أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ * وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ [فصلت:47-48].
فهذا مما استأثر الله به، فلا يعلمه إلا الله، فالغيب كله لله، وبخاصة هذه الأربع المذكورة هنا، وجاء في خاتمة سورة لقمان قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34].
ونحن من هؤلاء الرجال والحمد لله الذين ( يركبون السروج كأشباه الرحال ). وهي السيارات، فهي فيها من فوق كأشباه الرحل على البعير. ووالله إنها هي بالضبط، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد ذلك. وسبحان الله العظيم! فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا قبل أن يخطر ببال إنسان شيء اسمه سيارة في العالم بأسره، فهم ( يركبون السروج كأشباه الرحال، ينزلون بها على أبواب المساجد ). وانظر إلى المساجد اليوم تجد السيارات يوم الجمعة عند الباب. وهذا قضاء الله وتدبيره.
ثم قال: ( نساؤهم كاسيات عاريات ). فهي من جهة كاسية، ومن جهة عارية، فهي تكشف عن محاسنها، وتستر غير ذلك. ( على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف ). والبخت هي الناقة وما فوق ظهرها، وكذلك هذا الذي يسمونه بالباروكة، وقد انتهى من عندنا والحمد لله. ولما ظهر كان يساوي الواحد منه في فرنسا مائة ريال، وكانوا يبيعونه أمام المسجد النبوي بعشرة ريالات، وهذا تخطيط يهودي والله العظيم؛ لتضعه المرأة على رأسها. ولكن لما قرأنا هذا الحديث وبكينا تحركت الهيئة وطاردتهم، ولم تبق دكاناً فيه باروكة، والحمد لله.
ثم قال: ( على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات ). فلعنة الله عليهن. فنطيع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي قال: ( العنوهن ). فاللهم العنهن. والحمد لله أنه ما بقي باروكة في المدينة ولا في المملكة فيما نعلم.
وقوله: وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ [لقمان:34]، أي: المطر، وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34]. فلا يستطيع أحد أن يقول: هذه المرأة فيها جنين ولد أو أنثى، أبيض أو أسود، سليم أو معيب، وأنها تلد في الساعة الفلانية واليوم الفلاني إلا الله، ووالله لا يعلم هذا إلا الله. وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا [لقمان:34]. فلا يستطيع أحد أن يقول: أنا غداً أكتسب كذا من الحسنات أو السيئات، فهو والله ما يدري وإن قال فهو كاذب. وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34] في الصين أو الهند، أو المدينة أو مكة، ووالله ما يدري أحد بهذا إلا الله؛ إذ علم ذلك لله وحده. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34].
فهنا في هذه الآية أربع مسائل: الأولى: علم الساعة، فيرد إلى الله لا إلى غيره، لا إلى نبي ولا إلى رسول، فضلاً عن الفلاسفة والدجالين، بل إِلَيْهِ [فصلت:47] وحده يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت:47].
وكذلك وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا [فصلت:47]. والأكمام جمع كِم. وأما كم الثوب معروف، والكِم: الطلع في النخلة، فلا يدري أن هذا يكون تمراً أو بلحاً، أو صالحاً أو فاسداً. فهو الذي يعلم مَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى [فصلت:47]. ولا يمكن لأحد أن يقول: فلانة تحمل يوم كذا وعام كذا وكذا والله، ولا أن يقول في ما تحمله ذكر أو أنثى .. أبيض أو أسود.
وهنا بينت غير ما مرة: أن الآلات التي تكشف الآن على باطن المرأة أن هذا ما يعتبر من علم الغيب، بل هي كالذي يشق البطن، ويعرف فيه ذكر أو أنثى. فلا يعتبر هذا مضاداً للآية أبداً، بل هذا كالذي يفتح البطن وينظر ويقول: هذا ذكر أو أنثى، وأما بدون هذه الآلة فهو ما يقول: في بطن هذه ذكر أو أنثى، ووالله لا يعلم هذا إلا الله، وحرام أن يقول مؤمن هذا، ومن قال هذا فهو كذاب دجال.
ثم قال تعالى: وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ [فصلت:47]. فهو الذي يعلم وقت وضعها، كأن تضع يوم الخميس الساعة السابعة مساء، ولا يمكن أن يقول هذا مخلوق لأي ذات حمل، سواء نعجة أو بقرة، أو امرأة أو ناقة، فلا تضع ولدها إلا بعلمه تعالى.
هذه هي الحقيقة، وهي أن الغيب لله، ومن أراد أن يدعي علم الغيب فقد نازع الله تعالى وكفر، ومن أراد أن يدعي علم الغيب فمعناه: أنه كذب الله، ونفى عنه هذا العلم، ونسبه إلى نفسه، وهو والله كافر؛ لأن الله عنده علم الغيب، وليس عند غيره.
فهنا أربع مسائل، وهي: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ [فصلت:47]. فهذا موكول إلى الله عز وجل، وفي آية لقمان خمسة، وهي: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34]. فالمؤمنون يعملون ولا يدرون ماذا يتم غداً أو بعد غد، ورجاؤهم في الله والاعتصام بحبل الله، وهكذا، وأما الوساوس والهواجس الباطلة والدجالين والخرافين فليس من شأنهم هذا.
وقوله: أَيْنَ شُرَكَائِي [فصلت:47]؟ أي: الذين كنتم تعبدونهم معي. قَالُوا آذَنَّاكَ [فصلت:47]. والإيذان: الإعلام القوي، أي: أعلمناك ما منا من يشهد أبداً، ومن ثم يخزون، فيدخلونهم جهنم بعد أن قامت الحجة عليهم.
ثانياً: أنه عبد فقير محتاج، وإلا لما رفع كفيه.
ثالثاً: أنه مؤمن بأن ربه فوقه، فلهذا رفع كفيه إليه، وما مال عنه هكذا أو هكذا يميناً أو شمالاً، بل يرفع يديه إلى فوق. فهذا مؤمن بأن الله يسمع كلامه عندما يقول: يا رب! اغفر لي وارحمني. فهو مؤمن بأن الله قادر على أن يعطيه سؤله وما طلب.
ومن هنا فالدعاء هو العبادة، والدعاء مخ العبادة.
ولما عرف هذا العدو حمل المسلمين على أن يسألوا فاطمة ، وجماعة يسألون الحسين ، وجماعة يسألون عبد القادر ، وجماعة يسألون رسول الله، وجماعة سيدي فلان، وجماعة يدعون عباد الله، ويرفعون أكفهم إليهم ويسألونهم؛ حتى ينمحوا من الإسلام، ويخرجوا منه وهم لا يشعرون وهم لا يعلمون. وعلة ذلك شيئان: أولاً: مكر الأعداء الثالوث الأسود المجوسية واليهودية والصليبية، وثانياً: الجهل. فقد حملهم على الجهل هذا الثالوث، فقد حمل المسلمين على ألا يدرسوا كتاب الله ولا يجتمعوا عليه في بيوت ربهم طول العام وطول الحياة. وهذا بسبب اليهود والنصارى والخصوم، والعياذ بالله تعالى.
وقوله: وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ [فصلت:48]، أي: في الحياة الدنيا، وَظَنُّوا [فصلت:48] وأيقنوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ [فصلت:48]، أي: من مهرب ولا ملجأ أبداً. فهم أيقنوا بعدما قامت الحجة عليهم أنه ما بقي لهم ولن يجدوا محيصاً ولا مفراً ولا مهرب، ولكن إلى جهنم، والعياذ بالله تعالى.
معشر المستمعين والمستمعات! عرفنا مسألتين عظيمتين: الأولى: علم الغيب لله، فلا تصدق أحداً يقول كذا أو كذا أبداً.
ثانياً: ألا نعبد إلا الله، لا نبياً مرسلاً، ولا ملكاً مقرباً، ولا ولياً في الصالحين. فما نعرف إلا الله، فهو الذي ندعوه: يا رب! .. يا إلهي! .. يا مولاي! .. يا خالقي! .. يا رازقي! وليس يا رسول الله! .. يا فاطمة ! .. يا عبد الله! .. يا عبد القادر كما يفعل الضلال. فذلك والله شرك في عبادة الله، وصاحبه لن ينجو، اللهم إلا إذا توفاه الله وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وما قال: لا عيسى ولا فلان، ومات عليها، فهذا ينجو بإذن الله؛ لأن من مات وآخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة.
[ من هداية ] هذه [ الآيات:
أولاً: استئثار الله تعالى بعلم الغيب وخاصة علم متى تقوم الساعة ] فوالله لا يعلم الغيب إلا الله، فلهذا ما نقبل أبداً من فلان يقول: غداً يقع كذا أو كذا أبداً، أو أن فلانة في بطنها ذكر أو أنثى أبداً، فعلم الغيب استأثر الله به، فلا يناله غيره، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والدليل: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت:47]. فحصرها فيه دون سواه.
[ ثانياً: إحاطة علم الله تعالى بكل شيء، فما تخرج من ثمرة من أوعيتها ولا تحمل من أنثى ولا تضع حملها إلا بعلم الله تعالى وإذنه ] ففي هذه الآيات: إحاطة علم الله بكل شيء من الذرة إلى المجرة، فلا يغيب عن الله شيء، لا ما هو في الأرحام ولا قبل أن يكون ولا بعد أن يكون، فعلم الغيب كله لله، ولا يعلم الغيب إلا الله؛ إذ الله أحاط علمه بكل شيء، فهو يعلم ما في بطون النساء والحيوانات، ويعرف ما ينبته الشجر والنخل من الثمار والطعام.
[ ثالثاً ] وأخيراً: [ براءة المشركين يوم القيامة من شركهم، وغياب شركائهم عنهم ] فالكل يتبرأ من الثاني، ولم يبق حينئذ إلا اليقين بأنهم في جهنم مسجونون والعياذ بالله تعالى رب العالمين. والحمد لله أننا نقول: لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا الله أبداً، لو نصلب .. لو نقطع .. لو نحرق ما ندعو غير الله أبداً، ولا نذبح له ذبيحة، ولا نتقرب إليه بحال. فلا إله إلا الله!
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر