إسلام ويب

تفسير سورة النساء (51)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل مستحق العبادة وحده سبحانه؛ لأنه خالق الخلق أجمعين، وموجد الموجودات والأكوان، ومنزل الأرزاق على عباده، فأمر كل هذه المخلوقات بيده سبحانه، ومردها ومصيرها إليه، لا مرية في ذلك ولا شك ولا ريب، فيجازي المحسن من عباده بإحسانه، ويعاقب الكافر منهم على فسوقه وكفرانه.

    1.   

    مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.

    ومعنا في هذه الليلة آية واحدة، وسوف نتغنى بها ونحفظها ونشرحها إن شاء الله تعالى، وقبل ذلك نذكر الآية التي فيها الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة، إذ الآية إذا كانت تحمل هدى، أو تحمل حكماً فينبغي أن نحفظها، وليس شرطاً أن نحفظ سورة النساء كلها، ولا الآيات قبلها ولا بعدها، لكن الآية التي تحمل هدى، أو تحمل حكماً، أو تحمل بيان حكم من أحكام الله تعالى، فينبغي أن نحفظها، وإلا فما الفائدة في اجتماعنا هذا؟!

    فضل الشفاعة في الخير وقبح الشفاعة في الشر

    وهذه الآية هي قوله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85] أي: من أجرها، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، أي: نصيب من ذلك الإثم الذي باء به صاحبها.

    والشفاعة الحسنة هي ما كانت تدعو إلى خير، أو ما كانت تحقق خيراً، كأن توجد فضيلة، أو تنقذ مؤمناً، أو ترحم ضعيفاً، والشفاعة السيئة ما كانت تشجع على الباطل وتزيد في المنكر، وتفسد القلوب، وتفسد العقول، وتأخذ أموال الناس بالباطل.

    مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، وقد نزلت هذه الآية في سياق أن بعض المرضى يثبطون عن الجهاد، ويقولون لإخوانهم: لا تخرجوا، فالحر والبرد ينتظركم، فهؤلاء شفعوا شفاعة سيئة، والذين يشجعون إخوانهم على الخروج في سبيل الله أو على الجهاد، فهذه شفاعة حسنة، واللفظ عام وإلى يوم القيامة، فمن يضم صوته إلى صوت أخيه ليدفعه إلى الخير ويحمله على فضائل الأعمال فإنه يثاب كما يثاب ذاك، بل وله نصيب من الخير الذي عمله، والذي يشجع على الباطل والمنكر وإيجاد الشر والمحن والفتن والغيبة والنميمة، والله له كفل من ذلك، أحب أم كره، فهذا هو قضاء الله وحكمه عز وجل في قوله: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85]، أي: حاسباً محاسباً مجازياً مقتدراً لا يخفى عليه شيء، ولا تفهم أنك لا تُعطى، إذ ممكن أنك لا تعطى الثواب كما يعطاه الأول؛ لأنك عبد الله الذي واعد بهذا الجزاء والعطاء، وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85]، أي: حسيباً قادراً حفيظاً له ويجزي به.

    وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85]، أي: حسيباً مجازياً قادراً مقتدراً، والمقيت من الوقت، أي: العليم بما يحدث وما يجري، والحافظ له فلا ينساه المجزي به، فمن منكم حفظ هذه الحكمة وادخرها في جيبه كعشرة ريالات؟ والله إنها لخير من مليون ريالاً، وللعامي أن يرجع إلى البيت ويقول: الليلة تعلمنا هدى وحكمة، وذلك من قول الله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، فتقول أم أولاده: ما معنى (الكفل)؟ فأقول: النصيب، فهاتوا لنا من حفظ هذه الآية؟ لسنا بمستعدين يا شيخ! ولهذا تمضي الأعوام ونحن هابطون، فهل عرفتم حالنا أم لا؟

    وبالأمس دعونا تلك الدعوة الواجبة، فقيل لي: إن فلاناً يتململ وفلاناً متضايق، وفلاناً ليس براض! فإلى هذا الحد نهبط؟! ندعو لمؤمن بالشفاء فما يستريح؟! أعوذ بالله! أي جهل أعظم من هذا؟! وأي هبوط أكثر من هذا؟! إلى متى ونحن لا نفقه ولا نفهم ولا نعي ولا نبصر؟! فلا إله إلا الله! ولذلك إذا دعونا لمؤمن وشفاه الله فلك أجر ونصيب، إذ هي شفاعة حسنة، فضموا صوتكم إلى صوت الداعي تلقون مثله.

    مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، فلو أن فلاناً أراد أن يفتح استوديو للتصوير، فإن ساعدته بجاهك العريض أو بنفوذك، وشجعته على أن يفتح دكاناً للتصوير، ووالله عليه وزر عظيم، وأنت والله عليك كفل منه، أو لو أن فلاناً أراد أن يبني مسجداً، أو أراد أن يذكر إخواناً له بكلمة، فشجعته فلك نصيب من ذلك الأجر، فهل ممكن ألا ننسى هذه الآية؟ من يقولها من إخواننا العوام؟ هذه أم الفضل أم عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين قالت: صليت المغرب وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد، فقرأ بالمرسلات عرفاً، فحفظتها، مرة واحدة سمعتها فحفظتها!

    وقد قلنا: إن لنا أبناء وبنات يسمعن الأغاني فيحسن حفظها والنغم والجرس الذي بها، بينما يصلي أحدنا وراء إمام أربعين سنة وهو يسمع الإمام يقرأ الفاتحة في الصبح وفي المغرب وفي العشاء ولا يحفظها! فكيف حالنا؟ هذه هي.

    تأكيد سنية التحية ووجوب ردّها بأحسن أو بمثل

    وأما الآية الثانية فهي تتكلم عن تحية أهل الجنة دار السلام في الملكوت الأعلى، ألا وهي: السلام عليكم، وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]، فهذه التحية التي هي تحية أهل الجنة، هل عندنا منها نصيب؟ ما هي؟ هي: السلام عليكم، قال الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء:86]، فهل ممكن أن نحفظ هذه أو أنها صعبة أيضاً؟

    وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء:86]، فيجزيكم بذلك؟ و(حييتم) بمعنى: قيل لكم: السلام عليكم، فلماذا ترد الخير؟ للأسف لا نعرف أبداً الشكر، فهذا القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم والمربي والمعلم يقول: ( من صنع إليكم معروفاً )، بالتنكير، ولو كأس ماء، ( فكافئوه )، قالها وطبقها، فقد ناوله يهودي كأساً من اللبن فدعا له بالخير.

    فهل عرف المسلمون هذا؟ يأكل معك غدءك أو عشاءك ويسبك! فإلى أين هبطنا يا عباد الله؟ ( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه )، لكن (شكراً) التي أعطتنا إياها بريطانيا أو (thank you) ترجمتها لا تكفي، إذ الشكر لله، وإنما قل: جزاك الله خيراً، أو بارك الله فيك وفيما آتاك، أو زادك الله من فضله، وادع له حتى ترى أنك قد كافأته، أما شكراً ترجمة (thank you) بالإنجليزي، و(ميرسي) بالفرنسي، فما لها علاقة بالإسلام أبداً.

    فإن قيل: يا شيخ! لا تلمنا لأننا ما تعلمنا، ولمَ لا نتعلم؟ من منعنا من العلم؟ من حرمنا من العلم؟ والجواب: لا أحد والله العظيم، والله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فكل من لا يعلم يجب عليه أن يسأل حتى يتعلم ولو طول عمره، وهذا إن كنا صادقين في إيماننا بلقاء الله والنزول في دار السلام مع مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، أما إن كان إيماننا صوري تقليدي ولا يعرف وراءه شيئاً فلا لوم؛ لأن هذا ميت، فهل تكلف الأموات أن يقولوا ويعملوا؟

    وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا [النساء:86]، ما هو الأحسن منها؟ أن تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فإن عجزت وبخلت فقلت: وعليكم السلام، فقد أذن الله لك في ذلك، وذلك إذا لم ترد أن تطيل الوقفة أو النظرة، ولهذا فالتحية الأولى: السلام عليكم من آداب الإسلام وسننه ومظاهر الكمال فيه، إذ يلقى المؤمن أخاه فيقول: السلام عليكم، وأما رد التحية فهي واجبة، وإن لم تفعل فأنت آثم، ويجب أن تتوب وتستغفر الله، وألا تعود لهذه المعصية، بل حتى ولو كانت التحية من يهودي فقل: وعليكم، إذ كيف لا ترد معروفاً؟! ميت أنت أم ماذا؟ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء:86]، وحسيباً كـ(مقيتاً)، أي: عليماً ويجزي بالمعروف الإحسان.

    بعض الأحكام المتعلقة بالسلام

    وهنا قد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلي: أولاً: ليسلم الكبير على الصغير، سواء كان كبيراً في السن أو في الشرف أو في العلو، فإن كنت أنت الشريف والعالي والسامي فابدأ بالسلام؛ خشية أن تصاب بالكبر، فيقوم من دونك فيسلم عليك، وأنت يا كبير السن، ويا ذا الشيبة، ويا صاحب الكهولة، إذا وجدت من دونك فابدأهم بالسلام؛ لأنك أعلم وأعرف منهم، وقد عشت خمسين عاماً وهم في الثمانية عشرة أو في العشرين سنة، فمن يبدأ بالسلام؟ الكبير حساً ومعنىً.

    والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسلم على الصبيان وهم يلعبون، ولذلك فالكبير في الجاه أو في المنصب، لا يسكت حتى يُسلم عليه؛ لأنه يُخشى أن يصاب بالكبر، وإنما هو الذي يبادر بالسلام، وذلك ليحسن موقفه مع إخوانه حتى لا يقولون: تكبر علينا، فهل فهمتم سرها أو لا؟ فهذا هو الفقه، ( فليسلم الكبير على الصغير )، أي: منزلة وسناً.

    ( وليسلم الماشي على القاعد )، فإذا كنت ماشياً وإخوانك جالسون، أو دخلت عليهم مجلساً وهم جالسون، فأنت الذي تبدأ بالسلام: السلام عليكم، لِم؟ سر ذلك أن القائم ممكن أن يكون في يده أو في جيبه مسدس فيفزعهم، فكيف يطمئنهم؟ أول ما يدخل يقول: السلام عليكم، أما الجالس لو قام ليأتي بالعصا فبعيده عليه، وعليه فالماشي إذا مر بمن هو جالس فهو الذي يبدأ بالسلام ليطمئنه ويؤمنه؛ لأن (السلام عليكم) معناها الأمان لكم.

    وليسلم القليل على الكثير، فمثلاً نحن ثلاثة نمشي أو مررنا بعشرة ماشين، فالقليل هو الذي يسلم على الكثير، فإذا دخلت على جماعة فقل: السلام عليكم، ولماذا يبدأ القليل بالسلام؟ حتى لا تكلف عشرين واحداً من أجلك، فأنت ابدأ فقل: السلام عليكم، فأنتم اثنان أو ثلاثة أسهل من أن يسلم أربعين واحداً جالسين أو ماشيين؛ لأن الذي يسن هذه السنن، ويضع هذه التعاليم الربانية هو أستاذ الحكمة ومعلمها في دنيا البشر، ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ولا يسلمن أحدكم على امرأة غير متجلاة من قواعد النساء، أي: إذا مررت بمؤمنة فلا تسلم عليها، وإنما غض بصرك وامشِ، إلا أن تكون متجلاة في سن السبعين أو الثمانين وكاشفة عن وجهها فلا بأس، أما محتجبة محترمة فلا تفتنها بالسلام، ولا تحملها أن ترد عليك، لِم يا هذا؟ لأننا نتقي الفتنة، فلا نريد أن نقع في الإثم، إذ نحن لا نسلم إلا لأجل الحسنات، فإذا كان العكس فحرام ولا يجوز.

    ومعنى هذا أنه لا يجوز لنسائنا المؤمنات أن يرفعن أصواتهن أمام الفحول من الرجال، فلا تتكلم المؤمنة ذات الحجاب إلا للضرورة، وليكن كلامها أيضاً معدوداً محدوداً، أما أنها تقف في التلفاز وتتكلم وتتبجح فما هي بالمؤمنة ولا بالمسلمة بحق، أو تتكلم في الإذاعة فيسمع صوتها الأبيض والأسود، فهل مات الرجال؟! قطعوا ألسنتهم؟! ما وجدنا من يعلن هذا الإعلان إلا امرأة؟! يجوز للضرورة، لكن أما والرجال حولها في الإذاعة بالمئات وهي تتكلم! لا يجوز ذلك أبداً؛ لأننا من أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نهينا عن ذلك، أما اليهود والنصارى والبلاشفة الحمر فهذا شأنهم.

    لعلي بالغت؟ كم وكم من أمور تحدث من النساء مخالفة لشرع الله تعالى، والله يقول: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]، أي: يا نساء النبي! وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]، فإذا قرعت الباب وقلت: أين إبراهيم؟ فلا تزيد المرأة عن كلمة: (غير موجود)، وذلك إذا كان غير موجود، أو كان في السوق، فتقول: في السوق، أو كان في المسجد، فتقول: في المسجد، أو تقول: لا أدري إذا كانت لا تعرف، وزيادة كلمة عن ذلك خروج عن الآداب الإسلامية، وقد بينا هذا لمؤمنات المدينة وانتفعن بها، فكانت المرأة في المدينة إذا قرع الباب يقلن: (مييين)! فقلنا: هذه الإمالة لا تصح، وإنما مَنْ؟ فيقول الطارق: إبراهيم، أين زوجك؟ فترد المرأة: زوجي! تعني أبا أحمد؟ أظنه في المسجد، لا لا، عفواً قد يكون في طريقه إلى هنا! كل هذا حرام لا يجوز.

    فإن قيل: يا شيخ! أنت تقول: حرام هذا؟! نعم، فولينا وسيدنا ومالكنا أيها العبيد! ويا أيتها الإماء! هو الذي علمنا هذا، وهو أعرف بما يسمينا ويرفعنا أو يهبطنا وينزلنا، والحمد لله ما أصبحت المدنية تقول: (ميين)، وإنما (مَنْ؟).

    فهل عرفتم السلام تحية أهل الجنة دار السلام أو لا؟ الحمد لله فقد أعطاناها الله عز وجل، وهي بيننا ونعيش عليها، بينما حرم منها بلايين البشر حرماناً كاملاً، فإذاً: نبدأ بالسلام، وإذا رد أخونا فليقل: وعليكم السلام ورحمة الله، وإن زاد: وبركاته أفضل، وإن اكتفى بـ(وعليكم السلام) فقد أجاز الله له ذلك.

    وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، فالأحسن أنك تقول: وعليكم السلام ورحمة الله، وإن زدت: وبركاته زادك الله عشر حسنات، وإن اكتفيت بـ(وعليكم السلام) فقد برأت ذمتك وأخذت عشر حسنات.

    وبعضهم سأل فقال: ما حكم زيادة (ومغفرته) التي وردت في الموطأ أصح كتاب بعد القرآن الكريم قبل ظهور البخاري ومسلم؟ فأقول: وردت في حديث ضعيف لا قيمة له، ولذا فنكتفي: بـ(رحمة الله وبركاته).

    وإن قيل: ياشيخ! بعض الناس يقول: هلا هلا! فأقول: هؤلاء هم البدو، إذ ما علمناهم ولا جالسناهم، ولذلك إذا قال لك أحدهم: هلا هلا، فقل له: أولاً: قل: وعليكم السلام، ثم رحب بي، لكن للأسف ما علمناهم، فمن منكم ذهب إلى خيامهم وجلس معهم يبكي بين يديهم ويعلمهم؟ لا أحد.

    ولذا فأقول: من قال لك: يا هلا، فإن كان في مستواك فقل له: يا أخي! وإن كان دونك فقل له: يا بني! وإن كان أكبر منك فقل له: يا أبتاه! قل: وعليكم السلام، ثم قل لي: يا هلا هلا، أما أن تسكت عن ذلك فقد أقررته على هذا الباطل، والمسئول أنت، فلو كان كل واحد منا يسلم على أخ من الغافلين فيقول لك: يا هلا، فقل له: جزاك الله خيراً، قل: وعليكم السلام ورحمة الله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة...)

    اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87].

    وجوب توحيد الله تعالى في عبادته

    هيا نتغنى بهذه الآية: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، فاحفظها الليلة يا ابن عمي ويا ابن أخي، وصل بها في النوافل، وذلك حتى ترسخ في ذهنك، وهي تكفي لأن تصلي بها العشاء والظهر، وهي آية من أجل الآيات.

    اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87] لا أحد، اللَّهُ [النساء:87]، من هو (الله)؟ أتريد أن تعرفه بذاته؟ ما تستطيع، ما تقدر، ولكن تعرفه بصفاته وأسمائه وأفعاله، وهذا الاسم الجليل العظيم لا يسمى به كائن سوى الله تعالى، ولو أن امرءاً سمى ولده (الله) لحكم بكفره ويستتاب أو يقتل، ولو أن متعنتراً من جهال المسلمين أو من معاندة اليهود والنصارى سمى ولده: الله، ويناديه بـ(يا ألله)، إن كان كافراً ازداد في كفره ويقتل، وإن كان مسلماً يستتاب ثلاث ليالٍ وهو محبوس في دار الهيئة، يرجع أو لا؟ يتوب أو لا؟ يستغفر أو لا؟ فإن أصر قطع رأسه.

    اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، ما معنى (لا إله إلا هو)؟ أي: لا معبود بحق إلا هو، إذ لا يوجد في الملكوت الأعلى ولا في الملكوت الأسفل، ولا في غير هذه الملكوت من يعبد بحق قط إلا الله تعالى، فمن أين لنا بهذا؟ سمعنا الناس يقولون فقلنا! وهل يكفي هذا؟ لا يكفي، فأنت تشهد بين يديه: أشهد أن لا إله إلا الله، فعلى أي شيء أقمت شهادتك؟ ما علمك الذي علمته وشهدت بمقتضاه أنه لا إله إلا الله؟ الله الذي لا إله إلا هو، أي: لا معبود بحق إلا هو، فكل من عبِد فهو عبادة باطلة؛ لأنه ظلم وأخذها بدون موجب ولا مقتضي ولا حق، إذ العبادة استحقها الله بموجب أعظم الموجبات ومقتضى أسمى المقتضيات.

    مرة أخرى: الله الذي لا إله إلا هو، أي: لا معبود في الكائنات يعبد بحق إلا هو، فإن قيل: لمَ؟ فالجواب: استحق الله العبادة واستوجبها وأصبحت لازمة له؛ لأنه خالق الخلائق، وموجد الموجودات، ومكون المكونات، فأنت عبد فاعبد خالقك، فمن يلومك؟! وأنت عبد فاعبد رازقك، فمن يلومك؟! وأنت عبد فاعبد من مصيرك إليه ومرجعك إليه، فمن يلومك؟! أما أن تعبد من لا يملك لك شيئاً، فبأي حق؟! أيخلقك الله ويرزقك ويحفظ حياتك من رحم أمك إلى أن يتوفاك ولا تعبده وتعبد غيره؟ أي ظلم أبشع من هذا الظلم؟ وأي ظلم أفظع من هذا الظلم؟ والله لا ظلم أشد من هذا الظلم، إذ الشرك بالله ظلم، فهذا لقمان الحكيم النوبي السوداني يعلم ولده فيقول له: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، فما هو الظلم؟

    الآن لو أخذت النظارة من عينيك يا فلان، فأكون بذلك قد ظلمتك، أو يقوم فلان فيبعدك من المجلس يا فلان، فيكون بذلك قد ظلمك، أو يدخل أحدكم يديه في أذنيه ويغني، فيكون بذلك قد ظلم، إذ ليس هذا مكاناً للغناء، أو يفتح سرواله ويبول عند السارية، وعليه فالظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو درجات، فكونك تسب فلاناً ظلم، وكونك تذبحه أعظم الظلم.

    إذاً: الشرك بالله تعالى ظلم عظيم؛ لأن الذي خلق ورزق وأدار الكون والحياة كلها لا تعبده وتعبد غيره من مخلوقاته ممن صنع وخلق وأوجد! سواء كان الشمس أو القمر أو ملك من الملائكة أو نبي من الأنبياء أو صالح من الصلحاء، فضلاً عن التماثيل والأصنام والأحجار والقبور والمزارات والأشجار، فكيف تُقبل عليها بقلبك ووجهك وتعبدها ولو بكلمة أو انحناء برأسك لحظة؟!

    الإيمان بالبعث والجزاء

    اللَّهُ [النساء:87]، الذي، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، لم قلنا: الذي؟ تفسير؛ لأن (الله لا إله إلا هو) ليس هو الخبر، فـ(الله) مبتدأ، والخبر جملة: لَيَجْمَعَنَّكُمْ [النساء:87]، اللَّهُ [النساء:87]، الذي، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، ما له؟ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [النساء:87]، فأحببنا أن يفهم المؤمنون والمؤمنات أن الله استحق العبادة ووجبت له دون غيره؛ لأنه خالق الكون كله، ورازق ذاك الرزق كله، ومردنا ومصيرنا إليه، وجزاؤنا عليه بالخير أو بغير ذلك، فكيف نعبد غيره؟!

    بعض الجاهلين يفهم أن العبادة هي أن يركع للصنم أو للحجر أو يعلقه في عنقه، وهذا غير صحيح، إذ لا يصح أن تعبد أي كائن من الكائنات بأي نوع من العبادات، فالله يعبد الانحناء بالركوع، والآن نشاهد أمة كاملة راكعة، لمَ ركعتم؟ عبدنا الله عز وجل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا [الحج:77]، أمرنا فركعنا، فإذا جئت من هو أعلى منك وركعت له فقد أشركت، فيا عقلاء تأملوا! إذا أشركت هذا المخلوق فيما هو لله فقد أعطيته قسطاً منه، فهذا هو الشرك، يقال: السيارة بيننا شركة، والدار بيننا شركة، وهكذا الشرك بيننا، وهذا الانحناء وهذا الركوع خاص بالله تعالى.

    وأدنى شيء الحلف، فالذي يحلف بإنسان أو بمخلوق أو بكائن سوى الله تعالى، والله لقد أشرك في عبادة الله تعالى؛ لأن الأكبر هو الله، ولا يقسم ولا يحلف إلا بأكبر لا بكبير، ( من حلف بغير الله فقد أشرك )، قالها أبو القاسم معلماً ومحلماً، فلا نحلف أبداً لا بأم ولا بأب ولا بأخ، وقد ذهب الناس للأسف إلى أن يحلفوا بكل شيء إلا الله، وسبب ذلك كله هو الجهل، وأننا أيضاً لا نبلغ ما تعلمناه، فنسمع الليلة كلمة تساوي الملايين وندفنها في قبورنا ولا نتحدث بها أبداً، بينما لو كانت كلمة سوء فإنها تنتشر من بيت إلى بيت.

    لعل الشيخ واهم؟! لقد شخنا في هذه الأمة وعاشرناها سبعين سنة، فهذه هي أحوالنا وهذه هي أوضاعنا، فكيف تسمع هدى وما تنقله؟! عند باب المسجد تقول: سمعت كذا وكذا حتى يستقر ذلك الحكم في ذهنك وفي نفسك وتقوى على العمل به، أما أن نسمع ولا نبلغ فوالله إنها لمصيبة.

    فهل عرفتم الشرك؟ الذي يقف الآن أمام الحجرة: يا رسول الله! المدد، يا رسول الله! الغوث، إني في كذا، والله لولا الشُرَط والبوليس المحيط بالحجرة لركع الناس وسجدوا، وأقسم بالله على ذلك، بل ويضبطونهم وهم يطوفون، وذلك قبل أن يسدوا الطواف كانوا يطوفون بالحجرة! أمة جاهلة هابطة.

    والرسول صلى الله عليه وسلم لم يسمح لصاحبه أن يقول له: ما شاء الله وشئت، وإنما قال له منكراً: ( قل: ما شاء الله وحده )، فقد عاش عليه السلام ثلاثاً وعشرين سنة وهو رابط الحزام يدعو إلى الله وتوحيده، ثم يرضى أن يعبد مع الله؟! أعوذ بالله.

    وهذا المشرك: يا فاطمة! يا حسين! يا عبد القادر! يا سيدي فلان، يا سيدي فلان، نسوا الله نسياناً كاملاً، والذي يموت على هذه الوضعية إن لم يتداركه الله بأن يشهد شهادة حق وهو في سياق الموت، وذلك بأن يقول: لا إله إلا الله ثم يتوفى عنها، وما عرف عبد القادر ولا البدوي، هو في عداد أهل النار والعياذ بالله، ( من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة ).

    وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767950634