وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأعراف المكية المباركة الميمونة، ومع قصة عاد، وقد درسنا بعض الآيات ونحن مع الآيات الأخيرة، فلنستمع إلى تلاوتها مجودة مرتلة ثم نأخذ في شرحها وبيان ما فيها من الهدى، جعلنا الله من أهله آمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنتَظِرِينَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ [الأعراف:70-72].
وكانت ديارهم ما بين حضرموت وعمان، هذه هي ديارهم، وكانوا من أشد الناس قوة حتى قالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15]، وكانت أجسامهم -حسبما تقول الروايات- كأنها خيالية، طول أحدهم أكثر من ستين ذراعاً.
وتسرب إليهم الشرك بواسطة عدو البشر إبليس، علموا أن الله أغرق البشرية كلها إلا من نجا مع نوح، وهم من ذرية أولئك الذين نجاهم الله، ومع هذا أوجدوا لأنفسهم آلهة يعبدونها هي تماثيل وصور وهياكل صنعوها وادعوا أنهم يتوسلون بها إلى الله، ويستشفعون بها إليه تعالى، وأنهم ما يعبدونها لذاتها، كما هي حال المشركين دائماً وأبداً، فأرسل الله تعالى إليهم نبيه ورسوله هوداً عليه السلام.
قال تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا [الأعراف:65]، أي: كما أرسلناك يا رسولنا إلى الناس كافة أرسلنا من قبلك، أرسلنا نوحاً، وأرسلنا هوداً، أرسلناه إلى قبيلة عاد الجبارة، وقال لهم بعد أن أرسله الله إليهم: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65]، إذ هذه هي دعوة التوحيد، ما خلق هذه العوالم إلا من أجل أن يعبد فيها فلا ينبغي أن يعبد سواه أبداً.
وسبق أن علمنا علة هذه الحياة وعلة هذا الوجود، كما علمنا سر الحياة الثانية وعلة وجودها.
فالأولى من أجل أن يذكر الله تعالى ويشكر بأنواع العبادات.
والثانية من أجل الجزاء على العمل في هذه الحياة، والله! لهذا هو السر وهذه الحقيقة وإن جهلها الناس، لو سئلت: ما الحكمة في خلق البشر وهذه الدنيا؟ فأجب: أراد الله أن يذكر ويشكر وهو عنوان العبادة، فخلق الكون وخلق الآدميين ليذكروه ويشكروه. فإن قيل: لم خلق الحياة الثانية بعد إنهاء هذه؟ فالجواب: علتها: أن يجزي الشاكرين الذاكرين بالنعيم المقيم في دار السلام، ويجزي الناسين والكافرين والمشركين بدار البوار في جهنم.
لما وقعت عاد في الشرك أرسل الله تعالى إليهم عبده ورسوله هوداً فناداهم قائلاً: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65]، ليس لكم من إله يستحق أن تؤلهوه وتعبدوه سوى الله عز وجل.
ثم قال لهم: أَفَلا تَتَّقُونَ [الأعراف:65]، أفلا تتقون عذاب الله بعد سخطه عليكم، وأنتم مصرون على عبادة غيره، أما تخافون عقاب الله وعذابه؟
وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [الأعراف:66] في دعواك وما تقوله لنا، ما أرسلك الله ولا نبأك ولا نحن بمشركين ولا بالمغضوب عليهم ولا الضالين، هذه نظنها كلها أكاذيب منك.
وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف:68]، والأمين معروف: الذي لا يخون ولا يكذب ولا يضل ولا يغرر، وناصح أنصح لكم لتسلموا وتنجو مما أنتم فيها؛ حتى تكملوا وتسعدوا.
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ [الأعراف:69]، اذكروا نعمة الله عليكم، أما أغرق الله البشرية بالطوفان، ونجى نوحاً والمؤمنين وكانوا نيفاً وثمانين نسمة، وأنتم من ذريتهم وانتشرتم وعظمتم واتسعت دياركم وملككم، فلم تكفرون هذه النعمة؟ لماذا أهلك الله قوم نوح؟ أليس لأجل الشرك والعياذ بالله، فكيف -إذاً- تشركون أنتم؟
وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً [الأعراف:69]، قوة في أبدانهم في أموالهم في حركاتهم في ديارهم في مدنهم.
فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأعراف:69]، والالآء: النعم، اذكروا نعم الله؛ رجاء أن تفلحوا أو تتهيئوا للفلاح، والفلاح: النجاة من العذاب والحصول على النعيم المقيم.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: الدعوة إلى عبادة الله وترك عبادة ما سواه، وهو معنى لا إله إلا الله ].
دلت هذه الآيات على هذه الهداية الربانية، وهي أنه ينبغي ألا يعبد إلا الله، وهو معنى لا إله إلا الله، فهود عليه السلام قال: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65]، ورسولنا قال: ( قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا )، ولا فرق بين هذا وذاك.
[ ثانياً: مشروعية دفع الاتهام ]، فلما قالوا: إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ [الأعراف:66]، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ [الأعراف:67]، فإذا اتهم العبد بالباطل أو بكذب فلا يصح أن يقره ويسكت، يجب أن يرد ذلك ويدفعه.
قال: [ مشروعية دفع الاتهام وتبرئة الإنسان نفسه مما يتهم به من الباطل ]، إذا اتهم المؤمن بشيء بالباطل فيجب ألا يسكت، وأن يرد هذا الاتهام ويبطله ويبين ما هو ضده، وهذا أخذناه من قوله تعالى: يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:67].
[ ثالثاً: من وظائف الرسل عليهم السلام البلاغ لما أمروا بإبلاغه ]، من وظائف الرسول التي كلف بها أن يبلغ دين الله للبشرية، لقوله تعالى: أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف:68].
[ رابعاً: فضيلة النصح وخُلُق الأمانة ]؛ إذ قال: وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف:68]، ففي هذا بيان فضيلة النصح وخلق الأمانة بالذات.
[ خامساً: استحسان التذكير بالنعم؛ فإن ذلك موجب للشكر والطاعة ].
يستحب أن يذكر دائماً بنعم الله، وأن يذكرنا إخواننا من أجل أن نشكر الله ونطيعه، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأعراف:69]، اذكروا هذه النعمة لتشكروا فتفلحوا، والشكر -كما علمنا-: الاعتراف بالنعمة للمنعم، وحمده والثناء بها عليه، وإنفاقها وصرفها في محابه وفيما يرضيه.
وهذه ما ننساها، فقد أصابت أمتنا الإسلامية في دهر طويل وقرون -والله- عديدة، وهم يعبدون الأولياء والصالحين ويتقربون إليهم بأنواع العبادات، منها: الذبح، ومنها: النذر، منها: الحلف، منها: الزيارة وشد الرحال، إلى غير ذلك، وهم أهل لا إله إلا الله، من أوقعهم في هذا؟ إبليس عدو الله، ثم انعدام العلماء وشكوك الموجودين، فانتشرت الوثنية بين أمة الإسلام.
فاسمعوا ما قالوا: قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ [الأعراف:70]، ونترك ما يعبد آبائنا، وكم رد الذين عبدوا القبور والأولياء على العلماء، منهم من يقول: هؤلاء وهابيون، ومنهم من يقول: هؤلاء كذا وكذا، وإلى الآن ما زالت المحنة قائمة، إلا أنها -والحمد لله- خفت في كثير من البلاد.
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ [الأعراف:70]، أي: ونترك، مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأعراف:70]، أنت تعدنا بالعذاب وبغضب الله وسخطه علينا، هذه قولة الجبابرة والطغاة قساة القلوب، وكانوا أشداء أقوياء جبابرة.
فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا [الأعراف:70]، والوعد هنا بمعنى: الوعيد؛ لأنهم يسخرون في كلامهم، فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأعراف:70] في دعواك أننا على الباطل وأنك على الحق، وأننا نعبد غير الله ونشرك به وأنت تعبده وحده، وأننا ضلال وأنت مهتد، هات برهنة على ذلك، هات العذاب، فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا [الأعراف:70]، بالعذاب، وقد وعدهم بالعذاب.
والرجس بالسين: يطلق على صوت الرعد، الرعد إذا دوى في السماء صوته يقال له: رجس، ويطلق أيضاً على النجس.
وقوله: وَقَعَ [الأعراف:71]، ما وقع بعد ولكنه موقن أن العذاب سينزل، وَقَعَ [الأعراف:71]، أي: وجب وقوعه، وسوف ينزل بكم إن لم تتوبوا على الفور وتعبدوا الله وحده، قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف:71] أي: من الله. فهم كانوا يؤمنون بالله رباً، ولو كانوا لا يؤمنون بالله فلن يقول: من ربكم.
قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ [الأعراف:71]، والغضب -والعياذ بالله-: غضب الجبار إذا حل أهلك المغضوب عليهم ودمرهم وأذلهم وأخزاهم.
أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ [الأعراف:71]، ما هي إلا أسماء، فالصنم له ذات ولكن لا ينطق ولا يسمع ولا يتكلم.
سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ [الأعراف:71]، هذا اللات وهذه العزى هذا مناة هذا هبل هذا يسوع هذا كذا، هم الذين سموها، ما أنزل الله بها من سلطان ولا قرآن ولا سماها لكم، أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [الأعراف:71]، أي: من حجة ولا برهان.
نعم إذا ولد للمؤمن ولد ذكراً كان أو أنثى ففي يوم السابع إن كان ذكراً يذبح شاتين ويوزع لحمهما على الفقراء والأقارب وأهل البيت، وإن كانت أنثى يذبح شاة واحدة ويوزع بعضها على أهل البيت وبعضها على الفقراء وبعضها على الأقارب، هذه العقيقة، ويسمى المولود في هذا اليوم ذكراً أو أنثى، ويستحب أن يحلق شعر رأسه ويوزن الشعر بالذهب ويتصدق بوزنه ذهباً.
أما ذكريات خمسين سنة وأربعمائة سنة وألف سنة فوالله! ما أنزل الله بها من سلطان، ما هي إلا بدعة، ويحاجونك بالباطل ولا حجة ولا دليل، فنقول: تريدون أن ترتفع مقاماتكم عند الله؟ تفضلوا، اجلسوا في بيوت الله وادرسوا الكتاب والسنة، العلم والعمل، تصدقوا بأموالكم وأنفقوها على المحتاجين وعلى مشاريع الخير، من يردكم أو يصدكم؟ أما اجتماع للهيشة والصياح والأكل والشرب فما أنزل الله بهذا من سلطان، والله! ما أنزل الله به من سلطان، فهذا هود عليه السلام يقول لقومه: أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ [الأعراف:71].
أزيدكم علماً: إجماع أهل العلم القدامى على أنه ما وجد مولد على عهد رسول الله، ولا على عهد الصحابة، ولا على عهد أولادهم ولا على عهد أحفادهم إلى عهد الفاطميين، ونقلوه عن النصارى، ما كان في الإسلام مولد لا لـعبد القادر ولا لإدريس ولا لفلان وفلان ولا للنبي صلى الله عليه وسلم، أبعد هذا نجادل عن هذه الموالد ونقيمها ونعتز بذلك ونفرح به؟ والله لأن تصلي ركعتين في الروضة خير من مليون مولد تقيمه.
والشاهد أنه ذكرنا بهذا قول هود عليه السلام: مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [الأعراف:71]، لو كان هناك حجة من قال الله وقال رسوله فنعم نتسابق ونتنافس في الوصول إليها، وهكذا كل ما لم ينزل الله به سلطاناً لا يحل أن يدمج في الأمة باسم الدين.
وَأَمَّا عَادٌ [الحاقة:6]، وهم أهل القصة فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ [الحاقة:6]، أتعرفون الصرصرة؟ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ [الحاقة:6]، طاغية، أرسلها عليهم كم يوماً؟ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:7]، سبع ليال وثمانية أيام حاسمة، فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى [الحاقة:7]، جمع صريع، كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:7]، ادخلوا البستانين وانظروا إذا سقطت النخلة وألقيت بعيداً كيف تكون؟ وجذعها كذلك، كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:7-8]، والله! لا أحد، أهلكوا عن آخرهم، ونجى الله المؤمنين وعلى رأسهم هود عليه السلام.
ومن غريب التاريخ أننا كنا نسمع الفلاحين ونحن أطفال يقولون: في آخر شهور الشتاء يوم يسمونه قرة العجوز، والقرة: من البرد الشديد، قالوا: لما أرسل الله الريح العاصفة على قوم هود كانت فيهم عجوز هي الأخيرة فدخلت في غار في جبل، فبقيت هي الأخيرة محفوظة هناك، وإذا بريح كاللولب تدور في ذلك الغار حتى أخرجتها وضربتها على صخرة، فآخر من مات هذه العجوز، ويقولون: قرة العجوز.
قال تعالى: فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا [الأعراف:72]، كيف يتم إنجاء مجموعة وأمة كلها تهلك؟ كيف دبر لهم ذلك؟ إنها رحمة منه عز وجل، أمرهم أن يخرجوا ليلاً وأن يبعدوا من البلاد فخرجوا، ما إن غادروها حتى جاءت الريح العاصف، فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الأعراف:72]، أي: من المؤمنين الذين استسلموا وعبدوا الله وحده، أما أعداؤه وأعداء الإسلام الكفار فلا يمكن أن يكونوا معه.
وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأعراف:72]، التي تحمل هدايتنا وشرعنا وما نحب من الاعتقاد والقول والعمل، وما نكره من ذلك؛ لأنها شريعة جاء بها رسول، وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ [الأعراف:72]، ما كانوا مؤمنين فكذبوا، والآية تذم التكذيب والكفر والعياذ بالله، فلا نكذب ولا نكفر، ولكن نؤمن ونصدق.
اسمعوا الآيات: قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنتَظِرِينَ * فَأَنجَيْنَاهُ [الأعراف:70-72]، من القائل هذا؟ الله، فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا [الأعراف:72] ، بأسلوب وطريقة عجب كانت نجاة المؤمنين، وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ [الأعراف:72]، وإلى الآن سيقطع دابر كل مكذب ومنكر.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: احتجاج المشركين على صحَّة باطلهم بفعل آبائهم وأجدادهم يكاد يكون هذا سنّةً مطَّردةً في الأمم والشعوب، وهو التقليد المذموم ].
افهموا عني هذه، فمن هداية هذه الآيات: [ احتجاج المشركين على صحة باطلهم ]، احتجوا بماذا؟ [ بفعل آبائهم وأجدادهم ]، هذا الاحتجاج بفعل الآباء والأجداد مطرد في البشرية إلى الآن يحتجون على الباطل بأن آباءنا ومن كان قبلنا ما نهونا ولا أمرونا، [ سنة مطردة في الأمم والشعوب، وهو التقليد المذموم ].
قل لنصراني الصليب في عنقه: لم هذا؟ فسيحتج عليك بماذا؟ يقول: الأمة كلها هكذا! الاحتجاج يكون بالحجة القاطعة، ولن تكون إلا قال الله وقال رسوله، أما وجدنا الناس، وجدنا آباءنا، هكذا البشر فهذا احتجاج عجيب.
نحن الآن في النور والهداية ما نصلي ركعتين ولا نقول كلمة حتى نعلم هل قال الله وقال رسوله، أليس كذلك؟ ما نقدم رجلاً ولا نؤخر أخرى حتى نسأل: كيف كان الرسول يصنع؟
والله! ما نعمل عملاً إلا وعليه دليله، ما هو وجدنا الناس أو قال الناس، بل قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.
[ ثانياً: من حمق الكافرين استعجالهم بالعذاب، ومطالبتهم به ]، فهذا دال على الحمق أم لا؟ الذي يقول: أنزل العذاب هات العذاب؛ هذه هي الحماقة، اطلب بعد العذاب، قل: كيف ننجو من العذاب، لا نقول: هات العذاب، فهذا اللفظ دال على الحماقة.
[ من حمق الكافرين استعجالهم بالعذاب، ومطالبتهم به ]؛ إذ قالوا: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأعراف:70]، وقالوا مثل هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل الأمم والشعوب مع الأنبياء قالت هذا.
[ ثالثاً: آلهة الوثنيين مجرّد أسماء لا حقائق لها ]، اسم فقط ولا ذات له، ما له حقيقة، إذا قلنا: ما اسمك؟ قلت: اسمي إبراهيم، فالذات موجودة أم لا؟ أما الأوثان فأسماء فقط بلا حقيقة؟ فهل هناك واحد منها يخلق ويرزق؟ يميت ويحيي؟ يعطي ويمنع؟ أوجد وأعدم؟ الجواب: لا، إذاً: كيف سموه إلهاً؟ إنه اسم بلا مسمى، بلا ذات، كل آلهة المشركين إنما هي أسماء بلا مسميات، أي: بلا ذوات، في حين أن الذي عهدته البشرية أن كل اسم له ذات على الحقيقة، فأنت تسمي الصنم إلهاً فمعناه أنه يخلق ويرزق ويعطي ويمنع، ولذا تركع وتسجد أمامه وتعبده، وهذا باطل.
قال: [ آلهة الوثنيين مجرد أسماء لا حقائق لها؛ إذ إطلاق المرء اسم إله على حجر لا يجعله إلهاً ينفع ويضر ويحيي ويميت.
رابعاً: قدرة الله تعالى ولطفه تتجلَّى في إهلاك عاد وإنجاء هود والمؤمنين ].
تجلت قدرة الله، كيف يستل هذه المجموعة في عدد يسير من النساء والرجال والأطفال من أمة كاملة وينجيهم ويهلك الباقين؟ تقدير حكيم تجلت فيه قدرة الله وعلم الله وحكمة الله ولطف الله.
معاشر المستمعين! أذكركم ونفسي بهذه الحادثة، أين هود؟ أين المؤمنون؟ مضوا. ونحن إلى أين؟ إلى طريقهم، فيجب أن نذكر الله عز وجل ونشكره حتى ننجو من عذابه وسخطه.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر