وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن في آخر سورة الأعراف المكية، ونعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات أن السور القرآنية التي نزلت بمكة وقالوا فيها: المكية، هذه السور تعالج العقيدة، إذ عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً في مكة ثلاث عشرة سنة ما هناك إلا التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم الصلاة في السنة العاشرة.
والتوحيد هو أولاً: أن يعلم العبد أنه لا إله يعبد في الأرض ولا في السماء إلا الله خالق كل شيء ومليكه.
ثانياً: أن يؤمن بأن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العدناني رسول الله صدقاً وحقاً، والأدلة والبراهين العقلية في السور المكية فيها العجب!
ثالثاً: الإيمان بالدار الآخرة، بالبعث الآخر، بالجزاء والحساب على الكسب في هذه الحياة الدنيا.
رابعاً: التشريع حق الله وحده، لا يشاركه فيه أحد، إذ العبيد عبيده، وهو أعلم بما يضر وما ينفع، وهو أعلم بمستقبلهم؛ فهو الذي يقنن لهم ويشرع، فما أحله فهو حلال، وما حرمه فهو حرام، وما أمر به فهو عبادة يعبد الله بها، ونتيجتها تزكية الروح البشرية وتطهيرها، وما حرمه من اعتقاد أو قول أو عمل فوالله ما حرمه إلا لأنه ضار إما بالبدن وإما بالروح.
فكل ما حرم الله هو ضار بالنفس البشرية مسود لها معفن لها؛ فلهذا السور المكية تعالج هذه العقائد الأربع.
فهيا بنا إلى هذه الآيات الأربع نستمع تلاوتها مجودة مرتلة، ثم نأخذ إن شاء الله في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ * وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ [الأعراف:189-193].
وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:189] وذكر تعالى من سورة النساء المدنية: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1].
وأخبرنا أبو القاسم نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم بأن الله أخرج حواء من ضلع آدم الأيسر المعوج هذا؛ فلهذا خلقت المرأة من ضلع أعوج، فإن أردت أن تقومها كسرتها، وإن تركتها فاتركها على اعوجاجها، ما لك سبيل، خلقن من ضلع أعوج، فطرتهن غريزتهن هي هذه، فإما أن تحملها على اعوجاجها والحمد لله فاصبر واشكر، وإما أن تقومها لتصبح مستقيمة ولن تقدر فتنكسر، خذ عظماً معوجاً وأصلحه، إلا أن ينكسر.
فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا [الأعراف:189] والحمل الخفيف الأشهر الأولى: الثاني والثالث والرابع إلى السادس من الشهور وهي غير شاعرة بشيء، تمر وتجيء وتذهب وتعمل وتصنع وهي غير شاعرة بتعب، لكن حين يثقل في الشهر السابع والثامن ما تستطيع، سواء كانت أوروبية أو كانت عربية، جنس البشر هو هذا.
فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ [الأعراف:189] غير ملتفتة إليه تعمل عملها ليلاً ونهاراً، غير آبهة بما في بطنها، لا أذى له.
فَلَمَّا أَثْقَلَتْ [الأعراف:189] في الشهر الثامن أو التاسع دَعَوَا [الأعراف:189] أي: آدم وحواء دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا [الأعراف:189] أي: سألا الله جل جلاله وعظم سلطانه، وهو خالقهما ورازقهما ومدبر حياتهما.
دعوا ربهما فماذا قالا؟ يا ربنا! وعزتك وجلالك لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:189] أقسما لله: لأن واللام دالة على القسم، لئن آتيتنا عبداً صالحاً لنكونن لك من الشاكرين، هذا وعد منهما لله عز وجل، تضرعا وسألا ربهما إن رزقهما ولداً صالحاً أن يشكرا الله تعالى على نعمته.
معاشر المستمعين! أهل التفسير من ابن جرير إلى من دونه منهم من يرى أن هذا ليس في آدم وحواء، هذا في جنس الآدميين، هذا الكلام قصه الله تعالى وأنزله في كتابه ليعلمه المؤمنون من عباده أن هذا عام في كل بني آدم، ليس خاصاً بحواء وآدم عليهما السلام.
فقوله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:190] تقول الروايات عن بني إسرائيل -وفيها أحاديث مرفوعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم-: إنهما كان إذا ولد لهما ولد يموت في رضاعه في صغره، فجاء الشيطان عدوهما في السماء وقد خدعهما في السماء، فجاء ليخدعهما في الأرض، فقال: هل أدلكما على شيء إذا قلتماه لا يموت الولد؟ سمياه عبد الحارث، فلما ولد الولد الجديد سمياه عبد الحارث، وهذا فيه نوع من الشرك الخفي، العبد عبد الله، لن يكون للحارث ولا للساقي ولا للباني ولا للضيف ولا لكذا، فخدعهما في السماء وخدعهما في الأرض.
ثم لنعلم أن الشرك صنفان وضربان: خفي وجلي.
الشرك الخفي قل من يسلم منه، ولا حرج أبداً على آدم وحواء في هذا؛ لماذا؟ لأن ما يلدان يموت، فجاء من غرر بهما وقال: لو تسمياه كذا فلن يموت؛ رغبة في حياة ولدهما، ماذا نسميه؟ قال: سمياه عبد الحارث، إذاً: فكانت خدعة إبليس، فهل تقول: آدم من الأنبياء معصوم لا يرتكب هذا؟ هل هناك من يقول هذا الكلام، ويحاول أن يصرف الآية عن هذا المعنى، أما كان آدم في السماء وخدعه إبليس وقال: هذه الشجرة إذا أكلتما منها لا تموتان وكذا وكذا، وغرر بهما وهما في الملكوت الأعلى؟ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا [طه:120-121] الآية، فلا غرابة أبداً أن يأتيهما في صورة من الصور يقول: ما دمتما في هذه الحال فأرشدكما إلى شيء، سمياه عبد الحارث فقط فما يموت. ولا عجب أبداً في هذا، وهذا من الشرك الخفي لا يقدح في صاحبه ما لم يتعمده.
وقد تحدث صاحب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، فقال أثناء حديثه: ما شاء الله وشئت يا رسول الله! فقال الرسول: ( أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله وحده )، فهل كفر الرسول هذا الرجل؟ ما كفره، قال فقط: لا تقل هذا؛ لأنك جعلتني نداً لله عز وجل.
ونظير هذا قولنا: لولا الطبيب لكان فلان ما أصبح، لولا الطعام والشراب لما كنا كذا، وهذا من الشرك الخفي، وهذا من هذا النوع، هذا إن فسرنا الآية -كما قلنا- على آدم وحواء.
أما إن جعلناها عامة في بني آدم فلا دخل لهذا الكلام، لكن السياق؛ ولهذا قرئ: ( عما تشركون ) أي: يا معشر المشركين من العرب، عما تشركون يا بني آدم.
فقوله تعالى في هذا الاستفهام: أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا [الأعراف:191] هل آدم أشرك ما لا يخلق؟ إنما قال لهما الشيطان فقط: سموه عبد الحارث، وعندنا عبد الضيف، عبد الرسول، عبد النبي، عبد كذا، لكنه شرك خفي يجب أن نتركه، لكن لا نكفر صاحبه إلا إذا تعمد وقال: أنا أريد كذا.
فقوله جل ذكره: أَيُشْرِكُونَ [الأعراف:191] في عبادة الله مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ [الأعراف:191-192] هل الأصنام اللات والعزى تنصرهم؟ وهل هي تنتصر لنفسها؟!
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم:
[ معنى الآيات:
يقول تعالى لأولئك السائلين عن الساعة ] في الآيات السابقة، يسألون عنها كما علمنا عناداً ومكابرة، وتكذيباً وإنكاراً، يسأل اليهود من أجل التحدي، ومن أجل إيقاع الرسول في إشكال، والمشركون من أجل إصرارهم على الشرك والكفر يكذبون بالدار الآخرة وما يتم فيها.
إذاً: [ يقول تعالى لأولئك السائلين عن الساعة عناداً ومكابرة من أهل الشرك: هُوَ [الأعراف:189] أي: الله الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:189] أي: الإله المستحق للعبادة لا الأصنام ولا الأوثان، فالخالق لكم من نفس واحدة -وهي آدم- وخلق منها زوجها -وهي حواء- هو المستحق للتأليه والعبادة دون غيره من سائر خلقه.
وقوله: لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189] علة لخلقه زوجها منها؛ إذ لو كانت من جنس آخر لما حصلت الألفة ولا الأنس بينهما ] أبداً، كما بينا، فحيوان مع حيوان لا يتم الأنس؟ فكيف بآدمي مع حيوان؟!
[ وقوله: فَلَمَّا تَغَشَّاهَا [الأعراف:189] أي: للوطء ووطئها ] بالفعل وجامعها [ حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ [الأعراف:189] لخفته، فَلَمَّا أَثْقَلَتْ [الأعراف:189] أي: أثقلها الحمل دَعَوَا اللَّهَ [الأعراف:189] أي: آدم وحواء ربهما تعالى، أي: سألاه قائلين ] ماذا؟ [ لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا [الأعراف:189] أي: غلاماً صالحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:189] أي: لك ] جل جلالك وعظم سلطانك.
[ واستجاب الرب تعالى لهما وآتاهما صالحاً.
وقوله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:190] حيث سمته حواء عبد الحارث بتغرير من إبليس، إذ اقترح عليهما هذه التسمية، وهي من الشرك الخفي المعفو عنه، نحو قولنا: لولا الطبيب هلك فلان ]، لولا فلان جاء بالماء لمتنا من العطش، نسينا الله في هذا، فهو من الشرك الخفي المعفو عنه.
قال: [ وقوله تعالى: فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:190] عائد ] وراجع [ إلى كفار قريش الذين يشركون في عبادة الله أصنامهم وأوثانهم، بدليل قوله بعد: أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا [الأعراف:191] ]، هذا دال على أن هذا الخطاب ما هو لآدم وحواء، انتهى الكلام عنهما، هذا واجه به المشركين في مكة، فلو أراد حواء وآدم لقال: فتعالى الله عما يشركان، لكنهما ما أشركا؛ لأن ذاك شرك خفي، وغرر بهما وخدعهما من خدعهما في السماء، وقال: سمياه عبد الحارث، وبين المسلمين من يسمي: عبد الرسول وعبد كذا، لكن ليس بجائز، منهي عنه، ولكن إذا وقع فيه العبد فما يكفر، ولا يقال: أشرك، فما هو بمتعمد له.
فقوله عز وجل: [ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا [الأعراف:191] أي: من المخلوقات وَهُمْ [الأعراف:191] أي: الأوثان وعبادها يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا [الأعراف:191-192] إذا طلبوا منهم ذلك ] النصر [ وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ [الأعراف:192]؛ لأنهم جمادات لا حياة بها ولا قدرة لها.
وقوله: وَإِن تَدْعُوهُمْ [الأعراف:193] أي: وإن تدعوا أولئك الأصنام إلى الهدى وقد ضلوا الطريق لا يتبعوكم؛ لأنهم لا يعقلون الرشد من الضلال؛ ولذا فـ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ [الأعراف:193] أي: لم تدعوهم، فإنهم لا يتبعونكم، ومن هذه حاله وهذا واقعه فهل يصح أن يعبد فتقرب له القرابين ويحلف به ويعكف عنده، وينادى ويستغاث به؟ اللهم لا، ولكن المشركين لا يعقلون ].
وأما الشرك الظاهر العلني فهو الذي يقصد مخلوقاً ويناديه ويستغيث به: يا سيدي فلان! يا مولاي فلان! يا فاطمة ! يا رسول الله! أعطني كذا، أنا في كذا؛ هذا شرك أكبر واضح كالشمس، فالذي يستغيث بمخلوق يدعوه يناديه يحلف به، يعكف على قبره، يتمسح به؛ هذا ألهه وقد أشرك شركاً أكبر والعياذ بالله، إن مات بدون توبة لا يغفر له.
أما من قال: لولا فلان لكان كذا، لولا المطر لكان كذا، فهذا شرك خفي، لكن صاحبه ما هو بمشرك، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قيل له: ما شاء الله وشئت، فجمع القائل بين مشيئة الله ومشيئة الرب؛ قال: ( أجعلتني لله نداً؟ قل: ما شاء الله وحده ).
ونحن حتى في المستقبل ما نقول: سأزوركم غداً، لا بد أن نقول: إن شاء الله، سأسافر الليلة إن شاء الله، ما قال الرسول بعد قوله تعالى: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24] ما قال في شيء في المستقبل إلا قال: إن شاء الله؛ لماذا؟ لأن مشيئتك ليست بشيء، إلا أن يشاء الله ذلك، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:30]، لولا أن الله شاء ما شئتم أنتم، فمشيئة الله سابقة مشيئة الإنسان.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: بيان أصل خلق البشر وهو آدم وحواء عليهما السلام ].
عرفنا أصل خلق البشر أم لا؟ إذا جهل الكفار فنحن عرفنا وآمنا به، خلق الله تعالى آدم عليه السلام من طين جمعت من أجزاء الأرض كلها، ولذا بنو آدم منهم أحمر وأصفر وأسود، وأحمق وخفيف وظريف؛ لأنها جمعت من كل أجزاء الأرض وتركت فأصبحت كالفخار كذا زمناً، ثم صنع الله منها آدم بيديه الكريمتين، ونفخ فيه من روحه، فأصبح آدم أبا البشر.
وأخبرنا تعالى أنه خلق حواء منه، وَخَلَقَ مِنْهَا [النساء:1]من بعضها زَوْجَهَا [النساء:1]، ما نستطيع أن نوؤل تأويلاً آخر أبداً، وأخبر الرسول وبين أنها خلقت من ضلعه الأيسر الأعوج، وقال: يا بني آدم! يا فحول! اعلموا أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، إذا حاولت أن تقيمها كسرتها، وإذا قبلتها تقبلها على عوجها ما استطعت.
قال: [ أولاً: بيان أصل خلق البشر وهو آدم وحواء عليهما السلام ]، لما أهبطهما إلى الأرض؛ لأن السماء ما أصبحت تحملهما؛ لأنهما خرجا عن طاعة الله، أهبطهما إلى الأرض، وبارك في نسلهما، فالبشرية الآن كلها عائدة إلى آدم وحواء.
يبقى فقط: هل نقول بقول من قال: هذا خاص بآدم وحواء، فالشيطان سول لهما، زين لهما تسمية عبد الحارث، وهذا يعتبر شركاً خفياً؟ وهذا أقرب إلى سياق الآيات، ومن أهل العلم من يقول: هذا عام في بني آدم، ليس خاصاً بآدم وحواء، ثم لا داعي لهذا أبداً؛ لأن هذا الشرك الخفي لا يؤاخذ به الإنسان، كونه سمى ابنه عبد الحارث أو عبد زيد أو عبد الضيف نعم لا ينبغي، ولكن غرر العدو بهما فضلا، وعلمهما الله تعالى الخطأ وتابا إليه.
[ ثانياً: بيان السر في كون الزوج من جنس الزوج، وهو الألفة والأنس والتعاون ].
لو كان إنسان يتزوج بقرة فكيف يتعاونان؟! كيف يأنس إليها وتأنس إليه؟! البعير لو يتزوج عنزاً فكيف يتم هذا؟ هذا من تدبير الله عز وجل، الزواج يتم بين الجنس والجنس، تدبير الله عز وجل.
إذاً: في الآية بيان السر في كون الزوج من جنس الزوج، وهو الألفة والأنس والتعاون على أمور الحياة، الزوج يأتي بالقمح والشعير وهي تطحن وتطبخ ويأكلان معاً.
[ ثالثاً: بيان خداع إبليس وتضليله للإنسان، حيث زين لحواء تسمية ولدها عبد الحارث، وهو عبد الله ]، ما هو عبد الحارث، هو عبد الله أو عبد الحارث؟ ولهذا من أصدق الأسماء: الحارث، اسم الحارث أصدق الأسماء؛ لأنه حارث بمعنى: كاسب عامل، لا يوجد واحد غير حارث فينا، إلا المشلول أو اللاصق بالأرض، فكلنا حارث أم لا؟
إذاً: فغرر بها أيضاً كما زين لها في السماء أولاً أم لا؟ كذلك في الأرض وسوس لها وقال كذا، ورضي الزوج بذلك، وسمياه عبد الحارث، ولا شيء في هذا.
[ بيان خداع إبليس وتضليله للإنسان ] أبيض أو أسود [ حيث زين لحواء تسمية ولدها بعبد الحارث، وهو عبد الله ].
ومن لطائف شيخنا العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله وزاد في عمره؛ لأنه أنفع للناس، أنه سمى عبد الرسول: عبد رب الرسول، من ألطف ما يكون، فعبد الرسول أفغاني، زعيم من زعماء الأفغان، الشيخ عبد العزيز ما رضي بهذ: عبد الرسول، فقال: أنت عبد رب الرسول، وكتبت وأصبحت معروفة عنده في تابعيته: عبد رب الرسول، أنا عبد الرب تعالى، أما عبد الرسول فلا، ولا عبد الحارث، ولا عبد الملك ولا عبد السلطان.
ومن أقبل على الدنيا وسقط في أحضانها أصبح عبدها بحق؛ الرسول يقول: ( تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش ) كيف عبد الدينار؟ أصبح لا يعمل إلا بالدينار، أحلامه تفكيره جهاده عمله الدينار فقط، أصبح عبد المال أم لا؟ بالفعل هذا أصبح عبداً للمال.
هيا نعرف هذا الخداع، عندما يأتيك يزين لك أن تضع نقودك في بنك ربوي، عندما يزين لك أن الناس كلهم يشربون الدخان، الناس كلهم منهم من يصلي الصبح ومنهم من لا يصلي، ما هو أنا فقط، حتى لا تصلي الصبح، الناس كلهم كذا وكذا، وكل هذا من تزيينه وتحسينه، من فطن له وعرف يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يفر منه ويهرب من ساحته، إذ مهمته ما هي؟! أليس إضلال الآدميين انتقاماً منهم؛ لأنه بسببهم شقي هو وذريته وخلدوا في جهنم، ألسنا السبب؟ أبونا آدم وحواء هما السبب.
إذاً لأن الله قال لإبليس: اسجد لآدم تعظيماً له وإكباراً، فتكبر وترفع قال: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا [الإسراء:61] ؟ فطرده الله وأبلسه، وذريته تابعون له.
قال: [ رابعاً: الشرك في التسمية شرك خفي معفو عنه وتركه أولى ].
فلهذا نترك التسمية بمثل عبد النبي وعبد الرسول وعبد السيد، وبالنسبة إلى الله: عبد العزيز، عبد الحفيظ، عبد الكريم، عبد الرحيم، تسعة وتسعون اسماً سم بها، لكن غير الله ما تنسب إليه.
قال: [ رابعاً: الشرك في التسمية شرك خفي ] عن الناس [ معفو عنه ] لخفائه [ وتركه أولى ] وأحق.
[ خامساً: التنديد بالشرك والمشركين وبيان جهل المشركين وسفههم، إذ يعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يجيب ولا يتبع ].
وهذا -يا معشر المستمعين- انتهى من المشركين بانتصار الإسلام ثلاثة قرون، ما أصبح يعبد بين المسلمين إلا الله، وبعد ذلك عاد الشرك من جديد كما كان أو أشد، فقد عبدت القباب والقبور، أقسم بالله الذي إلا إله غيره! لقد عبدت في الشرق والغرب، من إندونيسيا شرقاً إلى موريتانيا غرباً، يدخلون على الولي وينادونه ويستغيثون به، ويعكفون حول الضريح، ومررنا بهم نساء ورجالاً، ويحلفون به ويستغيثون به، وحتى قبر الحبيب صلى الله عليه وسلم قبل وجود الحكومة السعودية لا تسأل ماذا يصنعون؟ يخرون ساجدين!
فهيا نحمد الله عز وجل على أن الله بصرنا، فخف هذا الضغط في كل أنحاء العالم، وإلا فقد رفعت قضية إلى المحكمة، فالبينة على المدعي واليمين على من أنكر، فحكم القاضي بأن يحلف على أن هذا المال له، فقال المدعي: حلفه بسيدي فلان! لأنه إذا حلفته بالله يحلف بالله مائة مرة ولا يبالي، وبالفعل يحلف بالله خمسين مرة ما يبالي، وإن قلت: احلف بسيدي فلان ما يستطيع، فانظر كيف نسي الله وأنه معه يسمعه ويراه، ويقدر على أخذه وإعطائه، حجبه عن هذا كله الشيطان، وخاف فقط من الولي! فقال: خذه، فحلفه، والولي يبعد كذا كيلو متر، عشرة أو عشرين كيلو متر من قرية إلى قرية، وهذا المسكين عرف أن حقه ضاع؛ لأنه سيحلف، إذاً: ماذا يصنع؟ قال: ننتقم منه، فأخذ هراوة تحت إبطه ومشى معه إلى سيدي فلان! ولما وقف ليحلف أخذ الهراوة وضربه على رقبته فسقط، والآخر هرب، فقالوا: سيدي فلان ضربه؛ لأنه حلف بالكذب، فازدادت الفتنة أعظم، هو أراد أن ينتقم لنفسه، عرف أنه يحلف بالسيد ويأخذ حق الناس، إذاً: فانتقم منه وضربه بالهراوة وتركه يتشحط في دمه، فجاءوا وقالوا: ما هذا؟ قال: هذا حلف بالباطل، حلف كاذباً بسيدي فلان!
فإياك أن تحلف بالباطل بالأولياء، وأمثلة من هذه كثيرة، فقولوا: الحمد لله، الحاضرون لا يوجد بينهم واحد في المائة يقول: يا رسول الله! أو يا فاطمة ! أو يا حسين ! أو يا عبد القادر ! أبداً، لا يستغاث إلا بالله، ولا يسأل إلا الله، ولا يطرح بين يدي أحد إلا بين يدي الله، الخالق يطرح بين يديه، فلا يقضي الحاجات إلا هو، وإنما نتوسل إلى الله بفعل الخيرات وترك المنكرات؛ فيقضي حوائجنا.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد أن تختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، وأن تدخلنا في رحمتك في عبادك الصالحين.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر