إسلام ويب

تفسير سورة الأنبياء (11)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جرت سنة الله عز وجل بإنجائه أنبياءه وأتباعهم المؤمنين، واستخلافهم في الأرض بعد أخذ الكافرين وحلول العذاب بهم، ومن هؤلاء الأنبياء لوط عليه السلام، فقد أنجاه الله عز وجل من القرية التي كانت تعمل الخبائث، وأدخله سبحانه في رحمته، ومنهم نوح عليه السلام حيث أنجاه من قومه ونصره عليهم، وأخرجه وأهله من بين أظهرهم ثم أغرق الكافرين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ * وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الأنبياء:73-77].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا جل ذكره: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً [الأنبياء:73]. وهؤلاء الذين جعلهم الله أئمة هم إبراهيم وولده إسحاق وحفيده يعقوب، هؤلاء الثلاثة؛ إذ تقدم ذكرهم في الآية السابقة. والذي جعلهم أئمة هو الله جل جلاله.

    ومعنى أئمة: يقتدى بهم، فيصلون ويؤتم بهم، ويدعونهم يوجهونهم يعلمونهم، فكل ذلك من مقتضى كونهم أئمة، أي: هداة ودعاة ومبلغين. والذي جعلهم أئمة هو الله، الذي شاء أن ينبئهم، وأن يرسلهم، فكانوا أنبياء رسلاً عليهم السلام.

    وقوله تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [الأنبياء:73] أي: يهدون الناس والعباد الضلال إلى الإيمان وصالح الأعمال؛ لينجوا من العذاب والخزي في الدنيا والآخرة.

    وهم يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [الأنبياء:73] لهم بذلك، وتعليمنا لهم ذلك. هكذا يقول تعالى ممتناً عليهم، فهو يقول: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [الأنبياء:73] أولاً.

    بيان ما أوحاه الله تعالى إلى إبراهيم وأبنائه

    قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73].

    وهناك كلمة عند أهل اليمن سمعناها من الطلاب والعوام، وهي: أنهم يقولون: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، وهذا موافق لقوله تعالى وقوله الحق في سورة السجدة: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24]. فكلمة بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين كلمة عامية، وهي من القرآن. فالصبر واليقين بهما تنال الإمامة في الدين. فإذا أردت أن تكون إماماً للناس إذاً فعليك بالصبر واليقين.

    واليقين هو: إيمانك بكل ما أمر الله بالإيمان به يقيناً لا يخالطه شك ولا ارتياب أبداً.

    وهنا يقول تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ [الأنبياء:73] الأمر بـ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73]. والذي أخبر بهذا الخبر في مكة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يستطع أحد أن يقوله غيره. فهذا وحي الله الذي أنزل على محمد، فهو رسول الله إذاً.

    وهذه الآية كما تقرر التوحيد تقرر النبوة المحمدية؛ إذ لولا أنه رسول الله لما أمكنه أن يأتي بهذا الكلام؛ لأنه لن يجد من يحدثه ويخبره به.

    وقد علمنا أن السور المكيات يعالجن العقيدة والتوحيد، والنبوة، والبعث الآخر.

    وقوله تعالى: فِعْلَ الْخَيْرَاتِ [الأنبياء:73] الخيرات: هي النوافل والصالحات. وَإِقَامَ الصَّلاةِ [الأنبياء:73] كما تعلمون، وهي: أن تؤدى بشروطها وبأركانها، وبفرائضها وبواجباتها على النحو الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي؛ إذ قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ). فتصلى في بيوت الله مع جماعة المؤمنين. وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ [الأنبياء:73]: إخراجها وإعطاؤها لمن بين تعالى أنها تصرف لهم. وَكَانُوا لَنَا [الأنبياء:73] نحن رب العزة والكمال عَابِدِينَ [الأنبياء:73] لنا، أي: خاضعين خاشعين منقادين، يعملون بأمرنا، وينتهون بنهينا. فالعبودية لا تكون إلا لله، أي: الطاعة التي فيها الذل والمسكنة لا تكون إلا لله.

    وقوله: وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73] أي هؤلاء الثلاثة، إبراهيم وإسحاق ولده، ويعقوب ولد إسحاق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087794090

    عدد مرات الحفظ

    774045612