أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع آخر سورة الأنعام وخاتمتها، تلكم السورة المكية التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، تلك السورة التي قررت أعظم قواعد الشرع ألا وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن لا شارع ولا مشرع إلا الله، إذ هو الذي يحلل ويحرم
وما عداه فلا حق له في ذلك، وأخيراً عقيدة البعث الآخر والجزاء على الكسب في هذه الحياة.
فلنستمع إلى تلاوة هذه الآيات المباركة، ثم نأخذ في شرحها وبيان ما فيها بإذن الله عز وجل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:161-165]. سبحانك لا إله إلا أنت. آمنت بالله.. آمنت بالله.. آمنت بالله.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الآيات الخمس هي أنوار الله عز وجل، من لم ير بها ما ينفعه ولا يضره فهو كالأعمى الذي لا يبصر، فيا ويحنا لأننا صرفنا عن القرآن وتدبره وتفكره، وعن الاجتماع عليه؛ لنتدبر ونتفكر، فهيا نستعرض عرضاً سريعاً هذه الآيات الخمس.
أعلمهم أنك هداك الله إلى صراطه المستقيم، ألا وهو الدين الإسلامي، وصفه بقوله: دِينًا قِيَمًا [الأنعام:161]، أي: مستقيماً لا اعوجاج فيه -والله- لا في عقائده ولا في عباداته، ولا في آدابه ولا أخلاقه، ولا قوانينه ولا أحكام وشرائعه، وهو أيضاً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [الأنعام:161]، دين إبراهيم الخليل. وإبراهيم محبوب من سائر الملل، من اليهود والنصارى وغيرهم، الرسول صلى الله عليه وسلم هداه ربه إلى دين إبراهيم، إلى مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [الأنعام:161]، أي: مائلاً عن الباطل إلى الحق، وعن الشرك إلى التوحيد، وعن الضلال إلى الهداية.
ففي هذه الآية أسكت الله المشركين من العرب واليهود والنصارى وغيرهم، أعلمهم أن محمداً هداه الله إلى دين الإسلام، الذي هو دين إبراهيم وملته عليه السلام، وإبراهيم ما كان مشركاً ولا يميل إلى الشرك والباطل، بل كان حنيفاً مسلماً.
فتأملوا هذه الآية: قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا [الأنعام:161]، أي: مستقيماً، مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [الأنعام:161]، أي: دين إبراهيم، حَنِيفًا [الأنعام:161]، مائلاً عن الباطل إلى الحق، وعن الشرك إلى التوحيد، وعن الضلال إلى الهداية. وَمَا كَانَ [الأنعام:161]، أي: إبراهيم عليه السلام، مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:161]، فلم تنتسبون إليه وأنتم تشركون بالله غير الله؟
إذاً: صلاتي ونسكي وعبادتي وما آتيه وما أفعله في حياتي وبعد موتي من الأوقاف أو الصدقات الجارية أو ما إلى ذلك كله لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، كل مؤمن يجب أن يعلم أنه وقف على الله، بمعنى: لا ينام إلا من أجل الله، ولا يستيقظ إلا من أجل الله، ولا يبيع ولا يشتري إلا من أجل الله، لا يتزوج ولا يطلق إلا من أجل الله، لا يكتسي ويلبس إلا من أجل الله؛ إذ هو وقف على الله، يكفي قوله: وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي [الأنعام:162]، أي: حياتي وموتي لله، فما الذي يخرج؟ لا شيء، لو كنا واعين بصراء لعرفنا أننا موقوفون على الله عز وجل، كل أعمالنا لله، كل حياتنا ومماتنا لله عز وجل.
إذاً: فلا نلتفت إلى غير الله، نبيع ونشتري، نبني ونهدم من أجل الله، فمن هنا لا نخرج عن محاب الله أبداً ولا نقع في مكارهه كذلك؛ لأننا وقف على الله، ورسول الله أسوتنا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، أي: قدوة فاقتدوا به، إذاً: كل مؤمن له أن يعلن هذا للملأ: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ [الأنعام:162-163]، أي: أمرني ربي، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163] قلوبهم ووجوهم لله، هذه هي الحقيقة المجهولة، أنك وقف على الله، لا تأكل ولا تشرب إلا من أجل الله، وإن قلت: كيف؟ قلنا: كل باسم الله؛ من أجل تعبد الله، اشرب باسم الله؛ من أجل أن تعبد الله، ازرع أو احرث أو احصد، فما هي نيتك؟ ما مرادك؟ ماذا تريد؟ تريد سمعة وشهرة ومالاً أم تريد أن تعبد الله؟ هذه الحقيقة المجهولة ولم يعلمها إلا واحد في المليون، مع أنها واضحة صريحة، يأمر الله تعالى رسوله أن يعلن للبشر كلهم: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163] في ذلك، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ [الأنعام:163]، أنا أمرني ربي بهذا، وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163]، فلو دعي ونودي: من يسلم؟ فأنت تقول: أنا أول من يسلم. ورسول الله كان أول من أسلم.
ينكر عليهم نظريتهم الباطلة، أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:164]، وأنا شيء، فكيف أعبد غيره؟ فكيف أقول: ربي كذا أو كذا أو كذا غير الله عز وجل؟ وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:164] كائن معلوم مسموع مشاهد أو غيب. وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا [الأنعام:164]، حقيقة بعد حقيقة، ينكر عليهم فيقول: أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا [الأنعام:164]، مستحيل! كيف نفعل هذا؟! وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:164]، كل شيء أنتم تعبدونه وتعتقدونه رباً فالله هو ربه، أي: خالقه ومالكه ومدبره والمتصرف فيه، فكيف يوجد معبود غير الله؟ كيف يتصور وجود من يعبد غير الله والله هو ربه ومالكه وخالقه ومعطيه ومانعه؟ فلم يبق إلا حقيقة: لا إله إلا الله، فلا يعبد إلا هو الله عز وجل.
ثانياً: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، أي: ولا تحمل نفس مذنبة ذنب أخرى أبداً.
وهكذا يقول تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] أيضاً، ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ [الأنعام:164]، مرة أخرى، فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [الأنعام:164]، وهل الناس اليوم مختلفون؟ لا تسأل، يختلفون في الحق والباطل والخير والشر، والفهوم، ولكن الاختلاف كله إثم وذنب ومذموم، الموحدون عباد الله لا يختلفون أبداً، ولكن يختلف الضلال والمشركون والكافرون، أما المؤمنون الموحدون العالمون بربهم وبشرعه وبما جاء به رسوله فلا يختلفون أبداً، إن اختلفوا ينتهي الخلاف في ساعته لا يدوم أبداً ولا يكون وصفاً لهم لازماً.
ثم قال تعالى: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [الأنعام:165]، أيضاً، هل البشرية دائماً مستوى واحد في أي قرن، في أي بلد، في أي مكان؟ لا بد من الاختلاف، هذا غني وهذا فقير، هذا صحيح وهذا مريض، هذا عالم وهذا جاهل، وهكذا في كل شئون الحياة.
فسبحانه لا إله إلا هو، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [الأنعام:165] متفاوتة في الجمال، في الحسن، في الأدب، في كل جزئيات الحياة، من فعل هذا سوى الله؟ ولماذا؟ قال: لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام:165]، لماذا فضل بعضكم على بعض، وفاضل بينكم؟ ما الحكمة؟ ما السر؟ لماذا فعل هذا؟ قال: من أجل الابتلاء، أي: الامتحان والاختبار فيما آتاكم من صحة أيها الأصحاء، من مرض أيها المرضى، من علم أيها العلماء، من جهل أيها الجهال، من غنى أيها الأغنياء، وهكذا قل ما شئت. لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام:165] ليبلوكم في الذي آتاكم من خير أو شر.
وهنا لطيفة، وهي أن الابتلاء أيضاً في هذه الدنيا يترتب عليه العذاب في الدنيا، فكم من ظالم كسره الله، وكم من معتد انتقم الله منه، وهكذا يتم الجزاء الجزئي في الدنيا، فاضل بيننا ليختبرنا ثم يجزينا في الدنيا أيضاً.
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [الأنعام:165]، لماذا؟ لِيَبْلُوَكُمْ [الأنعام:165]، في أي شيء؟ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام:165]، ما الذي آتانا؟ ما الذي أعطانا؟ أسماعنا، أبصارنا، صحتنا، قلوبنا، نساءنا، أزواجنا، أولادنا،كل ما عندنا مما أعطانا إياه، أليس هو الذي وهبنا هذا؟ بلى.
لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام:165]، وبعد ذلك افهم أن الله سريع الحساب، إذا حاسب أحداً ليجزيه لا تتصور تلك السرعة ولا تعرفها.
إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:165]، لولا هذه الجملة الأخيرة لطارت قلوب المؤمنين، رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ [الأنعام:165]، ومع هذا أيضاً: وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:165]، سريع الحساب والعقاب ومع هذا يغفر لأوليائه ويرحمهم، يغفر لعباده المؤمنين التائبين الراجعين إليه ويرحمهم
يغفر للمؤمنين الموحدين إن زلت أقدامهم وحصلت منهم ذنوب وما تابوا منها، وإن عذبهم يوماً أدخلهم الجنة؛ ليخلدوا فيها؛ لأنه من صفاته أنه الغفور، أي: لذنوب عباده، الرحيم بهم.
ثانياً: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، هذا هو الوقف أم لا؟ كل مؤمن يجب أن يعلم أنه وقف على الله، ما يعمله في هذه الدنيا لله، وما يموت عليه أيضاً لله، إذ حياتنا ومماتنا لله، ويدخل في هذا إذا دعينا للجهاد في سبيل الله أن تكون موتتنا لله عز وجل.
ثالثاً: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:164]، كيف يعقل هذا؟ أغير الله أطلب وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:164]؟ ما يوجد شيء ليس الله ربه، أي: مالكه وخالقه، كيف أتخذ غير الله رباً؟ كيف يعقل هذا؟ قُلْ [الأنعام:164] هكذا بلغهم: أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:164]، هذا أولاً. وثانياً: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا [الأنعام:164]، فالذي أعمله أنا أجزى به، يجزيني ربي به، والذي أنتم تعملونه كذلك، وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، لا أتحمل ذنوبكم أيها المذنبون، ولا أنتم تتحملون ذنبي إن كان لي ذنب.
ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ [الأنعام:164]، المرجع الحقيقي إلى من؟ إلى الله، نموت وتنتهي هذه الحياة، وهي على وشك نهايتها، وإذا بنا خلق جديد بين يدي الله في ساحة فصل القضاء والحكم بين الناس، ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ [الأنعام:164]، التنبيء: الإخبار الدقيق، فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [الأنعام:164]، هذه إشارة إلى أنه لا يجوز الخلاف عندنا نحن، وإن اختلفنا مع اليهود والنصارى والمشركين، حيث أشركوا بالله ونحن وحدنا الله عز وجل، فسقوا عن أمر الله وخرجوا عن طاعته ونحن استقمنا على أمر الله وعبدنا الله عز وجل، أما فيما بيننا فيجب ألا يكون خلاف؛ لأنه عيب ونقص.
الآية الأخيرة: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ [الأنعام:165]، ما معنى: (خَلائِفَ الأَرْضِ)؟ ألست أنا خليفة لأبي؟ وأنت يا إبراهيم خليفة لأبيك أم لا؟ وهكذا خلائف يخلف بعضنا بعضاً، فهل هناك من فعل هذا مع الله؟ هل هناك من ينسب هذا إليه سوى الله؟
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [الأنعام:165] في الجمال، في القبح، في المال، في الفقر، في المرض، في الصحة، في كل مظاهر الحياة الناس متفاوتون، فمن جعلهم هكذا؟ إنه الله تعالى. لماذا فعل بهم هاذا ؟ لِيَبْلُوَكُمْ [الأنعام:165]، العالم يبتلى لماذا ما بين علمه، والجاهل لماذا ما طلب العلم ليعرفه، والفقير لماذا ما سأل ربه، والغني لم لم يتصدق على فقير من عباد الله، وهكذا إننا لمبتلون، واقرءوا: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2].
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [الأنعام:165]، لماذا؟ لِيَبْلُوَكُمْ [الأنعام:165]، أي: ليختبركم، لينجح من نجح ويرسب من رسب، لِيَبْلُوَكُمْ [الأنعام:165]، في ماذا؟ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام:165] فيما أعطاكم، والله ما منا إلا مبتلى: هذا بعلمه، هذا بفقره، هذا بغناه، بجاهه، بعرضه، بكذا.
ثم الختم الأخير: إِنَّ رَبَّكَ [الأنعام:165] أيها السامع سَرِيعُ الْعِقَابِ [الأنعام:165]، إذا امتحن ورسب العبد أخذه عز وجل بسرعة، فكم من ظالمين خرب ديارهم، وكم من معتدين سلط عليهم غيرهم، وكم من مذنبين أصيبوا بكذا وكذا، وكم من صلحاء ربانيين فازوا وسعدوا؛ لأنه سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ [الأنعام:165]، للتائبين، رَحِيمٌ [الأنعام:165] بعباده المؤمنين، فمن رجع إلى الله وعاد إليه ما يتركه أبداً بل يغفر له ويرحمه.
[ أولاً: ملة إبراهيم عليه السلام هي الإسلام ]، لقوله تعالى: هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [الأنعام:161] فملة إبراهيم هي الإسلام.
[ ثانياً: مشروعية قول: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] في القيام للصلاة]، عندما نقوم للصلاة نذكر أنفسنا بها، تتلوها هكذا.
[ ثالثاً: لا يصح طلب رب غير الله تعالى؛ لأنه رب كل شيء ]، لا يصح أن تطلب رباً غير الله؛ لأن الله رب كل شيء، ما هناك من هو مستقل بنفسه له رب خاص، إذاً: فلم يبق لنا أن نطلب إلا الله عز وجل.
[ رابعاً: عدالة الله تعالى تتجلى يوم القيامة ]، وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [الأنعام:164].
[ خامساً: عدالة الجزاء يوم القيامة.
سادساً: تفاوت الناس في الغنى والفقر والصحة والمرض والبر والفجور وفي كل شيء مظهر من مظاهر تدبير الله تعالى في خلقه ينتفع به الذاكرون من غير أصحاب الغفلة والنسيان ].
هذا والله تعالى أسأل أن يجعلنا من أهل كتابه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر