغ وتطلى بالذهب والفضة، أو تموه بهما، وذلك لأنه يطلق عليها جميعاً آنية ذهب أو فضة بحسب الظاهر منها.

    [في طهارة] يعني: في وضوء أو غسل.

    [ولا في غيرها] يعني: كالشرب أو سائر ألوان الاستعمالات.

    ويدخل في الآنية الأوعية التي يوجد فيها الماء كما يدخل فيها غيرها، فيدخل فيها مثلاً الدواة التي يكون فيها الحبر، ويدخل فيها المكحلة التي يكون فيها الكحل، والمرود الذي يكون في المكحلة، وغير ذلك مما يستعمل وليس بثياب ونحوها.

    أدلة تحريم استعمال آنية الذهب والفضة

    قال: [في طهارة ولا في غيرها] فهو حرام استعماله، والدليل على ذلك الحديث المتفق عليه عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما؛ فإنها لهم في الدنيا -يعني: المشركين- ولكم في الآخرة )، والحديث صريح في النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة، والنهي يدل على التحريم، وكذلك الأكل؛ لأنه قال: ( ولا تأكلوا في صحافهما ) فهو دليل على تحريم الشرب والأكل بطريق النص؛ بل جاء في الحديث الآخر المتفق عليه عن أم سلمة رضي الله عنها ما يدل على أن ذلك من كبائر الذنوب، فإنه قال عليه الصلاة والسلام في حديث أم سلمة : ( الذي يأكل -وفي رواية: أو يشرب- في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه ناراً من جهنم )، فهذا دليل على أن ذلك من كبائر الذنوب.

    والحديث دليل بطريق الإيماء والإشارة إلى تحريم جميع الاستعمالات غير الأكل وغير الشرب، كالوضوء بها مثلاً أو ما أشبه ذلك، وذلك لأنه قال: ( فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة ) (فهي لهم) يعني للمشركين والكفار في الدنيا، هل الكفار يقتصرون فيها على الأكل والشرب فحسب؟ كلا، بل يستعملونها في سائر أنواع الاستعمال. وكذلك المؤمنون في الآخرة يستخدمون الذهب والفضة كيف شاءوا، فدل على أن العلة عامة في الأكل والشرب وغيرهما. وبعض ألوان الاستعمال أشد وأعظم من الأكل والشرب، فإذا حرم الأكل والشرب فيها فالتبول فيها مثلاً واستخدامها كمراحيض هو من باب الأولى، وفيه أعظم مما في الأكل والشرب من تضييق النقدين، وكسر قلوب الفقراء، ومن الخيلاء والفخر وغير ذلك، وإنما نص على الأكل والشرب لأنه هو الغالب حسب وليس المعنى تخصيص الحكم بهما.

    حكم ارتفاع حدث من تطهر بآنية ذهب أو فضة

    ثم إذا تطهر الإنسان في آنية ذهب أو فضة فهل يرتفع حدثه أو لا يرتفع؟

    أقوال في المذهب: قيل: يرتفع حدثه، وهو قول معروف. وقيل: لا يرتفع حدثه، بل عليه أن يعيد الوضوء والغسل، وهو اختيار الشيخ الإمام ابن تيمية رحمه الله في شرح العمدة .

    والظاهر -والله تعالى أعلم- أن حدثه يرتفع مع إثمه بذلك؛ لأن الإناء ليس من شروط الطهارة ولا من أركانها، فإذا أتى بشروط الطهارة وواجباتها، فإنه حينئذ يرتفع حدثه ويأثم باستخدام هذا الإناء.

    وينبغي أن يعلم أن هذا الاستعمال منهي عنه بالنسبة للذكر والأنثى على حد سواء، وإن كان الشارع أباح استخدام الذهب للأنثى -والفضة- كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها. وأشار إلى الذهب وإلى الحرير )، وإنما المقصود أنه حل للإناث في لبسه، أما استخدامه كأوانٍ فهو حرام على الذكور والإناث على حد سواء.

    حكم الأواني المضببة بالذهب والفضة

    المسألة الثانية: قال: [وحكم المضبب بهما حكمهما] أو حكمها.

    والمضبب هو الذي وضعت فيه الضبة، والضبة هي ما يوصل به الإناء من السلسلة والخيط الذي إذا شعب الإناء جمع بين شعبتين، فقال: حكم المضبب بالذهب حكم الذهب بالتحريم، وحكم المضبب بالفضة حكم الفضة بالتحريم أيضاً، إلا في حال واحدة وهو أن تكون الضبة يسيرة، فلا تكون كبيرة أو كثيرة بحيث تغلب على الإناء أو تكون كثيرة فيه، والثاني: أن تكون الضبة من فضة فلا تباح ضبة من ذهب بحال من الأحوال، لا يسيرة ولا كثيرة، وهناك شرط ثالث ذكره أبو الخطاب وغيره من الفقهاء هو أن تكون الضبة لحاجة، يعني: لم توضع زينة، ولا للجمال، ولكن وضعت للحاجة، كأن يكون الإناء انشعب أو انكسر فيسلسل بهذه الضبة ويجمع بين شعبتيه.

    إذاً: لا يجوز من المضبب إلا ما كانت ضبته يسيرة ومن فضة ولحاجة، بهذه الشروط الثلاثة تجوز، وبذلك يعلم أن الضبة الكثيرة لا تجوز مطلقاً، يعني: سواء كانت لحاجة أو لغير حاجة، وقيل: تجوز للحاجة.

    ثانياً: أن الضبة من الذهب لا تجوز مطلقاً، سواء كانت لحاجة أو لغير حاجة، وسواء كانت يسيرة أم غير يسيرة.

    وثالثاً: أن الضبة لغير حاجة لا تجوز مطلقاً، لا من الذهب ولا من الفضة.

    بقي أن نعلم، إذا كانت الضبة لحاجة، ما معنى الحاجة؟ هل معنى الحاجة أن لا يقوم غير الفضة مقامها، مثال: لو وجد عند الإنسان إناء فانكسر وانشعب، وكان يمكن أن يسلسله بفضة، ويمكن أن يسلسله بحديد، ويمكن أن يسلسله بخيط، فهل تعتبر هذه حاجة تباح فيها الفضة أو لا تعتبر حاجة؟ الصحيح أنها تعتبر؛ لأن هذه هي الحاجة، يعني: أنه وضع الفضة لحاجة ولو أجزأ غيرها عنها، فحينئذ يجوز أن يستخدم الفضة، وتعتبر هذه حاجة.

    طيب، لو كان لا يجزي أو لا يمكن أن يسلسل الإناء حينئذ إلا بالفضة، فماذا تسمى هذه؟ تسمى ضرورة.

    وهل يجزئ الذهب للضرورة؟ أي: عندي إناء انكسر، ولم يمكن أن يسلسل أو يضبب إلا بذهب، فهل يجزئ حينئذ، أو يجوز أن يستخدم الذهب أو لا يجوز؟

    الصواب أنه حينئذ يجوز.

    إذا: الذهب تجوز ضبته اليسيرة إذا كانت لضرورة، بحيث لا يجزئ غيره، ومن أمثلة ذلك: لو أن الإنسان احتاج إليه في بدنه كما جاء في حديث عرفجة : ( أن أنفه قطع يوم الكلاب، فاتخذ أنفاً من ورق- يعني: من فضة- فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب؛ لأنه لا ينتن ). والحديث صحيح، فهذا دليل على أن استخدام الذهب للضرورة جائز.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088934206

    عدد مرات الحفظ

    779998128