وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ).
اللهم حقق لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك!
وها نحن مع سورة النساء المدنية، وسبقتها سورة آل عمران المدنية، وسبقتها سورة البقرة المدنية، وسبقتها سورة الفاتحة المكية المدنية، نزلت بمكة ونزلت بالمدينة، فمرة نزلت بـ: بسم الله الرحمن الرحيم، وأخرى بدونها، فمن هنا من رأى نزولها بـ: بسم الله الرحمن الرحيم جعلها آية من آياتها السبع، وفرض قراءتها في كل قراءة، ومن رأى نزولها مرة ثانية بدونها رأى آياتها سبع آيات بدون بسم الله الرحمن الرحيم.
والمذهب الجامع والطريق السديد: هو أننا لا ننكر على من لم يقرأها، ولا ننهى من قرأها، ونحن إن كنا أئمة نصلي بالناس نفتتح الفاتحة بـ: بسم الله الرحمن الرحيم سراً، ولا نجهر بها؛ حتى لا يتألم من يرى عدم قراءتها، ونقرأ بها لما ثبت من أنها نزلت بها.
وبسم الله الرحمن الرحيم فاتحة كل سورة من كتاب الله، وليست بواجبة، وإنما الوجوب في آية من سورة النمل، فتلك بالإجماع آية من سورة النمل.
لعلكم ما اطمأنت نفوسكم إلى هذا البيان، لا حرج، كل ما في الأمر أننا نهبط إلى أن تجتمع كلمتنا، ولا نختلف بيننا، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه:( صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووراء
فمن هنا الذي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] أعظم أجراً، فمن هنا أخذاً بالحديث الصحيح ما نجهر بها، إذ من الجائز أنهم كانوا يسرونها سراً، ويرفعون أصواتهم بـ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] للفرق بين البسملة وبين آية من سورة الفاتحة.
ومن رأى كالإمام الشافعي أنها آية: ألزم تلامذته ونفسه بأن يجهروا بها ويقرءوها.
قلنا: لكم ذلك، فأنتم ما عصيتم الله! وأنتم طالبون رضا الله بسملوا، وما بقي بيننا خلاف.
ومن قال: كيف تسقطون آية من كتاب الله؟ هذا كفر. قلنا: لا! لا تقل هذا يا عبد الله! السورة نزلت مرتين، قرأها جبريل على رسول رب العالمين فمرة بسمل، ومرة لم يبسمل، فقلنا: ليست آية، وإنما هي افتتاح السورة كما افتتحت بها عامة سور القرآن إلا براءة؛ لأنها إعلان حرب، ما يحسن ذكر بسم الله الرحمن الرحيم مع ذكر الضرب بالسيف!
إذاً: بسم الله الرحمن الرحيم موجودة في كل سور القرآن، وهذا المصحف أمامكم اللهم إلا سورة براءة، ما السر؟ إعلان الحرب: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة:1-3] الآيات، فلم يحسن أن تفتتح بـ: بسم الله الرحمن الرحيم، التي تحمل راية الرحمة.
الحمد لله، العلم ما يؤخذ في ليلة واحدة، الله يعلم أننا ظالمون،لم؟ كيف نفتتح آية بها الأحكام الكثيرة ونريد أن نفهمها ونحفظها في يوم واحد؟ ما هو صحيح، والله ما نحن بمستقيمين في هذا الباب، تعودنا أن حكماً واحداً يتقرر ويتكرر؛ حتى يصبح من الضروريات للعبد الذي يطلبه، وبذلك يستقر في نفسه، ويقوى على تطبيقه، والدعوة إليه.
عرفتم خطأنا؟ هيا نستغفر الله إذاً، اللهم اغفر لنا وتب علينا، اللهم اغفر لنا وتب علينا!
تلاوة الآيتين بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لا نقول: بسم الرحمن الرحيم، وإن قلناها لا بأس، فإذا كانت أول السورة فمن السنة أن نفتتحها بـ: بسم الله الرحمن الرحيم، ونقدم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أيضاً، وإن كانت الآيات في أثناء السور وداخلها فالطريق السليم المعهود عن السلف الصالح أن نفتتحها بـ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أي: نتحصن بالله؛ حتى لا يفسد علينا قراءتنا، ولا يرمي ألواناً من الشك والاضطراب في نفوسنا؛ لأنه بالمرصاد، لا يريد أن نسعد ولا أن نكمل ولا أن نتعلم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [النساء:5-6].
قال: [ من هداية الآيات:
أولاً: مشروعية الحجر على السفيه لمصلحته ] وقد يكون السفيه امرأة، وقد يكون رجلاً، من السفيه؟ الذي ما يحسن التصرف في المال، يسرف فيه، يكثر من إنفاقه، حتى يفتقر ويصبح عالة على المجتمع.
وما معنى الحجر؟ حجرة على رأسه؟! ما الحجر؟ كأن تضعه في حجرك، لا تسمح له أن يتصرف، حجرت عليه؛ لأنه يتصرف تصرف السفهاء بالمال، وهذا المال مال الأمة، (أموالكم)، والمال قوام الأعمال، وقد قال تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5] لا بالتشنيع والتنفير والسب والشتم: يا أحمق! يا سفيه! لا. حرام هذا.
لم إخوانكم ما يحجرون على سفهائهم؟ للجهل. ما عرفوا، وإلا فالأسرة إذا ظهر فيها فرد مبذر ينفق في المعاصي.. يبدد في المال يجب أن يصدر حكم من المحكمة على هذا الشخص حيث لا يشترى منه إذا أراد أن يبيع، ولا يباع له إذا أراد أن يشتري؛ لأنه محجور عليه، فهو يتصرف في حدود المعروف فقط، حتى إذا زال السفه وحل محله الرشد والبصيرة والمعرفة أعطوه ماله يبيع ويشتري.
لم نفعل هذا؟ حفاظاً عليه أولاً، وحفاظاً على مال الأمة التي تعيش عليه.
هل تعرفون التصرف الباطل؟ أعطيكم مثالاً: يا شيخ! اشتر سيارة، هذه التي معك كم سنة تستخدم؟ والسائق يتململ ويتبجح هذه ما تمشي يا شيخ!
ما دامت هذه السيارة تحملك، وتأتي ببضائعك إلى بيتك لم تستبدلها؟ تبيعها بعشرة أو عشرين وتشتري أخرى بتسعين؟ أيجوز هذا؟ هذا مثل من الأمثلة.
هذا الحذاء صالح نافع طيب، قالوا: بدله، فقد طالت عليه المدة له سنة كاملة، هذا عدنان غلبنا وجاء بحذاء جديد، لا يحل الإسراف في المال وتضييعه.
أولاً: ريال واحد تنفقه في معصية الله شر إسراف وأعظمه، ولا يحل أبداً، بله نصف ريال تنفقه في غير مرضاة الله فهو من الإسراف القبيح، وصاحب عرضة لسخط الله وعذابه، عرفتم هذا؟ وما ينفق في طاعة الله وإن أنفقت الكثير لا يقال فيه: إسراف، ما دام في طاعة الله عز وجل.
ما هي السبل التي ينفق فيها المال وتكون في طاعة الله؟
الصدقات، الأوقات، الجهاد، صلة الأرحام، معالجة المرضى، في سبيل الله.. هذا سبيل الله، وإن كان أيضاً لا بد من الاعتدال والقصد، وإليكم هذا الحديث الشريف يحضرنا الآن وهو: لما مرض سعد بن أبي وقاص المكي المهاجر لا سعد بن معاذ الأنصاري ، لما مرض سعد بن أبي وقاص وكان مرضه شديداً فعاده النبي صلى الله عليه وسلم، ما معنى عاده؟ زاره. وعيادة المريض سنة من سنن الإسلام، فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له سعد : ( يا رسول الله! إني ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة واحدة، فأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قال: فشطره -أي: نصفه- قال: لا. قال: الثلث. قال: الثلث، والثلث كثير ) الثلث لا بأس، والثلث كثير، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنك يا سعد
لا نطيل على السامعين والسامعات، القصد القصد! في الإنفاق في الطعام في الشراب في اللباس في المركوب في السكن، وإياك والمباهاة والمفاخرة وإظهار العنتريات، لا! أنت عبد الله أليس كذلك؟ والعبد كيف حاله؟! إن شاء الله استفدنا هذه.
إذاً: مشروعية الحجر عرفناها من الآية أم لا؟ وهي قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5].
[ثانياً: استحباب تنمية الأموال ].
كيف تنمي الأموال؟ كانت ألفاً فأصبحت ألفاً ومائتين! كانت خمسين ألفاً فأصبحت سبعين ألف، تنمو كما ينمو الشجر والعشب.
[ثانياً: استحباب تنمية الأموال في الأوجه الحلال ] لا في الأوجه الحرام كالربا وتجارة الحشيشة، وكالفيديو والتلفاز وفي آلات الأغاني وفي أزياء العواهر والمشركات، بل ينبغي أن ننمي أموال فقرائنا ويتامانا وسفهائنا وأموالنا .. ننميها لتنمو وتكثر في أوجه الحلال، فلا تفتح دكاناً في المدينة تبيع فيه السيجارة، ولا تفتح قهوة تبيع فيها آلات الشيشة.
لا تغضبوا، سوف تضحكون في القبر إن شاء الله، لا تفتح استوديو التصوير، وإياك أن تبيع آخرتك بدنياك الهابطة!
أصحيح هذا؟ إي والله ( إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون ) قد يقول النحوي: لم ما قال: المصورين؟ قالت العلماء: من أجل أن يلفت النظر إلى الخطأ؛ حتى تقيس المصورون؛ لأنهم يضاهون خلق الله، ومن هنا اقترحنا على حكومتنا من سنين أن تأتي بكافر من الكفار الفقراء من الفلبينيين وتجعله في البلدية يصور في الجوازات.
أيما مواطن يحتاج إلى صورة فهذا الكافر يصوره! أين نحتاجه؟ في البلديات .. في الجوازات .. في المستشفيات، حيث نحتاج إلى التصوير!
اجعل هذا الكافر -وهو من أهل النار- يصور، وإذا قال: لم أنا ما أتوب وأسلم وأدخل الجنة؟ تفضل، اغتسل وتعال صل، ونبحث عن مصور آخر من أهل النار. معقول هذا الكلام أم لا؟
إذاً: [ استحباب تنمية الأموال ] في البنوك؟ لا! تودع مالك في بنك على أن تعطى كل سنة مائة ألف تعيش عليها، وتدع المليون هناك ينمى لك، فهذا لا يجوز، والله لأن تعيش على الكسبر والفلفل وكسور الخبز أحب إليك وأفضل من أن تعيش على هذا المبلغ المالي المحرم عليك؛ لأنها أيام وتنتهي، أطال الله عمر شيخكم، أصبح يستحي لما يقول: معشر الأبناء والإخوان! أين الإخوان؟ ماتوا، أولئك الذين كانوا في وجوههم البياض والشيب انتهوا، أين هم؟ وعما قريب تسمعون: مات الشيخ الجزائري .
والله العظيم! ما هي إلا أيام فقط وتنتهي، كيف تبيع خلدك في دار السلام مع مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين من أجل أوساخ قذرة؟ تستطيع أن تصوم على الخبز فقط، تستطيع أن تعيش ستين سنة وأنت جائع ولا تبالي، وأنت عزب ولا تفكر في فسق وخروج عن طاعة الله.
قال: [ ثالثاً: وجوب اختبار السفيه قبل دفع ماله إليه ].
من أين أخذنا هذا؟ من فرض علينا أن نمتحنه ونختبره؟ الله، فقد قال تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى [النساء:6].
ما معنى ابتلوهم؟ بالعصا يعني؟! اختبروهم، أعطه عشرة ريالات وقل له: جئنا بكذا، وانظر كيف يتصرف.
وَابْتَلُوا الْيَتَامَى [النساء:6] والسفيه كاليتيم أيضاً، فإذا عرفنا أنه أصبح صالحاً لأن يأخذ ماله نمتحنه، فإن نجح أعطيناه ماله.
قال: [ رابعاً: وجوب الإشهاد على دفع المال إلى اليتيم بعد بلوغه وبعد رشده ].
هل عرفنا بم البلوغ يتحقق؟ أما في الغلام فإنبات الشعر حول العانة، وببلوغ الثامنة عشر من عمره، وأما الجارية فإنها تزيد على الإنبات بالحيض والحمل؛ فإن حاضت الجارية بلغت سن الرشد، ما حاضت لكن حملت، الولد في بطنها، يبقى شك في أنها بلغت؟ ما يبقى شك!
إذا:ً [ خامساً: حرمة أكل مال اليتيم والسفيه مطلقاً ].
لا يجوز أن تأكل مال السفيه، حجرت عليه وتأكل ماله، يجب أن تنميه وأن تحفظه له، وأن تنفق عليه منه في حدود فقط، حتى إذا ثاب إلى رشده وأصبح أهلاً للتصرف تعطيه أمواله، واليتيم كذلك تنمي ماله وتحفظه إذا بلغ سن الرشد ورشد ادفع إليه وأشهد عليه.
من أين أخذنا هذا؟! وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [النساء:6].
قال: [سادساًً: الوالي على اليتيم إن كان غنياً فلا يأكل من مال اليتيم شيئاً، وإن كان فقيراً استقرض منه ] على أساس أن يرده يوم ما ييسر الله عليه [ ورد عند الوجد واليسار، وإن كان مال اليتيم يحتاج إلى ] عمل هل الوصي يعمل فيه؟ يعمل، بأجرة أو بدون أجرة؟ إذا كان فقيراً بأجرة كأجرة مثيله، هذا المال يحتاج إلى حراسة، الحارس عادة كم يعطى؟ يعطى مثلاً ألف ريال، أنت أيها الوصي! احرس وخذ الألف وما تزيد على الأجرة، هذا العمل يحتاج إلى رفع ووضع وإدخال وإخراج مثلاً وأنت فقير؛ اعمل هذا العمل وخذ أجرة مثلك، اسأل عن العمال في هذا الشأن كم يعطون؟ خذها أنت. واضح هذا المعنى؟
قال: [ وإن كان مال اليتيم يحتاج إلى أجير للعمل فيه جاز للولي أن يعمل بأجرة المثل ].
لا يزيد ولا ريالاً واحد، هذه التعاليم من أنزلها؟ من شرعها؟ من قننها؟ الله رب العالمين، هذا الذي كفره الإنس والجن، ليهلكوا ويعيشوا إلى جهنم، كيف ينسون الله وهذه تعاليمه وهذه هدايته؟
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7] ما معنى هذه الآية؟
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ [النساء:7] بعد موتهما، الأب والأم أم لا؟ وَالأَقْرَبُونَ [النساء:7] كالأخ والأخت ومن إلى ذلك، مِمَّا قَلَّ مِنْهُ [النساء:7] سواء مليون أَوْ كَثُرَ [النساء:7] مما قل ريال، أو كثر عشرة نَصِيبًا [النساء:7] قسطاً مَفْرُوضًا [النساء:7].
هذه الآية المجملة قررت قسمة التركات، أما تفصيلها جاء في: يُوصِيكُمُ اللَّهُ [النساء:11] بعد ثلاث آيات، ولها سبب في نزولها.
لقد كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الأطفال ] قبل نزول هذه الآية أهل الجاهلية لا يورثون طفلاً ولا امرأة، لم؟ قالوا: المرأة لا تقاتل، والولد كذلك. لم نعطيهم المال؟ هذا المال لمن يحمل السيف ويدافع عن الحي والبلاد!
قال:[ لقد كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الأطفال بحجة أن الطفل كالمرأة لا تركب فرساً، ولا تحمل كلاً، ولا تنكي عدواً ].
قانون هذا؟ سمعتم الحجج أم لا؟ قالوا: والطفل كالمرأة لا تركب فرساً المرأة، بمعنى: لا تقاتل عن البلاد، ولا تحمل كلاً، إذا شخص كل وعجز لضعفه وفقره المرأة ما تفعل شيئاً معه، والطفل كذلك، ولا تنكي العدو، المرأة تجرح العدو أو تزعجه؟
قال: [ يكسب ولا تكسب، وحدث -حصل- أن امرأة يقال لها: أم كحة ] تعرفون كحة أم لا؟ هذه تسمى: أم كحة ؛ لأنها تكح، [ مات زوجها، وترك لها بنتين، فمنعهما أخو الهالك ] أي: عم البنتين [ من الإرث ] قال: المال مال أخي، أنا أولى به، أما المرأة والبنتان لا حظ لهما! لا تنكي عدواً ولا تركب فرساً ولا تحمل كلاً.
قال: [ فشكت أم كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكشو إليه [ فنزلت هذه الآية الكريمة ] لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7] لها أثر أم لا؟
إليكم كيف جاءت تشكو.
قال: [ لما شكت أم كحة أخا زوجها وجاء معها قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ( انطلقا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن ) فأنزل الله تعالى هذه الآية رداً عليهم وإبطالاً لقولهم وتصرفهم الجاهلي؛ إذ المفروض أن الصغير والمرأة أولى بالإرث لحاجتهما وضعفهما ] أليس كذلك؟ فكيف يكون الرجل أولى، المرأة والطفل أولى بالتركة للضعف والعجز، لكن قانون الجاهلية قالوا: المرأة والطفل ما يدافعان عن البلاد ولا يحمل كذا ولا كذا، أبطل الله هذه القاعدة الجاهلية وحل محلها الهدي الإلهي.
لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا [النساء:7] حظاً مَفْرُوضًا [النساء:7] فرضه الله.
الجمهور: على أن الآية منسوخة، لكن ابن عباس قال: لا. بل هذه الآية محكمة، وقد عشناها وطبقناها ونحن لا نعرف، والله طبقت في قرى المؤمنين، لما نجذ قناطير التمر يوم الجذاذ، ويقسم التمر على الورثة، صاحب السدس سدس، صاحب النصف، صاحب الثلث، الخماس هذا يأخذ الخمس، الفلاح الذي يسقي ويؤبر له الخمس، لما نكون نقسم يأتي الفقراء من الأقارب بزنابيل وأكياس، مع أنهم لا يرثون لكن يجلسون وينتظرون، ولما نقسم نعطيهم كذلك، صاع صاع كذا كذا، سبحان الله! بركة هذه الآية، ولا نفهمها!
فـابن عباس قال: محكمة، فعندما تأخذون في قسمة المال ويحضر بعض الفقراء من بعض الأقارب الذين لا يرثون وهم محتاجون أعطوهم شيئاً فشيئاً، وامسحوا دموعهم، آمنا بالله.
قال تعالى: وَإِذَا حَضَرَ [النساء:8] ما معنى حضر؟ جاء وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ [النساء:8] علم أنهم يقسمون الليلة التركة الفلانية.
وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى [النساء:8] أصحاب القرابة ما هم وارثون، كعمة أو خالة وهم فقراء ما يرثون.
وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ [النساء:8] حتى اليتيم دائماً يتتبع من يقسم يحضر معه.
فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ [النساء:8] أعطوهم شيئاً من ذاك الذي تقسمون.
وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8] إذا شححتم وما أعطيتم أو أعطيتم قليلاً قولوا لهم قولاً معروفاً: هذا الذي حصل وبارك الله لك فيه، وسامحنا، أما العنف والشدة والغضب: قوموا، لم جئتم يا طماعون؟! فلا، الله أكبر! أين هذه الأمة؟ ماتت يوم ما جهلت هذه البيانات وما عرفتها، فالقرآن يقرءونه على الموتى، ولا يجتمعون لآية كهذه قط!
وهذا أحد الإخوان يقول: نحن في بلادنا نقسم أولاً على الفقراء ثم نقسم التركة، فأقول له: تعال أقبل رأسك إذاً. الحمد لله! ولا بد من بقايا خير، يقول تعالى: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8] لا منكراً بالتعيير والشتم والتقبيح.
وَلْيَخْشَ [النساء:9] يجب أن يخاف، يخشى بمعنى: يخاف أم لا؟
وَلْيَخْشَ [النساء:9] من؟ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ [النساء:9] المريض على فراش الموت، ويجيء الماديون مثلي يأخذون ينصحون له: أوص لفلان بكذا، أوص لفلان بكذا، الورثة كذا، يقول: لفلان علينا دين، له كذا، فيوصونه بما يجعله يأخذ ذاك المال ويوزعه على غير الورثة.
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً [النساء:9] أنت يا من توصي بالباطل! ما تخاف غداً تموت وتترك أيضاً ذرية بعدك؟ انظر حالك قبل أن تنظر إلى حال هذا المريض الذي يجلس فينا وهو يعاني آلام الموت ما يوصيه ولا ينصح له بأن يحرم الورثة من المال، بأن ينسب إلى فلان كذا وفلان كذا وفلان كذا.
فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9] لأنهم أيضاً سوف يمرضون ويوضعون على سرير الموت، ويجيء من ينصح لهم أيضاً ويفسد عليهم مال أولادهم.
تربية عجيبة هذه!
قال: [ فقد تضمنت إرشاد الله تعالى للمؤمنين الذين يحضرون مريضاً على فراش الموت بألا يسمح له أن يحيف في الوصية، بأن يوصي لوارث، أو يوصي بأكثر من الثلث، أو يذكر ديناً ليس عليه، وإنما يريد حرمان الورثة، فقال تعالى آمراً عباده المؤمنين: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ [النساء:9] أي: من بعد موتهم ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ [النساء:9] أي: فليخشوا هذه الحال على أولاد غيرهم ممن حضروا وفاته كما يخشونها على أولادهم.
إذاً: فعليهم أن يتقوا الله في أولاد غيرهم، وليقولوا لمن حضروا وفاته ووصيته قولاً سديداً أي: صائباً لا حيف فيه ولا جور معه ].
حتماً. نعم، أكل مال اليتيم من كبائر الذنوب.. من السبع الموبقات، يقول صلى الله عليه وسلم: ( اجتنبوا السبع الموبقات. قيل: ما هي يا رسول الله؟! قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ).
أكل مال اليتيم من كبائر الذنوب ويكفي فيه هذه الآية، اسمع هذا الخبر: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [النساء:10] بدون حق .. بدون مقابل عمل أو غيره، إنما هم في الواقع يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10].
وقرأ أبو حيوة : ( وسَيُصَّلَّون سعيراً ) بالتضعيف.
ثاني آية: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8] قال الجمهور: هذه منسوخة بآية المواريث الآتية، وقال ابن عباس وعمل بها المؤمنون. قال: ما هي منسوخة، لما تأخذون في قسمة المال إذا حضر المسكين أو حضر قريب لا حظ له إذاً: أعطوهم شيئاً، أو على الأقل قولوا لهم قولاً معروفاً لا تطردوهم، والحمد لله.
الآية الثالثة: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً [النساء:9] كما تخاف على أولادك خف على أولاد أخيك الذي توصيه وهو مريض بأن يجور في وصيته .. الذي تخافه على نفسك خفه على الغير، الذي تكرهه لك اكرهه على غيرك أيضاً، هذا هو الأدب.
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ [النساء:9] فلا يجوروا فيما يوصون به المريض، ويشرحون له ويقولون وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [النساء:9].
أولاً: تقرير مبدأ التوارث في الإسلام ]. ما هي الآية التي قررت مبدأ التوارث؟ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ [النساء:7].
[ ثانياً: استحباب إعطاء من حضر قسمة التركة من قريب أو يتيم أو مسكين، وإن تعذر إعطاؤهم ] ماذا يقولون لهم؟ قولاً طيباً [ وفي الحديث: ( الكلمة الطيبة صدقة ) ].
[ ثالثاً: وجوب النصح والإرشاد للمحتضر ] وهو من حضره الموت [ حتى لا يجور في وصيته عند موته ].
من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ [النساء:9].
[ رابعاً: على من يخاف على أطفاله بعد موته أن يحسن إلى أطفال غيره؛ فإن الله تعالى يكفيه فيهم ].
فيا من له أطفال صغار يخاف أن يموت ويتركهم أحسن إلى يتامى وأطفال الآخرين، الله عز وجل يكفيك في أطفالك.
[ خامساً: حرمة أكل أموال اليتامى ظلماً، والوعيد الشديد فيه ] وهذا وعيد شديد: إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10].
يا أهل القرآن! لم الشيخ ما يجود القرآن؟ إذا جودنا ما ظهر المعنى، فنقرأه كحديثنا؛ لأنه نزل لتعليمنا، وليس هناك حاجة إلى مد وغنة، ولكن نأتي بالكلمة فصيحة.
قرأ أبو حيوة : ( سَيُصَّلَّون ) بضم الياء وتشديد اللام من التصلية التي هي كثرة الفعل مرة بعد أخرى: ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ [الحاقة:31] أي: مرة بعد مرة، وعليه قول الشاعر:
وقد تصليت حر حربهم كما تصلى المقرور من قرتين
من يعرف المقرور وقرتين نعطيه ألف ريال؟ ما نعرف، اسمع بيت الشعر. يقول:
وقد تصليت. هذا من قراءة: ( صلوه )
(تصليت حر حربهم) قبيلة مضادة.
(كما تصلى المقرور من قرتين). المقرور: من به القر وهو البرد. وقرتين: مرتين. الأصل القر ضد الحر. القر: البرد، لكن للتجانس والمناسبة قالوا: الحر والقر، ففتحوا القاف لأجل كلمة الحر، الحر والقر.
إذاً: هو قال:
وقد تصليت حر حربهم كما تصلى المقرور من قرتين
والمقرور: البردان.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر