إسلام ويب

تفسير سورة الأنبياء (11)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جرت سنة الله عز وجل بإنجائه أنبياءه وأتباعهم المؤمنين، واستخلافهم في الأرض بعد أخذ الكافرين وحلول العذاب بهم، ومن هؤلاء الأنبياء لوط عليه السلام، فقد أنجاه الله عز وجل من القرية التي كانت تعمل الخبائث، وأدخله سبحانه في رحمته، ومنهم نوح عليه السلام حيث أنجاه من قومه ونصره عليهم، وأخرجه وأهله من بين أظهرهم ثم أغرق الكافرين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ * وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الأنبياء:73-77].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا جل ذكره: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً [الأنبياء:73]. وهؤلاء الذين جعلهم الله أئمة هم إبراهيم وولده إسحاق وحفيده يعقوب، هؤلاء الثلاثة؛ إذ تقدم ذكرهم في الآية السابقة. والذي جعلهم أئمة هو الله جل جلاله.

    ومعنى أئمة: يقتدى بهم، فيصلون ويؤتم بهم، ويدعونهم يوجهونهم يعلمونهم، فكل ذلك من مقتضى كونهم أئمة، أي: هداة ودعاة ومبلغين. والذي جعلهم أئمة هو الله، الذي شاء أن ينبئهم، وأن يرسلهم، فكانوا أنبياء رسلاً عليهم السلام.

    وقوله تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [الأنبياء:73] أي: يهدون الناس والعباد الضلال إلى الإيمان وصالح الأعمال؛ لينجوا من العذاب والخزي في الدنيا والآخرة.

    وهم يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [الأنبياء:73] لهم بذلك، وتعليمنا لهم ذلك. هكذا يقول تعالى ممتناً عليهم، فهو يقول: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [الأنبياء:73] أولاً.

    بيان ما أوحاه الله تعالى إلى إبراهيم وأبنائه

    قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73].

    وهناك كلمة عند أهل اليمن سمعناها من الطلاب والعوام، وهي: أنهم يقولون: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، وهذا موافق لقوله تعالى وقوله الحق في سورة السجدة: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24]. فكلمة بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين كلمة عامية، وهي من القرآن. فالصبر واليقين بهما تنال الإمامة في الدين. فإذا أردت أن تكون إماماً للناس إذاً فعليك بالصبر واليقين.

    واليقين هو: إيمانك بكل ما أمر الله بالإيمان به يقيناً لا يخالطه شك ولا ارتياب أبداً.

    وهنا يقول تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ [الأنبياء:73] الأمر بـ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73]. والذي أخبر بهذا الخبر في مكة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يستطع أحد أن يقوله غيره. فهذا وحي الله الذي أنزل على محمد، فهو رسول الله إذاً.

    وهذه الآية كما تقرر التوحيد تقرر النبوة المحمدية؛ إذ لولا أنه رسول الله لما أمكنه أن يأتي بهذا الكلام؛ لأنه لن يجد من يحدثه ويخبره به.

    وقد علمنا أن السور المكيات يعالجن العقيدة والتوحيد، والنبوة، والبعث الآخر.

    وقوله تعالى: فِعْلَ الْخَيْرَاتِ [الأنبياء:73] الخيرات: هي النوافل والصالحات. وَإِقَامَ الصَّلاةِ [الأنبياء:73] كما تعلمون، وهي: أن تؤدى بشروطها وبأركانها، وبفرائضها وبواجباتها على النحو الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي؛ إذ قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ). فتصلى في بيوت الله مع جماعة المؤمنين. وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ [الأنبياء:73]: إخراجها وإعطاؤها لمن بين تعالى أنها تصرف لهم. وَكَانُوا لَنَا [الأنبياء:73] نحن رب العزة والكمال عَابِدِينَ [الأنبياء:73] لنا، أي: خاضعين خاشعين منقادين، يعملون بأمرنا، وينتهون بنهينا. فالعبودية لا تكون إلا لله، أي: الطاعة التي فيها الذل والمسكنة لا تكون إلا لله.

    وقوله: وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73] أي هؤلاء الثلاثة، إبراهيم وإسحاق ولده، ويعقوب ولد إسحاق.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً ...)

    قال تعالى: وَلُوطًا [الأنبياء:74] أيضاً، أي: وآيتنا لوطاً. ولوط هذا نبي الله ورسوله، أرسله إلى قرى، والقرى يومئذ هي المدن، ومن بين هذه القرى سدوم وعمورة. فلما ذهب إبراهيم إلى مصر ترك ابن أخيه لوطاً، وقد نبأه الله وأرسله في هذه الديار، يدعو إلى الله عز وجل، وهي سدوم وعمورة وخمس قرى معها، وقد تحولت كلها إلى بحر منتن. وتعرف الآن بالبحيرة المنتنة، وهو البحر الميت.

    والقرية التي تسمى زغر نزح إليها لوط بأسرته ما عدى امرأته، ثم لما جاء الانقلاب وقلبت البلاد رأساً على عقب كان لوط قد نجا مع أسرته، إلا ما كان من امرأته.

    وقوله تعالى: وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء:74]، أي: آتيناه نحن رب العزة الحكم والقضاء، والحكمة والمعرفة، ثانياً: والعلم، أي: المعرفة بالله وبمحابه وبمكارهه، وبوعوده وبوعيده، إلى غير ذلك، ومن ذلك معرفة ما يحل الله وما يحرم، وما يجيز وما يمنع.

    الخبائث التي كان يعملها قوم لوط

    قال تعالى: وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ [الأنبياء:74]. القرية هي سدوم بفتح السين، وعمورة، فقد كان أهلهما يعملون الخبائث، والخبائث جمع خبيثة.

    ومن هذه الخبائث: أنهم كانوا يجتمعون في نادٍ، ويطأ الذكر الذكر، وهم يتفرجون.

    ثانياً: كانوا يتضارطون، ويتنافسون من هو أكثر ضراطاً من أخيه في النادي أمامهم. فكان أحدهم يرفع رجله ويضرط، ويتباهون بهذا.

    وثالثاً: الخذف، فقد كانوا يأخذون الأحجار، ويرمون بها الناس؛ استهزاء بهم وسخرية. هذه الخبائث التي كانوا يعملونها. والسبب: إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ [الأنبياء:74]. فهذا علة كونهم يرتكبون هذه الذنوب والآثام.

    ويروى أن الذي علمهم اللواط هو إبليس عليه لعائن الله، فهو الذي علمهم هذه الحالة الخبيثة التي لا يقرها إنس ولا جن، بل ولا حيوان، فالحيوان لا يفعلها.

    ومن هنا كان حكم اللواط: الموت، ففي الحديث: ( اقتلوا الفاعل والمفعول ). لأنه خروج عن الفطرة الإنسانية، وبعيد عن الإيمان والطاعة الإلهية. فكانوا يرتكبون هذه المهابط الخسيسة، فقد كانت من صفاتهم، أي: من صفات القرية التي كانت تعمل الخبائث، يعني: كان أهلها يعملون فيها الخبائث، جمع خبيثة، وهي: اللواط، والضراط، والرمي بالحصى.

    سبب ارتكاب قوم لوط للخبائث

    قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ [الأنبياء:74]. هذا تعليل من الله عز وجل، فهم قوم سوء، وليس هناك سوء أعظم من فعلهم هذا، وكانوا أيضاً قوماً فاسقين، أي: خارجين عن طاعة الله، فقد رفضوا دعوة الله، وحاولوا قتل لوط، وفعلوا ما فعلوا، فقد كانوا فساقاً.

    والفسق: الخروج عن الطاعة، فمن ترك واجباً أوجبه الله أو فعل محرماً حرمه الله يقال فيه: فاسق، ففسق خرج عن الطاعة كما تخرج الفويسقة من جحرها، ولا يقال في الشخص: فاسق إلا إذا أصبح الفسق وصفاً له؛ لكثرة ما يأتيه.

    وعندنا فاسق وعندنا الفاسق، ففاسق هو: من ارتكب محرماً أو ترك واجباً، والفاسق هو: المتصل بالفسق الذي لم يترك محرماً إلا فعله ولا واجباً إلا تركه. هذا هو الفرق بين فاسق والفاسق، فالفاسق هو: المتوغل في الفسق، أي: في معصية الله ورسوله، وفاسق: خرج عن الطاعة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين)

    قال تعالى: وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا [الأنبياء:75]، أي: أدخلنا لوطاً في رحمتنا. إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء:75]. فهنا يخبر تعالى أنه أدخل لوطاً عليه السلام في رحمته، وهي: النبوة .. الرسالة .. العبادات، وقل ما شئت، ومن ثم قيل فيه: إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء:75]. وبالأمس عرفنا الصالحين من هم، فلا نقل: إنهم بنو فلان أو بنو فلان، وإنما الصالحون هم: الذين لا يعصون الله ورسوله، ولا يؤذون عباد الله، ويؤدون حقوق الله كاملة ولا ينقصونها، ويؤدون حقوق العباد التي تجب عليهم كاملة. فمن وجب عليه الحق لأخيه فيجب أن يؤديه له، وبذلك يكون موصوفاً بالصلاح.

    ودرجة الصالحين تضم كل أهل الجنة، واقرءوا لذلك: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69] سواء كان أبيض أو أسود، والرسول أي: محمداً صلى الله عليه وسلم. فَأُوْلَئِكَ [النساء:69]، أي: المطيعون مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]. فكل نبي صالح، وكل رسول صالح.

    والصلاح وصف يقابله الفساد، والفاسد هو: الذي لا يعبد الله، لا ويلتزم بقوانينه وشرائعه، فهذا فاسق فاسد. والذي يلتزم بطاعة الله ورسوله في الأمر والنهي، ولا يؤذي مؤمناً ولا مؤمنة، بل يعطي حقوق الناس كاملة، ولا يبخسها ولا ينقصها يدخل في عباده الصالحين، ويكون إن شاء الله من الصالحين، كما قال تعالى: وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا [الأنبياء:75]، أي: أدخل لوطاً عليه السلام فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء:75]، أي: لكونه من الصالحين أدخلناه في رحمتنا، ومن أعلى مظاهر الرحمة دخول الجنة دار الأبرار.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ونوحاً إذ نادى من قبل ...)

    قال تعالى: وَنُوحًا [الأنبياء:76] أيضاً، وهذا كما قال: وآتينا لوطاً. فقال هنا: وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ [الأنبياء:76]. وقد جاء في سورة القمر: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10]. فقد دعا ربه وقال: أَنِّي مَغْلُوبٌ [القمر:10] من قومي، فَانْتَصِرْ [القمر:10] لي يا رب! وقد انتصر الله له، وأرسل عليهم الطوفان والفيضان، فأصبحت الأرض كلها ماء، وهلك كل من عليها إلا أصحاب السفينة، وكانوا نيفاً وثمانين نسمة من الرجال والنساء، وما عدى ذلك لم يبق على وجه الأرض إنسان؛ إذ تحولت الأرض كلها إلى بحر، وغرق كل من فيها. قال تعالى: وَنُوحًا إِذْ نَادَى [الأنبياء:76] ربه سائلاً داعياً مِنْ قَبْلُ [الأنبياء:76]، أي: من قبل لوط، ومن قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب؛ إذ نوح أول الرسل، وبعده إبراهيم، فنوح عليه السلام أول الرسل الذين أرسلوا برسالة يبلغوها للناس، وهي: أن يعبد الله؛ لينجو العابدون ويسعدوا، وإبراهيم بعد نوح، وإسحاق ويعقوب من باب أولى.

    وقوله تعال: وَنُوحًا [الأنبياء:76]، أي: واذكر نوحاً إِذْ نَادَى [الأنبياء:76] ربه مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الأنبياء:76]. والكرب العظيم هو: الغرق في الطوفان الذي عم الأرض كلها، فنجيناه لما دعانا، واستجبنا له وأعطيناه ما طلب منا، فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الأنبياء:76]. ومن عداهم ففي النار، فقد أغرقوا، ثم في الجحيم دخلوا. وقد دعا عليهم نوحاً وقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ [نوح:26-27]، أي: تتركهم يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [نوح:27]. فلا تبق أحداً منهم. وقد استجاب الله له، فنجاه وأهله، وكان أهله بنتان، نجاهما الله معه، وهما زيفا وزرتا، وأما امرأته فقد كانت خائنة له، فهي في جهنم، كما قال تعالى من سورة التحريم: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [التحريم:10]. وهذا مثل عجيب، فهو يقول: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا [التحريم:10] وهو: اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا [التحريم:10]، أي: المرأتان تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا [التحريم:10]. فقد كانت امرأة نوح تؤازر وتناصر الظالمين والفاسقين. وولده كنعان أيضاً في جهنم، وقد سأل ربه: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود:45-46]. والسبب: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود:46]. وفي قراءة: (إنه عَمِلَ غيرَ صالح).

    وقوله تعالى: وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ [الأنبياء:76]، أي: نادى ربه، وكيفية مناداته أن تقول: يا رب! يا رب! وهو نادى: لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26]. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [الأنبياء:76]. والقائل: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [الأنبياء:76] هو الله، فهو الذي استجاب لدعوته، وأهلك قومه إلا من نجى منهم فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الأنبياء:76]. والكرب العظيم هو: الذي لا كرب أعظم منه، وهو الغرق الذي أصاب قومه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ونصرناه على القوم الذين كذبوا بآياتنا ...)

    قال تعالى: وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأنبياء:77]، أي: ونصرنا نوحاً مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأنبياء:77]. إذ كانوا يسخرون ويستهزئون ويعبثون ألف سنة إلا خمسين عاماً، والعياذ بالله، وهم في تمرد ولهو ولعب، ولذلك وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأنبياء:77]. والسبب أننا نصرناه عليهم: إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ [الأنبياء:77]. والسوء: القبح والشر والفساد. فهم كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الأنبياء:77]. ولم ينج الله تعالى إلا من كان في السفينة التي صنعها نوح بعد أن علمه جبريل كيف يفعل، ولما دنا الوقت ركب فيها هو والمؤمنين، وكان المستهزئين يسخرون به، ويقولون: يا نوح! هل ستذهب بهذه السفينة إلى البحر، أو يأتي البحر إلى هنا؟ كحال البشر. فسخروا منه واستهزءوا به، وأراهم الله نتائج ذلك، وأصابهم بعذاب ما عرفوه، وكانت العاقبة كما قال تعالى: وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأنبياء:77]. والمراد من الآيات المكذب بها تلك المعجزات التي أظهرها الله على يد نوح، وتلك الآيات التي كان يتلقاها وفيها الأمر والنهي، وفيها التربية والتعليم؛ لأنه رسول إلى الناس، فلابد وأن يوحي الله إليه بالعلم والمعرفة، سواء في كتاب أو في غير كتاب، وهم كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الأنبياء:77]. ولاحظ أن سبب تكذيبهم لآيات الله وعلة ذلك هي: إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ [الأنبياء:77]. وليس قوم صلاح ولا طهر ولا صفاء، فلهذا سهل عليهم أن يكذبوا بآيات الله، وهذا ملاحظ، فأصحاب النفوس الدنية والأرواح المدساة المظلمة بالآثام هؤلاء هم الذين لا يجيبون النداء، ولا يستجيبون له؛ لأن قلوبهم ميتة، وأما أصحاب الأرواح الزكية والقلوب الحية فبمجرد ما ينادي المنادي أن: لا إله إلا الله يستجيبون، وبمجرد ان ينادي المنادي أن: حي على الصلاة يقومون.

    فالسبب أننا نَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الأنبياء:77]. ولم يبق أحد منهم إلا أصحاب السفينة، وكان عددهم نيفاً وثمانين رجلاً وامرأة، ومن ثم أصبح نوح كآدم أبونا الثاني. فأبونا الأول هو آدم، والأب الثاني نوح.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هيا بنا نصغي إلى دراسة هذه الآيات من الكتاب؛ لنزداد بصيرة وعلماً.

    معنى الآيات

    قال: [ معنى الآيات:

    مازال السياق الكريم في ذكر إفضال الله تعالى على إبراهيم وولده، فقال تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ [الأنبياء:73]، أي: إبراهيم وإسحاق ويعقوب ] جعلناهم [ أَئِمَّةً [الأنبياء:73] ] ونعود للكلمة اليمنية، وهي: من أراد أن يصبح إماماً فليصبر وليتيقن، ولا يبقى في نفسه شك؛ لأن الله يقول: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا [السجدة:24] على الشدة والكرب والهم من الأعداء المشركين، وكانوا موقنين بما يخبر تعالى وما يقوله لهم. فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.

    الصبر هو: حبس النفس على ما تكره، وله مواطن ثلاثة، هي: حبس النفس على ما تكره أولاً، أي: على أداء الفرائض والواجبات وفعل الخيرات.

    وثانياً: حبسها دون المعاصي، ودون فعل المحرمات وارتكاب الذنوب والآثام.

    وثالثاً: حبسها على الابتلاء، فإذا ابتلى الله الشخص بشيء سواء مرض أو جوع أو عدو فليصبر، ولا يخرج عن طاعة الله والاتصال بذكره.

    وهنا يقول تعالى وقوله الحق: وَجَعَلْنَاهُمْ [الأنبياء:73]، أي: إبراهيم وإسحاق ويعقوب أَئِمَّةً [الأنبياء:73]. جمع إمام [ هداة يقتدى بهم في الخير، ويهدون الناس إلى دين الله تعالى الحق ] وذلك [ بتكليف الله تعالى لهم بذلك ] فالله هو الذي كلفهم [ حيث نبأهم وأرسلهم، وهو معنى قوله تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [الأنبياء:73].

    وقوله: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ [الأنبياء:73]، أي: أوحينا إليهم بأن يفعلوا الخيرات، جمع خير، وهو كل نافع غير ضار ] فالخيرات جمع خير، والخير: كل نافع ليس بضار. فهذه قاعدة عامة. فكل نافع من قول أو عمل أو تفسير فهو خير، وكل ما كان غير نافع وضار فهو والعياذ بالله تعالى الشر، وليس بخير، بل الخير هو: كل نافع غير ضار [ فيه مرضاة لله تعالى. وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة.

    وقوله تعالى: وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73] ] أي: وكانوا لنا لا لغيرنا، فهم لا يعبدون سوانا، بل لنا نحن عابدين [ أي: امتثلوا أمرنا فيما أمرناهم به، وكانوا لنا مطيعين خاشعين، وهو ثناء عليهم بأجمل الصفات وأحسن الأحوال ] فقوله: وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73] هذه أجمل صفة وأعزها.

    [ وقوله تعالى: وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ [الأنبياء:74]، أي: وكما آتينا إبراهيم ] وأعطيناه [ وولديه ما آتيناهم من الإفضال والإنعام الذي جاء ذكره في هذا السياق آتينا لوطاً ] أيضاً [ وقد خرج مهاجراً مع عمه إبراهيم ] وقد علمنا هذا بالأمس. فلوط بلاده هي العراق أرض بابل أرض الأكراد، وجاء منها مهاجراً مع عمه إبراهيم. وقد عرفنا بالأمس أن أول هجرة كانت في الله هجرة إبراهيم ولوط وسارة .

    وقوله: إبراهيم وولديه يعني بولديه: إسحاق ويعقوب، والحفيد يسمى ولداً. وقوله: ما آتيناه من الإفضال والإنعام الذي جاء ذكره في هذا السياق أي: قوله تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا [الأنبياء:73]. وكذلك آتينا لوطاً وقد خرج مهاجراً مع عمه إبراهيم [ آتيناه أيضاً حكماً وعلماً، ونبوة ورسالة، متضمنة حسن الحكم والقضاء، وأسرار الشرع والفقه في الدين ] لأنه عبر عنها بالحكمة والحكم.

    فقوله: وَلُوطًا [الأنبياء:74] أي: وقد خرج مهاجراً مع عمه إبراهيم، وخرج من أرض بابل ودخل الشام وفلسطين ومصر آتيناه حكماً وعلماً، ونبوة ورسالة، متضمنة حسن الحكم والقضاء، وأسرار الشرع والفقه في الدين.

    و [ هذه منة ] أي: نعمة [ أخرى: أنا نجيناه مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ [الأنبياء:74]. وأهلكنا أهلها؛ لأنهم كانوا قوم سوء، لا يصدر عنهم إلا ما يسوء إلى الخلق ] فهذه النعمة الثانية، والأولى: أننا آتياه الكتاب والحكمة، والنعمة الثانية: أن الله نجاه من قرية السوء والعياذ بالله تعالى.

    فالله نجاه مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ [الأنبياء:74]. جمع خبيثة من الصفات والأفعال، وأهلك أهلها، أي: المدن التي فيها الخبث، وقد عرفنا أنها سدوم وعمروة؛ لأنهم كانوا قوم سوء، وليسوا قوم صلاح، بل قوم فساد، لا يصدر عنهم ولا يخرج منهم إلا ما كان سوءاً إلى الخلق. فهم [ فاسقين عن أمرنا، خارجين عن طاعتنا ] ومعنى هذا: أنهم كانوا قوماً فاسقين.

    [ وقوله: وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا [الأنبياء:75] ] أي: وأدخلنا لوطاً فِي رَحْمَتِنَا [الأنبياء:75]، بسبب [ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء:75]. وهذا إنعام آخر أعظم، وهو إدخاله في سلك المرحومين برحمة الله الخاصة؛ لأنه من عباد الله الصالحين.

    وقوله تعالى: وَنُوحًا [الأنبياء:76]، أي: واذكر يا رسولنا! في سلك هؤلاء الصالحين ] معهم [ عبدنا ورسولنا نوحاً الوقت الذي نادى ربه من قبل إبراهيم ] إذ كان قبل إبراهيم [ فقال أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10]. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [الأنبياء:76] ] وقد عرفنا أنه الغرق والطوفان [ حيث نجاه تعالى وأهله إلا امرأته وولده كنعان ؛ فإنهما لم يكونا من أهله؛ لكفرهما وظلمهما، فكانا من المغرقين.

    وقوله: وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأنبياء:77]، أي: ونصرناه بإنجائنا له منهم، فلم يمسوه بسوء، وأغرقناهم أجمعين؛ لأنهم كانوا قوم سوء فاسقين ظالمين ] فقد عاش نوح بينهم يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاماً، ومع هذا فتلك الأمم البشرية كلها غرقت، ولم ينج منها أحد.

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:

    [ من هداية الآيات:

    أولاً: فضل الدعوة إلى الله تعالى، وشرف القائمين بها ] فيا عباد الله نساء ورجالاً! ادعوا إلى ربكم، وتكون الدعوة كما قدمنا: إذا رأيت أخاك أو عمك أو قريبك في بيتك، أو زميلك في عملك يترك معروفاً فقل له: لا تترك هذا بكلمة فيها أدب، وإذا فعل مكروهاً فقل له: لا تفعل مثل هذا. فإذا فعلت هذا والله لتصبحن من الدعاة. ونحن نرغب أن نكون دعاة والله.

    [ ثانياً: ] بيان [ فضل إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل الخيرات ] وقد بين تعالى ذلك في كتابه، وحسبنا قوله: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]. فالذي يقيم الصلاة بمعنى: يؤديها على الوجه المطلوب كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم والله لتزكون نفسه، وتطيب وتطهر، وإذا زكت النفس وطابت وطهرت فوالله إن صاحبها لا يرضى أن يلوثها بجريمة من الجرائم، ولا يقدر على هذا أبداً، ولكن إذا كانت مريضة خبيثة فإنه يسهل عليها أن تنغمس في الفساد والشر.

    وأما إيتاء الزكاة معاشر المؤمنين! وإعطاء الزكاة فهو فريضة من فرائض الله على عباده، فإيتاء الزكاة ركن، وقاعدة من قواعد الإسلام الخمس. وكل عمل يزكي النفس هو من الزكاة، فكل قول أو عمل يزكي نفسك ويطيبها فهو من الزكاة.

    وفعل الخيرات كما قدمنا، فهو: كل ما رغب فيه الله تعالى ورسوله من صيام وصلاة، وعبادات وفعل خير.

    وكل ما ينفع ولا يضر هو الخير، والشر هو الذي يضر ولا ينفع، والخير ضده، فهو الذي ينفع ولا يضر، سواء من تفكير أو قول أو عمل، فكل ذلك يدخل تحت الخير.

    [ ثالثاً: ثناء الله تعالى على أوليائه وصالحي عباده بعبادتهم وخشوعهم له ] فالله أكبر! اللهم اجعلنا منهم. فالله تعالى يثني يمدح ويشكر ويثني على عباده الصالحين. وليس هناك فضل أعظم من هذا، فالله يثني عليك ويبشر بك. إذاً: فعلينا أن نجاهد أنفسنا حتى نفعل الخيرات ونتجنب المحرمات والمنكرات.

    [ رابعاً: الخبث إذا كثر في الأمة استوجبت الهلاك والدمار ] وقاعدة عامة، وهي ليست من قواعد الطبيعة كما يقول العلمانيين، بل هي قاعدة ربانية، فأيما إقليم أو بلد أو أرض كثر فيها الخبث وسادها إلا وتأتيها نقمة الله طال الزمان أو قصر، وإن شئتم حلفت لكم بالله أنه ما من إقليم أو دار أو بلد يكثر فيها الخبث والعياذ بالله تعالى إلا وتأتيهم نقمة الله، إما بحرب تدمر، وإما بغرق، وإما بمرض، وإما بغير ذلك، ولابد وأن تمضي سنة الله فيهم؛ لأنهم فسقوا.

    ومن هنا يجب علينا أن نحذر الفسق كل الحذر، وأن لا نسمح لأحدنا أن يفسق أو يفجر في بلدنا؛ ليبقى لنا هذا النور، وأما إذا سكتنا وأخذ الخبث ينتشر من بيت إلى بيت ومن شخص إلى شخص فسيأتي وقت ينزل الله نقمته كما يشاء وبما يشاء.

    [ خامساً: التنديد بالفسق، والتحذير من عواقبه؛ فإنها مدمرة والعياذ بالله ] معاشر المستمعين والمستمعات!: الفسق ليس حلوى تؤكل، ولا لباساً يلبس، بل الفسق هو: الخروج عن طاعة الله ورسوله والله العظيم. وهو مأخوذ من فسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها، فمن خرج عن طاعة الله يميناً أو شمالاً فقد فسق، فهو فاسق.

    والفسق عواقبه الدمار والخسران. ولو أكلنا كلنا أهل المدينة السم لا يبقى بيننا حي، بل سنة الله أننا نموت، ولو نوقد فيها النار فإنها تأتي على بيوتنا، ولا يبقى فيها حي. وكذلك الفسق إذا انتشر لابد له من يوم ينتقم الله فيه من أهله، وينزل بهم عذابه، فقد أغرق أمة كاملة، ونجى لوطاً، ودمر مدناً وحولها إلى بحيرة منتنة، وفي عهد نوح أغرق البشرية كلها، ونجى منها المؤمنين في سفينة.

    وأوضح من ذلك: ما إن خرج المسلمون عن منهج الحق حتى استغلوا واستعمروا، وذلوا وهانوا إلى الآن؛ وهذا بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعة الله.

    [ سادساً وأخيراً: تقرير النبوة المحمدية وتأكيدها، إذ مثل هذا القصص لا يتأنى إلا لمن يوحى إليه ] فهذه الآيات تقرر أن محمداً رسول الله بالعلم واليقين، إذ هذه الأخبار الإلهية لا تأتي لمحمد صلى الله عليه وسلم ويحصل عليها إلا من الله، فهم لم يكن يجالس أحداً ويأخذ عنه، بل هذه آيات الله نزلت عليه. إذاً: فهو رسول الله.

    وكما تقدم فالسور المكية تقرر التوحيد، والنبوة المحمدية، والبعث للجزاء في الدار الآخرة، إذ العمل هنا، والجزاء هناك. فهذه الحياة الدنيا حياة عمل. وأنت تجد هذا يعمل في الفسق والفجور، وهذا يعمل بالطاعة والصلاح، والجزاء يتم في الآخرة.

    وقد أخبرنا تعالى بنفسه: أن القوم إذا فسقوا وفسدوا ينتقم منهم في الدنيا، ويعجل العقوبة لهم، ويهلكون في الآخرة، فقد قال تعالى: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا [نوح:25]، الآية. فما إن أغرقوا حتى دخلوا النار. وسبب ذلك ما قاله تعالى: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ [نوح:25]، أي: من خطاياهم أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا [نوح:25].

    فهيا بنا نسأل الله تعالى أن يعصمنا، وأن يحفظنا، وأن لا يترك بيننا فاسقاً ولا فاسقة، وأن يطهر ديارنا. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    والسلام عليكم ورحمة الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    766446339