إسلام ويب

تفسير سورة النساء (67)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الضلال الكبير هو في اتباع الشيطان الرجيم، فهو يأمر أتباعه بطاعته في كل ما يغضب الله ويجر إلى سخطه، فيأمرهم باتخاذ الأوثان والأصنام وصرف شيء من العبادة لها، ويأمرهم بتغيير خلق الله من وشم ووسم لأنعامهم، ويمنيهم الأماني الباطلة ويزين لهم الباطل في صورة خادعة، حتى يكونوا معه في العذاب المقيم في جهنم.

    1.   

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.

    وما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الست، وقد درسنا آية منها والباقي خمس آيات، والآية التي درسناها تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116].

    فعلمنا بتعليم الله عز وجل لنا أنه عز وجل لا يغفر الشرك من عبده إذا مات عليه، أما من تاب منه قبل أن يموت فوحد الله عز وجل فقد نجا، وأما من مات وهو يشرك بالله شيئاً في ربوبيته أو في أسمائه وصفاته أو في عباداته، فهذا قد أخبر الكريم الرحيم جل جلاله وعظم سلطانه أنه لا يغفر له، وأما ما عدا الكفر والشرك من سائر الذنوب فهي موقوفة للنظر فيها، إن شاء غفر له، وإن شاء آخذ وعذب، إلا أن أهل لا إله إلا الله -أهل التوحيد- إذا دخلوا النار ومكثوا فيها ما شاء الله فإنهم يردون إلى الجنة دار السلام، أي: أهل الكبائر من هذه الأمة إذا لم يغفر لهم ودخلوا النار فإنهم لا يخلدون فيها كما يخلد فيها المشركون والكافرون.

    إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، فكيف يرجع وقد ضل ضلالاً بعيداً؟!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً)

    والآن مع هذه الآيات فتدبروا معانيها، والله أسأل أن يفتح علينا وعليكم، وأن ننتفع بها، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا [النساء:117-121]، أي: مهرباً.

    إخبار الله عن حال المشركين أنهم ما يعبدون إلا إناثاً

    إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا [النساء:117]، أي: ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله إلا إناثاً، كيف يدعون الإناث؟ في لغة العرب التي نزل بها القرآن أن لفظ (الميت) يطلق عليه لفظ المؤنث؛ لأن الأنثى لا تقاتل ولا ترفع السلاح ولا تجلب الطعام، إذاً: فالذي يدعو الميت يدعوه وكأنه أنثى.

    وتأملوا مرة أخرى: إِنْ يَدْعُونَ [النساء:117]، أي: ما يدعون مِنْ دُونِهِ [النساء:117]، أي: أولئك المشركون إِلَّا إِنَاثًا [النساء:117] والإناث: جمع أنثى، قال أهل العلم: العرب يطلقون على الميت أنثى؛ لأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يشفع، فهو إذاً أنثى.

    كما أن هناك آلهة مؤنثة، منها: اللات التي كانوا يعبدونها ويعتزون بعبادتها، وكذلك مناة ونائلة، وهكذا يدعون أصناماً تمثلوها وجعلوها آلهة وهي إناث في لفظها، ولكن الأول أوسع، أي: ما يُدعى من دون الله، أو ما يعبد من دون الله من سائر المعبودات من أصنام وأحجار وتماثيل أُطلق عليها لفظ أنثى ولا تحزن؛ لقوله تعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا [النساء:117]، وإناث: جمع أنثى؛ لأن الأنثى من بني آدم لا تفعل شيئاً، إذ لا وزن لها ولا قيمة لها في باب القتال والجهاد والأخذ والعطاء، وهذا الميت أو الشجر أو الصنم أنثى أيضاً، إذ لا يعطيهم شيئاً ولا يدفع عنهم شيئاً، فهو أنثى! وقد اختار الله الحكيم العليم هذا اللفظ من أجل تبكيتهم وخزيهم، وكشف سوءتهم وعوراتهم، أي: ما يدعون إلا إناثاً، ويتركون الجبار العليم الحكيم.

    عبدة الأصنام هم في الباطن عبدة للشيطان إذ هو الذي أمرهم فأطاعوه

    ثم قال تعالى: وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا [النساء:117]، ونثهذا كشف للستار الثاني، إذ هم في الحقيقة إذا دعوا اللات أو العزى أو مناة أو عيسى وأمه أو عبد القادر والبدوي، فهم في الحقيقة إنما يدعون الشيطان، إذ هو الذي أمر بذلك، فالذين يعبدون عيسى ما أمرهم عيسى بعبادته، بل ولا أمرهم الله بعبادتهم، وإنما الذي أمرهم هو الشيطان.

    إذاً: فهم والله يدعون الشيطان، لا اللات ولا العزى ولا مناة ولا جبريل ولا ميكائيل، وبالتالي فكل ما عبد من دون الله هو ما عبد حقيقة، وإنما عبد الشيطان الذي زين عبادته وحسنها ورغب فيها ودعا إليها، فالشيطان هو المعبود، ثم أليس المعبود هو المطاع؟ نعم، إذاً: من أُطيع هذه الأصنام أم الشيطان؟ الشيطان هو الذي أُطيع، فهو الذي أمر وزين وحسن فعبدوها.

    وتأملوا: إِنْ يَدْعُونَ [النساء:117]، أي: ما يدعون مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا [النساء:117]، فقد تمرد على ربه ورفض أن يسجد لآدم، وتبجح الكثير، وقال ما قال، وهذه مواقف له نقف عليها الليلة إن شاء الله تعالى، وسبحان الله! فهذه الآيات عجب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً)

    لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118].

    قال تعالى: لَعَنَهُ اللَّهُ [النساء:118]، من لعنه؟ الله عز وجل، ومعنى: لعنه الله، أي: أبعده من ساحة الخير، فقد كان في الجنة مع آدم في الملكوت الأعلى، لكن لما لعنه الله، فقد أبعده من الخير نهائياً.

    وَقَالَ [النساء:118]، أي: هذا الملعون عدو الله لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118]، أي: يقول للرب تعالى لما طرده من الجنة بسب إفساده لآدم وحواء، ورفضه السجود للآدم، إذ كل الملائكة سجدوا إلا هو والعياذ بالله، قال لما أيس وعرف مصيره: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118]، أي: يتحقق لا بد منه، وقد نجح، ففي الأثر يقول الرب تبارك وتعالى في عرصات القيامة في ساحة فصل القضاء: يا آدم! خذ بعث النار، من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، وواحد إلى الجنة فقط.

    فهيا لنلق نظرة في البشرية الآن، كم نسبة الناجون من أهل الإيمان والصدق والتوبة والطاعة إلى باقي هذه الأمم؟ من الألف واحد!

    إذاً: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118]؛ لأنه عرف ضعف هذا الإنسان وعجزه وعدم قدرته، وذلك لما زين لآدم وحواء الأكل من الشجرة المحرمة، فسلبهم ذاك النعيم وأخرجهم من دار السلام، وكذلك أولاد آدم مثله، ولهذا حلف فقال: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118]، فقد استطاع أن يغرر بآدم وحواء ليخرجهم من الجنة، فزين لهم أكل الشجرة وقال: هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى [طه:120]؟ فاستجاب آدم وحواء لذلك وأبعدوا من دار السلام، واهبطوا إلى دار الشقاء وهو معهم.

    إذاً: عرف أن هذا الجنس ضعيف يستطيع أن يؤثر عليه، واسمعوا ماذا فعل أيضاً؟

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ...)

    وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا [النساء:119].

    معنى قوله تعالى: (ولأضلنهم)

    قال: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ [النساء:119]، أي: أبعدهم عن طريق عبادتك وولايتك؛ ليكونوا عبيدي وأوليائي، ويدخلون جهنم ويخلدون فيها معي، وهذا الحقد وهذا الغيظ سببه أنه أطرد من رحمة الله هو وذريته من الجنة من دار السلام، وذلك بسبب آدم وحواء، ثم قال: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83]، اللهم اجعلنا من الذين استخلصتهم لعبادتك.

    إذاً: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ [النساء:119]، أي: عن جادة الصواب، عن طريق الحق، عن الصراط المستقيم؛ ليعيشوا في الشرك والكفر والجرائم والموبقات، فتسود نفوسهم وتخبث، ويكونوا أهلاً لعالم الشقاء جهنم.

    معنى قوله تعالى: (ولأمنينهم)

    وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ [النساء:119]، أتعرفون الأماني؟ يأتي الآدمي فيقول له: لم تبق في هذه الحال؟ افعل كذا، اقتل فلاناً واحصل على هذا المال، وبعد ذلك تستريح مرة واحدة، ويقول لفلان: افتح مقهى أو مخمرة كما يفتحها غيرك، والله يتوب على من يشاء، فما يزال به حتى يوقعه في ذلك، ويأتي لآخر فيقول له: لم تبق في هذا الكرب والغم والهم؟ اطلب لك فتاة وازن بها وافجر بها والله غفور رحيم! وغير ذلك من الأماني التي يلقيها على الآدمي، ولا نستطيع أن نستوفي ما يطرحه من أماني! إلا أننا نقول: كل الذين بغوا وظلموا وفسقوا كان ذلك بأماني الشيطان لهم، فهو الذي يحسن لهم القبيح ويزين لهم المشئوم حتى يوقعهم في ذلك، وما يقدم من أماني عذبة حتى يورط الآدمي في هذه الفتن.

    معنى قوله تعالى: (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام)

    وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ [النساء:119]، أي: ولآمرنهم فيطيعونني، فَلَيُبَتِّكُنَّ [النساء:119]، أي: فليقطعن، آذَانَ الأَنْعَامِ [النساء:119].

    يقول تعالى عن إبليس عليه لعائن الله، وهو عز وجل يخبر بأخباره وكلامه الذي قال، فيقول: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ [النساء:119]، أي: بني آدم عن الطريق الموصل إلى سعادتهم ورضاك.

    وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ [النساء:119]، أي: بالأماني الكاذبة حتى يتورطوا في الشرك والكفر والفجور والذل والفساد والشر.

    وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ [النساء:119]، وآذان جمع أذن، والأنعام: الإبل والبقر والغنم، فقد كان العرب في الجاهلية يعلِّمون الشاة أو البعير أو البقرة بشق أذنها على أنها لسيده أو لمولاه أو لربه، قال تعالى: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:103].

    إذاً: فهم يجعلون للآلهة مواشيهم، فهذا البعير يسمونه الحام لأنه محمي، أي: لا يركبه أحد؛ لأنه لإلهه، وطول حياته وذاك البعير يرتع ولا يركب ولا يحمل عليه، وإنما حموه للآلهة.

    والسائبة هي التي يسيبونها ويتركونها، كشاة أو مجموعة من الأنعام، فلا تحلب ولا تركب؛ لأنها للإله.

    وأما البحيرة فهي التي يبحرون أذنها أيضاً من الإبل أو البقر، والذي زين لهم هذا هو الشيطان، وقد جاء إلينا بعد أنوار القرآن، فكم من إنسان يقول: هذه الشاة لسيدي عبد القادر، فلا تمسها ولا تأكلها! ويغرس نخيلاً فيقول: هذه نخيل لسيدي عبد القادر! ويشتري قطيعاً من الغنم ويقول: هذه شاة مولاي فلان! وعلة ذلك الجهل، فيتقربون إلى الأولياء، فهل الأولياء يقبلون منهم هذا؟ وهل أمرنا الله بأن نجعل لأولياء الله شاة أو نخلة أو شجرة من الزيتون ونقول: هذه لسيدي فلان؟! والله ما أمر بهذا إلا الشيطان عليه لعائن الله.

    معنى قوله تعالى: (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله)

    وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119]، كيف يغيرون خلق الله؟ مثلاًً: شق الأذن تغيير لخلق الله، وحلق الحاجبين تغيير لخلق الله، وحلق اللحية والشارب معاً تغيير لخلق الله، والوشم في اليد والوجه تغيير لخلق الله، وقد عمل إبليس واستطاع ونجح في هذا الباب بلا حساب.

    قال: [ فيطيعونني في ذلك، فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ [النساء:119] ليجعلون لآلهتهم نصيباً مما رزقتهم، ويعلمونها بقطع آذانها لتعرف أنها للآلهة، كالبحائر والسوائب التي يجعلونها للآلهة ]، فلهذا معاشر الأبناء والبنات والمؤمنين والمؤمنات! نعمل على ألا نغير خلق الله، لا في شاة ولا في بعير ولا في إنسان ولا في أي شيء، فنترك خلق الله كما هو، فالوشم حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ( لعن الله الواشمة والمستوشمة، لعن الله الواصلة والمستوصلة )، وهي التي توصل شعر غيرها بشعرها، إذ ما رضيت بما أعطاها الله عز وجل فاحتالت وألصقت شعراً بشعرها، ( لعن الله الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة ).

    والمهم إذا رأيتم من يغير خلق الله فاعلموا أنه استجاب لدعوة إبليس، إذ هو القائل: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119].

    جزاء من اتخذ الشيطان ولياً من دون الله

    ثم قال تعالى: وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا [النساء:119]، وهو كذلك، فبدل أن توالي الله عز وجل بالإيمان الصحيح وبطاعته وطاعة رسوله فتصبح ولي الله؛ تترك الله عز وجل ولا تؤمن به ولا تطيعه وتؤمن بالشيطان وتطيعه في كل ما يأمر ويزين، فصاحب هذه الطاعة قال الله فيه: فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا [النساء:119].

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً)

    يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [النساء:120].

    وبين ذلك فقال: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ [النساء:120]، أي: يعدهم بالوعود الكاذبة، فهل يحقق شيئاً؟ ويمنيهم بالأماني العذبة الكاذبة.

    وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [النساء:120]، والله ما يعد الشيطان أحداً إلا وقد غرر به، فلا يستطيع أن يعطيه شاة ولا بعيراً ولا ديناراً ولا درهماً، وإنما الذي يعطي ويمنع هو الله عز وجل، لكن الشيطان يمني ويحمل الإنسان على الأماني الكاذبة من أجل أن يضله الضلال البعيد والعياذ بالله، ومن أجل أن يخسر خسراناً واضحاً بيناً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصاً)

    أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا [النساء:121].

    قال تعالى في ختام هذه الآيات: أُوْلَئِكَ [النساء:121]، أي: أتباع الشيطان ومطيعوه، أولياء إبليس.

    أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا [النساء:121].

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    لهذه الآيات هدايات خمس فتأملوا! ‏

    معنى الآيات

    قال المؤلف: [ من هداية الآيات: سائر الذنوب كبائرها وصغائرها قد يغفرها الله تعالى لمن شاء، إلا الشرك فلا يغفر لصاحبه ] وأخذنا هذا من الآية الأولى.

    قال: [ ثانياً: عبدة الأصنام والأوهام والشهوات والأهواء هم في الباطن عبدة الشيطان، إذ هو الذي أمرهم فأطاعوه ] فهو وليهم.

    قال: [ ثالثاً: من مظاهر طاعة الشيطان المعاصي كبيرها وصغيرها، إذ هو الذي أمر بها وأُطيع فيها ] أي: أن كبائر الذنوب، بل المعاصي كلها الشيطان هو الذي أمر بها وحسنها وزينها، ونحن إذا أطعناه فقد عبدناه.

    قال: [ رابعاً: حرمة الوشم والوسم والخصاء إلا ما أذن فيه الشارع ] الوشم حرام إذ فيه تغيير لخلق الله، والوسم كذلك، والخصاء للذكر كذلك إلا ما أذن فيه الشارع، فقد أذن الشارع أن نخصي التيس والكبش للحفاظ على الشحم واللحم، وأذن في أن نعمل علامة في الأغنام بشق بعض الأذن حتى لا تختلط أغنامنا بأغنام الآخرين، فهذا قد رخص فيه الشارع؛ لأنا ما فعلنا هذا لنعبد الشيطان أو نجعل هذه الشاة لفلان أو علان.

    قال: [ رابعاً: حرمة الوشم ] سواء في الوجه أو في غيره، [ والوسم ] أيضاً بالسيم أو العلامة، [ والخصاء، إلا ما أذن فيه الشارع ] صلى الله عليه وسلم.

    قال: [ خامساً: سلاح الشيطان العِدة الكاذبة، والأمنية الباطلة، والزينة الخادعة ] أي: سلاح عدونا إبليس: العدة، أي: الوعد الكاذب، والأمنية الباطلة، والزينة الخادعة.

    والله تعالى أسأل أن يعيذنا وإياكم من فتنه ومن شره وتزيينه، وأن يحفظنا بما يحفظ به أولياءه حتى نلقاه طيبين طاهرين.

    وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767953253