وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراُ بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأعراف المكية المباركة الميمونة، التي تعالج -كغيرها من المكيات- أسمى العقائد وأعلاها:
أولاً: تقرير معنى لا إله إلا الله، سواء بالقصص أو بضرب الأمثلة أو بالآيات في الكون، تقرر مبدأ أنه لا يستحق العبادة إلا الله! ودليل ذلك أنه ما خلق العباد إلا ليعبدوه.
ثانياً: تقرير النبوة المحمدية، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله وخاتم أنبيائه، وإمام رسله.
ومن الأدلة: أن ينزل عليه هذا القرآن الكريم، أن يؤتيه الله كتابه، فكيف يكون غير رسول؟!
ثم حق التشريع والتقنين ليس لأحد إلا لله، لا حق لأحد أن يحلل أو يحرم إلا الله، لماذا؟ لأنه العليم الحكيم، وغير الله لا علم له ولا حكمة، وإن علم أو أصبح حكيماً في حدود ضيقة فلا يعلم الماضي ولا المستقبل، فالذي له الحق في أن يشرع هو الله جلاله وعظم سلطانه.
رابعاً: مبدأ البعث الآخر والحياة الثانية التي لا بد منها.
فهل فهم المستمعون والمستمعات هذا؟! لماذا هذا الكتاب يحمله الشيخ؟ ما العلة؟ ما السر؟ الجواب: ليدرسه، لماذا جلسنا هنا؟ ما السر في جلوسنا؟ لنسمع الهدى ونتعلم الطريق إلى الله، لماذا هذا النعل في الباب؟ من أجل أن يلبسه صاحبه، فهل يوجد شيء بدون علة ولا سر؟ هذا لا وجود له.
إذاً: وهذه الحياة بكاملها بسماواتها وأرضيها وعبادها وخلقها ما السر في وجودها؟ أراد الله تعالى أن يعبد بالذكر والشكر، فأوجدها وأوجد الآدميين فيها، وأوحى إلى رسلهم وعلمهم كيف يعبدونه، والدليل: قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، ( يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك، وخلقتك أجلي )، وما يفعل الله بك يا عبد الله؟! هل لتصفق وترقص وتأكل وتشرب؟ من أجل أن تركع وتسجد، أن تذكر وتشكر، تذكر باللسان وتشكر بالجوارح، هذه علة حياتك، وهذا سر وجودك.
ثم تنتهي الحياة الدنيا وعما قريب تنتهي وقد أوشكت، وإذا بالعالم الثاني والحياة العظمى الخالدة، فما سر وجودها هناك؟ هل للعبث؟! من أجل أن يجزي الله العاملين في هذه: إن كان عملهم صالحاً فجزاؤهم بالجنة دار النعيم، وإن كان عملهم فاسداً فجزاؤهم بالنار دار البوار والعياذ بالله، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185] أيها العمال! اعملوا الليل والنهار، والجزاء ما هو هنا، بعد نهاية هذه الدار.
ولهذا هل رأيتم عاملاً بالشهر يطالب بالجزاء من أول يوم؟! ما هو بمعقول، والعامل لا يطلب من أول النهار يقول: أعطوني أجرتي؟ أبداً، فالدار دار عمل، ومتى الجزاء؟ حين تنتهي هذه الدار.
معشر المستمعين والمستمعات! هل وعيتم هذه؟ والله! لهي خير من خمسين ألف ريال، عرفنا سر الحياة الأولى والثانية، أي: علة وجودهما، ومن عرف أن علة هذه الحياة أن يعبد الله بالذكر والشكر فهل سينسى يوماً فما يذكر الله، أو تمر عليه ساعة ما يذكر فيها الله؟ والذي ما علم شأنه شأن البهائم، ما يدري لم خلق.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ [الأعراف:109-112].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! تقدم في هذه السورة قصص، أول قصة قصة آدم وخلقه ونزوله إلى الأرض، وما تم في السماء بينه وبين عدوه إبليس عليه لعائن الله، ثم قص الله تعالى قصة عبده ورسوله نوح، ثم قصة هود فصالح فلوط فشعيب، والآن مع موسى.
والرجل الذي ما قرأ ولا كتب أربعين سنة من أين له أن يقص هذا القصص؟ كيف يتم هذا؟ والجواب: والله! ما يتم ذلك إلا بتعليم الله، فهو أمي عاش في مكة لا يقرأ ولا يكتب، فكيف يتحدث عن أحداث مرت عليها آلاف السنين كأنه يشاهدها أو حاضر فيها، ولن يستطيع أهل الكتاب أن ينقضوا مسألة واحدة أو يردوها.
هذا دليل أن محمداً رسول الله، ومن أنكر رسالته كفر، ومآله جهنم.
وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ [الأعراف:104]، وعرفتم من هو فرعون؟ ملك مصر، وهو الوليد بن الريان ، يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:104]، ما قال: إني رسول إليك، رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:104] هو الذي أرسلني.
حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:105]، قد جئتكم ببينة دالة على أني رسول، وأن لي الحق أن أطالب ببني إسرائيل لأخرج بهم إلى القدس، فأرسل معي بني إسرائيل.
قَالَ [الأعراف:106] فرعون إِنْ كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأعراف:106]، والآية دائماً نقول عنها: العلامة الدالة على الشيء، تسمى آية وتسمى علامة، وكل آية في القرآن الكريم -وهي ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية- كل آية تدل دلالة قطعية أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، أكثر مما تدل الأنوار في الطريق على بيتك، لو وضعت رجلاً بعد رجل إلى منزلك لتدل الناس إلى بيتك فوالله! لآية القرآن أكثر دلالة من هذه، كيف يا شيخ؟!
الجواب: هل هذا القرآن الكلام الطيب المبارك الحاوي للعلوم كلها يمكن أن يوجد بدون متكلم؟ وهل توجد كلمة بدون متكلم يا بشر؟! مستحيل أم لا؟ إذاً: الذي تكلم بهذا الكلام من هو؟ الله. هل هناك من رفع يده وقال: أبي أو أمي؟
إذاً: لا إله إلا هو، والذي نزلت عليه هذه الآية يمكن أن يكون غير رسول؟ لم لا تنزل عليك أنت هذه الآية؟ لم لا تنزل على بلايين البشر؟ لأن الله ما أرسلهم، وأرسله، فكل آية تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قد تقول: يا شيخ! لم تكرر هذا الكلام وتعيده؟
الجواب: لن نستطيع أن نستقيم على منهج الحق ونسلك الطريق المستقيم فلا نميل يميناً ولا شمالاً إلا إذا قويت عقيدتنا ولاحت أنوارها أمامنا؛ حينئذ نستطيع أن نواصل مسيرتنا إلى الموت ونحن نقوم بالواجبات، ونتخلى ونبتعد عن المحرمات، والذين يقصرون في الواجبات ويغشون بعض المحرمات ما علة ذلك منهم؟ والله! إنه لضعف إيمانهم، وقلة بصيرتهم.
قال فرعون: فائت بآية إن كنت من الصادقين في أنك رسول من رب العالمين. فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ [الأعراف:107] واضح كالشمس، عصا في يده كان يرعى بها الغنم عشر سنين تتحول إلى ثعبان؟! تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ [النمل:10] ؟ فهذه أعظم آية.
وَنَزَعَ يَدَهُ [الأعراف:108] كانت يده هكذا، فقال هكذا فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ [الأعراف:108] كفلقة قمر! لا برص ولا مرض، كفلقة كالقمر في نورها وضيائها وإشراقها، فهل هناك آية أعظم من هذه؟
قالوا: إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ [الأعراف:109] هذا الرجل، هذا الإسرائيلي موشي ساحر عليم، وقالوا هكذا لأنه بهرتهم الآيات وهم يعرفون السحر وآثاره، والسحر يومها كما هو في بابل، كما هو في الهند، له مدارس وكليات يتخرج منها السحرة، قالوا: ساحر عليم، لا مجرد ساحر يستطيع أن يحدث شيئاً ويعجز عن آخر، بل ذو علم، هذه نصيحة الملأ للملك فرعون: إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ [الأعراف:109].
وهنا شيء آخر: أن الملأ: رجال الدولة.
يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [الأعراف:110] بم تأمر يا ملكنا يا فرعون؟! عجل قبل أن تنهزم أنت وجيشك وأمتك.
فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [الأعراف:110] تأمرنا بماذا لنفعل؟ بينا لك السحر وكشفنا لك النقاب، وعرفناك أن هذا ساحر عليم لا يغلب، وله هدف يعمل لأجل تحقيقه، هو أن يبعدكم من ملككم ودياركم ليسكنها وينزل فيها مع بني إسرائيل، فَمَاذَا تَأْمُرُونَ [الأعراف:110] ؟
وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه:29-32] يكون له النصح، من أجل ماذا يا موسى؟! من أجل أن نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا [طه:33-34]، فهل عرفتم ما قدمنا من الكلام في علة الحياة، وأنها الذكر والشكر أم لا؟ فلهذا من لم يذكر الله ونسيه تمزق وخسر الدنيا والآخرة، ومن لم يشكر الله بالركوع والسجود والطاعة ليلاً ونهاراً كذلك استحق غضب الله وسخطه والخلود في النار؛ لأن علة الحياة الذكر والشكر.
ولطيفة في هذا الباب، وهي أنك تتزوج وتبني وتحصد لأجل ماذا؟ من أجل أن تذكر الله وتشكره، أنت تجاهد وتقاتل لماذا؟ من أجل أن يذكر الله ويشكر، أليس كذلك؟ فموسى طلب هذه المطالب العظيمة من أجل ماذا؟ قال: كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا [طه:33-34]، فعرفنا أن الذكر والشكر علة الحياة وسر هذا الوجود.
يبقى جزاء من لم يذكر ولم يشكر، عاش على الكفر والبرنيطة على رأسه والسيجارة في يده ويسب الله ورسوله والمؤمنين، فالذي ما يذكر ولا يشكر بم يجازى؟ يجازى بالخلود في عالم الشقاء، مليارات السنين وهو في جهنم، لا يموت ولا يحيا.
فإن قال قائل: ما ذنب هذا الذي يخلد في هذا العذاب لا مائة سنة ولا ألف سنة ولا عشرة آلاف ولا مليون سنة، بل دائماً، ما ذنبه؟ كم هي جريمته؟
إن جريمته -واسمعوا وعوا- كأنما نسف العوالم كلها وحولها إلى سديم وبخار، الإنس والجن والملائكة والسماوات والأرضون، كل الكون دمره، هذا إذا أردت أن تعذبه فكم تعذبه ؟ ألف سنة؟ مليون سنة؟ كلا. بل عذاب مؤبد؛ لأن جريمته كأنما نسف الأكوان كلها وحطمها، كيف هذا يا شيخ؟!
أليست الأكوان مخلوقة من أجل أن يذكر الله ويشكر؟ فهذا الذي ترك الذكر والشكر كأنما نسف الأكوان كلها وحطمها، فعذابه كم يكون إذاً؟ بلا نهاية، فهو العذاب المؤبد.
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ [الأعراف:112] لا مجرد ساحر أبداً، على شرط: أن يكون الساحر عليماً بالسحر، ثم تتم المباراة العظيمة، فنهزم موسى، وتعلو كلمتنا ونسود.
إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الأعراف:113-114]، كلكم تصبحون من الفئة العالية، تدخلون على الملك بدون إذن، تطلبون ما تشاءون وتأخذون.
قَالُوا يَا مُوسَى [الأعراف:115] الكلام قصير، لكن هذا يتم في أيام، ما تم هذا كما في مجلسنا، ما جمعوا السحرة إلا بعد أيام، لكن القرآن يربط هذه بتلك ويقدمها صورة واضحة؛ لتشهد أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن دار الحق حق، وأنك ذاهب إلى يوم القيامة، فاعمل الصالحات ليطهر المجتمع، وتطيب الحياة فيه، وينتهي الخبث والشرك والظلم والفساد والفقر والبلاء؛ لأن هذه الشريعة هذه العبادات هذا الذكر والشكر من محاسنه من آثاره الطيبة أنه يمحو كل شر وخبث وظلم وفساد في البلد، ذاك الذي لو أردت أن تمحوه برجالك والله ما استطعت، ولن تقدر عليه، فإذا آمن أهل القرية وأسلموا فما تحتاج إلى حارس ولا بوليس، لو تقطع يده لا يسرقك، لو ضربته لا يشتمك؛ لأنهم عرفوا.
السر: المعرفة، عرفوا الله ومحابه ومكارهه، وما أعد لأوليائه، وما هيأ لأعدائه، فلذلك طابوا وطهروا فأصبحت البلاد كلها أنواراً، ولا تقولوا: هذه الأنوار معناها: أنهم يتركون العمل وكذا، انزع هذا من ذهنك، الذين طابوا وطهروا -والله- لأكثر إنتاجاً من الذين خبثوا وفسدوا، لا في المزرعة ولا في المصنع ولا في السوق فحسب، بل في أي مكان، هل الميت كالحي؟ هؤلاء أحياء بصراء، بخلاف أموات الفسق والفجور والباطل والشرك والكفر والعياذ بالله!
قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ [الأعراف:109-111] هارون وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ [الأعراف:111] مدن مصر في الصعيد أو في غيره حَاشِرِينَ [الأعراف:111]، ما معنى حاشرين؟ يحشرون يجمعون السحرة من كل مدينة، يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ [الأعراف:112] أي: الذين ترسلهم ليجلبوا السحرة يأتونك بكل ساحر عليم، ما هو الساحر الذي ما تعلم بعد، أو ساحر بدون علم يتفنن فيه.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه إياكم:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات ]، وهل للآية هداية؟ والله! لا تخلو آية من هداية، وتهدي إلى ماذا؟ تهدي أولاً: إلى معرفة الله والإيمان به.
ثانياً: إلى معرفة الرسول وتصديقه.
ثالثاً: إلى الإيمان بهذا الوحي وهذا التشريع.
رابعاً: إلى العمل به. فإن لخصت ذلك فقل: تهدي إلى باب الجنة، تسوقك إلى دار السلام.
قال: [ أولاً: جهل الملأ ] رجال فرعون، [ جهل الملأ بالآيات أدى بهم إلى أن قالوا: إن موسى ساحر عليم ]، لو عرفوا أن تلك الآيات معجزة خارقة للعادة لا يقدر عليها إلا الله، ولن يعطيها إلا لمن أرسله ونبأه؛ لما قالوا: هات السحرة، لكن ما عرفوا، ما فهموا أن هذه الآية آية العصا واليد البيضاء معجزة من معجزات الله يعطيها أنبياءه؛ ليتحدى البشرية كاملة فيؤمنوا ويسلموا، فلجهلهم قالوا: إذاً: هاتوا السحرة. أي: لو علموا أن هذه معجزة فهل سيأتون بالسحرة؟
[ ثانياً: مكر الملأ وخبثهم ] كيف؟ قال: [ إذ اتهموا موسى سياسياً ]، من مكرهم وخبثهم اتهموا موسى بماذا؟ بأنه يريد الوطن، يريد أن يخرجكم من بلادكم، يريد الحكم والسلطان.
[ اتهموا موسى سياسياً بأنه يريد الملك وهو كذب بحت ]، والله لو أعطوه كل الديار ما أرادها، هو يريد أن يأخذ بني إسرائيل إلى فلسطين، ينقذهم من استعمار فرعون الطاغية، فقد أذلهم، عذبهم، اضطهدهم ونكل بهم، جهلهم، فسقهم، حرمهم من العلم والمعرفة، فأراد الله أن ينقذ أولاد الأنبياء، فأرسل موسى وأخاه هارون لإنقاذهم، ما هو لإقامة دولة ولا سلطان.
والآن بعض الدعاة في العالم الإسلامي يتهمون بأنهم يريدون الحكم، أن يتفق أهل البلاد على طاعته، هذا سياسي يريد الحكم! والبشرية هي هي، ما قاله ملأ فرعون يقوله ملؤنا اليوم.
قال: [ مكر الملأ وخبثهم إذ اتهموا موسى سياسياً بأنه يريد الملك وهو كذب بحت، وإنما يريد إخراج بني إسرائيل من مصر، حيث طال استعبادهم وامتهانهم من قبل الأقباط، وهم أبناء الأنبياء وأحفاد إسرائيل وإسحاق وإبراهيم عليهم السلام ].
استعمروهم واستذلوهم وعذبوهم، كانوا يذبحون الأطفال نكاية بهم، خوفاً أن يكثروا، والعياذ بالله! وسن فرعون آخر في البلاد منذ سنين قانوناً فقال: يجب ألا يوجد ذكر إلا ثلاثة أولاد، والرابع لا يجوز، لماذا؟ قال: خشية أن نصاب بالجوع والفقر إذا كثر النسل، فحددوا النسل، ولولا أن العلماء صاحوا لطبقوه، ولعله مطبق، فهذه سياسة.
قال: [ مكر الملأ وخبثهم، إذ اتهموا موسى سياسياً بأنه يريد الملك وهو كذب بحت، وإنما يريد إخراج بني إسرائيل من مصر، حيث طال استعبادهم وامتهانهم من قبل الأقباط وهم أبناء الأنبياء وأحفاد إسرائيل وإسحاق وإبراهيم عليهم السلام ]، وإن شئت فقل: وأحفاد يوسف، هو الذي ولد له هناك؛ لأن يوسف حكم مصر قبل هذه الأحداث.
قال: [ ثالثاً: فضيحة فرعون، حيث نسي دعواه الربوبية ]، أين الذي قال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] ثم قال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]؟ أين ذهبت تلك العنتريات والصيحات الباطلة؟ لم لا يتكلم الآن؟ لا إله إلا الله!
قال: [ فضيحة فرعون، حيث نسي دعواه الربوبية، فاستشار الملأ في شأنه ]، يا ملأ! ماذا نفعل؟ وهل الرب الإله يسألهم؟! هو يدبر الكون كله، وهذا يقول: ماذا نفعل في شأن موسى؟
قال: [ فاستشار الملأ في شأنه، إذ الرب الحق لا يستشير عباده فيما يريد فعله؛ لأنه لا يجهل ما يحدث مستقبلاً ]، أما غير الرب فنعم يجهل ما يأتي به الغد، فيسأل ويستعين بالآراء.
[ رابعاً: السحر صناعة من الصناعات ]، السحر صناعة كصناعة الأدوات، وله محلات يصنع فيها ويتعلم فيها، لا سيما في الزمان الأول.
[ السحر صناعة من الصناعات ] يتعلمها الناس [ ويبرع فيها المرء ] ويتفوق [ ويتقدم حتى يتفوق على غيره ].
السحر صناعة من الصناعات، كصناعة الزجاج وغير ذلك، إذاً: له مدارس وله محلات خاصة يتعلمونه فيها، لكن لما أنار الله الدنيا بالإسلام خفت هذا بعض الشيء، ما أصبحت كلية لتخريج السحر والسحرة في أي بلد، والأوربيون أيضاً تفطنوا لهذا، وعرفوا وقل عندهم السحر، والشاهد عندنا في أن السحر صناعة من الصناعات يتعلم ويبرع فيه الإنسان ويتقدم حتى يتفوق على غيره.
[ خامساً: حرمة السحر وحرمة تعلمه ].
اسمعوا يا رجال الإسلام ويا نساء المؤمنات: لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يتعلم السحر ولا يحل له أن يأتي ساحراً ليتعلم عنده، أو ليدفع عنه السحر ويرفعه عنه، يجب أن يغلق الباب إغلاقاً كاملاً، حتى يبقى السحرة لا يجدون من يزورهم ولا من يتكلم معهم، ولا من يعينهم، ومن سحر وظهر سحره فحكمه الموت، في الشريعة الإسلامية يقتل الساحر حيث بان سحره، أما إذا اتهم فقط فيبعد أو يسجن، والآن في المملكة -والحمد لله- رجال الهيئة، حدثني منذ ثلاثة أيام أبو فاطمة فقال: نعثر عليهم مرات، لكن ما هناك براهين ليقتلوا، فيرحلون.
وأهل الفقه مجمعون على أن الساحر يقتل حيث بان سحره؛ لأنه كافر كافر كافر بالمرة، وظالم ظالم ظالم، ودجال دجال وكذاب، هذه الصفات كلها في الساحر، وهو أنواع، فيهم الدجاجلة والمشعوذون بالحيل، يسحرون الأعين والأبصار فقط، المهم أنه أبطل الإسلام هذا الباطل، ووضع له حداً، فلهذا قال: [ حرمة السحر وحرمة تعلمه، ووجوب إقامة الحد على من ظهر عليه وعرف به ]، سواء كان امرأة أو رجلاً، غريباً أو بعيداً، هذا حكم الله عز وجل.
معاشر المؤمنين! الله نسأل أن يفتح علينا وعليكم، وأن يشرح صدورنا، ويزكي نفوسنا، وأن يتولانا ولا يتركنا، وأن يحمينا ولا يضيعنا، وأن يقربنا منه ولا يبعدنا، وأن يجعلنا من صالح أوليائه، وأن يتوفانا مسلمين ويلحقنا بالصالحين. اللهم آمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر