أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ * قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:41-44].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! تقدم لنا في السياق الكريم من كلام رب العالمين أن امرأة ملكة تسمى بلقيس كانت تملك اليمن، وكانت من سبأ، وهي منطقة قريبة من صنعاء، وكانت ملكة ذات فطنة وإدراك، ووعي وبصيرة. وأن سليمان لم يكن قد اطلع بعد ذلك على هذه المملكة، في حين أنه يتقدم إلى كل بلد ليدخله في مملكته. وشاء الله أن يفقد الهدهد في تجمع عسكره ورجال جيشه من الإنس والجن والطير، ففقد الهدهد فسأل عنه، ثم جاء الهدهد فسأله: أين كنت؟ وكيف غبت؟ فقال: أتيتك بكذا وكذا، وقال: وجدت امرأة تملك قوماً، ولها عرش، ولها كذا، فكتب له سليمان كتاباً وقال له: خذ هذا الكتاب وألقه إلى الملكة، وبالفعل دخل من كوة في الجدار من حيث تشرق الشمس؛ لأنها كانت تعبد الشمس مع قومها، وكلهم كافرون مشركون، يعبدون الشمس، فقرأت الكتاب وإذا فيه: إما أن تأتي وإما أن نأتي بك أنت ورجالك، وفيه أيضاً: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:31]. فقبل أن تزحف إليه برجالها قادمة، بعثت إليه ببعثة من الشبان والشابات في زي واحد من اللباس؛ تمتحن سليمان، هل هو رجل دين أو رجل دنيا؟ وعرف سليمان ذلك، ورفض مقابلة النساء، وأمرهن بنزع لباس الرجال، وقال لرجاله: ائتوني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين.
وأخبر تعالى أنه كان هناك عبداً من عباد الله الصالحين سأل ربه ودعاه أن يحضر هذا العرش؛ فحضر. وقد بينا أنه سليمان، قال تعالى: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [النمل:40]. وأما الأول وهو العفريت المسمى كوزن فقد قال: أنا آتيك بالعرش قبل أن تقوم من مقام القضاء، يعني: نصف النهار سأحضر العرش.
وأما حضور العرش فمن الجائز أن يكون غاص في الأرض وخرج به في لحظات، أو رفع إلى السماء ووضع بين يدي سليمان، والله على كل شيء قدير، فهو يقول للشيء: كن فيكون.
قال تعالى هنا أن سليمان قال لرجاله: نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا [النمل:41]. وهذا لما وصل العرش وهي ماشية وآتية مع رجالها، ولم تكن قد وصلت. فقال: غيروا هذا العرش، وبدلوا فيه أشياء؛ حتى ندري أتعرفه أو لا تعرفه، كما اختبرته هي بالشباب مع الشابات، فأراد أن يمتحنها هي أيضاً. فقال: غيروا هذا السرير، وزيدوا وانقصوا فيه، وانظروا بعد ذلك أتعرفه أو لا تعرفه، ولذلك قال: قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ [النمل:41]. فإن اهتدت وعرفت فمعناه: أنها ذكية فطنة، وإن قالت: ليس هو فهي بليدة وغبية.
ولذلك قال سليمان: قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي [النمل:41]، أي: ننظر أتهدي إلى معرفته، أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ [النمل:41]، لغباوتهم وجهلهم. وبالفعل غيروا العرش، أي: السرير. والمراد من العرش هنا هو سرير الملك، فزادوا ونقصوا فيه، وبدلوا ورفعوا وخفضوا. فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ [النمل:42]، أي: قال لها سليمان أو رجاله: أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ [النمل:42]. ولم تجزم بأنه هو؛ حتى لا تقف موقف الجهل، ولم تنفه وتقول: ليس هو، بل قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ [النمل:42]. والقائل لهذا القول بعض الروايات تقول: إنه أحد رجالها هي، وبعضهم يقولون: هي التي قالت هذا القول. والصحيح والراجح أنه قول سليمان عليه السلام، فهو الذي قال: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا [النمل:42]، أي: أعطانا ربنا النبوة والعلم والحكمة قبل بلقيس وذكائها وجيشها، وما عندها من الملك والعرش. وَكُنَّا مُسْلِمِينَ [النمل:42]. ويصح أن تكون هي التي قالت هذا، فقد أسلمت وجاءت مسلمة.
وثلاثة الذين ملكوا الأرض بكاملها: سليمان بن داود، وذو القرنين ، وبختنصر . فهؤلاء ملكوا المعمورة، ولكن لم يملكوها في يوم واحد أو عام واحد، بل بالسنين وتواليها. ولهذا اليمن في جنوب الشام على مسافة شهرين منها، ولكنها دخلت في رحمة الله.
إذاً: قال تعالى هنا: وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ [النمل:43]. جاحدين لله ووحدانيته.
وكان للملك سليمان قصر عظيم، وكان البهو أمامه، فصنعوا حوضاً أسفل وزجاجاً والملك سليمان جالس هناك مع رجاله من الإنس والجن، ثم قالوا: تفضلي ادخلي على الملك، فلما دخلت وجدت المياه، وعليها الزجاج والقوارير، فظنت أو فهمت أن تدخل الماء، فما كان منها إلا أن كشفت عن فخذيها، ورفعت ثيابها، فظهر الشعر الذي فيها، وظهر أن رجلها كرجل الآدمي، وليس كرجل حمار. واقرءوا لذلك قول الله تعالى: قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ [النمل:44]. والصرح: البناء العالي، فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً [النمل:44] من ماء، وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا [النمل:44].
وأزيدكم علماً: شيخكم عاش في بلاد مستعمرة لفرنسا، ووالله وأنا طفل كان يأتي الحاكم الفرنسي لزيارة البلاد وامرأته معه، وكانت والله معطية وجهها بغطاء أسود كالسعودية الآن. ولم تكن أبداً النساء سافرات فاجرات، يكشفن عن سوقهن وأفخاذهن قط.
ثم قالوا: ما دام هذا الحجاب وهذا التحفظ موجوداً بين النساء فإن المسافة تبقى بعيدة، فهيا نقضي على شيء اسمه حياء وحشمة واحتشام، فأصبحت الفرنسية والإيطالية تكشف عن فخذيها وتمشي، وحتى انتقل هذا إلى بلاد العرب والمسلمين. وهذا من صنع اليهود. وإلا فالمرأة منذ خلق الله حواء إلى عهد قريب لم تكن تكشف عن فخذيها وساقيها أبداً.
والآن هذا دليل واضح، وهو قوله تعالى: قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً [النمل:44]، أي: ماء يرتفع وينخفض، وكانت الحياتان فيه، فظنت أنه ماء، وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا [النمل:44]، لتدخل الماء، فظهر أنه ليس برجليها عرج ولا عيب، ولا رجلها رجل حمار، ولكن كان الشعر موجوداً. وتقول الروايات: شكا سليمان هذا الشعر إلى الجن، فأوجدوا مادة النورة التي تزيل الشعر. هكذا ذكر القرطبي وغيره. فمادة النورة من صنع الشياطين على عهد سليمان، وهي يزال بها الشعر، كما يزال بالسكين والموس في الحلق. فصنعوا النورة حتى يزيل ذاك الشعر الفخذ عن الملكة بلقيس .
إذاً: قال تعالى: قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا [النمل:44]. فقال لها قائل إما سليمان عليه السلام أو من رجاله: إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ [النمل:44] فقط. والقوارير جمع قارورة، وهي من زجاج.
وهناك لما ضبط أنها ليست بالكاملة؛ لأنها انخدعت، فقد كانت تنظر وتتأمل كيف تدخل هذا الماء وهذا الصرح؟ فلما انهزمت أعلنت عن إسلامها، قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:44]. ونحن أسلمنا مع محمد لله رب العالمين.
وأما هل تزوجها سليمان أو لم يتزوجها؟ وهل بقيت معه في الشام أو عادت إلى مملكتها؟ فالروايات كثيرة عن بني إسرائيل. ومنها روايات تقول: تزوجها وبعث بها إلى مملكتها. وهذا لا يصح. وأما كونه تزوجها فمن الجائز أن يتزوجها، ولا حاجة إلى هذا، ولا فائدة فيه أبداً.
والشاهد عندنا هو: ما أوحاه الله وقصه على نبينا صلى الله عليه وسلم من هذه القصص البعيدة في التاريخ والزمان، حتى كأننا نشاهدها، وكأننا حاضرون فيها. ولو لم يكن رسول الله حقاً لما أوحي إليه هذا، ولذلك فوالله إن محمداً رسول الله، ولو نقطع .. لو نصلب .. لو نحرق فإننا لا نستطيع أن ننفي هذا، ونقول: ليس هو برسول.
وهذه القصص تقرر أولاً: مبدأ لا إله إلا الله. وثانياً: تقرر مبدأ محمد رسول. وثالثاً: تقرر أن الدار الآخرة حق، وأن الجزاء يتم فيها، وليس في هذه الدار.
وهذه اللطيفة التي قررناها قد قررناها مراراً، فلو سئلت عن السر في خلق هذه الحياة فالجواب ما يختلف، وهو: من أجل أن يعبد الله فيها. والسر في خلق الحياة الثانية ونقل البشرية إليها من أجل الجزاء على الكسب في هذه الدنيا والله العظيم.
قال: [ معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم فيما دار من أحاديث بين سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ، لقد خرجت هي في موكبها الملكي بعد أن احتاطت لعرشها أيما احتياط ] وقد بينا بالأمس أنها جعلته في داخل سبعة غرف، وتركت الحرس من فوقه ومن تحته يحرسونه [ إلا أن العرش وصل قبلها ] إلى الشام [ بدعوة الذي عنده علم من الكتاب ] والراجح أنه سليمان [ وقبل وصولها أراد سليمان أن يختبر عقلها من حيث الحصافة ] العقلية [ أو الضعف، فأمر رجاله أن يغيروا عرشها بزيادة ونقصان فيه؛ حتى لا يعرف إلا بصعوبة، كما قال عليه السلام: نَنظُرْ أَتَهْتَدِي [النمل:41] إلى معرفته، أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ [النمل:41] لضعف عقولهم. فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ [النمل:42]؟ فشبهوا عليها في التغيير وفي التعبير ] فقالوا: أَهَكَذَا [النمل:42]؟ [ إذ المفروض أن يقال لها: هذا عرشك؟ ] وهذا وجه التشبيه [ ومن هنا فطنت ] وتفطنت [ لتشبيههم، فـ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ [النمل:42]. إذ لو قالت: هو لقالوا: كيف يكون هو والمسافة مسيرة شهرين؟ ولو قالت: ليس هو لقيل لها: كيف تجهلين سريرك؟ فكانت ذات ذكاء ودهاء. ومن هنا قال سليمان لما أعجب بذكائها: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ [النمل:42] ] ولم تستأثر علينا ولم تسمو ولم تعلو [ فحمد الله وأثنى عليه ] سليمان [ ضمن العبارة التي قالها ] وهي قوله: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ [النمل:42]. والذي آتاه العلم هو الله جل جلاله، فحمده وأثنى عليه.
[ وقوله وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ [النمل:43]، اتباعاً لقومها ] ويمكن أنها كانت تعرف أن هذه العبادة باطلة، وأن الذي يعبد هو الله، ولكن بحكم أنها ملكة وتحكم البلاد لم تخرج عن شعبها، بل استمرت على الباطل اتباعاً لقومها [ إذ كانوا يعبدون الشمس من دون الله ] وإلا فبذكائها وفطنتها تعرف أن الشمس مخلوقة مربوبة، فلا تعبد، ولكن عبدتها مجاراة للشعب؛ لتكون ملكة، وسكتت عنهم [ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ [النمل:43]. فهذا سبب عدم إيمانها وتوحيدها، وهو ما كان عليه قومها.
وجلس سليمان في بهو صرحه، وكان البهو تحته بركة ماء عظيمة، فيها أسماك كثيرة، وللماء موج، وسقف البركة مملس من زجاج، ومع سليمان جنوده من الإنس والجن يحيطون به، ويحفونه من كل جانب، وأمرت أن تدخل الصرح؛ لأن سليمان الملك يدعوها ] أن تدخل إليه [ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً [النمل:44] ] أي: ماء [ وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا [النمل:44]. فقال لها سليمان: إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ [النمل:44]، أي: مملس، مِنْ قَوَارِيرَ [النمل:44] زجاجية. وهنا وقد بهرها الموقف، وعرفت أنها كانت ضالة و] كانت [ ظالمة نطقت قائلة: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:44]. وبهذا أصبحت مسلمة صالحة، ولم يذكر القرآن عنها بعد شيئاً، فلنسكت عما سكت عنه القرآن ] ولا نقول: تزوجت سليمان أو لم تتزوجه.
[ من هداية الآيات:
أولاً: جواز اختبار الأفراد إذا أريد إسناد أمر لهم؛ لمعرفة قدرتهم العقلية والبدنية ] وهذه معمول به في الدول وفي غير الدول. ففي هذا جواز اختبار من يسند إليه أمر؛ حتى يتبين هل هو قادر على ذلك أو عاجز. وسليمان اختبرها.
ففي الآية مشروعية وجواز اختبار الأفراد ومن هيئ لعمل من الأعمال وامتحانه؛ حتى يرى هل هو قادر على القيام به أو غير قادر. وأيضاً لمعرفة قدرتهم العقلية والبدنية. وقد سبق بهذا القرآن، وهذا معمول به عندنا، حتى في المدرسة، ولكن القرآن سبق به.
[ ثانياً: بيان حصافة عقل بلقيس ] وقوة ذكائها وفهمها [ ولذا أسلمت، ظهر ذلك في قولها: كَأَنَّهُ هُوَ [النمل:42] ] ولم تقل: هو أو ليس هو، بل قالت: كَأَنَّهُ هُوَ [النمل:42]. ولم تنفه ولم تثبته؛ لأنه مبدل مغير، وهذا لذكائه وفطنتها، ولولا ذكاؤها وفطنتها لما استطاعت أن تملك وتحكم وتسود، ولكنها كانت ملكة ذكية، فطنة على بصيرة. وقد قلت لكم: كان المفروض ألا تكفر وألا تعبد الشيطان، ولا تعبد الشمس، ولكن حب الدنيا والرياسة والملك جعلها تمشي مع شعبها، وهي على بصيرة.
[ ثالثاً: مضار التقليد، وما يترتب عليه من التنكر للعقل والمنطق ] فالتقليد ضار والله، ويترتب عليه الفساد، وهذا كمن قلد إنساناً في الجهل، أو في الفسق والفجور، فإنه يصبح فاجراً فاسقاً، أو قلده حتى في الإلحاد والكفر فإنه يصبح ملحداً. فالتقليد مذموم، ولا يقبل أبداً، بل لابد وأن نأخذ الشيء بالبرهان والحجة والدليل، وخاصة مسائل الدين والعبادة.
[ رابعاً: حرمة كشف المرأة ساقيها حتى ولو كانت كافرة، فكيف بها إذا كانت مسلمة؟ ] وهذا كما قدمنا. فالكافرة لا يجوز لها أن تكشف عن ساقيها؛ لأنها تريد الخلاعة والدعارة والخراب في الأرض، وإذا كانت مسلمة فمن باب أولى.
والساق من الركبة إلى الكعب فقط، وأما الفخذ فلا تسل عنه. والآن يكشفن أفخاذهن والعياذ بالله، وهذا مسخ كامل. وسبب هذا المسخ اليهود؛ ليهبطوا بالبشرية حتى تلصق بالأرض، ويملكونها ويحكمونها، كما يفكرون ويقولون.
[ خامساً: فضيلة الإئتساء بالصالحين، كما ائتست بلقيس بسليمان في قولها: وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:44] ] فـبلقيس اقتدت بسليمان، وأعلنت عن إسلامها؛ لما شاهدت من الكمالات ومن الحق والعلم، كما قال تعالى: وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:44]. ففي هذا مشروعية الاقتداء بالصالحين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر