وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
وها نحن مع سورة (ق) المكية، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ [ق:6-11].
ولنستمع إلى هذه الآيات تقرر هذه الحقيقة، أولاً: أنه لا إله إلا الله؛ إذ هو الخالق الرازق المدبر، وأن محمداً رسول الله؛ إذ عليه أنزل هذا الوحي الإلهي، هذا القرآن الكريم، وأن البعث الآخر حق بأدلة عجب وبراهين ساطعة كالشمس لا ينكرها إلا ذو عمى ولا قلب له ولا بصيرة، فمن آمن بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وعمل نجا من دخول النار ودخل الجنة دار الأبرار.
فوالله الذي لا إله غيره! إن البشرية لميتة كلها وستحيا كلها، وستحاسب كلها وتجزى بحسب عملها في هذه الحياة، من كان مؤمناً صادقاً عاملاً للصالحات ينجيه الله من عذاب الخلد في جهنم ويدخله الجنة دار الأبرار، ومن كان كافراً مشركاً فاسقاً فاجراً، نفسه خبيثة منتنة عفنة بأوضار الذنوب والآثام؛ فالمصير جهنم والعياذ بالله تعالى.
اسمع ما قال تعالى لهم: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ [ق:6] السماء موجودة أو لا؟ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا [ق:6]، من بنى السماء؟ آباؤهم، أجدادهم، شياطينهم؟ لا أحد، إذاً: بانيها الله تعالى فقط.
كَيْفَ بَنَيْنَاهَا [ق:6] هذا البناء العظيم، قبة من أعجب القباب، وَزَيَّنَّاهَا [ق:6] بالكواكب المضيئة، بالشمس والقمر، تزيين جميل عجب لا ينكره ذو عقل ودين، فمن فعل هذا؟ اللات أو العزى؟ لا جواب إلا: الله، إذاً: لم لا يُعبد الله؟ لم لا يصدق الله فيما يخبر تعالى به؟
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [ق:6] انظر إلى السماء هل فيها شقوق؟ هل رأيتم السماء مشقوقة هنا وهناك؟ أبداً، بل ملتئمة متحدة منتظمة في العالم بأسره، فهل يعجزه شيء صاحب هذه القدرة؟ هل يعجزه أن يعيد البشرية مرة ثانية؟ والله! ما يعجزه وهو على كل شيء قدير.
إذاً: لم لا تؤمن البشرية بأن حياة ثانية تجزى فيها على عملها في هذه الحياة الأولى؟ هذه البشرية من اليابان إلى الأمريكان (95%) لا يؤمنون بالبعث والدار الآخرة، بصرف الشيطان لهم عن ذلك، وإلا فلو فكروا أدنى تفكير فقط لقالوا: لم خلقنا؟ لم نموت؟ ما خلقنا أنفسنا، ولا نميت أنفسنا، فمن خلقنا وأماتنا؟ هذا هو الخالق، هذا هو الرب الإله الحق، لم خلقنا؟ لنعبده، لم يعيدنا؟ ليجزينا على عملنا الذي عملناه في هذه الدار.
ولكن لا يرفعون رءوسهم إلى السماء ولا ينظرون، أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [ق:6] هذه السماء.
والله! لا باسط لها إلا الله تعالى، من مدها وبسطها لتنتظم الحياة عليها ويعيش عليها بنو آدم والحيوانات، فخالق هذه أما يُعبد؟ خالق هذه أما يُذكر؟ خالق هذه أما يُحب؟ خالق هذه أما يُخاف؟ لأنهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون.
وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ [ق:7] هذه الجبال: جبال التبت، جبال أوروبا، جبال العالم، هذه الجبال من جمع حجارها، من نصبها؟ آباؤهم، أجدادهم؟ من فعل هذا؟ لا جواب إلا: الله فقط.
وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ [ق:7] حتى لا تميد بنا وتضطرب وما نستطيع أن نحيا على الأرض، لولا أنها كالأوتاد مثبتة على الأرض وإلا فستميل الأرض بالناس ويهلكون، كما قال تعالى: وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا [النبأ:7] جمع وتد، وهو الذي تربط به الخيمة.
وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق:7] هذه النباتات على اختلافها وتنوعها، الأشجار على اختلافها، كلها من أنبتها؟ لا جواب إلا: الله فقط، وهل هناك من يقول: لا؟
ثم إن الإيمان بالله خالقاً أمر مستقر في الفطر، فمن عهد آدم عليه السلام إلى يومنا هذا والبشرية تعرف أن الله هو خالقها ورازقها، حتى جاء المذهب الشيوعي اليهودي الماسوني والذي مسخ وهبط، وحولوا بعده تحويلة جديدة هي العلمانية، حتى لا يقال: الله أعطاني بصري وسمعي، وإنما المسألة هي العلم فقط، والله! إنه لكذب بحت.
إذاً: هكذا يقول تعالى: وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق:7] من كل صنف، الزوج: الصنف، بهيج: جميل حسن المنظر، من سائر النباتات على اختلافها، انظر إلى الرمان فقط، إلى التفاح، إلى البرتقال، إلى المشمش، إلى التين، إلى الزيتون، هذه النباتات من أنبتها؟ ولم أنبتها وأوجدها؟ لتعيش عليها الخليقة والبشرية أيام حياتها.
لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [ق:8] ومن العبد؟ كل ما خلق الله من البشر هم عبيده وهو سيدهم ومالكهم أبيضهم وأسودهم، كافرهم ومؤمنهم، كلهم عبيد لله تعالى.
هل حاولت أوروبا أن تخلق سحاباً حتى تمطر؟ إذا انقطع عنهم المطر طلبوا منا أن نصلي لهم، فذات مرة انقطع المطر عن أوروبا فقالوا للمسلمين: استسقوا لنا، فاجتمعنا واستسقينا لهم ودعونا الله، وأمطر عليهم، فهذا المطر من يجمع له السحاب؟ من يجعل في السحب الماء، من يأخذه من البحار أو من الآبار؟ لا جواب إلا: الله، إذاً: فلا إله إلا الله، لا تعبد إلا الله، لا تحب إلا الله، لا تطمع ولا ترغب إلا في الله، لا ترهب ولا تخف إلا من الله، املأ قلبك بذكر الله وكن من المنيبين الأوابين.
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا [ق:9]، فالمطر مبارك، ينبت النباتات والزروع على اختلافها، والأشجار، لولا البركة فكيف سينبت هذا؟
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ [ق:9]، الجنات: جمع جنة وهي البستان، البساتين في العالم نبتت على الماء أم على التراب أم على اللبن؟ كل البساتين في العالم نبتت على الماء، فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ [ق:9] بساتين وَحَبَّ الْحَصِيدِ [ق:9]، الحب الذي يحصد ما هو؟ البر، الشعير، الذرة.. كل الحبوب التي تحصد سبب وجودها الماء المبارك الذي نزل من السماء، فأنبت به حب الحصيد، والبشرية الآن تأكل الخبز من أي جهة؟ من حب الحصيد في أي مكان.
وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ [ق:10] أي: عاليات مرتفعات، لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق:10] تقول: النخلة أطلعت، تطلع الطلع فتفتحها وإذا بها منضدة في عجب، وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق:10] من ينضد هذا الحب؟ آمنا بالله، من أين يخرج؟ من خشبة ميتة ويتفتح وإذا به رطباً يأكله الإنس والجن، فسبحان الله!
وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ [ق:10] أي: وخلقنا النخل وأنبتناها باسقات لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق:10] منتظم، عجب هذا الطلع.
وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا [ق:10-11] أحيينا بالماء من السماء المبارك بلدة ميتة، كم من أرض ميتة تنبت النخل والشجر بعدما كانت ميتة!
كَذَلِكَ الْخُرُوجُ [ق:11] كما رفع السماء وبناها، وأنزل الماء من السماء وأنبت به النبات في الأرض؛ كذلك يكون الخروج من القبور، فلم تكذبون بالبعث الآخر؟
ومن هنا آمن العرب ودخلوا في الإسلام بهذه البيانات القرآنية العجيبة، ولكن الذي نأسف له أن الكفار ما بلغناهم هذا، ما جلسنا معهم، ما سألناهم: لم لا تؤمنون بالدار الآخرة؟ لم خلقتم في هذه الدار؟
هذا يحتاج إلى المجالسة والمكالمة بأدب واحترام، ووالله! ليرجعن؛ إذ لا معنى لعقل أبداً ينفي وجود الله عز وجل وهو خالقه، ولا ينفي الدار الآخرة وهذه تفنى، الذي أوجد هذه قادر على أن يوجد الأخرى، وقد أخبر بذلك وأنزل كتبه وأرسل رسله وأقام آلاف الحجج والبراهين على البعث والدار الآخرة، ولكن مع الأسف دعوتنا وقفت والعياذ بالله تعالى؛ لأنهم حرموا أنفسهم من الإسلام، حاربوا المسلمين وهبطوا بهم فحرمهم الله الإسلام ليخلدوا كلهم في جهنم، والله! لولا أنهم حاربوا الإسلام لأسلم العالم بكامله، ولكن نصبوا العداء والحرب على الإسلام فحرموا منه.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: تقرير عقيدة البعث بمظاهر القدرة الإلهية في الكون ].
من هداية هذه الآيات التي تدارسناها: تقرير مبدأ الحياة الثانية، البعث الآخر، سوف يبعثنا الله بعثاً آخر كما أوجدنا، ففي هذه الآيات: تقرير مبدأ البعث الآخر والحياة الثانية، وأن الدار الآخرة حق، ولهذا ما من مؤمن ولا مؤمنة إلا ويشهد أن الساعة حق وأن الدار الآخرة حق.
[ ثانياً: مشروعية النظر والاعتبار فيما يحيط بالإنسان من مظاهر الكون والحياة للعبرة؛ طلباً لزيادة الإيمان والوصول به إلى مستوى اليقين ].
من هداية هذه الآيات: لفت النظر إلى هذه الكائنات التي تتجلى فيها قدرة الله، عظمة الله، رحمة الله، فيزداد إيماننا وننتقل من الإيمان إلى اليقين، وهذا هو الهدف المطلوب.
انظر إلى شجرة أمامك فقط، فمن رفعها؟ من أوجدها؟ انظر إلى حيوان يمشي بين يديك، فمن خلقه؟ الله، فقل: آمنت بالله، لا إله إلا الله، وتطيع الله عز وجل وتعبده.
[ ثالثاً: فضل العبد المنيب وفضيلة الإنابة إلى الله تعالى، والمنيب: هو الذي يرجع إلى ربه في كل ما يهمه، والإنابة: التوبة إلى الله والرجوع إلى طاعته بعد معصيته ].
آخر هداية الآيات: بيان فضل الإنابة إلى الله، ونحن مأمورون بأن ننيب إلى ربنا وأن نرجع إليه في كل ما يعترض حياتنا، ثم ننيب إليه في كل خطيئة نرتكبها ولو كلمة أو نظرة، تقول: آمنت بالله، وأستغفر الله وأتوب إليه، حتى نكون إن شاء الله من المنيبين الأوابين، اللهم اجعلنا من المنيبين الأوابين يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر