إسلام ويب

تفسير سورة الأحقاف (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خلق الله السموات والأرض لحكم بالغة، ولم يخلقها لهواً ولعباً، وأنزل الكتاب ليتدبره أولو الألباب ويعقله أولو البصائر، وقد أمر سبحانه وتعالى في هذه الآيات نبيه أن يبين للكافرين خطأهم في الإعراض عن منهج الله، ودعاء غيره معه سبحانه وتعالى، إذ هم لا يخلقون شيئاً، ولا يملكون ضراً ولا نفعاً، ولا يسمعون لهم دعاء، ويوم القيامة يتبرءون منهم ويكونون لهم أعداء.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز الرحيم)

    تفويض معاني الحروف المقطعة في فواتح السور إلى الله تعالى

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وها نحن مع فاتحة سورة الأحقاف سابعة آل حم، ومع هذه الآيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:1-6].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الأحقاف:1-2].

    هذه آخر سورة من آل حم، وهي سبع سور: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، مفتتحة بهذين الحرفين: الحاء والميم: (حم).

    والذي علمناه وعلمتموه وأصبح من علمنا أنا نقول: معنى حم أو طسم: الله أعلم بمراده به، نفوض أمر معناه إلى الله منزله، ولا نقول: هو بمعنى كذا ولا كذا، وهذا مذهب السلف الصالح.

    حكم وفوائد الحروف المقطعة في فواتح السور

    ‏وهناك فائدتان أفادتهما هذه الحروف لصالح هذه الدعوة الإسلامية:

    الفائدة الأولى: لما كان الكتاب الكريم مؤلفاً مركباً من هذه الحروف فلم تعجزون عن الإتيان بمثله أيها العرب؟ فأتوا بسورة من مثله. فإن عجزتم فسلموا إذاً أنه كلام الله تعالى.

    فهو مركب من هذه الحروف: (طسم) (كهيعص)، فألفوا أنتم سورة فقط، وقد تحداهم بمثله كاملاً إذ قال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88] فعجزوا، ثم تحداهم بعشر سور فعجزوا، وأخيراً تحداهم بسورة واحدة فعجزوا، إذاً: فسلموا أنه كلام الله ووحيه وليس من الشعر ولا من السحر ولا من كلام البشر. فهذه فائدة عظيمة.

    الفائدة الثانية: لما كانوا ما يريدون أن يسمعوا القرآن، واتخذوا قراراً حكومياً نصه: لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، إذا سمعتم من يقرأ هذا القرآن فصيحوا بأسوأ الكلام؛ حتى لا يتسرب إلى قلوبكم.

    إذاً: فمن فائدة هذه الحروف التي ما سمعوا بها قبل قط ولا نطقوا بها أن يسمع السامع: طسم، فيضطر إلى أن يسمع، فيخرج من طاعة الحاكم الذي أمره بألا يسمع فيسمع، ومن ثم يتسرب النور إلى قلوبهم فيؤمنون.

    هاتان الفائدتان أفادتهما هذه الحروف المقطعة من الم [البقرة:1] إلى ن وَالْقَلَمِ [القلم:1].

    معنى قوله تعالى: (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم)

    يقول تعالى: حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ [الأحقاف:1-2] المراد من الكتاب هنا: القرآن العظيم، من نزله؟ الله جل جلاله وعظم سلطانه، مصدره من العزيز، ألا وهو الله عز وجل، الغالب الذي لا يُغالب، العزيز في سلطانه وحكمه وملكوته، الحكيم في تدبيره، فهاتان صفتان جليلتان من صفات الرب تبارك وتعالى: العز والحكمة، هو عزيز لا يغالب، وحكيم لا يخطئ أبداً.

    فما دام القرآن من حكيم عليم فكله هدى ونور، وكله حكم ومعرفة وعلم، إذاً: فاستجيبوا لله واقرءوا كتابه وآمنوا به، واعملوا بما فيه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى ...)

    ثم قال تعالى: مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ [الأحقاف:3] ما خلقناهما للباطل وللهو واللعب، تعالى الله عن اللهو واللعب، كيف يخلق هذه السماوات السبع لا لشيء وإنما للهو واللعب فقط؟ كيف يخلق هذه الأرض وكل ما فيها للهو والباطل؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ولكن خلقهما بالحق.

    وسر خلقهما كما علمتم أن يذكر تعالى ويشكر من عباده من الملائكة والإنس والجن: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، خلق السماء وما فيها والأرض وما فيها، وكل ذلك من مظاهر قدرته وعلمه وحكمته وسلطانه وقوته، خلقهما وخلق هذا النوع من المخلوقات من الإنس والجن من أجل أن يُعبد بذكره وشكره، فعبادة الله ذكر الله وشكره، طاعته فيما يأمر به وينهى عنه.

    هكذا يقول تعالى: مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [الأحقاف:3] وهو أجل الفناء ونهاية الدنيا وهو يوم القيامة، هذه السماوات وما فيها، هذه الأرض وما فيها، كل ذلك مخلوق وله أجل سوف ينتهي إليه، فلا تبقى سماء ولا أرض.

    يقول تعالى: مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [الأحقاف:3] فمن سماه؟ الله تعالى، حدد موعده باليوم والتاريخ، باللحظة لا بالساعة والدقيقة فحسب، وهو يوم القيامة، يوم الساعة، يوم الفناء، يوم نهاية الدنيا.

    معنى قوله تعالى: (والذين كفروا عما أنذروا معرضون)

    ثم قال تعالى في خبر آخر: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3] يا للأسف! هذه العلوم والمعارف الإلهية والذين كفروا بكتابنا ورسولنا وبتوحيدنا معرضون، ما يسمعون ولا يسألون ولا يتعلمون؛ حتى لا يعبدوا الله ولا يوحدوه.

    والذين كفروا مع هذا الكمال والجمال من مظاهر القدرة والعلم والحكمة، كالموت والفناء والحياة الثانية، مع هذا كله ما يريدون أن يسمعوا!

    الآن ملايين البشر ما يريدون أن يسمعوا، هل جاءك يهودي أو نصراني وقال: أسمعني كلام الله؟ كلا. فما يريدون أن يسمعوا.

    هذا خبر الصدق أو لا؟ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا [الأحقاف:3] به وخوفوا منه، ألا وهو ذل الدنيا وخسارتها، وشقاء الآخرة ودوام عذابها،كل هذا هم عنه مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3].

    وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3] من الذي أنذرهم؟ رسل الله، ما من رسول إلا أنذر قومه عذاب الآخرة وشقاء الدنيا وخسرانها، وهذا خاتمهم وسيدهم صلى الله عليه وسلم أنذر أبيضهم وأصفرهم، وخوفهم عذاب الله في الدنيا والآخرة، ولكنهم معرضون إلى الآن.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ...)

    ثم قال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ [الأحقاف:4]، قل يا رسولنا أيها المبلغ عنا، قل لهؤلاء الكافرين المعرضين: أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الأحقاف:4].

    قُلْ [الأحقاف:4] يا رسولنا قل لهؤلاء الكافرين المشركين الذين يعبدون الأصنام والأحجار: أخبروني، أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأحقاف:4] من الأصنام والأحجار، من الإنس والجن، من الملائكة.. كل ما تدعون من دون الله، أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ [الأحقاف:4] ولو بعوضة، فكيف إذاً تدعوه وتقف أمامه تبكي وتدعو وأنت تعرف أنه ما خلق شيئاً، ما خلقوا -والله- ولا بعوضة، فكيف يُدعون؟ فكيف تطلب منهم الحاجات؟ كيف يتوسل بهم؟ والله! ما هو إلا تزيين الشيطان وتحسين إبليس فقط، وإلا فكيف يقف أمام صنم ويدعوه، هل يسمع أو يبصر؟

    وقد ذهب أهل الأصنام وجاء أهل القبور، يقف أمام القبر: يا سيدي فلان، يا فلان، أنا كذا، أنا كذا! ونحن نقول: والله! لو وقف ألف عام ما استجاب له، لا ساعة يضيعها بل ألف سنة.

    يقول تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ [الأحقاف:4]، في سماء من السماوات السبع، أو في كل الكون؟ الجواب: لا.

    معنى قوله تعالى: (ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين)

    اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا [الأحقاف:4] هاتوا كتاباً أنزله الله على نبي من أنبيائه كموسى أو عيسى يأذن فيه بعبادة الأصنام ودعاء الأموات.

    اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف:4]، تنقلون عن فلان أو فلان أنه يجوز دعاء كذا أو عبادة كذا، والله! لا هذا ولا ذاك.

    فالله تعالى يأمر نبيه أن يقول لهم: أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي [الأحقاف:4] يا مشركون، ائتوني بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا [الأحقاف:4]، من قبل هذا الكتاب القرآن العظيم.

    أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف:4]، أثارة من علم: بقية علم يتناقلها الناس، ما هناك لا هذا ولا ذاك، والله! لا يوجد من كتاب الله ولا من كلام أنبيائه ورسله وصالح عباده ما يسمح لإنسان أن يدعو غير الله أبداً، لماذا؟ لأن غير الله ما يستجيب، فما عنده شيء، ما يملك شيئاً، ما يعرفك، ما يقوى على أن يكلمك.

    ومع الأسف الآن المسلمون في ديارهم شرقاً وغرباً الجهلة منهم والضالون يدعون الأولياء: يا سيدي فلان! يا مولاي فلان! يا كذا! أنا كذا! يخاطبونهم كأنما يخاطبون الله وهم أموات لا يسمعون ولا يستجيبون لهم.

    وبلغني مع الأسف رسالة من حضرموت أن قبر هود عليه السلام يعبدونه عبادة محضة والعياذ بالله، ويحجونه حجاً، ويعينون له يوم الحج من شعبان.. وهكذا، رسالة بينت ذلك الخطأ والفحش القبيح.

    تقرير الآية الكريمة تحريم سؤال غير الله تعالى

    هكذا يقول تعالى وقوله الحق: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأحقاف:4]، أي: تطلبون حاجاتكم، أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ [الأحقاف:4]، لا شيء، أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ [الأحقاف:4]؟ لا شيء، اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا [الأحقاف:4] القرآن يبيح لكم دعاء غير الله، أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الأحقاف:4]، إذاً: فأنتم -والله- كاذبون، ما أنتم بصادقين.

    وهكذا قررت الآية أنه لا يحل لأحدنا أن يسأل غير ربه، لا رسول الله ولا فاطمة ولا الحسن ولا الحسين ولا عبد القادر الجيلاني ولا قبر هود المزعوم أبداً، ما عندنا إلا الله، ويكفينا أنه يسمع كلامنا ويعرف حاجاتنا ويقدر على إعطائنا؛ إذ هو رب كل شيء ومليكه بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير، هو السميع البصير، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، هذا الذي يجب أن نبكي بين يديه وأن نرفع أكفنا إليه، أما أمام القبور والأصنام والأحجار فهذا من الشرك -والعياذ بالله- الذي نزل القرآن لإبطاله والقضاء عليه، وأحياه الشيطان.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة ...)

    ثم قال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [الأحقاف:5] والله! لا أضل منه.

    وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6] لا إله إلا الله! والله لو كان المسلمون من القرن الرابع يجتمعون على كتاب الله ما انتشر بينهم الشرك أبداً، ولكن لا يقرءون القرآن، يقرءونه على الموتى فقط، فأي بيان أعظم من هذا البيان؟

    اسمع هذا الخبر: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ [الأحقاف:5-6] يوم القيامة كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً [الأحقاف:6]، والله! ليكونن عبد القادر الجيلاني عدواً لكل من دعاه وقرب إليه وذبح له، وعيسى كذلك، والأحجار تنطق أيضاً والأصنام وتشهد عليهم بالباطل وتتبرأ منهم.

    وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً [الأحقاف:5-6] يوم القيامة، هل يكونون لهم أصدقاء؟ هل يطلبون لهم العفو من الله؟ كلا. كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:6] ما يسلمون بها ولا يقرونها ولا يصدقونهم فيها.

    وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً [الأحقاف:6] متى يحشر الناس؟ يوم القيامة، كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً [الأحقاف:6]، العدو يقف في جانب وأنت في جانب، ما يؤويك ولا ينصرك، فهؤلاء يتبرءون منهم يوم القيامة: وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:6].

    فالحمد لله على أن وفقنا الله وعلمنا الله، وأصبحنا أهل لا إله إلا الله، لا ندعو ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً ولا عبداً صالحاً، فضلاً عن القبور والأشجار والأحجار، وإنما ندعو الرب تعالى خالق كل شيء ومالك كل شيء، هو الله الذي لا إله إلا هو، يقول: ادعوني أستجب لكم، نرفع أكفنا إليه سائلين ضارعين ندعوه في سجودنا، في ركوعنا، وهو معنا يسمعنا ويقدر على إعطائنا ومنعنا، فاللهم لك الحمد.. اللهم لك الحمد.. اللهم لك الحمد.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: إثبات النبوة المحمدية بتقرير أن القرآن تنزيل الله على رسوله المنزل عليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم ].

    من هداية هذه الآيات التي تدارسناها: تقرير النبوة المحمدية، تقرير أن محمداً رسول الله، والدليل هو نزول القرآن عليه، فمن أنزله؟ الله، وعلى من أنزله؟ والله! لقد أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم.

    [ ثانياً: انتفاء العبث عن الله تعالى في خلقه السماوات والأرض وما بينهما وفي كل أفعاله وأقواله ].

    من هداية هذه الآيات: نفي اللهو واللعب عن الله، حاشاه تعالى أن يلهو أو يلعب، وأن يخلق شيئاً بلا علم ولا حكمة أبداً، وأن يعطي الشيء بلا حكمة ولا علم أبداً، فهو تعالى منزه عن اللهو والعبث واللعب.

    [ ثالثاً: تقرير حقيقة علمية، وهي: من لا يخلق لا يُعبد ].

    تقرير حقيقة علمية منطقية فلسفية، وهي: من لا يخلق لا يُعبد أبداً، وإنما يُعبد من يخلق، الذي خلقني هو الذي أعبده، والذي ما خلقني كيف أعبده؟ من لا يخلق لا يُعبد، هذه قاعدة علمية فلسفية لا يستطيع أحد أن ينفيها.

    فمن خلق السماوات والأرض والكون وخلقنا؟ الله، إذاً: والله! لا إله إلا الله، لا يُعبد إلا هو، بم يُعبد؟ بما أحب أن نعبده به راكعين ساجدين، صائمين مفطرين، ذاكرين شاكرين.. بهذه العبادات نعبده، من أجل ماذا؟ من أجل إسعادنا وإكمالنا في الدنيا والآخرة.

    [ رابعاً: بيان أنه لا أضل في الحياة من أحد يدعو من لا يستجيب له أبداً، كمن يدعو الأصنام والقبور والأشجار بعنوان التوسل والاستشفاء والتبرك ].

    من هداية هذه الآيات: أنه لا يوجد من هو أضل وأعمى وأجهل ممن يدعو غير الله عز وجل، لا يوجد أضل من هذا المخلوق، كيف يدعو ميتاً؟ اذهبوا إلى مصر وادخلوا إلى قبر السيدة زينب واسمعوا بآذانكم، والله! لقد سمعناهم بآذاننا يدعون وينادون، وهذه مصر دار العلم ودار الأزهر! أما باقي البلاد فلا تسأل.

    ومن أقبح ما بلغني: ما يجري في حضرموت في الأحقاف، وسوف نتعرض لهذا في درس الأحقاف في الآيات الآتية إن شاء الله تعالى.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765788299