براءة الرؤساء في الضلالة من المرءوسين
معنى قوله تعالى: (ما كانوا إيانا يعبدون)
هداية الآيات
قال الشارح: [ أولاً: التنديد بالشرك والمشركين ]، فالآيات التي تدارسناها أول ما فيها من هداية: أنها تندد بالشرك والمشركين، والتنديد هو عيبهم وسبهم وشتمهم وتقبيحهم، أي: تندد بالشرك والمشركين حتى نبتعد عن الشرك وعن المشركين.
قال: [ ثانياً: براءة الرؤساء في الضلالة من المرءوسين ]، أي: براءة الرؤساء الذين فتحوا الحانات للخمر، وبيوت الدعارة للزنا، والبنوك للربا، إذ يحاول المرتابون أن يعتذروا بهؤلاء الرؤساء فيتبرءون منهم ويقولون: ما أغويناكم، إذ ما أمرناكم ولا أجبرناكم ولا اضطررناكم إلى هذا، بل أنتم اتبعتمونا.
قال: [ ثالثاً: التحذير من الغواية وهي الضلال والانغماس في الذنوب والآثام ]، أي: التحذير من الغواية التي هي الظلم والخبث والشر والفساد والكفر والشرك، إذ الآيات قد حذرت من هذا.
قال: [ رابعاً: خذلان المعبودين عابديهم يوم القيامة وتبرؤهم منهم ]، وذلك كعيسى عليه السلام وأمه عليها السلام وأوليائنا الذين عبدناهم في كل بلد، وذبحنا لهم وحلفنا بهم، وعكفنا عليهم، فهؤلاء والله ليتبرءون منا يوم القيامة، ولن يعترفوا أننا عبدناهم، بل وما يستطيعون، إذ يتبرءون منهم.
قال: [ خامساً: باب التوبة مفتوح لكل عبد مهما كانت ذنوبه، ولا يهلك على الله إلا هالك ]، من هداية هذه الآيات التي تدارسناها: أن باب التوبة مفتوح على مصراعيه ليلاً ونهاراً، للأبيض والأسود، للأصفر والأحمر، للإنس والجن، فأيما كافر أو مشرك أو فاجر أو فاسق أراد أن يتوب إلى الله، وتخلى عن ذلك تاب الله عليه ودخل الجنة، وهذه نعمة عظيمة، إذ لو كان باب التوبة مغلقاً فهل ينفعنا أن نبكي وأن نضرب رءوسنا؟ والله إنه سيأتي يوم لا تنفع فيه التوبة ولا تقبل! واقرءوا: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [الأنعام:158]، فبمجرد ما تطلع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة نهائياً، الفلك يدور، أي: لما يقرب الوقت عند ذلك لا تواصل الشمس دورتها، بل ترجع إلى الوراء، فإذا ظهرت أو طلعت الشمس من المغرب فهي آية نهاية الدنيا وإيذان بخراب العالم، ومن ثم لا تقبل توبة عبد أبداً، وإنما الكافر كافر، والمؤمن مؤمن، والفاجر فاجر، والبار بار، والصالح صالح.