أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الأمسيات الربانية ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذالكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن قد انتهى بنا الدرس إلى سورة الجن، فهيّا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات مجودة مرتلة، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا [الجن:1-7].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جلّ ذكره: قُلْ أُوحِيَ [الجن:1]، هذه حادثة عجيبة، وهي: أنه منذ رفع عيسى عليه السلام إلى بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم ما بقي من يمنع الجن من الاستماع للملائكة في السماء، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أصبحوا يُرمون بالشهب والنار من السماء، فاندهش الشياطين منهم والجن جميعاً، وقالوا: ما هو السر في ذلك؟ فضربوا مشارق الأرض ومغاربها لمعرفة السر في ذلك، وجاء بعضهم إلى تهامة، والذين جاءوا إلى تهامة هم من جن اليمن، وكانوا من خير الجن، وإذا بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم خرج من مكة هو وأصحابه يريدون سوق عكاظ، فأدركتهم صلاة الصبح فقام الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي بهم ويقرأ جهراً في صلاة الصبح كما تعلمون، فحضر الجن واستمعوا لقراءته فآمنوا، ومن ثم عادوا إلى الجن في الشرق والغرب يبلغونهم: لقد أرسل وبعث نبي فآمنوا به واتبعوه تنجوا وتسعدوا، ثم أوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم هذه الحادثة كما تمت، فقال تعالى: قُلْ أُوحِيَ [الجن:1] ، أي: قل للناس: أوحى الله إلي، ماذا؟ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [الجن:1]، والنفر من الثلاثة إلى العشرة.
فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1]، في فصاحته وبلاغته وأحكامه.
وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن:2]، فأعلنوا بطلان الشرك والبعد عنه، وأعلنوا التوحيد وأنهم أهله، لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن:2] ، لا بملك مقرب، ولا بنبي مرسل، ولا بولي من الأولياء فضلاً عن الأصنام والأحجار والتماثيل، فهذه مجموعة من عشرة أو ثمانية أو تسعة أنفار أعلنوا عن إيمانهم وبراءتهم من الشرك وأهله.
وَأَنَّا ظَنَنَّا [الجن:5]، وظن هنا بمعنى اليقين، أي: أيقنا، أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الجن:5]، كانوا يظنون هكذا، إذ كيف يكذب الإنسان على الله تعالى؟ كيف يكذب الجن على الله تعالى؟ لأن الإنس والجن هم سكان الأرض الذين يعبدون الله أو يعبدون غير الله تعالى، فمنهم المؤمنون ومنهم الكافرون، فإذا كانت هذه الفترة ما بين عيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد انتشر فيها الشرك والباطل والكفر وما بقي إسلام حتى بعث الله رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم، فقد قالوا: كنا نظن أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً.
وأنه كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ [الجن:6]، أي: يتعوذون، بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6]، أي: جهلاً وإثماً وبغياً وعدواناً، فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6]، إثماً فوق الإثم، ومن هنا لا يحل لمؤمن أبداً أن يستعيذ بالجن، ومن استعاذ بالجن فقد كفر والعياذ بالله وعبد غير الله تعالى، وهاهم إخواننا المؤمنون من الجن يقررون هذه الحقيقة، وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6]، أي: إثماً فوق إثمهم، مع شركهم وكفرهم.
إذاً: هذه الآيات تؤدب المشركين وتأخذ بقلوبهم، فإذا كان الجن يقفون هذا الموقف ويقولون هذا القول فكيف تكفرون أنتم أيها المشركون بمحمد ورسالته؟ كيف تكفرون بالقرآن العظيم وتقولون: سحر، وتقولون: شعر، والجن قالوا: سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1]؟! لِمَ لا يكون عندكم عجباً؟! إن الآيات فيها تقريع وتأديب للمشركين في مكة، وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا [الجن:7]، أي: أنهم قالوا: لا يبعث الله رسولاً بعد عيسى، فقد كانوا يظنون هذا الظن كما تظنون أنتم أيها الجن.
قال: [ثانياً: بيان علو شأن القرآن وكماله، حيث شهدت الجن له بأنه عجب فوق مستوى كلام الخلق]، بيان علو شأن القرآن العظيم، وأن الجن قالوا: سمعنا قرآناً عجباً، فهو فوق ما يستطيع الإنسان أن يفهم أو يدرك، إذ هو كلام الله تعالى، وبالتالي فلا عجب في بيانه وفصاحته وبلاغته، وذلك بما يحمل من الهدى والنور، وإخواننا يقرءونه على الموتى! فهل الموتى يسمعون؟ ثم لما يسمعونكم يقومون فيتوضئون ويصلون؟ ومن كان منهم يأكل الربا قام وقال: من الآن لا آكل الربا؟ أو من كان منهم يزني أو يفجر بنساء المسلمين يقوم فيقول: تبت إلى الله تعالى؟ هل حصل هذا؟ القرآن لا يقرأ على الموتى وإنما يقرأ على الأحياء، واسمع إلى الجن ماذا فعلوا عندما سمعوا القرآن، مجرد أن سمعوه حيوا وكملوا وسعدوا وأصبحوا أولياء الله تعالى.
قال: [ثالثاً: تقرير التوحيد والتنديد بالشرك]، من هداية هذه الآيات الكريمة: تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والعياذ بالله تعالى، ونحن والحمد لله أهل لا إله إلا الله، فلا نعبد إلا الله تعالى، ولا نرضى بأن يعبد مع الله سواه، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا عبد صالح، وإنما مبدأ حياتنا: لا إله إلا الله، فلا نعترف بعبودية مخلوق أبداً، إذ المعبود هو الله عز وجل، والجن قد سبقونا لهذا أيضاً.
قال: [رابعاً: تقرير أن الإنس والجن قد يكذبون على الله وما كان لهم ذلك]، من هداية الآيات: تقرير أن الإنس والجن قد يكذبون على الله تعالى، فالنصارى الآن يكذبون على الله تعالى، واليهود كذلك يكذبون على الله تعالى، وبعض الجهال والتائهين من المسلمين بلا علم ولا معرفة يكذبون على الله فينسبون إليه أشياء وهو بريء منها.
قال: [خامساً: حرمة الاستعانة بالجن والاستعاذة بهم؛ لأن ذلك كالعبادة لهم]، من هداية الآيات: حرمة الاستعانة بالجن والتعوذ بهم وطلب العون منهم، إذ إن ذلك يعتبر عبادة لغير الله تعالى، وبالتالي فلا يحل لمؤمنٍ أن يستعيذ بهم، فلو جاءك جني وكلمك فلا تقل: أعطني كذا، أو افعل لي كذا، وللأسف نجد الضلال عندنا يقولون: جاءني الجان وطلب مني كذا وفعلت، وينسبون الكذب إلى الجن والعياذ بالله تعالى، وعلى كل فالآية تقرر أنه لا يجوز لمسلم من الإنس أو الجن أن يستعين بالجن، وذلك بأن يطلب منهم عوناً، بل حتى لو طلب منهم كأساً من الماء فلا يجوز.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! لما كان صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح في بطن النخلة قريب من مكة، جاء نفر من الجن ما بين ثلاثة إلى عشرة أنفار، وسمعوا الرسول وهو يقرأ القرآن فآمنوا وأسلموا، وذهبوا إلى ديارهم وإخوانهم في الشرق والغرب يبلغونهم دعوة الله عز وجل، وقد قصّ الله تعالى علينا في كتابه كل الذي قالوه في هذه الدعوة، كأننا حاضرون معهم.
قال الله تعالى: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ [الجن:8]، من القائل يرحمكم الله؟ هؤلاء الجن الذين أسلموا.
قوله: لَمَسْنَا السَّمَاءَ أي: التمسناها لنجد أماكن ومقاعد نقعد فيها ونسمع الملائكة ما يقولون.
قال: فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا [الجن:8]، وقد علمتم أنه بعد أن رفع الله عيسى إليه وانقطع الوحي قلَّت الحراسة؛ لأنه ليس هناك وحي ينقل، فبقي بعض الشياطين يجلسون في تلك المقاعد، ويحاولون أن يسمعوا من الملائكة، واعلموا أن الجن مخلوقون من مارج من النار، والملائكة مخلوقون من النور، فلهذا بينهم تجانس كامل، يفهمون ما يقولون، ويسمع بعضهم بعضاً كالآدمي مع الآدمي؛ لأن الله تعالى خلق الملائكة من النور، وخلق الجن من مارج من نار، وخلق بني آدم من الطين، فالملائكة مع الجن يتفاهمون، ويسمع بعضهم بعضاً، ويفهم بعضهم بعضاً ما يقول، فهاهم هؤلاء الجن يعرجون إلى السماء الدنيا ويصغون ويتسمعون ما تقوله الملائكة من الأحداث التي تقع في الكون فيبلغونها شياطين من الإنس.
وها هم يقولون: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ [الجن:8]، وقبل كان فيها أماكن خالية، والآن مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا [الجن:8]، والشهب جمع شهاب، وهي نار يحرقون بها، إما نجمة صغيرة أو كوكب يضربون به، أو يؤخذ شهاب من كوكب كبير يضربون به ويحرقون.
فهذا خبرهم قصَّه الله تعالى علينا: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ [الجن:8] أي: طلبناها فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا [الجن:8]، ولماذا ملئت؟ لأن الله نبأ محمداً وأرسله صلى الله عليه وسلم، وأصبح جبريل ينزل بالوحي من السماء والرسول يبلغه ويعمل به، فهنا حرس الله السماء وملأها بالحرسة، حتى لا يجد شيطان كيف يدخل ويتكلم ويسمع ويقولون للكافرين والمجرمين: هذا كذا وكذا وكذا، حماية لدين الله.
ثم قال تعالى: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا [الجن:9] يحرق به، فما يستطيع أن يسمع، وقلما يختطف كلمة شيطان من الشياطين والوحي ينزل.
وهنا لطيفة علمية، ماذا قالوا؟ قالوا: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ [الجن:10]، ما قالوا: أشر أراده الله كما يقول الآدميون، بل قالوا: أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10]، فما نسبوا الشر إلى الله، بل نسبوا الخير إلى الله، وهذا الذي ينبغي أن نكون عليه.
إذاً: قوله: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ [الجن:8] أي: التمسناه فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا [الجن:8] ، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا [الجن:9] مرصد له وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ [الجن:10] من الإنس والجن أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10]، فالجن ما كانوا يعلمون، وتعجبوا من الحراسة التي وجدت في السماء، فلا بد من حادث يحدث.
وقوله: وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ [الجن:11] وهم المفسدون، أما الصالحون فهم المؤمنون المتقون الله عز وجل، لا يفسدون ولا يعبثون ولا ولا، والمفسدون ضد ذلك.
ثم قال: كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا [الجن:11] أي: مذاهب، فكانوا كالمسلمين اليوم: هذا أباظي، وهذا زيدي، وهذا رافضي، هذا شيعي، وهذا سني، هكذا متفرقون، فقوله: كُنَّا طَرَائِقَ [الجن:11] أي: مختلفة قِدَداً [الجن: 11] متعددة متلونة، فمنا الضال ومنا المهتدي، وهذه وحدها كافية.
لكن لِمَ يفترق المسلمون؟ لِمَ هذا زيدي.. أباضي.. رافضي.. شيعي.. كذا.. كذا.. كذا، لِمَ هذا؟ أي داعٍ يدعو لهذا؟ إلا الشياطين فقط تفتن الناس، وإلا فإن كتاب الله بين أيديهم، وهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أيديهم، فلِمَ لا يجتمعون عليهم، وما الداعي للفرقة والخلاف إلا أن الشياطين -والعياذ بالله- هي التي تعمل على تفرقة الناس حتى ما يكملوا ولا يسعدوا كغيرهم.
وأقسم بالله إنه لمن السهل واليسر الآن أن يجتمع المسلمون ويكونون جماعة واحدة والله العظيم، فكتاب الله بين أيدينا، وهدي الرسول بيننا أيضاً، فنجتمع عليه، وما يبقى مالكي ولا حنفي، ولا أباظي، ولا زيدي، فما هناك فرقة أبداً كما كنا على عهد رسول الله وأصحابه وأولادهم وأحفادهم، فلا فرقة أبداً، وها هم الجن يبكون يتألمون كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا [الجن:11] ، والعياذ بالله.
وعلى سبيل المثال هذا كتاب منهاج المسلم ألف وجمع من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة يقرأه المسلمون الآن ويعملون به، فما يقال: أنا حنفي ولا شافعي ولا حنبلي ولا مالكي، بل قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم. لِمَ هذا الانقسام وقد لامت شياطين الجن أنفسهم على هذا الانقسام، ونحن ما نلوم أنفسنا، وكتاب الله واحد، وسنة الرسول واحدة، نجتمع على كتاب الله وسنة الرسول.
والله لو يجتمع علماء هذه الأمة في مكان ما كالمدينة أو مكة، ويجتمعون ويضعون مقدمات كتبهم وما هم عليه والله أربعين يوماً يخرجون بها وحدة واحدة، فقط ما هناك فرقة، كتاب واحد.. دستور واحد، ولا حرج، وتسخط الشياطين وتندم وتبكي ولا حرج.
ماذا قالت الجن؟ قالوا: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ [الجن:11] أي: المؤمنون المستقيمون وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ [الجن:11] وهم المفسدون، وكُنَّا طَرَائِقَ [الجن:11] جمع طريقة قِدَدًا [الجن:11] مختلفة متنوعة.
ثم قالوا: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ [الجن:13] حق الإيمان فيسلم قلبه ووجهه لله، ويعبد الله بما شرع فهذا ماذا؟ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا [الجن:13]، فيوم القيامة حسناته ما تبخس وتنقص، والسيئات لا توضع عليه أبداً.
إذاً فَلا يَخَافُ بَخْسًا بأن تنقص حسناته، وَلا رَهَقًا [الجن:13] بأن تزيد سيئاته أبداً، فالعدل الإلهي يوم القيامة.
يظنون هؤلاء علماء! هؤلاء جلسوا ساعة فسمعوا آمنوا وأسلموا، سبحان الله!
قال تعالى: وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ [الجن:13] عز وجل فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا [الجن:13] أبداً، لا تبخس حسناته وتنقص، ولا توضع عليه السيئات ما فعل، ولا إثم ما ارتكبه.
قوله: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ [الجن:14] أي: الذين أسلموا قلوبهم لله، فلا تتقلب إلا في طلب رضا الله، وأسلموا وجوههم لله، فلا ينظرون غير الله.
ثم قالوا: وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ [الجن:14] والعياذ بالله الجائرون الظالمون، يقال: قسط يقسط إذا ظلم وجار، وأقسط إذا أزال القسط منه والظلم والجور.
فقوله: وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ [الجن:14] أي: الكافرون والزاجرون والظالمون.
ثم قالوا: فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا [الجن:14]، تحروا الرشد ووصلوا إليه وأصبحوا رشداء، ما هم بسفهاء، لا مشركين ولا كافرين ولا منافقين، بل تحروا الرشد فرشدوا.
سبحان الله! قولوا: آمنا بالله، كيف يصلنا هذا الكلام ونسمعه؟ من سجله لنا؟ من كان يحضر هذا؟ هذا هو الله، هذا رسول الله، هذا كتاب الله أوحاه الله إلى رسوله.
إذاً الجن هداهم الله، فلما سمعوا الهدى قالوا: آمنا به، وهكذا أيما إنسان يهودي نصراني كافر يصغي ويستمع القرآن ويفهمه إلا ويؤمن.
أولاً: وجود تجانس بين الجن والملائكة؛ لقرب مادتي الخلق من بعضها، إذ الملائكة خلقوا من مادة النور، والجن من مادة النار، ولذا يرونهم ويسمعون كلامهم ويفهمونه].
من هداية الآيات: أننا علمنا أن التجانس بين الملائكة والجن حاصل، لِمَ؟ لأن الملائكة خلقوا من النور، وقد أخبر الله تعالى بهذا في كتابه، فالجن من النار، والنور والنار بينهما تجانس، ولهذا يسمع بعضهم كلام بعض، ويفهم بعضهم بعضاً كما يكون بين الناس.
قال: [ثانياً: من الجن أدباء صالحون مؤمنون مسلمون أصحاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم].
فمن هداية الآيات: أن من الجن مسلمين مؤمنين صالحين أصحاب رسول الله، والذين حضروا وهو يصلي أصبحوا أصحابه، والذين آمنوا بعد ذلك أصبحوا أصحاب رسول الله، ففي الجن صحابة كما في الإنس.
قال: [ثالثاً: ذم الطرق والأهواء والاختلافات].
ومن هداية الآيات: ذم الطرق والأحزاب والخلافات، والله العظيم لا يحلُّ للمسلمين أن يعيشوا متفرقين مختلفين، هذا حرام، والله لا يجوز، ولكن من كاد لهم ومكر بهم؟ الثالوث الأسود المكون من المجوسية واليهودية والصليبية، فقد عرفوا أن المسلمين سادوا وعزوا وكملوا بالإسلام واتحدوا ثلاثة قرون، فقالوا: هيا نعمل على تمزيقهم وتفريقهم، فما هي إلا فترة وإذا بهم طوائف وقدد: هذا حنفي، هذا شافعي، هذا مالكي، هذا أهل السنة، والآخرون: هذا زيدي، هذا أباظي، هذا شيعي، هذا رافضي، هذا قدري، هذا مرجئ، وهكذا تمزقنا، مع أن أصل الوحدة موجود ألا وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإلى الآن أقول: والله لو يجتمع علماء هذه الملل في الروضة أو في مكة، ويضعون كتبهم التي يعملون بها، وينظرون إليها، ويصححونها، ويجمعونها في كتاب واحد، وتوزع على المسلمين أمة واحدة، فلا مذهبية ولا طائفية أبداً، قال الله قال رسوله، فأيسر ما يكون الآن للعالم اتصل ببعضه البعض، وقبل كان صعب المشرق والمغرب بعيد عن بعضه البعض، الآن كأنهم في بيت واحد، ويصدر كتاب قانون الشريعة الإسلامية، يوزع في العالم الإسلامي، ويوضع كتاب كالمنهاج في الفقه يعمل به كله، ولكن مع الأسف الثالوث الأسود ما يرضى بهذا.
قال: [وأخيراً: الإشادة بالعدل وتحري الحق والخير].
من هداية الآيات: الإشادة ومدح أهل الحق والخير، والتنديد بأهل الباطل والشر والعياذ بالله، قالوا: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ [الجن:14].
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر