أيها المسلمون: سؤال يفرض نفسه بقوة على واقع المسلمين اليوم وهو: لماذا ولأي شيء وما هو السبب حين لا نبحث عن أسباب هزائمنا وخسائرنا الفادحة في المال والأهلين والسلوك وصدق الانتماء؟
هل أبكاها عوج خلقي، أو خلل سياسي واقتصادي، أو غش ثقافي، أو انحراف عقائدي، أو إلى مزيج متفاوت النسب من هذه العلل جميعاً؟
ما هي المعاصي الخلقية والسياسية والثقافية التي ارتكبها أهل الإسلام فأصابهم بسببها ما أصابهم؟
إنه لحتم على كل عاقل منصف أن يبين ويوضح، كما أن على أصحاب الألسن وحملة الأقلام ألا يقترفوا خيانات قاتلة في حق دينهم وأمتهم بتجاهل تلك القضايا، بلهى الخوض فيها على غير مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ألا فليعملوا أنهم بتجاهلهم لها، يؤخرون يوم النصر ولا يقدمونه، وأن اللجة التي تحمل بعض أولئك على ذاك التجاهل تقودهم ومجتمعهم إلى الغرق، ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، ولا يرحم إلا المخلصين الصادقين المفلحين:
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ
[هود:117]
وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ
[القصص:59].
فهل بعد ذلك يرتفع شعار الإسلام، وترفرف رايته في تحليل القضايا الإسلامية، أم تبقى تحت الرايات العمية، والنهوج اللقيطة لنبلغ بها القاع والعياذ بالله؟
استشعار آلام المسلمين
أيها المسلمون: المؤمن الصادق، والغر الغيور لا يمل كثرة الحديث عن مآسي المسلمين، وانتهاك حقوقهم وسلب أراضيهم؛ لأن الكأس تفيض عند امتلائها، ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة يواسيك أو يسليك أو على أقل تقدير يتوجع لك؛ لأن مآسي المسلمين اليوم أصبحت نقطة ارتكاز في ميدان الجهاد الإسلامي، وساحتها محطة امتحان وكشف لقوة المسلمين وغيرتهم على دينهم وأوطانهم وحرماتهم.
ونحن من هذا الحديث لسنا ننقب عن نائحة مستأجرة تسمعنا نحيبها، ولا عن ضئر عارية مؤداة نودع قضايانا ترائبها؛ لأن البكاء لا يحيي الميت، والأسف لا يرد الفائت، والحزن لا يدفع المصيبة، ولكن العمل مفتاح النجاح، والصدق والإخلاص مع متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم طريق الفلاح ودرجاته:
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
[التوبة:105].
وعلو المسلمين وهبوطهم إنما هو في الحقيقة بمقدار قربهم من ربهم وإحيائهم لشعيرة الجهاد في سبيل الله التي هي ذروة سنام الإسلام، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {من لم يغزُ ولم يجهز غازيا، أو لم يَخلُف غازياً في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة }، رواه أبو داود وابن ماجة .
والقارعة والداهية: إنه إذا ما رام المسلمون وحدة وإخاء؛ فعليهم أن يودعوا في ضآضئهم حب الأخوة الإسلامية والولاء والبراء عليها، والتناصح والتناصر من أجلها، إن هم فعلوا ذلك؛ وإلا فلا بد يوماً أن يكظموا ويهضموا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً }، رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه.
إن قضايا المسلمين الدامية يختلط فيها الشجو بالتعزية، والرضا بالتهنئة، رضاً وتهنئة حينما يستحضر المسلم مرأى أولئك الأبطال الأشاوس الذين يقفون في وجوه الغازين الحاقدين ليسترجعوا سلبهم وأرضهم أمام موحشات مدهشات، مصاولة المخاطر أدناها والموت أعلاها، وشجو وتعزية حينما يقع ما يقع على مرأى من المسلمين ومسمع، فلا يحيرون جواباً، ولا يحيون ألباباً إلا من رحم الله.
والمشاهد من أمثال هؤلاء أنهم قساة القلوب، غلاظ الأكباد، وكأنما قدت قلوبهم من حجر، حكموا على أنفسهم بالذلة، وعلى مجتمعاتهم بالحطة حتى لم يطلبوا رفعة، أو قنطوا فلم يكن لهم أمل، بل اغتالتهم غائلة الاستكانة فوطنوا أنفسهم على أن يشقوا ليسعد غيرهم، فلا يهتمون إلا بحاجة مأكلهم ومشربهم، وكأنهم النمال الحمالة لا تستفيد مما تحمل شيئاً، والمثقفون من أمثال هؤلاء يندبون ويلطمون ويتلقون المواساة والعزاء فحسب، والعدو الكاسر الحاقد يخفض جناح الذل من رحمته وعدله المزعومين، على دعم وتحصين منظمة عالمية لمحبي الكلاب وأصدقاء الحيوانات الأليفة زعموا.
تحقيق روح الأخوة الإسلامية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ورضي عنهم أجمعين.
أما بعـد:
فلعل المسلمين في هذا الزمن هم أكثر الناس آلاماً، ولعل أرضهم وديارهم وأموالهم هي التي يستنسر فيها البغاة، وتستنوق الجمال، وتستنمر الثعالب، فهو عصرٌ لم تسلم فيه براجمهم من الأوخاز، فنهشتهم شعوب الكفر وطحنهم تنازع البقاء، والمحافل الدولية الكافرة ماذا عساها أن تفعل إذا كانت على غير الإسلام، وإن زعموا العدل فيها؟ فمنطق الحال أن العدل عند بعضهم لا يوجد إلا حيث يوجد الجور، ولا يوجد السلم إلا حيث توجد الحرب، إنها في الحقيقة تصف المالك الطريد إرهابياً لا حق له، وتجعل اللص الغالب على المقدسات رب بيت محترماً، يملك الأرض لا بالإحياء الشرعي، ولكن بالإماتة الجماعية والقهر النفسي، بل لربما راق لبعض المسلمين أن يلعقوا جراحهم ويبتسموا للناهب، وأن يعتبروا حقهم باطلاً، وباطل غيرهم حقاً.
بل إن لسان حالهم يقول لهم: حقنا عليكم أن تقولوا:
كمثل الحسك المثلث كله شوك حيثما قلبته، ثم يسدلون عليهم بعد ذلك أستار الغمط وبطر الحق، ومن ثَمَّ تخلق آثار عبرية على أشلاء معالم عربية مسلمة، ويجعل الحاضر الكاذب امتداداً لهيكل ماض مختلق، إنما هو إعصار من الوهم، وتيارٌ من هواجس الخيال، يحملقون بسببه إلى مواقع رغبتهم الخربة، سائرين لا يطرف لهم طرف، ولا يغمض لهم جفن، حتى يعلنوا السيادة، وتنقسم علائق الآمال لدى المشرئبين لعود حقوقهم السليبة، بعد أن مسهم الضر من إفراط ذي المطامع، حتى ردوهم عن بلوغ الأرب، وهموا بما لم ينالوا، ثم وقرت أسماعهم عن حيس همسات الغيلة.
ألا إن من اللافت الملاحظ أن هناك خليطاً ممتزجا من الساسة والمتفيهقين وسماسرة الاستعمار الثقافي؛ هم في الحقيقة جهلة خراطون، يهرفون بما لا يعرفون:
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ
[الانشقاق:23] تسربلوا بسرابيل الإفرنج، هم من أحرص الناس على التشدق بهذا البدع الجديد، الذي يعلنون من خلاله الحرب على الدين الإسلامي نفسه تحت شعار محاربة الإرهاب، تلكم الكلمة التي شغلت مناطق اللهازم، فلاكتها الألسن، ورمت بها الأفواه في المحافل والمجامع كل مرمى، حتى صارت تكئة للمتكلمين، يلجأ إليها العيي في تهتهته، والمتربص في زغزغته، ممن يتلونون كالحرباء، ويتشكلون كالأغوال، ممن لم يكمن رضاهم بالإسلام، وإن كانوا لم يقنعوا بالكفر، حتى عدوها عنواناً على النقص، فإذا ما رأوا ملتزماً بالدين عبسوا في وجهه وبسروا.
والحق المقرر -عباد الله- الذي لا ينكره إلا غر مكابر، أن تحجب المرأة المسلمة ليس إرهاباً، وليس التحاء الرجل إرهاباً، وليس اعتبار العربية هي اللغة الأولى للأمة إرهاباً، وليس رفض تحكيم غير شرع الله إرهاباً، إنه هذا كله دين والتشبث به فريضة، والدفاع عنه لون من ألوان الحقوق لكل مسلم، ومن ثَمَّ فإن عقلاء المسلمين يأبون مسالك الرويبضة الذين يتصايحون ضد هذا الاتجاه.
ثم هم يرون أن عمل هؤلاء نوع من الفراغ الديني، وهو أخطر وأهوى، والفراغ الديني الذي هو انسلاخ من شعائر الإسلام كفر بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الفارغين من الإيمان بالله ورسوله تربوا على موائد الاستعمار ورضعوا من ثديه، فهم يرتقبون أي تصرف غير موجه الوجه الشرعي حسب الاجتهاد ليجتاحوا حقيقة الإسلام كلها.
والمسلمون بعامة عليهم ألا يكترثوا بأمر ليس له من دين الله سناد، وليس من الحق في ورد ولا صدر، ولا هو من بابته، وأنهم سيلاقون في جرأتهم على الانتساب إلى الدين عنتاً وشدة، فلا ينبغي أن يعنيهم قسوة النقد ولا جراحة الألسن، قال تعالى:
وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً
[الفرقان:41-42].
إن هذا البلاء ليس بدعة في العصر الحديث الذي بلغ الغاية في تشويه الحقائق، بل إن منطق الحاقدين واحدٌ، وإن تطاولت القرون وامتدت سحائبها، فلقد قال الله جل وعلا:
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ
[غافر:26]، ولكن صدق الله حيث قال:
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً
[النساء:89].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، وفك أسر المأسورين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء؛ أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم لتحيي به البلاد وتسقي به العباد، ولتجعله بلاغاً للحاضر والباد، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.