ها نحن الآن مع سورة الصف المدنية، وآياتها أربع عشرة آية، والآن مع هذه الآيات الأولى، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوتها مجودة مرتلة. والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ * وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف:1-6].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [الصف:1]، يخبر تعالى بأن من في السماوات والأرض يسبحونه بألسنة القال وبالأحوال، فالملائكة يسبحون الله عز وجل، والجن يسبحون الله، والإنس يسبحون، ولكن الشمس والقمر والكواكب والنجوم والأشجار والمياه والجبال تسبح الله بلسان حالها؛ لأنها دالة على خالقها العليم الحكيم، الذي هو على كل شيء قدير، الذي لا إله إلا هو، ولا رب سواه. فالذرة الموجودة تدل على أن لها موجد، وأنه عليم حكيم، وقوي قدير، وعزيز حكيم. وهذا هو تسبيحها وتنزيهها لله من الشريك والمثيل والنظير.
وقوله: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [الصف:1]، أي: الكل ينزه الله عن الشريك، وعن النظير، وعن المثيل، وعن النقائص، وعن العيوب. فالكل ينزه الله ويقدسه عن الشريك، ويبعده عن النظير والمثيل. هكذا يخبر تعالى، وهو الواقع.
وهذه الشمس وجودها يدل على وجود الله وعلمه وقدرته، وأنه لا إله إلا هو، ولا رب سواه. وكذلك الكوكب من الكواكب والجبل من الجبال يدل على أن الله هو الذي أوجد ترابه ونصبه هكذا رفعه، إذ لابد له من موجد ورافع وناصب، وهو الله. فالله عليم حكيم، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.
والذين لهم ألسنة كالملائكة والجن والإنس يسبحون الله بألسنتهم، ومن لم يسبح الله بلسانه يسبح الله بحاله، هذا الكافر الموجود الله هو الذي خلقه ورزقه ويميته، وهذا الخالق ليس جاهلاً ولا عاجزاً، تعالى الله عن ذلك، ولولا علمه وقدرته وحكمته ما أوجده. فكل شيء يدل على أنه لا إله إلا الله.
ثم قال تعالى: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الصف:1]. والعزيز هو: الغالب المنتقم من أعدائه، والحكيم أي: في تصرفاته، وفي إعطائه وفي منعه، وفي إماتته وإحيائه. فكل أفعاله بحكمة، فهو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الصف:1].
فمن هنا المؤمنون والمؤمنات إذا عرفوا خيراً يعملونه، ولا يقولون: سنعمل ثم لا يعملونه، سواء كان صدقة أو صلاة، أو صياماً أو جهاداً، أو رباطاً أو أي عمل صالح، فمن قال: سأعمل، فينبغي أن يعمل، ولا يعد ويخلف، وسواء وعد الله أو وعد عباده، إلا إذا عجز وما استطاع، وفي النذور مع الله يكفر كفارة يمين.
فقوله: كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:3]. هذا في الذين انهزموا في أحد، فقد كانوا يعدون الله والمؤمنين بأننا سنعمل وسنعمل، ولما اختار الله لهم الجهاد وقدمه له تخلفوا وما فعلوا، فعاتبهم الله، فقال: كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:3].
معاشر المستمعين والمستمعات! فلنأخذ بهذا المبدأ، ولا نخلف وعداً، فإذا قلت: سأعطي فأعطي، وإذا قلت: سآخذ فخذ، وإذا قلت: سأصلي فصلي، وإذا قلت: سأصوم فصم، فإن صاحب هذا إذا رجع وهو قادر فهو ممقوت مبغوض؛ لقوله تعالى: كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:3].
ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ [الصف:4]، أي: صفاً واحداً متلاصقاً، فالأجسام متلاصقة، ليس فيها فجوة أبداً، بل هي كالبناء المرصوص. فهؤلاء يحبهم الله. فـ كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ [الصف:4]. فالله يحب الجهاد والله العظيم. فيا من يريد أن يعرف ما يحب الله ليعمله اعلم أن الله يحب الجهاد في سبيله، فجاهد.
الآن لا يمكننا أن نجاهد، ولا يوجد إمام المسلمين الذين يقودنا للجهاد، وقد كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الجهاد ويقودهم، والآن المسلمون ممزقون مفرقون.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ [الصف:4]، أي: من أجل إعلاء كلمته، ومن أجل أن يعبد الله وحده، ومن أجل أن ينتصر دينه وأولياؤه، كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ [الصف:4].
وهنا لطيفة، وهي: أنهم يقولون: الجهاد للمشاة أفضل من الذين يركبون على الخيل، فقتال الفرسان أقل أجراً. وهذا معلوم بالظاهر، فهذا يهرب ما يصل إليه الكافر.
ثم قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5]. ولا يهدي القوم المجرمين، ولا يهدي القوم الكافرين. وهذه آيات متكررة. فالشخص إذا استمر على المنكر وواظب عليه زمناً طويلاً فلن ينتهي أبداً منه حتى يموت إلى جهنم. فمن زلت قدمه ووقع في معصية فليعجل بالتوبة .. فليتب إلى الله .. فليبك .. فليستغفر .. فليعزم على ألا يعود؛ لعله ينجو. والذي يفعل الفاحشة ثم يستمر فيها العام بعد العام والسنة بعد السنة فإنه يأتي وقت والله ما يستطيع أن يتركها، بل والله يسلبه الله الهداية ولا يهديه، والله يهدي من يرغب في الهداية ويطلبها ويطمع فيها، وأما الذي يعرض عن هداية الله ويستمر في معاصيه الليل والنهار فهذا يزيغ قلبه، والعياذ بالله، وينتكس، ويصاب بالظلمة، ولا يقبل الهداية أبداً حتى يموت، والآية واضحة في هذا، فهو تعالى يقول: فَلَمَّا زَاغُوا [الصف:5]، أي: مالوا عن الحق أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5]. والفاسقين المتوغلين في الفسق، والذين تضلعوا في الفسق وأصبحوا أهله.
وهذه الحقيقة ما ننساها أبداً، وهي: أن المجرم الذي يواصل الإجرام ليل نهار، وعاماً بعد عام، فإنه ينتكس قلبه، ويصاب بظلمة، ولا يهتدي أبداً، ولا يموت إلا مجرماً. والفاسق كذلك، فهو الذي يواصل الفسق والخروج عن طاعة الله وطاعة الرسول يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام، ولا يرجع بعد ذلك، بل يسلبه الله الهداية، وما يهديه، وهو نفسه ما يطلب الهداية ولا يريدها. ولذلك قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا [الصف:5]، أي: مالوا عن الحق وعدلوا عنه وقالوا الباطل أزاغ الله قلوبهم. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5]، أي: الخارجين عن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على علم وعمل.
فهنا قال لهم عيسى: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف:6]. فلما بعث الله عيسى في بني إسرائيل قال: يا قومي! كما قال موسى: يا قومي! فهو قال: يا بني إسرائيل؛ لأن عيسى ليس له أب من بني آدم، فقد كان بكلمة الله كن فكان. فهم ليسوا من أبناء عمه ولا من أبناء إخوته. فعيسى عليه السلام ما قال: يا قومي! بل قال: يا بني إسرائيل! ولم يقل: يا قومي! لأنه ليس ما هو منهم؛ لأنه كان بكلمة كن، وقد نفخه الله بواسطة جبريل في كم مريم، فأنجبت عيسى، فليس هو أخ لبني إسرائيل، ولا هم قومه.
فقال لهم هنا: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ [الصف:6]. والذي أرسله هو الله، فهو رسول الله، فقد أرسله والله إلى اليهود، الذين هم بني إسرائيل، فقال لهم: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ [الصف:6]. والتوراة بين يديه، فآمن بما فيها، وطبق شرع الله فيها، ولم يتركها أبداً. فهو مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ [الصف:6]. هذا أولاً. وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6]. هذه بشارة عيسى بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وبينه وبين ميلاد الرسول خمسمائة سنة وزيادة. ومعنى أحمد: أكثر حمداً من الحامدين، فما حمد الله أحد أكثر مما حمده الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو أحمد الحامدين. وله خمسة أسماء، وهي: محمد وأحمد والماحي والعاقب والحاشر. والحاشر: الذي يحشرون وراءه يوم القيامة، والعاقب كذلك، والماحي لملة الكفر، والعياذ بالله. وقد محاها في هذه الديار، ومحمد أي: كثير المحمود، أي: المحمود بكثرة، فقد حمده أهل السماء وأهل الأرض، فهو محمود، وهو محمد. وفي الحديث أيضاً: وهو النور؛ لأن آمنة لما وضعت الرسول الله صلى الله عليه وسلم من بطنها أشرقت أنوار ملأت الكون حتى شاهدت قصور الشام والله العظيم! فهو نور.
إذاً: فقوله: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ [الصف:6]، أي: فلما جاء عيسى عليه السلام بني إسرائيل بالبينات قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف:6]. فلما شاهدوا المعجزات من كونه يحيي الميت، فقد كانوا يأتونه بميت فيناديه يحيا، وكذلك الأكمه الذي ما يتكلم يصبح يتكلم، وكذلك كانوا يأتونه بالأعمى فيبصر. فقالوا عن هذه المعجزات: إنها سحر، وليست دالة على نبوته وعلى رسالته. وفي هذا تعزية للرسول صلى الله عليه وسلم وتسلية له من الذين كذبوا به وأنكروه، وقالوا: ساحر. فعيسى أصيب بهذا أيضاً. وهكذا يقول تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ [الصف:6]، أي: من التوراة وما فيها من الشرائع والأحكام، فقد كان يعمل بها حتى نزل الإنجيل. وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6]. فقد عرف هذا اليهود والله كما عرفتموه الآن، وأبوا أن يؤمنوا، فقد بشرهم عيسى برسول اسمه أحمد صلى الله عليه وسلم، ولكن اليهود كما علمتم همهم الدنيا، وهي رغبتهم، ولا يريدون الدار الآخرة أبداً، بل هم آيسون منها، ولا يطمعون في الجنة أن يدخلوا، بل همهم في الدنيا فقط.
وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فها هو عيسى كذبه اليهود، فإذا كذبك العرب واليهود في المدينة أيضاً فقد كذبوا من قبلك، فاصبر يا رسولنا! واحتسب، والعاقبة للمتقين.
[ من هداية ] هذه [ الآيات:
أولاً: بيان غنى الله تعالى عن خلقه ] غنى كاملاً [ وأنه سبح لله ما في السموات وما في الأرض، وأن ما شرعه لعباده من العبادات والشرائع إنما هو لفائدتهم وصالح أنفسهم، يكملون عليه أرواحاً وأخلاقاً، ويسعدون به في الحياتين ] فهذه العبادات التي تعبدنا بها هي لصالحنا نحن، ولتزكية نفوسنا، ولتهذيب عقولنا؛ من أجل أن نكمل ونسعد عليها، وأما الله فهو غني عنا، فهو في عنى عن صلاتنا وصيامنا، ورباطنا وجهادنا، فكل هذا الله غني عنه، إذ يسبح له ما في السماوات والأرض، ولكن هذه الشرائع لصالح العباد، فعليها يكملون ويسعدون، فيكملون في الدنيا، ويسعدون في الآخرة.
[ ثانياً: حرمة الكذب وخلف الوعد، إذ قول القائل: أفعل كذا ولم يفعل كذب وخلف وعد، ولذا كان قوله من المقت الذي هو أشد البغض، ومن مقته الله فقد أبغضه أشد البغض، وكيف يفلح من مقته الله؟! ] ففي هذه الآيات: التحذير من خلف الوعد، والتحذير من الكذب، وهو أن تقول: تعمل وما تعمل، أو تقول: أقول ولا تقول، أو أن تعد وتخلف، فهذا هو أشد مقتاً عند الله، فلنحذر أن نقول ما لا نعمل، أو أن نقول: نعمل كذا ولا نعمل، أو نعد بأن نعطي كذا وما نعطي؛ حتى ما نقع في هذا المقت الإلهي، فقد كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:3].
[ ثالثاً: فضيلة الجهاد والوحدة والاتفاق ] واتحاد الأمة واتفاقها [ وحرمة الخلاف ] والنزاع فيها [ والقتال والصفوف ممزقة حسياً أو معنوياً ] بل لابد أن يكون المجاهدون كأنهم صف واحد، وكأنهم بنيان مرصوص. ففي هذه الآيات دعوة إلى الوحدة والاتفاق، والثبات والجهاد في سبيل الله؛ لإنقاذ البشرية من فساد الأرض وعذاب الآخرة.
[ رابعاً: التحذير من مواصلة الذنب بعد الذنب، فإنه يؤدي إلى الطبع وحرمان الهداية ] فإذا أذنبت ذنباً فاستغفر وتب وعجل، لا أن تواصل الذنب فيؤدي ذلك إلى أن يزيغ قلبك ولا تهتدي، ولا تقبل الهداية، وتحرم هداية الله، فإن الله لا يهدي القوم الفاسقين، وإن الله لا يهدي القوم المجرمين، وإن الله لا يهدي القوم الكاذبين الذين توغلوا في الكذب والظلم والإجرام. فالآية تدعونا إلى أننا إذا زلت القدم أن نتوب إلى الله، فإذا فعلت قبيحة فتب إلى الله، أما مواصلة الذنب يوماً بعد يوم فإن نهايته أن يطبع على القلب، ولا تهتدي أبداً، ويحرمك الله هدايته.
[ خامساً: بيان كفر اليهود بعيسى عليه السلام، وازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ] فقد كفروا بالرسولين الكريمين، فكفروا بعيسى وقالوا: ساحر، وكفروا بمحمد، وقالوا: ساحر أيضاً، والعياذ بالله.
وكما قلت لكم: فقد آيسوا من الدار الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور، فهم لا يرجون الدار الآخرة؛ لعلمهم أنهم كافرون، ولكنهم همهم أن ينتصروا في الحياة الدنيا، ويأكلوا ويشربوا، والعياذ بالله.
[ سادساً ] وأخيراً: [ بيان كفر النصارى ] المسيحيين [ إذ رفضوا بشارة عيسى ] نبيهم ورسولهم [ وردوها عليه، ولم يؤمنوا بالمبشر به محمد صلى الله عليه وسلم ] ولم يقبلوا هذه البشرى، ولم يستجيبون لها. إذاً: هم ليسوا مؤمنين بعيسى أبداً، بل هم كافرون به، فقد بشر عيسى بنبي من بعده في مسافة قريبة في خمسمائة سنة وهم لم يؤمنوا به، وهم الآن يسمعون ويعرفون ولا يؤمنون إلا من شاء الله أن يسلم، وهم يدخلون في الإسلام الآن. والحمد لله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر