وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فها نحن مع سورة الحجرات المدنية، ومع هذه الآيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:9-13].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9] هذا أمر الله، هذا شرع الله، هذا قانون الله، فعلى المسلمين أن يطبقوه ولا يهربوا منه ولا يمتنعوا عنه، هذا إرشاد إلهي وتربية ربانية للمجتمع الإسلامي القرآني.
فيقول تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ [الحجرات:9] كبرتا أو صغرتا، وإن اثنان من الناس أو أربعة أو عشرة، وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الحجرات:9] ممن آمنوا بالله رباً لا رب غيره وإلهاً لا إله سواه، وآمنوا بمحمد نبي الله ورسول الله، وآمنوا بلقاء الله وما يجري في الدار الآخرة من جزاء، هؤلاء المؤمنون الصادقون إذا اقتتلوا، أي: وقع قتال بين فئتين منهم وطائفتين، جماعتين، فردين؛ فما هو واجبكم؟
قال تعالى: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] يجب أن ندخل وأن نصلح بين الفئتين أو الحزبين أو الجماعتين أو الدولتين المختلفتين.
يجب أن نقاتل التي تبغي حتى ترجع إلى الحق، فقاتلوا التي تبغي وتظلم حتى تعود إلى الحق وتقنع به وتذل له، هذا واجب المسلمين: فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ [الحجرات:9] ورجعت فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا [الحجرات:9] ولا تظلموا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9] هذا حكم الله.
ونرى اليوم جماعات تتقاتل وطوائف تتقاتل والمسلمون نائمون لا يتحركون، ومع الأسف فرطنا في هذا الواجب الإلهي؛ وذلك لقساوة قلوبنا، لجهلنا، لظلمنا، لعدم بصيرتنا، لعوامل كثيرة عملت هذا.
هذا الخبر الإلهي: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] إذاً: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] إذا اختلفوا وتنازعوا فأصلحوا فيما بينهم، ولا تسكتوا ولا تبطلوا هذا الإصلاح لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10]، ليعدكم الله تعالى للرحمة في الدنيا وفي الآخرة، أما أن تشاهدوا إخوانكم يتقاتلون وأنتم صامتون ساكتون فما يجوز ذلك، كيف ترضون بسفك دمائهم، وكيف ترضون بعذابهم؟
لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ [الحجرات:11]، المسخور منهم يكونون عند الله خيراً من الساخرين منهم قطعاً بدون شك، و(عسى) تفيد التحقيق من الله.
وَلا نِسَاءٌ [الحجرات:11] أيضاً مِنْ نِسَاءٍ [الحجرات:11]، فلا يحل لمؤمنة أن تسخر من مؤمنة أو تستهزئ بها أو تستخف بها أبداً، عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ [الحجرات:11] أيضاً، المسخور منها المستهزأ بها قد تكون عند الله خيراً من الساخرة المستهزئة.
سبحان الله! هذا تطهير للمجتمع ليصبح المؤمنون ربانيين كالملائكة في السماء، وتم هذا في القرون الذهبية الأولى.
أما أن تقول: يا أهل الخير، يا أهل الصلاح فنعم، أما اللقب بتلك الألفاظ المحرمة فلا يحل أبداً: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات:11] فتقولوا: هذا به كذا، هذا عنده كذا، هذا يقول كذا، يأكل بعضكم بعضاً، هذا لا يجوز في الإسلام أبداً، تجلس مع المؤمن سنة كاملة فما تسمعه يقول: فلان فيه كذا أو فلانة بها كذا أبداً.
وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ [الحجرات:11]، كقول: يا فاسق، يا كذاب، لا يجوز هذا أبداً.
وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] من لم يتب من اللمز والطعن والتنابز بالألقاب -والعياذ بالله- فهو من الظالمين، والظالمون هلكى عند الله عز وجل.
فإذا حل الإيمان في الجسم أبصرت العين ما يريد الله أن تبصره، سمعت الأذن ما يريد الله أن تسمعه، تناولت اليد ما أذن الله له في ذلك.. وهكذا، وإن فقدنا الإيمان متنا، لا العين تبصر ولا الأذن تسمع.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ [الحجرات:12] ابتعدوا عن كثير من الظن، لماذا؟ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12]، ابتعد عن الظن بإخوانك، لا تظن في الشيخ فلان كذا ولا في السيد فلان كذا، لا تظنوا بإخوانكم إلا الظن الحسن، والظن السيئ ما يجوز أبداً، إلا إذا رأيت بعينيك وأحسست بحواسك باطلاً ومنكراً فتقوله، أما الظن فقط أن فلاناً به كذا، وفلاناً فيه كذا، وفلاناً عنده كذا فما يجوز.
يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ [الحجرات:12]، لماذا يا رب؟ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] بعض الظن إثم، والإثم من يرضى به؟ الإثم يقود إلى غضب الله أولاً ثم إلى نار جهنم والعياذ بالله تعالى.
ولكن الظن الحسن لا بأس به، فأظن في فلان أنه من الصالحين، أظنه من الطيبين، أظنه من أهل الخير، لا بأس، فذلك ظن حسن، لكن أكثر الظن من السوء والعياذ بالله تعالى، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12].
وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12] أبداً، لا يحل لمؤمن أن يغتاب مؤمناً يقول: فيه كذا أو كذا أو كذا، لا يجوز لمؤمن أن يقول لأخيه المؤمن فيه: فجور، فيه كذب، فيه كذا من الباطل.
وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12] أي: لا تتحدث عنه في غيبته وهو غير موجود بين يديك، سبحان الله العظيم! كيف ربانا تعالى هذه التربية وما استجبنا؟
وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا [الحجرات:12] هل هناك من يحب؟ أتأكله حياً، فالذي يغتابه يأكل لحمه وهو حي، ولو اغتبته ميتاً فكأنك أكلت لحمه ميتاً، فأنت تغتاب حياً، فإذا كنت لا تأكل لحمه إذا مات فكيف تأكله وهو حي؟
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12] إذاً: فاكرهوا الغيبة؛ فإنها أكل للحم إخوانكم، لا تذكر في غيبته شيئاً عنه أبداً ولا تتحدث عنه إلا إذا كان بالصلاح والتقوى والخير فلا بأس، كالظن.
يجب أن نعلم ما يحب الله من الأقوال، من الأفعال، من الصفات، من الذوات؛ حتى نحب ما يحب الله ونفعله، ويجب أن نكره ما يكره الله، ولا بد من معرفة ما يكره الله من الأقوال الباطلة، والاعتقادات السيئة الفاسدة حتى نتجنب ذلك، ولن يكون المرء تقياً وهو جاهل أبداً، لا يكون العبد تقياً إلا إذا كان عالماً.
ها نحن مأمورون بتقواه، فماذا قال تعالى؟ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ [الحجرات:12] للتائبين رَحِيمٌ [الحجرات:12] بالعابدين المؤمنين، فتوبوا إلى الله واتركوا الغيبة والنميمة، واتركوا اللمز والطعن، واتركوا ظن السوء، وأصلحوا بين إخوانكم، ولا تؤججوا نيران الفتن ولا تزيدوا محنتها، والله تواب رحيم.
قال تعالى: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ [الحجرات:13] من تلك الشعوب، من فعل بنا هذا؟ الله عز وجل، لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13]، السر في جعلنا شعوباً وقبائل: أن نتعارف، ما السر في التعارف؟ التعاون، إذا تعارفنا تعاونا، القريب مع القريب والبعيد مع البعيد، السر في كوننا قبائل وطوائف من أجل أن نتعاون على البر والتقوى، حتى ننجح ونفوز ونسود في الدنيا وفي الآخرة، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
يقول تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13] هذا السر، هذه العلة وهذه الحكمة، وإذا تركنا صرنا كالحيوانات لا يعرف أحدنا أباً ولا أخاً ولا قريباً ولا بعيداً، ولكن جعلنا على نوع من الكمال، هؤلاء بنو فلان وهؤلاء بنو فلان، متعارفون.
لا تقل: أنا شريف، أنا من بني فلان؛ فهذا ما ينفع، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] وإنما تقول: أنا من بني فلان لتتعاون مع بني فلان على طاعة الله ورسوله، لا أن تتباهى وتتفاخر بنسبك.
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ [الحجرات:13] بخلقه خَبِيرٌ [الحجرات:13] بأحوالهم مطلع عليهم، فخافوه، ارهبوه، إياكم أن تعرضوا عنه فإنكم بين يديه، والله! لا يخفى على الله منا شيء، النظرة التي ننظرها لا تخفى عليه، الكلمة التي نقولها -والله- لا تخفى عليه؛ لأنه عليم بخلقه خبير بأحوالهم، فيجب أن نتقي الله تعالى.
فيا عبد الله! اتق الله، أولاً: اعرف ما يحب الله وما يكره.
ثانياً: افعل ما يحب واترك ما يكره، وتلك هي تقوى الله، وبذلك أنت التقي، وبذلك أنت الولي.
أما جاهل يتخبط ما يعرف الحلال من الحرام، ولا الواجب من المكروه؛ فكيف يتقي الله؟ ما يكفي في أن يتقي الله أنه لا يزني، فلماذا يغتاب، لماذا ينم، لماذا يأكل أموال الناس؟
يجب أن نعرف كل ما حرم الله لنجتنبه ونبتعد عنه، يجب أن نعرف كل ما أوجب الله لننهض به ونقوم به ونؤديه لله، وبهذا نكون أولياء الله لا خوف علينا ولا حزن ينالنا لا في دنيا ولا في أخرانا؛ إذ قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] من هم أولياؤك يا ربنا؟ قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، اللهم اجعلنا منهم.. اللهم اجعلنا منهم.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: وجوب مبادرة المسلمين إلى إصلاح ذات البين بينهم كلما حصل فساد أو خلل فيها ].
من هداية هذه الآيات: وجوب مبادرة المسلمين على الفور إذا حصل نزاع أو خلاف بين قبيلتين، بين طائفتين، بين حزبين، بين اثنين، يجب أن ندخل لننهي الخلاف بينهما ونعدل بينهما وجوباً، ولا تبقى الدماء تسيل والأجسام ممزقة ونحن نضحك.
[ ثانياً: وجوب تعاون المسلمين على تأديب أية جماعة تبغي وتعتدي حتى تفيء إلى الحق ].
يجب على المسلمين إذا كانت جماعة بغت وظلمت واعتدت، يجب على المسلمين أن يؤدبوها وأن يصلحوها، هذا واجبهم، ولا يهملوها.
[ ثالثاً: وجوب الحكم بالعدل في أية قضية من قضايا المسلمين وغيرهم ].
من هداية الآيات: وجوب العدل في الحكم في أية قضية نحكم فيها، والعدل هو قال الله وقال رسوله، العدل ما شرعه الله وبينه في كتابه وعلى لسان رسوله.
قال المؤلف في الهامش: [ روى مسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( المقسطون عند الله تعالى يوم القيامة على منابر من نور عن يمين العرش، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) ].
العادلون في أهليهم وفيما ولوا وفي شئونهم يكونون يوم القيامة على أسرة من ذهب عن يمين العرش، هؤلاء هم العادلون المقسطون.
[ رابعاً: تقرير الأخوة الإسلامية ووجوب تحقيقها بالقول والعمل ].
من هداية الآيات: وجوب تحقيق الأخوة الإسلامية وتقريرها وإثباتها والعيش عليها، إننا إخوة، إننا مسلمون، ربنا واحد ونبينا واحد، فلا إله إلا الله محمد رسول الله، شرعنا واحد هو كتاب الله، فيجب أن نكون متفقين متعاونين متحابين، ويحرم الخلاف والفرقة بيننا.
قال المؤلف في الهامش: [ الآية دليل على أن اسم الإيمان لا يزول بالبغي؛ فإن الله تعالى قال: بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] ].
هذه لطيفة علمية: كون الإنسان ظلم أو قاتل ظلماً لا يسلبه ذلك إيمانه، بل يبقى مؤمناً، ولكنه فاسق فاجر ظالم؛ وذلك لأن الله قال: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] وهم يقتتلون أو يقتل بعضهم بعضاً، فلا يسلب المؤمن الإيمان ما دام مؤمناً لكونه ظلم أو اعتدى أو فسق أو فجر، يبقى مؤمناً كما هو.
قال: [ روى أن علياً سئل عن قتال أهل البغي من أهل الجمل وصفين: أمشركون هم؟ قال: لا، من الشرك فروا. فقيل: أمنافقون؟ قال: لا؛ لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. فقيل له: فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا ].
[ خامساً: حرمة السخرية واللمز والتنابز بين المسلمين ].
ما عندنا إلا ما نعتقده في قلوبنا من الحق والخير فنقول بألسنتنا، أما الطعن في الناس، أما غيبتهم، أما النميمة وهذه المحرمات؛ فالمسلمون برآء منها بعيدون عنها كل البعد؛ لأن الله قال: وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ [الحجرات:11]، وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12].
[ قال عبد الله بن مسعود : البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلباً ].
يعني: ما يجوز أن تسب شيئاً حتى الحيوان أبداً، فابن مسعود يخشى أن يحول إلى كلب إن سخر منه، ونحن نقول: اسكت يا كلب لرجل!
[ سادساً: وجوب اجتناب كل ظن لا قرينة ولا حال قوية تدعو إلى ذلك ]، إلا إذا كانت هناك أمور معلومة واضحة فلا بأس، أما مجرد الظن والتخمين فما يجوز أبداً، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] فنتجنب الظن بكامله إلا الظن الذي تدل عليه الأدلة.
[ سابعاً: حرمة التجسس، أي: تتبع عورات المسلمين وكشفها وإطلاع الناس عليها ].
حرمة التجسس والاطلاع على عورات المسلمين، فلا ينبغي أن تتحسس ولا تتجسس على أحوال المسلمين.
[ ثامناً: حرمة الغيبة والنميمة، والنميمة: هي نقل الحديث على وجه الإفساد؛ ولذا يجوز ذكر الشخص وهو غائب في مواطن، هي: التظلم، بأن يذكر المسلم من ظلمه لإزالة ظلمه.
الاستعانة على تغيير المنكر بذكر صاحب المنكر.
الاستفتاء، نحو قول المستفتي: ظلمني فلان بكذا، فهل يجوز له ذلك.
تحذير المسلمين من الشر بذكر فاعله قصد أن يحذروه.
والمجاهر بالفسق لا غيبة له.
التعريف بلقب لا يعرف الرجل إلا به ].
[ تاسعاً: حرمة التفاخر بالأنساب ووجوب التعارف للتعاون ]، نتعارف، ففلان من بني فلان، ولا بأس، أما أن نفخر ونقول: نحن كذا ونحن كذا فلا يجوز، التفاخر حرام، لكن التعارف محمود وممدوح، هذا من بني فلان وهذا من بني فلان.
[ عاشراً: لا شرف ولا كرم إلا بشرف التقوى وكرامتها: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، وفي الحديث: ( لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ).
وروى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بمكة فقال: ( يا أيها الناس! إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله ) ].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر