إسلام ويب

تفسير سورة النساء (36)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأمانات شأنها عظيم، وقد أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها، لما في حملها من التبعة والإصر العظيم، أما الإنسان فإنه احتمل الأمانة فأمره ربه عز وجل بأدائها على وجهها، سواء كانت هذه الأمانة تتعلق بما بين العبد وربه من أداء للأوامر واجتناب للنواهي، أو كانت تتعلق بما بين العبد وغيره من المخلوقين في المعاملات المالية وغيرها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ...)

    الحمد لله؛ نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!

    إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    اللهم حقق لنا هذا الخير يا رب العالمين!

    وها نحن مع سورة النساء، وقد انتهى بنا الدرس إلى هاتين الآيتين الكريمتين، وتلاوتهما بعد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

    إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:58-59].

    قوله جل ذكره: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ [النساء:58] يأمرنا؛ لأننا عبيده، ولا يستقيم أمرنا إلا على طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ [النساء:58]، بماذا؟ قال: أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] يأمركم بأي شيء؟ بأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها.

    تعريف الأمانة وحكم ردها إلى أصحابها

    الأمانات: جمع أمانة، وكل نسائنا ورجالنا.. عربنا.. عجمنا يعرفون الأمانة.

    الأمانة: ما اؤتمنت عليه، ووضع في جيبك أو في بيتك أو في صدرك، وقيل لك: احفظ هذا حتى تسلمه لي يوم أحتاج إليه، احفظ هذا حتى آتيك في يوم من الأيام، وأقول: أعطني ذاك الذي ائتمنك عليه.

    وقد يكون الائتمان على قول: أبلغتك هذا، أسمعتك هكذا، نبأتك بهذا، فهو أمانة في عنقك، لا تخبر به أحداً أبداً، وجب عليك أن تحافظ على هذه الأمانة ولا تطلع عليها زوجة ولا أباً، والرسول يقول: ( أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك ).

    الآن بالصورة العامة عرفنا: إنسان ترك سيارته عندك أو ناقته أو ثوبه أو سيفه، أو قلمه وقال: احفظه حتى أعود، ماذا يسمى ذاك الشيء؟ أمانة، ويجب أن تحافظ عليه وتحفظه، اللهم إلا إذا أخذ منك قسراً، أو أخذ منك نسياناً، وأنت لم تفرط: ( أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك )، فأداء الأمانة فريضة الله؛ لأن الله أمر بذلك: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ بماذا؟ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، يغيب صاحب الأمانة عشرين سنة، ويأتي وتقول: تفضل أمانتك عندنا، فإن ضاعت قسراً وقهراً لا شيء عليك، فإن أضعتها؛ لأنك غير مبالٍ ولا ملتفت ولا مهتم وأخذت فأنت ظالم؛ لأنك فرطت في حفظها، أما مع الاستعداد الكافي، والعزم الصادق على ألا تضيع هذه الأمانة، فإذا ضاعت فوق إرادتك فلا شيء عليك، القاضي لا يقضي عليك بأدائها؛ لأنك مؤتمن.

    وهنا: إن شاء الله هذه الأمانة ما منا أحد إلا وهو يحافظ عليها، لكن هناك أمانة للملك جل جلاله وعظم سلطانه، يا ويح من أضاعها وفرط فيها، إن كان عاجزاً مقهوراً لا شيء عليه، أما مريداً مختاراً، فيا ويحه!

    أمانة الله في أعناق البشر

    ما هي أمانة الملك جل جلاله؟ هذه الواجبات وهذه المنهيات أمانة أودعها عندنا، فلنحافظ عليها، واقرءوا قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، السماوات والأرض والجبال خافت، ولسان حالها: ما نستطيع يا ربنا، لا تحملنا هذه الأمانة، وقال ابن آدم: هاتها، وإذا به ضيعها إلا من شاء الله.

    لِم قبلها وأضاعها؟ لأن فيه غريزيتين: غريزية الظلم والجهل، فمن عالج هاتين الغريزتين فأصبح غير ظالم وعالماً غير جاهل لا تخف عليه، وهناك أيضاً مرضان عجيبان ألا وهما الظلم والكفر، وكان عمر يدعو الله ويقول: (اللهم اغفر لي ظلمي وكفري): إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34].

    وهناك غريزة طامة وعامة، وهي: أنه إذا شعر بالاستغناء طغى وارتفع، كم علة.. كم مرض؟ خمسة: الظلم، الكفر، الجهل، الطغيان عند الشعور، هل هناك في القرآن مرض آخر يا أهل القرآن؟

    الهلع: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19]، فسر لنا يا ربنا الهلع ما عرفناه؟ قال: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:20-21]، لا إله إلا الله.

    هيا الليلة نعمل على علاج هذه الأمراض، عسى الله أن يشفينا منها، كم مرض؟ الظلم، الكفر، الجهل، الهلع، الطغيان.

    الطغيان: قال تعالى: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى [العلق:6]، متى: أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:7]، إن الإنسان ابن آدم أبيض أو أصفر (ليطغى) متى؟ لما يرى نفسه قد استغنى.

    والطغيان: مجاوزة الحد، التخلي عن الحق، عن الآداب، عن الأخلاق، الظلم، الاعتداء: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ [المعارج:19] كيف؟ هَلُوعًا [المعارج:19].

    فسر الله تعالى لنا الهلع، فقال تعالى في بيانه: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20]، الجزع، الصياح، الضجيج، الغضب، أنا كذا، لا يعرف: آمنت بالله، ولا يعرف الصبر والاحتساب، ولا: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقط شوكة شاكته يبيت يصرخ، القرية يدوخهم، طبعه هكذا: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:19-20]، كثير الجزع: وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:21]، أي: كثير المنع، وهذا مشاهد ومجرب.

    أداء الصلاة مانع للإنسان من التفريط في الأمانة

    وهناك يا معاشر المستمعين، يا من يجدون في طلب الهدى أعلمكم أن هناك وصفة طبية، طبيب الأطباء ومعلمهم وضعها، ذات ثمانية أرقام من استطاع أن يحفظها ويعمل بها يشفى ولو كان من أكثر الناس جفاءً، لا ظلم، لا جهل، لا كفر، لا طغيان، لا جزع، لا منع.

    لو اجتمع علماء النفس كلهم إلى جانبهم علماء الطب لعلاج هذه الغرائز والله ما استطاعوا ولا قدروا على ذلك، ولكن الله غارز الغرائز وطابع الطبائع هو الذي يقدر على علاجها، فوضع لنا وصفة طبية ذات ثمانية أرقام أول، وثاني، وثالث.. استعملها في صدق.

    ومن الخير أن تستعملها تحت إشراف طبيب ماهر، أما الذي يستعملها بدون طبيب أحياناً ينجح وأحياناً ما ينجح، ينجح في دواء وما ينجح في الثاني، عرفتم؟ إذا استعملتها تحت إشراف طبيب عليم حكيم نجحت بإذن الله، وإن لم تجد الطبيب أو ما أحببت أن تجلس بين يديه وتتعلم، أمرك إلى الله، عسى أن تنجح وعسى أن لا تنجح.

    هيا بنا إلى الأرقام الثمانية: قال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج:19]، هذا إخبار من الخالق أو لا؟ في من يقول: لا.. لا لا، ما هو هلوع؟ ما الهلع هذا؟ إنه إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا [المعارج:20]، بالغ نهاية الجزع، يغضب، يسب، يشتم كما تشاهدون، يطلق المرأة، الجزع، فقط ضاعت الدابة يهول الدنيا؛ لأنه مريض وما علم ما هو بنفسه من مرض: وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:21] كثير المنع.

    ثم قال تعالى في بيان الدواء: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:22-23]، هذا رقم واحد الذين يديمون الصلاة ولا يقطعونها، ويؤدونها في أوقاتها بشرائطها تنتج لهم مادة النور، وبها يبصرون الحسن والقبيح. هذا رقم واحد.

    أما المفرطون في الصلاة المهملون لها، التاركون لها، والله للمرض معهم، ولن يستطيع أحد أن يزيله، هذا الرقم سهل أو صعب؟ الحمد لله.

    أداء الزكاة مانع للإنسان من التفريط في الأمانة

    ثانياً: إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:22-25].

    الذين يعترفون بوجوب الزكاة، وأنها حق الله، وأهلها من سماهم الله، هذا الذي يقوم بهذه الوصفة، الزكاة، بحمد الله تعالى، الشح والبخل والسرقة.. كلها تنقشع وتزول، فالذي ينفق أمواله في سبيل الله يسرق؟ معقول هذا الكلام؟ ينفق ماله يتملق إلى الله ويتزلف، فيضعه في أيدي البهاليل الفقراء والمساكين هذا يخون ويكذب، والله ما كان.

    انتهى ذاك النوع من المرض، لا شح ولا بخل ولا اعتداء ولا ظلم، ما هو معقول ينفق ماله في سبيل الله ثم يسرق، مجنون هذا؟ لِم أنفق ماله وهو أعز إليه؟ من أجل أن يرضى عنه ربه، كيف يعصيه إذاً في نفس المال؟ هذا الرقم ذو أثر كبير لا تنس، وهو المداومة على الصلاة، والثاني: الإنفاق مما رزق الله: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ [المعارج:24-25] الذي يسأل وَالْمَحْرُومِ [المعارج:25] الذي ما يسأل لحيائه واحتشامه.

    التصديق بيوم الدين مانع للإنسان من التفريط في الأمانة

    ثالثاً: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26]، هذا الرقم ذو أثر عظيم، الذي يصدق بيوم القيامة وما يجري فيه، وما يتم للبشرية من إسعاد أو شقاء بعد الحساب الدقيق الذي يؤمن بهذا اليوم ما يجزع ولا يمنع، بالإضافة إلى الأرقام الآتية والسابقة، لا تقول هذا الرقم يكفيني.

    الطبيب إذا أعطاك ثلاثة أدوية، لو تقول: أنا استعمل هذا فقط، يقول لك: ما ينفع هذا الدواء، لا بد من أن تستعملها كلها، ويحدد لك المقادير والكميات والأزمنة والظروف أو ما ينفع، هذا الرقم وهو: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26]، يؤمنون إيماناً كاملاً باليوم الآخر، يوم الدين هو يوم الجزاء أو لا؟ هذه الدار دار عمل أو دار جزاء؟ أجيبوا.

    دار عمل، ومتى نتقاضى أجورنا؟

    يوم القيامة، هذه الدار، يا عباد الله! يا إماء الله، دار عمل، صل وصم وجاهد ولا تطلب جزاء، ليس الجزاء هنا، واصل عملك حتى تنفض يديك وتدخل قبرك وتلقاه.

    إذاً: وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [المعارج:26]، والدين: الجزاء على العمل، وهذا الذي نقوم به دين أو لا؟ صلاتنا، صيامنا، رباطنا، جهادنا.. دين، كذا أو لا؟ نجزى به أو لا؟ فهو جزاء، وشيء آخر يا إسماعيل دين؛ لأن الله خلقنا ورزقنا وحفظنا وعافنا وخلق كل شيء من أجلنا، له حق علينا أو لا؟ ما هذا الدين الذي علينا؟ أن نعبده، الدين عبادة وهو دين، ولكن يوم الدين: هو يوم الجزاء، يوم القيامة.

    الإشفاق من عذاب الله مانع للإنسان من التفريط في الأمانة

    رابعاً: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27]، هذا الرقم عالي وغالي، وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27]، ما يقدرون على أن ينغمسوا في باطل من القول أو العمل؛ خوفاً من عذاب الله، مشفقون: خائفون، يهم بالشيء ثم يخاف من الله ويتركه، قد يمد يده ثم يذكر عذاب الله، ينظر.. يخاف عذاب الله، مشفق طول حياته، هذا الرقم ذو أثر عظيم أو لا؟ صاحبه ما يسرق، ما يزني، ما يلوط، ما يفجر، ما يكذب، ما يكفر، وأنى له ذلك وهو خائف؟

    فهذا الرقم رقم عظيم: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27] خائفون ترتعد فرائصهم، تجل قلوبهم، إذا ذكرتهم بالله، وجلت القلوب وذرفت العيون بالدموع، واقشعرت الجلود؛ لأن إيمانهم سليم وصحيح، هذا الرقم الرابع، وهو: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27] لِم؟ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:28]، ما ندري، وإذا النيران اشتعلت في ديارنا، ما يدرينا، ما يدريك وأن عدواً صب رصاصه وبلاءه علينا؟ ما ندري وأن وباء انتظمنا كلنا، ما ندري، عذاب الله مأمون؟ من عنده ضمانة لعام كامل ما يمرض؟ لو عرف هذا إخواننا ما انغمسوا في الملاذ والشهوات والأهواء والمزامير، ما عرفوا الله، آمنون.

    إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:28]، من يؤمنك؟ هذا الرقم أعظم.

    تعليل: لِم هم مشفقون من عذاب الله؟ لأن عذاب الله غير مأمون، ما هو فقط يوم القيامة، قد ما تصل إلى بيتك إلا وقد تمزقت، إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:28]، تعليل للرقم الخامس أو الرابع؟ وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27] لماذا؟ لأن عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:28]، ما يدري الإنسان ما يحل به غداً أو الآن بعد دقيقة، فلهذا هم دائماً خائفون من الله فلا يسبون ولا يشتمون، ولا يعيرون، ولا يسخرون، ولا يضحكون، ولا يأكلون أموال الناس.. ولا.. ولا، خائفون، وإن رأيت تقياً حقاً ذا علم، فاعلم أنه متأثر بهذه الأرقام الثمانية، علمها وطبقها ونفذها.

    حفظ الفروج مانع للإنسان من التفريط في الأمانة

    خامساً: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المعارج:29]، كما يحافظون على أموالهم وأعراضهم، وأبنائهم وأولادهم وأزواجهم، يحافظون على فروجهم، الفروج: جمع فرج، والمراد به القبل والدبر، وسمي فرجاً لانفراج ذاك المكان حين يخرج منه البول أو العذرة. اشتدي أزمة تنفرجي.

    إذاً: المراد بالفروج هنا: القبل والدبر، حافظون لفروجهم -والله- أكثر من حفاظهم على أموالهم وعلى أبدانهم، ومعنى الحفاظ على الفرج:

    أولاً: لا يكشف فرجه لأحد إلا إذا كان بين يدي طبيب ولا بد من كشف فرجه كعلاج الناسور، لا يكشف فرجه، يحافظ عليه أكثر من الذهب، لو تعطيه ما تعطيه ما يستطيع أن يخلع ثوبه أمامكم ويكشف عن سوأته؛ لأن كشف العورة وإبداءها صاحبها ما حافظ على فرجه أبداً، حتى الزوجة.

    يا ذا الزوجة من الخير أن لا تكشف عورتك لها، كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: ( ما رأيت من رسول الله ولا رأى مني )، مع أن هذا ليس بإثم، ولا ذنب فيه، لكن الآداب والكمال، وتحقيق هذا الرقم حتى زوجته ما يبدي فرجه أمامها، وإذا دخل المرحاض أو الحمام ما يتبجح يدخل ملتئماً ساتراً نفسه، وأحفظ من ذلك وأكثر: ألا يزني ولا يلوط.

    المقصود: أنه يعيش سبعين سنة، أو ثمانين وما عرف الزنا ولا اللواط أبداً، حافظ لفرجه من صباه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المعارج:29]، صاحب هذه لن يكون لصاً ولا خبيثاً ولا مجرماً، وهو يقاوم شهوته وغريزته، ويعيش سنين عدداً ولا يقدم على أن يبدي فرجه أو يضيعه، لولا إيمانه يفعل هذا؟ هذا رقم عظيم: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المعارج:29] اللهم إلا: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:30].

    الأزواج: جمع زوج، المرأة لها زوج، والرجل له زوج أيضاً، والآية عامة في الرجال والنساء: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:30]، وهنا المرأة لا دخل لها؛ فالرجل إذا ملك جارية بيمينه أعطيها في جهاده، أو اشتراها بنقده، له أن يطأها رحمة بها، وشفقة عليها، أما المرأة إذا ملكت عبداً لا يصح أبداً أن تمكنه من نفسها، وتقول: هذا عبدي أنا أملكه، إياك أن يتسرب إليك هذا المعنى.

    إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المعارج:30] من الجواري لا من العبيد، أو يقول: هذا عبدي ألوط به!!

    اعلموا أن المراد من هذا: الجواري، وهي جمع جارية: المرأة التي أصبحت ملكاً لك؛ لأنك اشتريتها، أو أخذتها في قسمة الغنيمة يوم غزونا البلاد الفلانية.

    إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30]، الله أكبر! هذا إعلان المولى تعالى: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30]، من يلومهم؟ يوجد عاقل يلومك على أنك نكحت امرأتك، كيف يكون هذا؟ تجد عاقل يلومك على أنك تسريت بجاريتك، لا يلومك الملائكة ولا البشر ولا رب العالمين، هذا من الله، وقد أخبر، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:30].

    فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ [المعارج:31]، ابتغى وطلب وراء ذلك المذكور، وهو: المرأة الزوجة والمملوكة فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المعارج:31] أي: المعتدون المجاوزون للحد المتعرضون للحدود وإقامتها عليهم، ولعذاب الله وسخطه: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ [المعارج:31] المذكور من الزوجة والأمة: فَأُوْلَئِكَ البعداء هُمُ ما لهم؟ الْعَادُونَ [المعارج:31]، أكثر من المعتدين، العادي أكثر من المعتدي، المعتدي يحاول الاعتداء، والعادي انتهى، وصل إلى غايته وفرغ منها، عجيب هذا التعبير! ما قال: المعتدون (العادون). هكذا الرقم السادس.

    رعاية الأمانات الدنيوية مانع للإنسان من التفريط في الأمانة الأخروية

    قال الله: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32]، أصبحوا رعاة غنم أو إبل؟ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32].

    لو تشاهد راعي الغنم، وهو ينظر إلى العنيزات أو الشويهات طول النهار، ما يغمض عينيه ولا يفرط أبداً، فهؤلاء لأماناتهم التي ائتمنهم الله عليها، وهي دينه كله كما علمنا، ولما وضع بين أيديهم من أمانات استؤمنوا عليها، وكذلك عهودهم التي بينهم وبين الله، وبينهم وبين عباد الله، راعون، لا تفريط أبداً، هذا الرقم ذو شأن عظيم، أين البنسلين والأدوية للأجسام، هذا أعظم دواء. هذا السادس.

    وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ [المعارج:32] جمع أمانة، ما درسنا الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ [النساء:58]، أمانات الله ما كلفنا به وأعاد به إلينا، وأمانات نؤتمن عليها بيننا، والعهود ما هي؟ أول عهد هو الذي بيننا وبين الله، فكل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله إلا وقد أعطى عهداً وميثاقاً: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]، فكل من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أعطى عهداً والتزم بأن يعبد الله ويطيع رسوله.

    وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32] لا يفرطون أبداً لا في ليل ولا في نهار، لا في حال الصحة ولا المرض، لا في الحضر ولا في السفر، راعٍ، فهمتم معنى الرعاة والراعي كيف أو لا؟ ما سمينا الراعي راعي إلا لأنه يرعى شويهاتنا، هؤلاء يرعون حدود الله والأمانات ما يضيعون ولا يفرطون أبداً.

    القيام بالشهادة مانع للإنسان من التفريط في الأمانة

    الرقم السابع: (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَتِهِمْ) قراءة سبعية: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج:33]، في الرخاء، وهو ضد الغلاء، في الفقر في الغنى، في الصحة، في المرض، في أي موطن شهادته يقيمها هكذا، لا يميل هكذا ولا هكذا، ولا أمام ولا شمال، كلما شهد على شيء أو بشيء واستدعي إلى أن يشهد يقيمها، حتى إنه يشهد على نفسه أنه فعل، أو على أبيه أو أخيه لا يبالي، وهذا الموقف ليس بهين، ترى جماعات يشهدون لبعضهم البعض، وفي ناس موجودون متهيئون: إذا تريد شهادة أعطي له عشرة ريالات يشهد معك في المحكمة، أو ألف ريال! لأن هؤلاء هبطوا، سقطوا، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ [النحل:21]، علتهم: ما عرفوا الله ولا آمنوا به حق الإيمان، المؤمن والمؤمنة يؤدي الشهادة كما أمر الله أن يؤديها بلا حيف ولا ميل مهما كان المشهود له، أو المشهود عليه: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج:33].

    تذكرون أن يهودياً اتهم علياً في الدرع، ثم تحاكموا إلى القاضي شريح ، علي هو خليفة المسلمين، وشريح أحد قضاة الدولة الإسلامية، فاليهودي تقاضى عند شريح القاضي ، وادعى على علي بأخذ درعه، من آداب القاضي أنه يجلس الخصمين أمامه، وجهاً لوجه، وينظر إليهما معاً، ما ينظر إلى هذا وهذا لا، وحتى صوته إذا تكلم ما ينخفض مع هذا ويرتفع مع هذا العدل.

    إذاً: كيف تدعي أن الدرع لك؟ من يشهد لك يا علي ؟ قال: يشهد الحسن والحسين ؟

    فاليهودي انبهر! خليفة المسلمين يتقاضى ويطلب منه القاضي من يشهد؟ فيقول: ابني، فيقول: الابن لا يشهد للأب، اطلب شاهداً آخر، فلم يصبر ذاك اليهودي حتى شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ورد الدرع لصاحبه.

    والشاهد عندنا: شهادة الابن -انتبهت؟- على أبيه، أو الأب على ابنه.

    وفي هذا أمثلة كثيرة، والمسلمون أهل الإيمان وتقوى الله عز وجل لهم مواقف في هذا، والشاهد عندنا في هذا الرقم الخطير: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج:33].

    المحافظة على الصلاة مانع للإنسان من التفريط في الأمانة

    الرقم الثامن والأخير: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج:34]، بدأ بالرقم الأول الصلاة، وختم بها بالرقم الثامن، وما بينهما ثمرة الصلاة وإقامتها، فالذي لا يؤدي الصلاة لا خير فيه بالمرة، ولا يستطيع استعمال رقم من أولئك، والذي يضيع الصلاة، ما يحافظ عليها، لا يؤديها في أوقاتها في بيوت الله مع المؤمنين، لا يخشع ولا يرتعد ولا يبكي، ويقع في المهاوي، ويسقط في المهالك، هل عرف الأبناء والإخوان هذه الوصفة الطبية؟ من الطبيب هذا؟

    هل في الإمكان استعمال هذه بدون طبيب؟ قل من ينجح. فلا بد إذاً من أن نجلس بين يدي المربين؛ حتى نتعلم ونعرف: كيف نصلي؟ كيف نزكي؟ كيف وكيف.. أما أن نستعملها بعيداً عن إشراف طبيب قل من ينجح، وهنا انعدم الجهل أو لا؟ استعمال هذه الأرقام بالعلم. إذاً: انعدم الجهل، وإذا ذهب الجهل وحل العلم انفتح باب الانفراج.

    سبب نزول الآية

    إذاً: نعود إلى الآية الكريمة، يقول تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، يروى أن سبب نزول هذه الآية، وقد يكون كذلك، وقد يكون نزلت في المدينة، وليست في مكة، والرسول ذكرها استشهاداً بها. يقولون: لما فتح الله على رسوله والمؤمنين مكة في السنة الثامنة من هجرة ودخل ومعه اثني عشر ألف مقاتل من الأنصار والمهاجرين، واستسلم أبا سفيان الحاكم العام في مكة، واستقبل الرسول خارج مكة، وأعطاه وساماً لم تعرف الدنيا نظيره، ادخل أبا سفيان وأعلن: ( أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن )، الله أكبر!

    إذاً: دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، وإذا برجالات قريش قد تجمعوا في الحرم، وطأطئوا رءوسهم ينتظرون حكم رسول الله فيهم، وهم مستوجبون للقتل، وقف أمامهم، وقال: ( يا معشر قريش! ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، قال اذهبوا فأنتم الطلقاء، قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم )، بينما الآن لما يستقل إقليم من أقاليم المسلمين يبحثون عمن كان يتعامل مع الاستعمار، ويذبحون يذبحون يذبحون.. لأنهم ما سمعوا ما قال الرسول: اذهبوا فأنتم الطلقاء؛ لأننا حكمنا وسدنا والآن نحق الحق ونبطل الباطل، وهرب مجموعة قالوا: لن نستطع أبداً أن نرى محمداً يعفو عنا أو يقتلنا، على رأسهم عكرمة بن أبي جهل ، مات أبو جهل ، فخلفه عكرمة في كل صفاته من الغش والمكر، وقال: ما أطيق أن أصافح الرسول وأبايعه هرب إلى جدة، وجد سفينة تريد أن تقلع فركب، وأبحرت، لما أبحرت السفينة، قال ربانها: يا معشر الركاب! الشحنة قوية، والسفينة عاجزة عن مواصلة السير، فماذا تريدون؟ إذاً: افزعوا إلى الله، لا ينجيكم إلا الله، يا الله.. يا الله.. قال عكرمة : أنا هربت من هذه الكلمة، ما نريد نسمعها، فما دام لا بد من أن ندعو الله وحده، الآن نرجع إلى محمد، والله ترجع بنا إلى الشاطئ، فرجع الربان بالسفينة وهبط، وظل يجري حتى احتضن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل يده. نحن هربنا من التوحيد أو لا؟ يلحقنا حتى بالبحر؟ إذاً: نعود أحسن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدخل الكعبة ليصلي فيها النافلة، طلب المفتاح من عثمان بن طلحة الحجبي، فأعطاه المفاتح ففتح البيت وصلى ركعتين، ووجد فيها صوراً، قال: أزيلوها، وما خرج حتى أزيلت، صور لإبراهيم وإسماعيل. فـالعباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، طمع. قال: أعطني المفتاح؛ ليكون من أهل السدانة كما هو من أهل السقاية، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، منهم من يقول: نزلت عليه، ومن يقول: لا، تلاها استشهاداً بها، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، فرد المفتاح لـعثمان بن طلحة الحجبي ، الحِجبي والحُجبي يعني: حاجب البيت، هكذا قيل في سبب نزول الآية، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

    معاشر المستمعين! عرفنا الأرقام الثمانية، نعمل بها ونطبقها ونستشير الأطباء، أي: العالمين من الفقهاء؛ حتى نؤديها كما هي، وحينئذٍ فنحن آمنون من الجهل، من الكفر، من الظلم، من الطغيان، من الهلع، وأصبحنا أصحاء والحمد لله.

    وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767951643