وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!
إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
ومن أراد أن يشاهد فلينظر إلى الحلقة. هل فيها قيل وقال؟ سبائب وشتائم، حركات واضطرابات؟ والله إنها السكينة، والرحمة غشيتنا؟ إي والله! هل تشاهد مظهراً من مظاهر العذاب فينا؟ الجواب: لا.
حفتهم الملائكة، والله لتدور بالحلقة وإن كنا ما نراها لضعف أبصارنا، وإذا تمت هذه التي في الأرض فالتي في السماء تتم بإذن ربنا، أن يذكرنا الله بخير، ويثني علينا بين ملائكته، الحمد لله رب العالمين.
معاشر المستمعين والمستمعات! معنا ست آيات موضوعها واحد، ما هناك حاجة إلى فصلها أو تفرقتها، وإليكم تلاوتها فتأملوا وتدبروا.
قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا [النساء:49-55].
هم الذين قالوا ما أخبر تعالى عنهم بقوله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18] ما هذا التبجح هذا، وتزكية النفس؟!
معشر المستمعين! لا يحل لمؤمن أن يزكي نفسه بأن يذكر فضائله وكمالاته، لا يفعل هذا مؤمن، لكن إن زكيت مؤمناً لا بأس، أما أن تزكي نفسك: أنا أفعل أنا كذا هذا لا ينبغي؛ فكيف بالذي يزكي نفسه وهي خبيثة؟ شر الخلق هم ويزكون أنفسهم؟! إنها حال تستدعي التعجب، وهذا الاستفهام للتعجب في الآية إنما هو لذلك: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ [النساء:49] الله هو الذي يزكي من يشاء تزكيته، فيثني عليه ويذكره بخير، أما المرء نفسه يزكي نفسه فلن ينتفع بهذا، لا سيما إذا كان يكذب، لو قال أحدنا: أنا أصوم النهار، وأقوم الليل، أنفق كذا وكذا وهو كاذب؛ هذا هلك! حتى ولو كان غير كاذب ما يجوز هذا: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32].
لكن هؤلاء المتبجحون لأجل الإضلال والإبقاء على الباطل والكفر يزكون أنفسهم، فالله عز وجل حمل رسوله على أن يتعجب من هذه المواقف.
وقوله: وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:49] هذه عامة، والفتيل: هو الخيط الذي في وسط المواد، أو تقول هكذا وأنت في عرق وتعب تفتل فتجد بين أصبعيك شيئاً من العرق، وهو كناية عن أصغر شيء، وهذا عام لنذكر أن من عمل حسنة لن يفقد مثوبتها، فالكافر المشرك إذا عمل خيراً مما يرضاه الله يثيبه عليه، فإن كان في الدنيا بارك له في ماله وأهله؛ لما يقدم من العمل والخير للناس، وهو كافر، وفي الدار الآخرة يخفف عنه عذابه، ولا يكون في مستوى الآخرين، وشاهد هذا من السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عمه أبا طالب لما توفي وكان ناصراً له وعضداً وساعداً له لا يشك في هذا أحد، رآه في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، إذاً: فالله عز وجل أخبر عن نفسه، وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:49].
مرة ثانية: لا تفهم أن الكافر لو أنفق الأموال وفعل ما فعل من الصالحات- عبد الطرق، أنشأ المشافي- يدخل الجنة، هذا مستحيل! إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
وعندكم صورة واضحة:
عبد الله بن جدعان هذا كان قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يكسو كل حج ألف حلة يستوردها من الشام أو اليمن، ويكسو بها الفقراء في منى وعرفات، والحلة البدلة ثوبان، وكان ينحر كل حج ألف بعير، وهو كافر ومشرك، لكن فيه نزعة الخير وبقايا الإيمان من عهد إسماعيل، فقالت يوماً أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: ( أرأيت يا رسول الله!
لكن لا نشك أن عذابه أهون مليون مرة من أبي جهل وعقبة بن أبي معيط ، لكنه في عالم الشقاء، في جهنم.
انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ [النساء:50] أي: بالكذب على الله إِثْمًا مُبِينًا [النساء:50] نعم. تكذب على صعلوك مثلي ليس كأن تكذب على الشيخ عبد العزيز بن باز ، تكذب على علي بن أبي طالب لكن لا ككذبك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، تكذب على رسول الله لا ككذبك على الله.
والله يقول: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [الصف:7] أورسول الله يقول: ( من كذب علي متعمداً- فليلج النار- فليتبوأ مقعده من النار )، وسر ذلك: أنك لما تكذب على الله تريد أن تشرع، وتكذب على الرسول تريد أن تقنن وتشرع، وما تنشره أنت من الباطل لا يقادر قدره، تكذب على عالم على مفتي كذبة معناها: أبحت ممنوعاً، أو أذنت في غير جائز، هذا هو السر، أو ما فهمتم هذا؟ تكذب على عامي ما يضر، تكذب على عالم قال: كذا وكذا نشرت ذلك بين الناس! لأن الناس يأخذون عن العالم.
نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء:51] الجبت: السحر، الكهانة، الكذب كل أنواع التدجيل الباطل جبت، أصل الجبت: الفاسد، يؤمنون بالسحر والكهانة، وعندهم نصيب من الكتاب.
وَالطَّاغُوتِ [النساء:51] الطاغوت: كل ما عبد من دون الله ورضي بعبادته، يدخل أولاً الشيطان هو الطاغوت الأكبر، جميع الأصنام هي الطواغيت، كل من عبد من الناس ورضي بذلك فهو طاغوت، أي: طغا وارتفع وتجاوز حده كإنسان، أصبح إلهاً يعبد!
وهنا وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النساء:51] ذهبوا إلى مكة يحزبون الأحزاب، ويؤلبون المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما علمنا في غزوة الخندق، حيي بن أخطب وفلان وفلان، وكانوا مع المشركين حول البيت وحولها ثلاثمائة وستون صنماً، فسألوهم عن الإسلام وعن نبيه، يريدون أن يستفسروا، فقالوا لهم: دينكم أفضل من دينه، دينه لا شيء، أنتم أفضل منه، وأنتم أقوم ديناً منه، وانظر إلى قول الله تعالى: وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النساء:51] طريقكم سليم، وحياتكم أكمل، وسعادتكم مضمونة، ولا تلتفتوا إلى هذا الرجل، قالوا هذا؟ إي والله عز وجل.
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ [النساء:52] واسمع وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا [النساء:52] مستحيل أن تجد من يمكر فيبعد عنه العذاب، أو يبعد عنه الذلة والمسكنة والضياع! لأن الله هو الذي أذله.
فلهذا نعوذ بالله أن يحكموا ويملكوا، مررنا بكلمات من شرح التوحيد رشيد رضا في تفسيره. كانت أيامه هو والدولة العثمانية أيام كانت حاكمة، فذكر ووجه. قال: على العثمانيين أن يتنبهوا ألا يسمحوا لليهود أن يملكوا في فلسطين أرضاً ولا بستاناً، وأن يحدوا من هجرتهم إليها؛ لأنهم يريدون أن يملكوا، وإذا ملكوا سوف لا يؤتون الناس نقيراً، وشاء الله ووقع ما وقع، العثمانيون انهزموا لفسقهم وفجورهم وكيد اليهود لهم، سقطت الخلافة تمزقت، احتلت بريطانيا المنطقة وفرنسا، ووجد اليهود مجالاً، أسسوا ممالك وحكموا، الذي توقعه وقع! هذا إخبار من؟ الله.
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا [النساء:53] أي: لو كان لهم نصيب لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا [النساء:53] كل من لم يكن يهودياً لا يرحمونه أبداً.
فأول خطوة خطوها بالنسبة إلى أعدائهم الصليبيين، رقم واحد: المسلمون ليسوا بأعداء اليهود كالنصارى، فأوجدوا ذلكم المذهب الخبيث المنتن العفن مذهب البلشفة: لا إله والحياة مادة، فضربت الصليبية ضربة ما حصلت لهم في التاريخ أبداً.
الآن ثلاثة أرباع النصارى لا يؤمنون بالله ولا بيوم القيامة! ولهذا انتشر المنكر والباطل والفجور والفسق بصور عجيبة! من حوَّل المسيحيات اللائي كن يستحين إذا قابلن الرجال، ويضعن على وجوههن الخمار الأسود، يلبسن المكروجيب والمنجيب، من صنع هذه؟ تشكون؟ هم للمسخ، أما آلام المسلمين بيناها عشرات المرات.
فلهذا يقول تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54] من الإيمان والحكمة والمعرفة والهداية، يحسدونهم هكذا؟
قال: [ وقالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [آل عمران:24] إلى غير ذلك من الدعاوى الباطلة، ولما أنكر تعالى عليهم هذا الباطل الذي يعيشون عليه فعاقبهم عن ترك الإيمان والدخول في الإسلام، وأخبر تعالى أنه عز وجل هو الذي يزكي من يشاء من عباده، وذلك بتوفيقه إلى الإيمان وصالح الأعمال التي تزكو عليها النفس البشرية ] هذا عندنا من الضروريات. تقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم! تتملق بها إلى الله وتتزلف لتنتج لك نوراً في قلبك، وطهارة في روحك.
تصلي ركعتين كما صلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً موقناً تنتجان لك نوراً تزكو به نفسك، فالنفس لا تزكو بغير الإيمان والعمل الصالح، ما هو بالتبجح والكلام!
قال: [ وذلك بتوفيقه إلى الإيمان وصالح الأعمال التي تزكو عليها النفس البشرية، فقال تعالى: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:49] أي: أقل قليل، فلا يزاد في ذنوب العبد، ولا ينقص من حسناته.
ثم أمر الله تعالى رسوله أن يتعجب من حال هؤلاء اليهود والنصارى، وهم يكذبون على الله تعالى ويختلقون الكذب بتلك الدعاوى التي تقدمت آنفاً، وكفى بذلك إثماً مبيناً، يغمس صاحبه في النار ] ويخلده فيها.
سيدي كامل ، يسب يكفر يقول الباطل لا يصلي وهذا ولي الله، يتبركون بلعابه! والنوع هذا في العالم الإسلامي ما أكثره!
إذاً: حرمة تزكية المرء نفسه بلسانه والتفاخر بذلك، لا بد إما طلباً للرياسة وإما تخلياً عن العبادة ما هو في حاجة إلى العبادة، مغفور له.
قال: [ بحجة أنه في غير حاجة إلى ذلك لطهارته ورضا الله تعالى عنه.
ثانياً: الله يزكي عبده بالثناء عليه في الملأ الأعلى، ويزكيه بتوفيقه وإيمانه للعمل الصالح بما يزكي من صلاة وصدقات، وسائر الطاعات المشروعة لتزكية النفس البشرية وتطهيرها ].
الله يزكيك أولاً: يذكرك في الملكوت الأعلى، كما في هذه الليلة إن شاء الله.
ثانياً: يوفقك للعمل الصالح والإيمان الصحيح؛ فتزكو نفسك بذلك، من زكاك؟ أليس الله؟ أما أن تقول: أنا فعلت وأنا كذا وأنا كذا هذا لا يصح؛ لأنه يتنافى مع الاستقامة والمنهج، فإذا كان حقاً ما ينبغي هذا، كنت تصوم النهار وتقوم الليل لا تقل هذا، وإن كان كذباً فتلك هي الطامة الكبرى.
قال:[ ثالثاً: عدالة الحساب والجزاء يوم القيامة؛ لقوله تعالى: وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:49] ] عدالة الجزاء والحساب يوم القيامة، لا تخش أبداً أن يزاد في سيئاتك سيئة، أو ينقص من حسناتك حسنة، كن مطمئناً؛ لأن الله في غنى عن خلقه، وهو الغني الحميد.
ما هي؟ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النساء:51].
قال: [ وهذا شرحها أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء:51] ألم ينته إلى علمك أيها الرسول! أن الذين أوتوا حظاً من العلم بالتوراة يصدقون بصحة عبادة الجبت والطاغوت، ويقرون عليها ويحكمون بأفضلية عبادتها على عبادة الله تعالى ] لأن العرب في مكة يعبدون الأصنام وهي الطواغيت.
قال: [ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:51] وهم مشركو قريش: دينكم خير من دين محمد، وأنتم أهدى طريقاً في حياتكم الدينية والاجتماع لها.
ألم يكن موقف هؤلاء اليهود مثار الدهشة والاستغراب والتعجب لأهل العلم والمعرفة بالدين الحق، إذ يقرون الباطل ويصدقون به.
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ [النساء:52] أولئك الهابطون في حمأة الرذيلة، البعيدون في أغوار الكفر والشر والفساد لعنهم الله، وأبعدهم من ساحة الخير والهدى.
وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ [النساء:52] يا رسولنا! نَصِيرًا [النساء:52] ينصره من الخذلان الذي وقع فيه، والهزيمة الروحية التي حلت به، فأصبح وهو العالم يبارك الشرك ويفضله على التوحيد ] والعياذ بالله.
[ ثم قال تعالى في الآية الثالثة والخمسون: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا [النساء:53] أي: ليس لهم نصيب من الملك كما يدعون، فالاستفهام للإنكار عليهم دعوة أن الملك يئول إليهم، وهم لشدة بخلهم لو آل الملك إليهم لما أعطوا أحداً أحقر الأشياء وأتفهها، ولو مقدار نقرة نواة، وهذا ذم لهم بالبخل بعد ذمهم بلازم الجهل وهو تفضيلهم الشرك على التوحيد ].
كانوا يعلنون أنهم سيحكمون، سيملكون، وكم سنة وهم يعملون؟ ألف وأربعمائة سنة تقريباً حتى أوجدوا دولة اليهود، لكن ما زالوا عاملين حتى يصفي حسابهم المسلمون. متى هذا؟ لما ترى المسلمين أقبلوا على الله وأصبحت كلمتهم واحدة، ورايتهم واحدة، وإمامهم واحد؛ ما الدليل؟
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : ( لتقاتلن اليهود )، كيف نقاتلهم؟ أين هم اليهود؟ شردناهم مزقناهم كيف؟ لا بد، ( لتقاتلن اليهود ) قاتلناهم أم لا؟ وهزمونا؟ قولوا: قاتلناهم أكثر من خمس مرات وننهزم نحن العرب، لا المسلمين.
( لتقاتلن اليهود ثم لتسلطن عليهم ) كثيراً ما نقول في الدورس: لتسلطن عليهم، لو يستقيم المسلمون العرب في أربعة وعشرين ساعة يوجد الله عز وجل لفرنسا لبريطانيا لأمريكا مؤامرة ضدها، فتضرب اليهود وتقول للعرب:خذوهم. ونظير ذلك هتلر النازي لما اكتشف مؤامرة ضده ماذا فعل باليهود؟ قتلهم حرقهم مزقهم، أذلهم أكبر وإذلالاً، من سلطه؟ الله.
فهكذا نقول: لو أن الفلسطينيين فقط -دعنا من العروبة- استقاموا وراء إمام وبايعوه والتفوا حوله، وأقاموا الصلاة؛ والله لينصرنهم الله، ما عندهم قدرة؟ كما قدمنا يوجد مؤامرة يهودية ضد أمريكا، فتغضب غضبتها وتضربها أو تقول للفلسطينيين: خذوهم، هذا استفدناه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ثم لتسلطن عليهم ) تسليط أم من جهة أخرى؟ وتصديق الله من باب أولى.
( ثم لتسلطن عليهم فتقتلوهم؛ حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه شجرة اليهود ) شجر الغرقد كان موجوداً في البقيع، لما يصب المطر ينبت هناك؛ فلهذا سمي بقيع الغرقد، أما الآن يخبروننا إخواننا الفلسطينيون بأن هذه الشجرة محترمة في بلاد إسرائيل، وتسقى بعناية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، شجرة اليهود، من علمنا هذا؟ الله.
هنا لطيفة قلناها. الشجر يكذب؟ الحجر يكذب؟ يا مسلم! أو قال: يا عربي؟! أو قال: يا مواطن؟!
إذاً: من منا يقول: أنا مسلم، ويشهد للشجر والحجر؟ ومعنى هذا: أن يوماً سيأتي يسلم فيه العرب والمسلمون ويكمل إسلامهم، ويقاتلون اليهود ويسلطهم الله وينطق الشجر والحجر في صدق: يا مسلم!
إذاً: عرفتم ضعف الإسلام عندنا أم لا؟ ولا نسبة عشرين في المائة! ما نحن بالمسلمين بمعنى الكلمة، هذا بالنسبة للعام، أما يوجد أفراد أولياء الله وصالحو عباده.
قال: [ وقوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا [النساء:54]، أم بمعنى: بل كسابقتها للإضراب- الانتقال من حال سيئة إلى أخرى- والهمزة للإنكار، ينكر تعالى عليهم حسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على النبوة والدولة وهو المراد من الناس.
وقوله تعالى: فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ [النساء:54] كصحف إبراهيم والتوراة والزبور والإنجيل.
وَالْحِكْمَةَ [النساء:54] التي هي السنة التي كانت في ولاية الأنبياء يتلقونها وحياً من الله تعالى، وكلها علم نافع وحكم صائب سديد، كما هي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وحكمته.
والملك العظيم: هو ما كان لداود وسليمان عليهما السلام، كل هذا يعرفه اليهود؛ فلم لا يحسدون ما كان لهم، ويحسدون محمداً والمسلمين؟! والمراد من السياق: ذم اليهود بالحسد كما سبق ذمهم بالبخل والجهل مع العلم.
وقوله تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ [النساء:55] يريد أن من اليهود المعاهدين للنبي صلى الله عليه وسلم -منهم- من آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وهم القليل، ومنهم من صد عنه، أي: انصرف وصرف الناس عنه، وهم الأكثرون.
وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا [النساء:55] لمن كفر حسداً، وصد عن سبيل الله بخلاً ومكراً، أي: حسبه جهنم ذات السعير جزاء له على الكفر والحسد والبخل والعياذ بالله تعالى ].
من هداية الآيات: أولاً: وجوب الكفر بالجبت والطاغوت ].
يا شيخ! إذا كان الجبت السحر والكهنة والتدجيل امتلأت بلاد المسلمين منه، حتى المدينة النبوية! نبكي أو نضحك؟ يجب الكفر بالسحر أم لا؟ ويقتل الساحر حيث بان سحره ولا تقبل توبته، والناس يأتون يشتكون: أنا مسحور، من سحرك في المدينة؟! من ينشر السحر؟ علة هذا الجهل، ما عرفنا الله حتى نخافه ونرهبه، أو نحبه ونرغب في طاعته، والله لهذا هو السبب.
[ ثانياً: بيان مكر اليهود وغشهم، وأنهم لا يتورعون عن الغش والكذب والتضليل ].
إلى الآن هذا مبدؤهم، الغش .. تعرفون الغش أم لا؟ يريك صورة وهي خلاف ذلك، يقول الكلمة وهو يريد خلافها.
[ ثالثاً: ذم الحسد والبخل ].
أو يجوز الحسد والبخل؟ البخل والعياذ بالله من أسوأ الأخلاق، والحسد من شرها، الحسود لا يسود، والمجتمع الإسلامي إن شئت قل واحلف: (75%) يحسدون! في الحكم في العمل في الوظيفة، في التجارة في كذا، في العلم في المعرفة، لا إله إلا الله! مظاهر هذا ملموسة معروفة، الحسد والبخل لا تسأل!
[رابعاً: إيمان بعض اليهود بالإسلام وكفر أكثرهم مع علمهم بصحة الإسلام ووجوب الإيمان به والدخول فيه ].
فالذين آمنوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عدد محدود، والذين آمنوا بعده، وإلى اليوم قد يدخل اليهودي، لكن عددهم من حيث هم أمة صغيرة قليلة، والذين أسلموا أقل القليل، ولم كفروا؟ لجهلهم؟ لا، لمعرفتهم؟ لا تدخلوا في الإسلام تذهب دولتكم وآمالكم، فابقوا على ما أنتم عليه، والله عز وجل أذلهم وأخزاهم ولعنهم وطردهم، وسوف يسلط المسلمين عليهم وهي النهاية الأخيرة، ما ندري متى؟ لو لاحت الآن في الآفاق الآيات لقلنا: المسلمون ما زالوا في وقت يستطيعون أن يبايعوا إماماً لهم، ويدينون بالطاعة من أقصى الشرق إلى الغرب، ويخطب الخطبة ويسمعها الرجل والمرأة وفي العرب والعجم في ساعة واحدة، عجب هذا! ولكن نترك الأمر لله عز وجل، ما في فرصة تجمع المؤمنين وتوحد كلمتهم وصفوفهم كهذه الأيام، كانوا إذا أرادوا أن يبايعوا الرسول من أقصى الهند وإلى الأندلس يحتاجون إلى شهرين ثلاثة، أليس كذلك؟ الآن أقصى البلاد تصل إلى المدينة في يوم واحد.. في نصف يوم، لو يجتمع المسئولون في الروضة وينظرون من يبايعونه؟ بايعنا فلاناً إماماً للمسلمين، ما الذي يصيبهم؟ قولوا لي؟ يمرضون، يصابون بالهزال، لماذا؟ لا شيء إلا أنهم رجوا العالم وهزوه، أربعين يوماً والدستور الإسلامي بين أيديهم في يد كل قاضي في العالم الإسلامي، يطبقه كما هو، ولكن نقول: هي الذنوب، ذنوبنا هي المانعة لنا، الحاجبة لنا عن هذا النور.
والله تعالى أسأل أن يتوب علينا إنه تواب رحيم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر