وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!
إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). الحمد لله على إفضاله، الحمد لله على إنعامه، الحمد لله أن وفقنا لهذا الإنعام والإفضال.
وها نحن مع سورة النساء ومع آية الحقوق العشرة، وقد سبق أن تحدثنا: بأن هذه الآية تعرف عند أهل العلم من سلف هذه الأمة الصالح بآية الحقوق العشرة، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].
هذه الآية احفظوها يا معشر المؤمنين والمؤمنات، يا من لم يكن قد حفظها من قبل، وصلوا بها النوافل؛ لتكفيك أن تقوم الليل كله بها، تقرأ بها في الفرائض؛ لأنك كلما قرأتها ذكرت الله والحقوق الواجبة عليك، وهذه الذكرى نعم الذكرى، وبإمكان أي أميٍّ أن يحفظها، يجلس في طرف المسجد في وقت ما، ويقول لأخيه: من فضلك حفظني هذه الآية، يتلو عليه كلمة بكلمة إلى أن يحفظ.
أمرنا أولاً: أن نعبده وذلك بطاعته فيما يأمر بفعله، وبترك ما ينهى عنه، ولا بد من معرفة أوامر الله ونواهيه لا محالة، ما هناك أبداً طريق إلا أن نعرف ما أمر الله به وما نهى عنه؛ فإن لم نجد في قريتنا من يعرف أوامر الله أو نواهيه نرحل إلى قرية أخرى؛ إذ الهجرة لطلب العلم واجبة، لا يحل لمؤمن أن يقيم بدار لا يجد من يسأله عن أمر أو نهي، يجب أن يخرج من هذا البلد؛ لأن أمر الله هذا لا يتحقق إلا بالعلم.
وَاعْبُدُوا اللَّهَ [النساء:36]، قلت: نعم مستعد أن أعبد ربي، كيف وقد خلقني ورزقني، وإليه مصيري؟! أعبده ولكن بأي شيء، ما علمت؟ فيعلمك العالم أوامر الله، كالصلاة، الزكاة، بر الوالدين، الإحسان، المعروف، الحج، الرباط، الصدقات، ذكر الله، التسبيح، ويعلمك منهياته وما نهى عنه من الكذب والشرك والكفر والزنا والربا والغش والخداع وأذية المؤمنين.. وهذا كله في كتابه وبيانات رسوله صلى الله عليه وسلم، أما أن يعيش المرء خمسين أو ستين سنة لا يعرف أمراً من أوامر الله ولا نهياً من نواهيه، كيف يعبده؟ مستحيل، ما أطاع الله.
وسر هذه العبادة أنها السلم الذي تصعد عليه إلى الملكوت الأعلى، إن رأيت فيها صعوبة، مشقة، شدة.. كيف أعرف أوامر الله؟ كيف أعرف نواهيه؟ لن تكون في الصعوبة كأن تريد أن تخترق السبع السماوات وتنزل بالفراديس العلا، أيهما أصعب؟ أوما أنت راج ولا طامع أن تنزل الجنة؟ أعوذ بالله.
فما دام أملك الوحيد هو أن يرضى عنك مولاك ويرفعك إليه، إذاً فهذه الأوامر إلا إذا عجزت، أما وأنت قادر عليها ما تتردد أبداً، أما النواهي لا خير في فعلها، ما هو إلا الإثم والوسخ والهبوط والسقوط، ما فيه كلفة، عش خمسين سنة ما تكذب كذبة، يلزمك شيء؟
وَاعْبُدُوا اللَّهَ [النساء:36] أولاً، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] ثانياً، وهذا معنى لا إله إلا الله.
ما تفسير لا إله إلا الله؟ اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً.
إذاً: يا معاشر المؤمنين والمؤمنات يجب أن نعرف بم نطيع الله عز وجل؛ حتى نعبده بذلك، نعرف ما أحل الله وما حرم، ما أمر به وأوجب حتى يتأتى لنا أن نعبده، نسأل أهل العلم، والله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].
وسر هذه العبادة هو الطهر، الصفاء، العز، الكرامة، وأخيراً: رضوان الله، والنزول مع الأبرار، ما هي مجانية بدون مقابل.
أولاً: قوله: (لا تشركوا به) أي: بالله، (شيئاً): من الشرك أو الشركاء.
كيف نعرف هذا؟
اسمعوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) هذه كلمة رسول الله أو كلمة صحابي؟ كلمة رسول الله، الرسول الذي ما سئل عن كبائر الإثم والذنوب إلا ذكر الشرك أولاً، تذكرون عبد الله بن مسعود وقف في آخر الحلقة وأراد أن يعلم: أي الذنب أعظم عند الله يا رسول الله؟ فقال: ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك )، الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب عبد الله بن مسعود أو لا؟ ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفارقه، ما قال: هذا ما يقع منه شيء من الشرك: ( أن تجعل لله نداً وهو خلقك )، وفي جلسة من الجلسات عاصرناها وعايشناها، فقال: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ) (ألا): انتبهوا، اسمعوا، أنتم حاضروا العقول والأحاسيس؟ ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الشرك بالله ) وهو يخاطب من؟ أبا جهل وعقبة بن أبي معيط ؟ يخاطب أبا بكر وعمر وعثمان ، لم؟ لأن الشرك يوقع فيه إبليس، أقسم لله بعزته ألا يفتر وأنه سيعمل حتى يطغينا كلنا.
وقال في جلسة أخرى: ( اجتنوا السبع الموبقات، قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله ) خائف على أصحابه أن يشركوا أو لا؟ أو قال: هؤلاء معصومون علماء لن يقعوا فيه.
وقال: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) أحب أم كره.
( من حلف بغير الله ) ما غير الله؟ كل الخلق: حلف برأسه، بأبيه، بالصلة التي بينه، بفلان، بفلان.. والعوام يحلفون حتى بالطعام، يقول: والملح الذي أكلناه، ما تركوا شيئاً إلا حلفوا به، لا تلمهم يا شيخ، من علمهم؟ من عرفهم؟
قرون والأمة تائهة، هذا هو السر، وإلا كيف يعرف مؤمن يرجو الله والدار الآخرة أن من حلف بغير الله فقد أشرك، ثم يحلف بغير الله؟ والله لو يذبح ما يرضى أن يكفر بعد إيمانه، لكن لعب الثالوث لعبته وأهبطنا إلى الأرض وأبعدنا من كل سلالم الرقي والصعود والقرآن أبعده على الموتى، والسنة تقرأ على البركة، واتركوا أمة الإسلام تتخبط في حيرتها.
وقال له أحد أصحابه: (ما شاء الله وشئت يا رسول الله)، بأدب، بظرف وتلطف! قال: ( قل: ما شاء الله وحده، ما زدت أن جعلتني لله نداً؟ ) شريكاً له، قل: ما شاء الله وحده، مع هذه نقول: إيش فيه إذا كان انحنى أو ركع أمام سيدي فلان!!
ثانياً: الذين يحلفون بأصحابها، الذين يستغيثون بهم، الذين يسألونهم الحاجات، الذين يتوسلون بهم إلى الله.. هؤلاء يعملون الشرك الواضح الصريح الذي لا لبس فيه، فوالله لو كانوا عالمين كما نعلم الآن وتعمدوه ما ذاقوا طعم الإيمان ولا دخلوا الجنة مع المؤمنين، لكن لما كانوا جهلاء ما علموهم وما عرفوا، نترك أمرهم إلى الله، أما لو كان أحدهم علم كما علمنا أن من الشرك أن تدعو فلاناً: يا سيدي افعل بي كذا وكذا، أو تسوق له بقرتك أو شاتك وتذبحها له، وعرف أن هذا من الشرك، وعمله متعمداً فهو آيس من دخول الجنة، اللهم إلا إذا تاب قبل موته.
واسمعوا وتأكدوا من قول الله عز وجل وهو يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ [الزمر:65]. وعيسى قال عيسى لبني إسرائيل: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72] من قال هذه الكلمة؟ هذا عيسى ابن مريم، من سجلها لنا؟ الله رب العالمين آية من سورة المائدة، حرم الله عليه الجنة وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ [الزمر:65] وهذه (لئن) تعرفونها، وعزتنا وجلالنا لئن أشركت يا رسولنا لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].
وإن كان يقول أهل العلم: إن هذا من باب إياك أعني واسمعي يا جارة، بمعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم هيهات هيهات أن يشرك، والله عاصمه، لكن إذا كان رسولنا يوجه إليه هذا الخطاب ماذا نصنع نحن؟ نذوب، ما يبقى لنا عذر أبداً.
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] وحبوط العمل هبوطه وبطلانه، لو تعبد الله تسعين سنة، وآخر يوم تقول: يا سيدي فلان! المدد، الغوث، أنا خادمك. ومت، ما أعطيت حسنة واحدة، على عبادة تسعين سنة؛ لأنها انمحت، وذهب أثرها.
قالت العلماء: إليكم هذا المثل: توضأت وأحسنت الوضوء على أتمه، ثم وأنت ذاهب إلى المسجد فسوت أو ضرطت، أيبقى وضوء؟ كيف ما يبقى؟ أنا توضأت وغسلت يدي ووجهي وكذا، والآن تقولون انتقض؟ إي نعم، حبط، كذلك تعبد الله ثم تقول كلمة الكفر أو الشرك يبطل كل عمل، استأنف العمل من جديد.
إذاً: الشرك في عبادة الله عز وجل هو أنك تعبد غيره بعبادته.
هذا الدعاء سؤال غير الله عز وجل الحاجة، وقلت لكم بالأمس: إذا كان الذي تسأله يسمعك ويراك ويقدر على أن يعطيك، لا بأس اسأله جائز، أما أن يكون لا يسمع نداءك، ولا يرى مكانك، ولا يقو على إعطائك؛ فسؤاله عبث، باطل، لهو، قل ما شئت وأضف إلى ذلك أنه الشرك والكفر.
وقد ضربت لكم مثلاً، تمر برجل واقف أمام خربة، ما بها سكان أبداً، ما فيها إلا الكلاب والقطط، وهو واقف أمام الخربة: يا أهل البيت! يا أصحاب الدار! أخوكم جائع، إذا مررت به تسكت أو تعلمه؟
تعلمه تقول: يا عبد الله ما في البيت أحد، هذا خرب ما يسمعك أحد، ما يمد يده إليك أحد، امش إلى البيت الفلاني، فالذي يدعو رسول الله، فاطمة ، الحسين -أشرف الخلق- يدعو البدوي ، فلان، فلان، فلان.. هل يسمعونهم؟ والله ما يسمعونهم، هل يعلمون أين هم موجودون؟ والله ما يعلمون، هل يقدرون على أن يعطوهم؟ والله ما يقدرون.
إذاً: لم نسألهم؟ فقط دعاني إبليس نستجيب له فقط! أما الفائدة معدومة، فدعاء غير الله ومنه الاستغاثة والاستعاذة -طلب الغوث أو طلب الحفظ- كل هذا من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، ألا وهو الشرك في عبادة الله تعالى.
ونبهنا إلى الانحناء، لا تنحن تعظيماً لشخص من الأشخاص، ولا تركع ولا تسجد أبداً، إنما ذلك لله، والجهال إذا أتوا الضريح يركعون، وبعضهم يسجد، ما علموا، ما عرفوا.. لم ما نعلمهم؟ ما يريدون، كيف ما يريدون؟ نعم.
إخواننا الروافض هل هم الآن بيننا يتعلمون؟ لماذا ما يحضرون ويتعلمون؟ ويبقون على الضلالات والجهالات التي لا يقرها القرآن ولا السنة بحال من الأحوال، ونحن في أسف وحزن وألم وهم لا يحضرون، من يلومنا إذاً؟ كذلك عامة المسلمين في قراهم، في مدنهم ما يريدون أن يتعلموا، ما قرعوا أبواب العلماء، ولا طالبوهم بأن يبينوا لهم، يجلس العالم في مسجده، يجلس حوله عشرة أو عشرون ، أين القرية ذات العشرين ألفاً، أين هم؟ كيف يتعلمون؟
تنبيه: تقبيل اليد ليس من الشرك هذا أبداً، ولا قال به أحد.
أقول: معاشر المستمعين: القباب، الأضرحة، المزارات هذه مظاهر الشرك في أمة الإسلام لما جهلت وهبطت.
فلننبه إخواننا المؤمنين والمؤمنات، إلى أن يعتزلوا هذه المقامات، وأن يبتعدوا عنها.
ثانياً: ألا يدعو غير الله بدعوى أبداً، ولا يستعيذوا بغير الله أدنى استعاذة، ولا يتحصن بغير الله بأدنى تحصن.. ما لنا إلا الله فقط، به نحلف، وحده ندعو، به نستغيث، به نستعيذ، ليس لنا إلا هو؛ إذ هو معنا يسمعنا ويرانا، ويقدر على إعطائنا، وعلى منعنا، وهو على كل شيء قدير، وكل ما عندنا هو منه وعطاؤه، أما غير الله فدعاؤه، سؤاله، الاستغاثة به، الاستعاذة به.. هو الشرك الأعظم الأكبر، أما الانحناء والركوع والسجود فهذا شر منه أيضاً.
وقد ذكرت لكم لما جاء أشخاص تعودوا في الشام على أن يسجدوا لأمرائهم أو علمائهم نهاهم وقال: ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لما له عليها من الحقوق، ولكن لا سجود إلا لله )، والركوع والسجود بمعنى واحد.
يقولون: سيدي فلان القطب الفلاني، ما قصة الأبدال والبدلاء؟
حدثني شيخي رحمة الله عليه ذبحوه، طالب بالحكم الإسلامي عقب الاستقلال ذبحوه مع غيره.
يقول هذه فذلكة ولكن لا بأس بها تطيب مجلسكم أو لا؟ ثم تبقى في نفوسكم، يقول لي: كان رجل من أهل القرية والظلام كما تعلمون في الزمان الأول ما في كهرباء. فمر بمسجد وإذا به يسمع الكلام الأخذ والعطاء، نفعل كذا وكذا.. ففهم أن هؤلاء التجار جاءوا من قرية أخرى إلى الأسواق، وهم يتحاسبون على الأموال وماذا يفعلون، فقال إذاً: لأبيتنهم الليلة الآتية، نمكر بهم ونقتلهم ونأخذ أموالهم، لص والدنيا كلها لصوص إلا من شاء الله.
فجاء صلى العشاء مع الناس، ولما خرج أهل القرية لف حصيراً -أيام الحصر- ووقف فيها وهي ملفوف فيها، وهي مع الحائط، فجاء الأبدال، أخذوا بالكلام إذا مات القطب الفلاني من تعينون بدله، قال: نعين فلاناً، وإذا مات قطب الشام من تولون؟ من تنصبون بدله؟ قالوا: قطب العراق.. فلان فلان فلان، واختلفوا في قطب من يستبدلونه به من الأبدال، لما اختلفوا قال لهم أحدهم: اجعلوا هذا الذي في الحصير، عينوه، تعال اخرج أنت أمسيت قطباً الليلة، لما يسمع هذا آباؤنا: سبحان الله! دخل لصاً خرج قطباً، ويبكون من الخشوع.
لا إله إلا الله!
الأبدال: هم الذين يديرون دفة الكون، من أهلهم؟ الله.
إذاً فمهمة الأبدال إغناء فلان، إفقار فلان، تبديل فلان، إعطاء الولد لفلان.. وهكذا، فجعلوهم آلهة متعددة وسلبوا الله ربوبيته، فهؤلاء بمنزلة الأرباب، والذي يعتقد هذا أشرك في ربوبية الله غير الله؛ لأن الذي يعز ويذل ويميت ويحيي ويعطي ويمنع ليس إلا الله، فمن اعتقد أن قطباً أو بدلاً يفعل هذا فقط جعل لله شركاء في ربوبيته
شرك الربوبية: اعتقادك أن إنسان كائناً من كان يعطي ويمنع، ويضر وينفع، ويحيي ويميت، ويدير الكون.. هو الشرك في ربوبية الله، والعرب على جاهليتهم ما أشركوا هذا الشرك، وإليكم استنطاقات ربنا لهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف:9]، كذا أو لا؟ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31].
أعيد هذه الآية من سورة يونس أو لا؟ قل لهم يا رسولنا وهم يعبدون الآلهة: من يرزقكم من السماء والأرض؟ من يملك السمع والأبصار؟ من يخرج الحي من الميت؟ ومن يدبر الأمر؟
فسيقولون: الله، إذاً: اعبدوا الله واتركوا اللات والعزى.
في آيات عديدة العرب في الجاهلية موحدون في ربوبية الله، ما يعتقدون من يخلق ذبابة مع الله أبداً، ولكن عبدوا الأصنام والتماثيل عبارة عن وسائل يتوسلون بها، فذبحوا لها، وأقسموا بها، وطافوا حولها.. كما فعلنا نحن والعياذ بالله.
تذكرون هذا البيت من الشعر؟
رب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب
هذا البيت لمشرك أحضر له صنماً يعبده في شعب من شعاب المنطقة -الشعاب بين وادي وجبال- قبل ما يقضي حاجته يتوسل به هو؛ إذ كان لكل واحد إلهاً حتى في خيمته، فجاء يوماً ليزوره لا ليعبده، فوجد ثعلباً قد رفع رجله ووضعها على كتف الصنم ويبول عليه؛ لأن الذئاب والكلاب إذا بالوا كيف يبولون؟ لا بد أن يرفع رجله، أين يضعها؟ أعلى شيء، فلما نظر إليه والثعلب يبول عليه، قال:
أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب
ولم يرجع إليه أبداً، فطن ذكي، رب يخلق ويرزق ويعطي ويحيي ويميت ويبول الثعلب على رأسه؟! هذا ما هو معقول أبداً.. لقد ذل من بالت عليه الثعالب، وتركه إلى الأبد.
إذاً: الشرك في الربوبية كان في العرب نادراً، ولكن جاء غلاة المتصوفة والزنادقة، وغلاة التحريف والتبديل، وإحباط هذه الأمة؛ فأوجدوا الأقطاب والبدلاء، والأوتاد، وادعوا أنهم يتصرفون في الكون بإذن الله، قد يقولون لك: إن الله أذن لهم؟ أين إذن الله إذاً؟ تكذبون على الله؟ فالذي يعتقد أن فلان يعطي، يمنع، يميت، يحيي.. فقد أشرك في ربوبية الله عز وجل.
وقضية الخضر مع موسى واضحة، أليس كذلك؟ خرق السفينة وقتل الولد وجدد البناء؛ لما أعلمه الله تعالى من العاقبة. أقول: ادع الله، وأخلص الدعاء، واطمئن إلى أن الله يجيب دعوتك، إن كان ما طلبته فيه خير لك أعطاك، وإن كان ما فيه خير لك بل فيه أذى وشر ما يغشك مولاك ولا يعطيك ذلك الطلب، ماذا يفعل؟ إن كان هناك مكروه نازل يدفعه بذلك الدعاء، ما في مكروه نازل يرفعك درجات ما كنت لتصلها بصيامك ولا صلاتك، لقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، ولكن احذر شرك العبادة تغيظ ربك وتغضبه عليك، يا ألله ويا رسول الله! يا رب ويا سيدي عبد القادر! يا ألله ويا رجال البلاد! تغيظ الله أو لا؟ خلقهم ليعبدوا معه مخلوقين له! كيف تدعوهم معه وتشركهم مع الله؟ هذه الكلمات المنتنة العفنة عاشت عليها أمة الإسلام قرابة ألف سنة، قل من يقول: يا رب! لا بد يا الله ويا سيدي فلان!
معشر الأبناء أنتم أحداث ما بلغكم، اسألوا أصحاب اللحى البيضاء يخبرونك بالواقع، قل من يقول: يا ألله فقط، لا بد معه آخر، ومع هذا المؤمن يؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، وإذا نزل وسقط نعله: يا رسول الله! أنت كنت تعلن عن التوحيد أو لا؟
وعلة ذلك: أنهم ما علموا، ما عرفوا، ورثوا الجهالات وسهلها العدو، وزاد في رغبتها إليهم؛ ففعلوها وهم لا يعلمون، أما من علم لو تذبحني أنا سبعين ذبحة على أن أسأل غير الله والله ما سألت؟
وأستثني من الجائز لو يجيء شخص يضع المسدس في عنقي أو في صدري: هاه.. قل يا عبد القادر أو نقتلك، ممكن إذا خفت من الموت أقولها بلساني وقلبي ما هو مطمئن إليها، هذه رخصة جائزة، لكن إن شاء الله ما نأخذ بها، لكن لو أخذنا بها لقول الله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106].
عمار بن ياسر رضوان الله عليه ابن سمية الشهيدة، وياسر ، يمر به الرسول في مكة عند الصفا وهو يعذب بأنواع التعذيب، والرسول ما يملك شيئاً، فيقول له: أعطهم يا عمار .. أعطهم يا عمار ؛ لأنهم يقولون: سب محمداً، ماذا يصنع؟ تعظم آلهتنا وتقدسها أو لا؟ فإن قال: لا. يصفعونه بالصخر على رأسه، فقال: أعطهم يا عمار ، هذه الحالة الصعبة حالة الموت يجوز للمؤمن أن يدفع هذا الشر بلسانه؛ إذ قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ على قولة الكفر وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ [النحل:106]ساكن، هادئ، واثق بإيمانه.
شرك الأسماء والصفات أقول: لا يصح ولا يجوز أن تسمي ولدك الله، ومن فعل كفر، ولد له مولود، ماذا نسميه؟ قال: سموه الله، يجوز؟ يشرك في أسماء الله عز وجل؟ ما يجوز، وصفات الله عز وجل أن تضفى للمخلوقين وتعطونها ويرتفعون بها، هذا الشرك لا يقره الله ولا يقبله المؤمنون، ورسولنا من قبل رفضه ولم يقبله، أبداً، أسماء الله وصفاته لا يتصف بها مخلوق، ولا يسمى بها مخلوق.
العزى: تحريف العزيز، اللات تحريف عن الله؛ فحرف العرب أسماء الله عز وجل؛ فنزل القرآن فأدبهم وأبطل تلك الترهات والأباطيل، العزيز الله، ما هي اللات ولا العزى.
والشاهد عندنا في من يقول: فلان إذا نظر إليك عرف ما في قلبك! من هو الذي يعلم ما في قلبك؟
الله، فإذا قلنا: فلان من أقطابنا من أولياء الله، إذا وقفت أمامه قال كذا وكذا، أشركوا صفة الله العليم للغيب بهذا الشخص الذي يعلم الغيب، وهذا أيضاً شاع وذاع بين المسلمين، ينسبون إلى الأولياء علم الغيب، وقد استأثر الله به وحده إن الغيب إلا لله، قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65].
تنبيه: الاسم الأعظم أخفاه الله عز وجل حتى لا تستغن به عن أسمائه وتهجرها، كما أخفى تعالى ساعة يوم الجمعة، لو علمها لكان الناس كلهم لا يصلون إلا تلك الصلاة فجعلها عامة، ليلة القدر بألف سنة لو عينها وتعينت ما عبد الناس الله في رمضان إلا تلك الليلة، ويدلك على هذا خارج بلادك أو في بلادك، لا يجتمعون إلا ليلة سبعة وعشرين، يجيء الحاكم والضباط والدنيا يعبدون الله في رمضان ليلة سبعة وعشرين، رجاء أنها ليلة القدر، باقي الليالي في المقاهي.
فأنت تعرف أن الله هو لاسم الأعظم بحيث لا يسمى به مخلوق أبداناً ولا تذكر إلا أول الأسماء: يا الله، يا عليم، يا حكيم.. ما تقول: يا لطيف، يا خبير يا الله أبداً، هو الأول، وادعوا الله بأسمائه كلها إذ قال تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] اسألوه بها.
الله، بم استوجبه؟ من لم يعرف الليلة يبيت يبكي خير له، بم استوجب الله هذا الحق بأن يعبد وحده ولا يشرك به، بم استوجب هذا الحق؟ بالهراوة يعني؟ لأنه خلقك ورزقك وخلق الدنيا كلها من أجلك، وخلق الجنة والنار لك ومن أجلك، صاحب هذا الإنعام، هذا الإكرام، هذا الإفضال، ما له حق عليك؟ يكفي أنه وهبك عقلك، فالله استحق هذا الحق بماذا؟ بخلقه ورزقه وتدبيره، فلهذا الكافر شر البرية.
دائماً نقول: إن اليهودي، المسيحي، البوذي، الملحد، المشرك، العلماني، القردة والخنازير والكلاب والحيات أفضل منهم، يعجب الناس، لم؟ أما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: كفروا الله ورسوله وشرعه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] البريئة ما هي؟ الخليقة، برأ إذا خلق، وإن قرأت البرية أدغمت الهمزة حولتها إلى ياء وأدغمتها، من شر الخليقة؟ الذئاب، الكلاب؟ لا والله، الكفار والمشركين.
يا شيخ! كيف تقول؟ أنا قلت أم ربي الذي قال؟ الله. قل: بين لي وجه هذا؟ نعم. أبين لك، الكلاب والذئاب والقردة والخنازير والحيات والثعالب ما عصت الله ما خلقها له فهي تفعله بانتظام، ما أشركت به ولا أنكرته أبداً، وهذا الذي خلقك وفضلك وآثرك على غيرك وسودك وأعطاك وأعطاك تكفره وتغطيه وتجحده وتسبه أيضاً وتكفر به، أو تجعل له تماثيل وأصناماً تقارنهم به؟ أي ظلم أعظم من هذا؟ فهذا شر الخليقة، لو بلغنا هذا اليهود والنصارى بعلم لبكوا ودخلوا في الإسلام.
من شر البرية؟ الكفار والمشركون، وجه الشر ما هو؟ أيخلقهم خالق ويرزقهم رازق ويربيهم مربي عليم حكيم رحيم ويجحدونه ويتنكرون له! ولا يقبلون عليه ولا يرفعون أيديهم إليه، ويدعون إليه فيسخرون من الدعاء، ويقاتلونهم ويقتلونهم أليسوا شر الخلق؟ بلى.
السر: عرفنا الآن لم حق الله؟ لأنه خلق أو لا؟ وربى أو لا؟ وأغدق النعيم أو لا؟ والوالدان ما هو السبب فقط، أنت دمهما، أمك ما نمت في بطنها؟ دمها ولحمها وكلها أخذته أنت لما ولدتك، ربتك بالطعام والشراب، وأبوك كذلك، سنتين ثلاث أربع، هذا إحسان أو لا؟ هذا إحسان يقابل إحسانه وهو تقريب منه، فلهذا إحسانك للوالدين بعد حق رب العالمين.
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36] وتقدير الكلام: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأحسنوا بالوالدين إحساناً خاصاً، ما قال: وأحسنوا إلى الوالدين، استنبطنا منها معنى لطيف، خذ كأس اللبن واجعله في فم أبيك لا تضعه هناك وتقول له: خذ واشرب، إذا تريد أن تصل، قال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36] وأحسنوا بهم ما قال: أحسنوا إليهم، أخرجت الألف ريال والخمسمائة طلبة ما ترميها قدامه وتقل له: خذها، عيب هذا، ضعها في كفه أو في جيبه، وعلى هذا فقيسوا.
ما قال: وإلى الوالدين إحساناً، قال: وبالوالدين، صل إحسانك به ما تفصله عنه، ومن هذا الإحسان أدنى ما عندنا إذا مشيت مع أبيك ما تمشي أمامه، سمعت؟ وإذا كنت طويلاً وهو قصير ما تمشي إلى جنبه، امش وراءه.
الخلاصة: أن تبذل المعروف له، وأن تكف الأذى عنه.
خطوتان: الخطوة الأولى: أن تبذل وتعطيه ما يحتاج من معروف في حدود طاقتك، والثانية: أن ترفع الأذى عنه ولا كلمة أف أبداً مقابل الإنعام إن كنت ذا بصيرة ووعي وقلب سليم، اذكر فقط حملك في بطن أمك، اذكر تربيتك، اذكر ما أغدقه والدك عليك وعلى أمك، واذكر واذكر.. تستحي، تخجل أن تتعرض لهم بسوء.
الإحسان بالوالدين إيصال المعروف إليهم، والمعروف كل خير، وكف الأذى عنهما، أدنى أذى إياك، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ بماذا؟ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، هو وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] هي هي الآية أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14] آية سورة لقمان: أَنِ اشْكُرْ لِي ثم لمن؟ وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14] وهكذا ما ذكر تعالى حقه في العبادة والطاعة إلا ذكر حق الوالدين، فلنذكر هذا ولنعود إليه غداً إن شاء الله.
وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر