أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!
إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك!
وها نحن مع سورة النساء المدنية المباركة، وأريد أن ألفت النظر: من منكم يجيبني عن هذا السؤال أيها الدارسون والمستمعون، وهو: الحسنة التي يوفق لها عبد الله أو أمة الله، مصدرها ما هو؟ من أين أتت؟
الحسنة: وهو ما يحسن بك في جسمك، في عقلك، في حالك عامة، في قلبك ونور هدايتك، كأن تقوم آخر الليل تتهجد، هذا الحسنة مصدرها ما هو؟
مصدرها الله هو واهبها، وإن أصابتك سيئة في بدنك، في مالك، في عقلك، في روحك، بغشيانك ذنباً من الذنوب، وارتكابك معصية مصدر هذه ما هو؟
النفس، ما دليل ذلك من الكتاب والكريم؟
قوله تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79]، الحسنات مطلقة الله واهبها فيحمد ويشكر عليها، ما تجد حسنة في نفسك إلا وتقول: الحمد لله، وإن وجدت سيئة ولو كانت مرضاً في بدنك، حاش لله أنه أراد هذا منك، أنت خالفت سننه في خلقه، فمثلاً تحملت ما لا تطيق من العمل فمرضت، فلا ينسب هذا إلى الله. غشيت ذنباً من الذنوب، تقول الله! الله حرمه ونهاك عنه ووعدك في غيره الخير، كيف ننسبه إلى الله؟! هذه الآية: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79].
لما حصلت الهزيمة في أحد لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل منهم سبعون بطلاً وأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشج وجهه، وكسرت رباعيته، ودخل المغفر في رأسه، هذه السيئة من أين؟
من أنفسهم؛ لأنهم ما وفوا بما عهد إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المقام في مكانهم كيفما كانت الحال، لما شهدوا هزيمة المشركين، أكبوا يأخذون الغنائم، فوجد قائد المشركين فرصة فأحاط بهم، وكان الذي كان.
خلاصة القول: إذا وجدت حسنة في نفسك احمد الله، الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.. وإن وجدت شيئاً مؤذي: أستغفر الله.. أستغفر الله.. أستغفر الله.
قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا * مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا * وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء:84-86]، المحاسب، المجازي.
الرسول عليه السلام. من يخاطبه بهذا؟
الله. أين الله؟ على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه، ونحن بين يديه، والله لا يغيب عنه من أمرنا شيء، الله تعالى يقول لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:84]، أي: بناءً على ما سبق من أنه لما فرض الجهاد كانت طائفة تتململ، وأخرى تعتذر، وأخرى تطالب بتأخير القتال، ولما يدعون يقولون: أطعنا، وإذا خرجوا بيتوا خلاف ذلك، ماذا تفعل إذا يا رسولنا؟ فقاتل وحدك، فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84]، هذه الجملة دلت دلالة قطعية أنه لا يوجد أشجع من رسول الله قط في الأرض، لا أبيض ولا أصفر، لا علي ولا خالد بن الوليد ، عرفتم؟
كيف فهمنا هذا يا شيخ؟ أيكلفه الله بأن يقاتل وحده؟ لولا علمه تعالى بشجاعته يكلفه وحده؟ ويدل لذلك واقع الحياة، يقول الأبطال: كنا إذا حمي الوطيس نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم، علي وعمر وخالد وفلان وفلان.. إذا اشتدت المعركة نجيء وراء الرسول نلوذ به، هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:84]، أبنائي هل عرفنا سبيل الله قبل اليوم؟ ما هو سبيل الله هذا؟
من يقوم ويبين لنا؟ أو مع الأسف نسينا؟ أي طريق: هل الكعبة أو طريق الشام؟ سبيل الله: هي أن يعبد وحده في الأرض، وليسعد العابدون في دنياهم وفي أخراهم.
وهذا الذي نقوله في كل ركعة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، (الصراط) الطريق، (المستقيم) لا اعوجاج فيه، ونحن سائرون، عن يميننا الواجبات ننهض بها، وعن شمالنا المنهيات نتجنبها.. وإلى متى؟ إلى ساعة الوفاة عند باب الجنة.
سبيل الله: الطريق الموصلة إلى رضاه، سبيل الله الطريق الموصلة إلى جواره، ما هي؟ أن يعبد وحده، تلك العبادة تزكي النفس وتطهرها، حينئذٍ العابدون في سبيل الله، وهل إذا قاتلنا من أجل تحرير البلاد يعتبر هذا سبيل الله؟ تحرير الوطن، ماذا تقولون؟
أوسع لكم دائرة العلم: إذا نحن مسلمون صادقون، وهاجمنا العدو الكافر المشرك، حينئذٍ قتالنا سبيل الله تلون:
أولا: دفع هذا الظالم، وإخراجه وإبعاده عن ديارنا.
ثانياً: قتال هذا الكافر لكفره، نريد أن نهزمه ليدخل في الإسلام؛ فهو سبيل الله.
إذاً: أما أن يكون قتالنا فقط من أجل المال أو السلطة أو الرياسة، أو التحرر والاستقلال، ولم نرد بهذا أن يعبد الله وحده فليس في سبيل الله؛ لأننا إذا قاتلنا ودافعنا العدو عن المؤمنين والمؤمنات مكناهم من عبادة الله. إذاً: هو سبيل الله عز وجل.
ونأسف أننا جاهدنا بريطانيا وإيطاليا وأسبانيا وفرنسا وبلجيكا و.. و.. ولما تحررنا ودفعنا العدو خارج البلاد أغمضنا أعيننا وسكرنا في حب الدنيا، ولم نقم الصلاة، ولم نجبِ الزكاة، ولم نأمر بمعروف، ولم ننه عن منكر، ولم نقم حداً من حدود الله، ولم نقم بدعوة إلى الله داخل بلادنا أو خارجها.
إذاً: فقتالنا ما كان خالصاً لله، بل لتحرير الوطن! هذه الحقيقة، ذكرناكم بها وإن مضت؛ لأننا مع قول ربنا، فَقَاتِلْ [النساء:84] يا رسولنا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84]، ما سبيل الله؟ أن يعبد الله وحده.
وهذا يبقى إلى اليوم، والحمد لله ألف مرة أن السلطان عبد العزيز ودولته باقية، ونحن نحطم فيها من كل جانب انتبهتم؟ التجنيد عندهم إجباري، لماذا؟ أوروبا عندها التجنيد إجبارياً، المسلمون المقلدون إجبارياً، إذا بلغت الثامنة عشرة يجب أن تتجند، لماذا السعودية وهي دولة القرآن ما تفرض على المواطنين الجهاد، أجيبوا؟ لهذه الآية الكريمة: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84] على القتال.
من يرغب في التجنيد.. في التعليم، فليتفضل، أما إلزامياً ما في؟ لهذه الآية الكريمة، فهمتم هذه أو لا؟
تأمل! تجد الدنيا كلها تفرض التجنيد على مواطنيها، إلا المملكة ما أوجبت، ترغب تفضل سجل وادخل، أما إلزاماً لا، ما علمناه وما وجد، من أين جاءهم هذا؟ لأن عبد العزيز لما أقام الدولة أقامها على مبادئ الإسلام الصحيحة، الأركان الأربعة، إذا سقط ركن سقطت، وقواعد الإسلام خمسة، إذا سقطت قاعدة، بقي إسلام؟ أركان الإيمان كم؟ ستة، إذا سقط ركن بقي إيمان؟ هبط كل شيء.
إذاً: أركان الدولة الإسلامية، وهذا الكلام نردده من ثلاثة وأربعين عاماً في هذا المسجد، والزوار والحجاج والمستمعون و.. و.. إلخ، وأنا أقول: يجب على الإقليم الإسلامي إذا استقل عن الدولة الكافرة أن تقام فيه الدولة على أربعة أركان: ذكرها الله تعالى، وبينها في قوله اسمع: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] أي: استقلوا.. حكموا أو لا؟ قبل أن يحكموا كيف يكلفون؟ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] ماذا فعلوا؟ فرفشوا.. غنوا؟ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41]، أقاموها قياماً حقاً، لا يمكن أن يبقى مسلم في ديارنا لا يصلي.
في الجند أمره واضح، لا يمكن لعسكري أن يترك الصلاة؛ لأنهم بين يدي رقابة قاداتهم وولي أمرهم، المواطنون أيما مواطن من ذكر أو أنثى ترفع به دعوى إلى الهيئة ما يصلي، يجلبونه وينتزعونه ويصلي، فإن قال: لا أصلي، ثلاثة أيام ويقطع رأسه؛ إذ لا حق له في الحياة، سبحان الله! والله لا حق له في الحياة، كيف يأكل الطعام ويشرب الماء ويتنفس الهواء وهو لا يعبد الله، بأي حق؟ يقتل.
ثانياً: وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41] يا صاحب الغنم! إذا ملكت أربعيناً رأس تأتينا بجدي أو خروف.
يا صاحب الإبل! إذا ملكت خمساً تعطينا نعجة.. عشراً تعطينا نعجتين.. خمس عشرة ثلاث نعاج.. عشرين أربع نعاج.. خمساً وعشرين تعطينا ابن الناقة اللبون.
يا صاحب البقر! -وإن كان ما عندنا في المملكة أبقار كثيرة- إن ملكت ثلاثين بقرة هات عجل، وصاحب الشعير كصاحب التمر، كصاحب الذهب والفضة، الزكاة قاعدة الإسلام الثالثة؟
إذاً: فجبيت الزكاة جباية حقة، والله يأخذون صاع الشعير، وصاع التمر.
ثالثاً: وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]، لا بد من هيئات جماعات مستقلة في كل قرية، في كل حي، مهمتها إذا شاهدت معروفاً متروكاً تقول لصاحبه: افعل هذا، كيف تتركه، شاهدت مرتكب منكر: يا عبد الله! لا يصح هذا، افعل هذا، اترك هذا: وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41].
وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41]، كم ركناً أقيمت عليه الدولة الإسلامية؟ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41]، استقل لنا نيف وأربعون إقليماً من إندونيسيا إلى موريتانيا ما بغلنا أن إقليماً واحداً أجبر المواطنين على إقام الصلاة، بلغكم هذا أنتم؟ ولا جبوا الزكاة، ولكن عوضوا عنها بالضرائب، لِم هذا؟ الضريبة لا بأس، والزكاة خل الزكاة، لا إله إلا الله، يا للعورة ما أفضحنا. الضرائب! حتى على النافذة، والزكاة لا ما نطالب بها، خل الناس أحرار، اتركهم يكفروا.
فهمتم هذه اللغة أو لا؟ لِم يا شيخ تتكلم بهذا الموضوع؟ نحن مع قول ربنا: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:84] لِم؟ ليعبد الله وحد، كيف ما نعبده ولا نأمر المواطنين بعبادته، المفروض أن ندعو الكفار ونقاتلهم ليعبدوا الله، فإذا بنا نحن ما نعبد الله، أعوذ بالله!
والسبب: الثالوث الأسود.. المجوس واليهود والنصارى، هم الذين عرفوا كيف يطفئون أنوار الله في الأرض حتى لا تسود وتنتشر، فالقرآن الكريم يقرأ على من؟ على الموتى! السنة النبوية للبركة، فعم الجهل فجهل الحاكم والمحكوم ولا يلامون، ما عرف، كيف تطالبه أن يحكم الكتاب وهو ما يدري؟
ونواصل دراستنا جميعاً لقول الله تعالى: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84]، المؤمنين الصادقين في إيمانهم: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84] و(عسى) تفيد من الله التحقيق: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ ماذا عنا؟ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84]، أعداؤنا وخصومنا الذين يقاتلوننا، ويريدون إنهاء وجودنا وديننا.
وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا [النساء:84] (البأس) القوة، (والتنكيل) هو العذاب والتعذيب الذي يصبح نكالاً لغيره، من رآه ما يفعل فعله.
انتهت هذه الآية الكريمة، اسمعوا تلاوتها:
فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84] على ماذا؟ على القتال وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84]، ومعنى هذا: الاستعداد، القوة يجب على الدولة الإسلامية أن تكون قوية، وأن تعد العدد والعتاد الحربي بأعلى صورة، من أجل: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84]، لا يحل أبداً للدولة المسلمة أن تهمل جانب القوة أبداً، واقرءوا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ [الأنفال:60] فعل أمر أو لا؟ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ [الأنفال:60] ابذلوا كل طاقاتكم، فإذا عجزتم: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، أيام كانت الخيل والفرسان، الآن النفاثات في المطارات الخاصة، هذا أمر الله هل استجبنا له؟ ما استجبنا.
إذاً: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ [النساء:84] يا رسولنا وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:84] شدتهم وحربهم وعداءهم لنا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا [النساء:84] منهم كلهم وَأَشَدُّ تَنكِيلًا [النساء:84].
وقد حدث، ونكل بهم الله وانهزموا، في خمس وعشرين سنة فقط وراية الإسلام من أقصى الشرق إلى الغرب، ما مات رسول الله والجزيرة فيها من يعبد غير الله، حارب الرسول عشر سنوات الجزيرة كلها طابت وطهرت، وخلال خمس وعشرين سنة أخرى من خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وصل الإسلام إلى أقصى الشرق وأقصى الغرب.
مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85]، حرضتني أنا على الجهاد ومشيت، أنت تأخذ من أجري شيئاً، حرضت فلاناً على القعود ولا يخرج مع الرسول ويقاتل أثمت أو لا؟ هو قعد، قعوده أيضاً تنال منه قسطاً.
وهذه الآية عامة، أيما مؤمن يشفع لأخيه في استرجاع حق ضاع منه، أو ظلم أصيب به، فضممت صوتك إلى صوته، ووجهك إلى وجهه إلا وكان لك نصيب من هذه الشفاعة، وأيما مؤمن يأتي إلى جنب آخر يساعد على الباطل، على أخذ أموال الناس وحقهم، إلا وهو شريك في هذا الإثم، في هذه السيئة. قاعدة عامة إلى يوم القيامة.
مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً [النساء:85] الشفاعة الحسنة تكون فيما أذن الله فيه، فيما أمر الله به، فيما أباحه للناس، والشفاعة السيئة تكون فيما حرم الله، فيما نهى الله عنه، فيما هو ضار غير نافع، هذا وعد من الله أو لا؟ هو الذي يعطي: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85]، لم سميت هذه شفاعة؟
في عرفنا الوتر الفرد، والشفع ركعتان، فإذا كنت وحدك فأنت وتر فرد، فإذا انضم إليك أخاك ليساعدك أصبحتما شفعاً، وقد قدمنا ذلك في الحديث عن الزوج، الرجل يقال فيه زوج أو لا؟ كيف زوج وهو فرد، ما يقال فيه زوج إلا إذا تزوج، فهي المرأة زوج أو لا؟ وهو زوج، هذا طلقها تقول هي زوج؟
والرجل يقال فيه ذكر، وهذه أنثى، لكن عند الاجتماع كل واحد زوج الثاني، أي جعله زوجاً بعدما كان فرداً.
كذلك الشفاعة: أنت خرجت تطالب بحقك وحدك، جاءك من ساعدك أو شهد معك أو قال كذا، أصبحت مع واحد آخر أو لا؟ شفع أو لا؟ شفع، من يضم وجهه إلى وجه أخيه يطالب بحق، أو يدفع خطراً عنه، هذا هو الشفيع والشافع، وهذا المسلك والطريق هو الشفاعة: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً [النساء:85] الحسنة الطيبة الصالحة كيف نعرفها؟ ما أذن الله فيه، والسيئة ما حرمه الله ولم يأذن فيه.
فلان ذهب ليشفع له عند المسئول بأن يفتح مخمرة! هذه شفاعة طيبة هذه؟!
فلان ذهب ليشفع عند الأمير ليفتح أستوديو للصور، شفاعة سيئة أو حسنة؟ سيئة.
شفع لأن يفتح مكتبة يبيع فيها الكتاب، حسنة أو سيئة؟ هذا هو.. شفع شفاعة ليفتح دكان حلاقة ليحلق وجوه الرجال، سيئة أو حسنة؟ سيئة.
على كل عرفنا الآن، وإياي وإياكم أن تشفعوا لمؤمن من المؤمنين في سيئة فتتحملون كفلاً منها، وتؤذون أخاكم وتضرونه، انصحوا له قولوا: هذا باطل، لا يجوز هذا العمل أبداً، كيف نشفع لك حتى يتحقق لك.
مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85]، قال: (نصيب) على قدر هذه الحسنة، شفعت له: أنجيته من سجن أو عذاب، أكثر من شفعت له ليعطى خمسون ريالاً مثلاً، بحسب الشفاعة.
وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء:85]، أي: عليماً حفيظاً مقتدراً، المقيت: من الوقت، والوقت المراقب فيه، الراعي له الحافظ له هو الله، فهو على كل شيء حفيظاً ومقتدراً قادراً ومراقباً، فكل شفاعاتنا في الخير أو الشر لا تخفى عن الله عز وجل، وسوف يجزي كما وعد، نصيب للشافعة الحسنة وكفل للشفاعة السيئة، لو كان الله يغيب عنه حالنا ما يدري عما نقومه في ظلام الليل، بالأمس ما فضحهم أو لا؟ إذا كانوا عندك قالوا طاعة، وإذا خرجوا بيتوا خلاف الذي قالوه أمامك، من علمهم وأخبر بحالهم؟
السلام.. تشكون فيها؟ تحية أهل الجنة باللغة الإنجليزية.. بالفرنسية (بنسوار) ؟ والله لا توجد تحية في دار السلام إلا تحية: السلام عليكم: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]، السلام عليكم، هذه تحية أهل الجنة، وتحية أهل الإسلام، حتى لو كنت فرنسياً إيطالياً وأسلمت لا بد وأن تقول: السلام عليكم.
وَإِذَا حُيِّيتُمْ [النساء:86] أي: حياكم مؤمن من المؤمنين أو كافر أيضاً، ماذا تقولون؟ كان اليهود يمكرون برسول الله والمؤمنين، يقولون: (السام عليكم)، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: وعليكم، قالت عائشة : ( أما سمعت ما قالوا يا رسول الله؟! قال: السام، قال: وأنا قلت: وعليكم ). أو فيه من لا يموت.
إذاً: السلام: الحياة، ومن أسماء الله تعالى: السلام، وإذا قلت لأحد: السلام عليكم، معناه: أنك أعطيته أماناً كاملاً، وإذا سلم عليك آخر معناه: أعطاك الأمن الكامل، لا يأخذ منك ولا يؤذيك، هذه تحية أهل الجنة، وهبنها الله وعشنا عليها، إذا حييت ماذا تقول؟ السلام عليكم.
وقوله: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، إن شئت قلت: وعليكم السلام، رددتها كما هي، وإن قلت: ورحمة الله وبركاته، زدت أو لا؟ أكثر من الأولى.
وهكذا.. أول السلام لا تقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما تركت لهم شيئاً، قل: السلام عليكم، الرد: إن اكتفى بقوله: وعليكم السلام، كفاه ذلك، وأدى الواجب ولا إثم عليه وعنده عشر حسنات، وإن زاد (ورحمة الله) زاد عشر حسنات، وإن زاد (وبركاته) زاد عشر حسنات، فالذي يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فاز بثلاثين حسنة.
أيام كنا في داخل المسجد، قلنا: هيا نعد، أيام كنا نمشي على أرجلنا في الشوارع، كل من نلقى: السلام عليكم.. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، نصل قريباً من البيت ثلاثمائة حسنة.. مائتين وخمسين، مائة وأربعين.
هيا أحصوها، إذاً: (السلام عليكم) بعشر حسنات، (ورحمة الله) بعشر (وبركاته) بعشر.
والسنة: أن الكبير هو الذي يبتدئ السلام بالنسبة إلى الصغير، فليسلم الكبير على الصغير، وليسلم الماشي على القاعد، ويسلم الراكب على الماشي، هذا راكب على بعيره أو سيارته هو الذي يبدأ بالسلام، هذا ماشي وهذا جالس، الماشي هو الذي يسلم على هذا الجالس، القائم هو الذي يسلم على القاعد، ذي تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفها المؤمنون والمؤمنات.
وهل يسلم الرجل على الفتاة المرأة التي تحيض وتلد؟ لا يصح أن تسلم على امرأة تحيض وتلد، إلا إذا عجزت وشاخت وكانت من قواعد النساء، وعلامة أنها من القواعد كاشفة عن وجهها، قال تعالى: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا [النور:60]، انتهينا: فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ [النور:60] فيكشفن وجوههن: غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60].
إذاً: يسلم الصغير على الكبير، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم على الصغار على الأطفال.. الأطفال الصغار ما يعرفون، نحن نعلمهم، نسلم عليهم: السلام عليكم.. إذا ما عرف، قل له قل: وعليكم السلام.
أما السلام بالإشارة، فلا، ما هو صحيح، وإنما لما يكون بعيد عنك تقول له: السلام عليكم، إذا ما تشير بيدك ما يعرف أنك سلمت عليه، والرد كذلك، إذا ما تقول: وعليكم السلام هو ما يسمع الصوت، لكن إذا أشرت فهم أنك رددت أو لا، أما أن نكتفي بالإشارة هذا خطأ ولا يقوله مؤمن، اليد فقط تُعلم أنك قلت وقال، سلمت وسلم.
إذاً: هل نسلم على الكفار؟ المسألة هذه فيها بحث عجيب عظيم، خلاصة ما أقول: إذا كنتم في أمن واستقرار ما في حرب ولا خوف، يسلم المؤمن على الكافر ولا حرج، وإذا كانت حالة حرب فلا سلام؛ لأنك إذا قلت: السلام عليكم، أمنته، ولا حق لك أن تؤمنه ونحن في حرب معهم، أما إذا كان استقرار وأمن لا بأس إذا سلمت.
أولاً: السلام سنة، والرد واجب، فهذه السنة إذا ما سلمت ما تأثم، إن سلمت أثبت، وإن لم تسلم وكرهت هذا الشخص أو نحو ذلك لا مانع، لكن إذا سلم هو يجب أن ترد.
ولا يسلم على من في الصلاة، ومن سُلم عليه فليشر بيده أو برأسه فقط ولا يتكلم.
ولا يسلم على من في المرحاض يقضي حاجته، وإذا سلم عليه لا يرد.
أقول: لا يسلم على من يتغوط أو يتبول، وإذا سلم عليه لا يرد، ويسقط الواجب عنه.
لا يسلم على المرأة في الشارع إن كانت من غير محارمه.
في الصلاة يشير بيديه أو برأسه علمنا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والموضوع يحتاج إلى بحث أوسع فإلى جالسة ثانية إن شاء الله.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر