إسلام ويب

تفسير سورة الأنعام (13)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يذكر الله عز وجل عباده في هذه الآيات بالنعم التي أنعم بها عليهم في أنفسهم، سائلاً إياهم عمن يمكنه أن يعوضهم عنها من المخلوقات إن أخذها الله منهم وحرمهم منها، وإن انتقم الله من أهل قرية أو أمة من الأمم فإنه لا يهلك إلا الظالمين المكذبين، وينجي الله المؤمنين من عباده، المصدقين بآياته ورسالاته، ويأتون يوم القيامة آمنين، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.

    وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، سورة التوحيد، تلكم السورة التي زفت من الملكوت الأعلى بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، هذه السورة التي تعالج أركان العقيدة الضرورية:

    أولاً: توحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، فلا رب غيره ولا إله سواه، ولا يشبهه كائن من الكائنات لا في صفاته ولا في أفعاله.

    ثم تقرير النبوة المحمدية، وهي: أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العدناني من ذرية إسماعيل بن إبراهيم رسول الله حقاً وصدقاً.

    ثالثاً: عقيدة البعث والجزاء، البعث من تحت الأرض للوقوف في ساحة فصل القضاء من أجل الحساب الدقيق ثم الجزاء الأوفى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، هذه السورة بآياتها تقرر هذه الحقيقة، وها نحن مع هذه الآيات بعد أن نسمع تلاوتها من الأستاذ أبي بكر.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ * قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ * وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأنعام:46-49].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ [الأنعام:46] من الآمر لرسول الله أن يقول؟ إنه الله جل جلاله، والآن نحن نسمع كلام الله، إي والله، ما أسعدنا، ما أرفعنا وأسمانا، وصلنا إلى أن أصبحنا نجلس فنسمع كلام الرب! وأعجب من هذا أن ملايين الخلق لا يسمعون كلام الله ولا يعرفونه.

    خطاب المعرضين عن ربهم ببيان عجز الأوثان عن رد ما ذهب الله تعالى به من أبدانهم

    يقول تعالى لرسوله ومصطفاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ لقومك العادلين بنا أصناماً وأوثاناً، قل لهؤلاء المشركين المعرضين عن الله: أَرَأَيْتُمْ : أي: أخبروني، إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ ففقدتم السمع فأصبحتم لا تسمعون، وفقدتم البصر فأصبحتم لا تبصرون، وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ فأصبحتم لا تعقلون ولا تفهمون، ولا يصل إلى قلوبكم شيء، أصبحتم كالأصنام وكالحجارة، إن فعل الله بكم هذا هل هناك من إله غير الله يأتيكم بهذه التي أخذت منكم؟ والله لا أحد.

    خطاب يصل إلى أعماق النفس، ما فيه تهيج، ولا فيه تنطع، ولا فيه إهانة، ولا فيه إذلال، فقط أخبروني إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم هل يوجد إله غير الله يأتيكم بذلك؟ والله لا يقول أحد: نعم يوجد إله عندنا يفعل بنا هذا، وقل هذا اليوم وبعد اليوم ولكل إنسان في الحياة ممن يعرضون عن الله عز وجل فلا يذكرون ولا يشكرون، قل لهم: أخبرونا أيها المعرضون، أيها الملاحدة، أيها العلمانيون، أيها الشهوانيون، أيها الماديون الذين لا تذكرون الله ولا تدعونه، ولا تستغيثون به، أخبرونا إن أصابك الله بفقد بصرك، والله لو اجتمعت أطباء الدنيا كلها ما ردوا بصرك، أو أخذ سمعك فأصبت بالصمم، والله لا يوجد من يرد إليك سمعك أبداً، أرأيت إن فقدت العقل وأصبحت كالمجانين تهرف بما لا تعرف، وتعمل ما لا تريد أن تعمل، هل هناك من يرد عليك عقلك؟ والله ما كان إلا الله، إذاً: لم لا نؤمن به ونعبده، ونتحبب إليه ونتملقه بفعل محابه واجتناب مكارهه؟

    لا تقل: هذه نزلت في كفار مكة! فهذا كتاب الله للإنس والجن، لهدايتهم ما داموا على سطح الأرض، ولن يفقد هذا النور تأثيره إلا يوم يرفعه الله.

    قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ [الأنعام:46]؟ الجواب: لا أحد، أولاً: لا يوجد إله حق مع الله، لا إله إلا هو، والآلهة المدعاة المفتراة المكذوبة سواء كانت من الملائكة، أو الإنس، أو من الأنبياء والرسل، أو من الصالحين، أو من الجمادات.. كل هذه لا تملك أن ترد سمعكم وأبصاركم، ولا أن ترد إليكم وعيكم في قلوبكم.

    مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ [الأنعام:46]؟ والله لا أحد.

    معنى قوله تعالى: (انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون)

    ثم قال لرسوله ومصطفاه: انظُرْ [الأنعام:46] يا رسولنا كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ [الأنعام:46]، يا للعجب! انظر كيف نلون الأساليب والعبارات، ونضرب الأمثلة المتنوعة لعلهم يرجعون، لعلهم يفيقون، لعلهم يصحون، ومع هذا هم يصدفون، يغلقون آذانهم ولا يسمعون! حالة تدعو إلى العجب.

    ونقتبس من نور الله فنقول: ما لإخواننا الذين انغمسوا في المعاصي بيننا يسمعون المواعظ والهداية والآيات والسنة من إذاعة القرآن، ما لهم صادفين معرضين عن بيوت الله وذكر الله، منهمكين في اللهو واللعب والباطل والشهوات، ما لهم وقد صرف الله الآيات، وها نحن نسمعها ليل نهار، لم نصدف ونعرض ولا نلتفت؟

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون)

    ثانياً: قل لهم: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ [الأنعام:47] أي: أخبروني إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ [الأنعام:47] أي: أخبروني إن جاءكم عذاب الله عز وجل سواء بالإبادة والاستئصال أو بفقد السمع والبصر، أو بفساد القلب إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً [الأنعام:47] وأنتم غافلون لا شعور ولا تأمل ولا فكر في نفوسكم، فجأة يأتي العذاب، أو يأتيكم بعدما تلوح آياته في الآفاق وعلامته بينكم، أو يأتيكم ليلاً وأنتم نائمون، أو نهاراً وأنتم يقظون تعملون، لا فرق بين هذا وذاك.

    أخبروني إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:47]؟ الجواب: لا والله، لا يهلك إلا الظالمون؛ لأنهم ظالمون بأفحش الظلم وأقبحه، وهو أخذ حق الله عز وجل بالعبادة وصرفها للأصنام والأحجار، حق الله الذي ما خلق الإنسان إلا ليعبده بذكره وشكره، يسلب هذا الحق ويعطى لغير الله.

    الشرك أفحش الظلم وأقبحه

    ولهذا -كما علمتم- فلا ظلم أعظم من ظلم الشرك، ظلمك لأخيك الإنسان بأخذ دابته أو ضربه على وجهه ظلم، لكن أخذ حق الله وإعطاءه لمن ليس له بحق أي ظلم أعظم منه! ظلمك لنفسك ظلم، ظلمك لأخيك ظلم، ولكن أفحش وأقبح الظلم هو من يأخذ حق الله الذي أوجد الكون كله من أجله، بل أوجدك -أيها الظالم- من أجل أن تذكره وتشكره، فتعرض عن الله وتكفر، ولا تلتفت إليه وتعبد غيره.

    ولهذا لما نزلت آية الأنعام -وعما قريب نصل إليها إن شاء الله- في أي الفريقين أشد ظلماً: نحن الموحدون أم أنتم المشركون، كما في خطاب إبراهيم الخليل لقومه، فكان الجواب: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، فلما تليت هذه الآية على أصحاب رسول الله قالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟ خافوا، لأنه لا يتحقق الأمن والنجاة والسلامة بالبعد عن عالم الشقاء ودخول الجنة إلا للذين آمنوا حق الإيمان ولم يخلطوا إيمانهم بأي ظلم، فكبر هذا على المؤمنين لما سمعوا هذه الآية، فوجههم رسول الله الحكيم إلى ما قال لقمان الحكيم لابنه وهو بين يديه يعظه ويقول له: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ [لقمان:13]، لم يا أبتاه؟ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

    ونحن نقول: لا أعظم من الشرك، فظلمك لنفسك شيء، ظلمك للناس شيء، ظلمك للحيوان شيء، لكن ظلمك لخالقك واهب وجودك المنعم عليك تسلب حقه الذي من أجله أعطاك وجودك وتعطيه لغير الله! تصوروا هل هناك أبشع من هذا؟!

    شخص يكسوك، يطعمك، يسقيك، يسكنك، يؤويك ويحفظك يحرسك، فتترك خدمته وتخدم آخر تتملق إليه وتتزلف، كيف يقبل هذا؟ الذي يطعمك ويسقيك ويؤويك ويرعاك ويحفظك يقول لك: اخدمني ساعة أو ساعتين في اليوم، فتعرض عن ذلك ويزين لك الشيطان خدمة من يعاديه وتخدمه، فهل فينا من يقبل هذا؟ هذا هو عين الشرك، فلهذا كان أقبح أنواع الذنوب وأسوأها.

    الهلاك عاقبة الظالمين

    فماذا قال تعالى لرسوله؟ قال: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ [الأنعام:47] عذاب الله بالاستئصال والإبادة، أو بفقد السمع والبصر، أو بالقحط أو بما شاء الله من أنواع العذاب، بَغْتَةً [الأنعام:47] وأنتم غافلون، أَوْ جَهْرَةً [الأنعام:47] وأنتم يقظون، هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:47]؟ اللهم لا، والله لا يهلك إلا القوم الظالمون.

    مجموعة على حصير قدم لهم طعام فيه سم، وقيل لهم: احذروا، من أكله مات، فأكل منهم البعض وترك البعض، فهل يهلك غير الآكل؟ والله ما يهلك إلا الآكل وإن كانوا على حصير واحد والطعام بين أيديهم، فلا يقتل السم إلا الذي شربه أو أكله فقط.

    كثرة الخبث سبب للهلاك

    علمنا الله عز وجل أنه إذا جاء عذاب الاستئصال والإبادة للأمم السابقة ينجي الله المؤمنين مع نبيهم ورسولهم، يرحلون قبل نزول العذاب بيومين أو ثلاثة من تلك الديار وينزل العذاب بالآخرين، إلا أن عذاب هذه الأمة هو عذاب غير استئصال ولا إبادة كاملة، فإنه إذا كثر الفسق والفجور والشر والفساد وأنزل الله نقمته بهم يتأذى ويهلك بها الفاسق والبار والصالح، والفاسقون هذا جزاؤهم، والصالحون يثابون ويؤجرون على هذه المصيبة، وترتفع درجتهم يوم القيامة، قال تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً [الأنفال:25] من شأنها لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:25]، وقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( نعم إذا كثر الخبث ) لأم المؤمنين زينب حين سألته: أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ وذلك أنه قال: ( ويل للعرب من شر قد اقترب ثلاث مرات وهو فزع، لما شاهد الغيوم والسحاب والعواصف، فقالت: أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ).

    أهمية اتقاء نقمة الله تعالى بتوسيع دائرة الصلاح وتضييق دائرة الفسق في المجتمعات

    ولهذا نقول لأبناء هذه الديار فقط؛ لأن إخواننا في بلادنا الأخرى الفسق فيهم أكثر من الصلاح، لكن هذه البلاد التي فيها الصلاح أكثر، ويظهر فيها الفسق، نقول لهم: اعملوا ليل نهار على تقليل هذا الفسق وتقليل أصحابه وفاعليه بوعظهم، بإرشادهم، بالاتصال بهم، بكل وسيلة فيها رفق ورحمة وعطف، بإبعاد هذه الموجبات للفساد، يا عبد الله! لا تدخل الدخان في دكانك، من ألزمك يا بائع الفيديو، لم تبيع الفيديوهات في مدينة الرسول؟ يا بائع الأشرطة الباطلة! من حملك على هذا؟ يا عبد الله المؤمن! لم تفتح بنكاً ربوياً في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ عجل فحوله إلى مصرف إسلامي وارفع رأسك إلى السماء، ويغفر الله لك ذنبك ويرفع درجتك، ويغنيك بأكثر مما في يدك.

    على كل مواطن أن يعمل على إصلاح بيته، أولاده، أقربائه، حتى نعيش دائماً والفسق أقل نسبة من الصلاح، فما دام الصلاح أكثر فالأمن حاصل، لكن إذا كان جانب الفسق أكثر فإننا ننتظر الساعة لا محالة.

    من ألزمنا ­-أيها المواطنون السعوديون- بمعصية الله؟ أنرغب فقط بواسطة الشياطين فنستجيب؟ لم لا نعمل على صيانة أنفسنا؟ يا رب البيت! احفظ بيتك، زوجتك وأولادك، أمك وأباك، لقنهم الهدى وعلمهم، اجتمع معهم على آية من كتاب الله يطهر بيتك من الخبث.

    أولادكم من حين يخرجون من المدرسة استقبلوهم في باب المدرسة وهم معكم ملازمون لكم، يصلون العصر معكم، يصلون المغرب والعشاء، يتعلمون في هذه الأوقات، لا يلعبون بالكرة ويعبثون في الشوارع ويصيحون ويتعلمون أوسخ الكلام وأفسده، فيصبح الجيل من أسوأ وشر جيل، لم لا نعرف هذا؟

    هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:47]؟ والله ما يهلك إلا القوم الظالمون، هذا كلام الله أم لا؟ فالظالمون الذين خرجوا عن طاعة الله ورسوله، فبدل أن يطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر أطاعوا الشيطان والشهوات والهوى والدنيا، كيف لا يهلكون؟

    قل لهم: أخبروني أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:47] والجواب: لا. لا يهلك إلا الظالمون كما بينا، الذي يحتسي السم هو الذي يموت.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ...)

    ثم قال تعالى مسلياً رسوله: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [الأنعام:48]، ما نرسلهم لأجل أن يهدوا الخلق، ويصلحوا الفاسد، ما هذه مهمتهم، لا يقدرون، فرسول في مليون شخص ماذا يصنع؟ فالمرسلون نرسلهم مبشرين المستجيبين للدعوة، المقبلين عليها، العاملين بها، يبشرونهم بسعادة الدنيا والآخرة، ومنذرين الذين يستكبرون ويعرضون ويشتغلون بأهوائهم وشهواتهم ويعبدون الشياطين، ينذرونهم العذاب قبل أن يحل بهم وينزل بساحتهم، ما لهم مهمة سوى هذه.

    فالرسول يبشر قطعاً، ولا بد أن يبين كيف تتم البشارة، وينذر ولا بد أن يبين ما ينذر: الشرك، اللواط، الجرائم.. يحذر منها، هذه مهمة الرسل من نوح ومن بعده إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم.

    ما مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل هي عمارة الدنيا! إن مهمته التبشير للمقبلين على الله، والإنذار والتحذير ممن يعرضون عن الله عز وجل، فلا تكرب -يا رسولنا- ولا تحزن، وأنتم -أيها المشركون- لم تطالبونه بالآيات والخوارق والمعجزات؟ فما هذه مهمته، ما يستطيع أن يدخل يده في قلوبكم ويقلبها، هذا ليس له، إنما هو مبشر من أجاب الدعوة، ومنذر من أعرض عنها وكفر بها، هذا معنى قوله تعالى: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [الأنعام:48].

    عدد الرسل وذكر بعض خبر من أشبههم في العدة من فئات المؤمنين

    كم عدد الرسل؟ ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً على عدة أهل بدر، وعلى عدة قوم طالوت الذين قاتلوا ومعهم داود وانتصروا على جالوت ، لما هبط بنو إسرائيل بسبب سفور النساء، حيث كشف النساء عن وجوههن وأصبحن يتجولن في الأسواق كنساء العالم الإسلامي اليوم إلا من رحم الله، ولبسن الكعب العالي، أتعرفون الكعب العالي؟ اذهبوا إلى الدكاكين التي هبط أصحابها، فهم يوردونه بشعور أو بدون شعور ليباع ويهلك به المؤمنون، الكعب العالي هذا أول من لبسه نساء بني إسرائيل، الكعب العالي: حذاء أسفله رقيق وطويل، فحين تمشي تصبح تتبختر وتتمايل، فيذوب قلب الحاضر وراءها، والشيطان هو الذي زين هذا.

    فلما فسقوا وأضاعوا الصلاة وتعاطوا الربا سلط الله عليهم البابليين فاجتاحوا ديارهم ومزقوهم وأبعدوهم، مضى قرنان أو ثلاثة فنشأت ناشئة جديدة وقالوا: هيا نعيد ملكنا وديننا وسيادتنا، فأتوا أحد أنبيائهم -والأنبياء فيهم بالآلاف- فقال: أنا أخاف ألا تستطيعوا أن تقاتلوا، شاهد فيهم الهبوط والخلاف والفرقة والفسق، فألحوا عليه، فعين لهم بأمر الله طالوت يقودهم، لما عين طالوت قالوا: كيف يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال؟ لا تول علينا قائداً من هذا النوع.

    فقال لهم نبيهم: الآية التي تدل على أن الله هو الذي اختاره لكم أن يأتيكم التابوت الذي فيه بقية من بقايا موسى وهارون من دار الكفر، من عاصمة البابليين، وجاءت فشاهدوها معجزة خارقة، فآمنوا ومشوا في أربعين ألفاً، امتحنهم في الطريق قبل وصولهم إلى نهر الأردن، فقال: إن نهراً سيأتي أمامكم ولم يأذن الله لكم بالشرب منه، إلا من اغترف غرفة بيده فقط، فإياكم. فلما وصلوا إلى النهر أكبوا عليه كالبهائم يشربون، فلما شربوا بقي منهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، والباقون كلهم انهزموا، ما يستطيعون القتال، قالوا: كيف نقاتل هذه الأمة وكيف وكيف؟ وقاتل الموحدون المؤمنون ونصرهم الله عز وجل.

    معنى قوله تعالى: (فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)

    يقول تعالى: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأنعام:48]؛ لأن الإيمان والصلاح هما دعائم الولاية، كقول الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، وهنا ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فكل مؤمن صادق الإيمان يعمل الصالحات تحققت له ولاية الله، فإذا والاه الله وأصبح وليه فمن يقوى على أذاه؟ فلا خوف عليهم في الدنيا ولا في القبر ولا يوم القيامة ولا حزن في كل ذلك.

    هكذا يقول تعالى في مكة: فمن آمن وعمل صالحاً مع أي نبي ومع أي رسول، فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأنعام:48].

    وقد بينا أن أولياء الله بيننا لا يخافون عندما يخاف الناس، ولا يحزنون عندما يحزن الناس، إن جاءت فاقة فنفوسهم طيبة مرتاحة، والآخرون في حزن وكرب وألم، وإن جاءت حرب أو فتنة فأولياء الله مع الله نفوسهم طيبة، نفوسهم طاهرة، قلوبهم ساكنة يفزعون إلى الله، والآخرون ترتعد نفوسهم، وتتمزق قلوبهم، فهذا عام في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة، أولياء الله لا يخافون ولا يحزنون، وقد ذكرت لكم ولياً شاهدناه، ابتلاه الله بوفاة أبنائه وأطفاله، كانوا يدفنون الطفل وهو يبتسم والناس على القبر يبكون، ولا يبكي ولا يحزن، يخرج ماله كله فلا يبكي عليه ولا يحزن ولا يكرب، وهذا تحقيق قول الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62].

    فالله تعالى يقول: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ [الأنعام:48] ثم فَمَنْ آمَنَ [الأنعام:48] بهم وبالله ووحد الله وَأَصْلَحَ [الأنعام:48] نفسه وزكاها بطاعة الله ورسوله فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأنعام:48] في الدنيا ولا في الآخرة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون)

    وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأنعام:49] جحدوا بها، لم يعترفوا بها أو لم يعملوا بما تدعو إليه وتأمر به أو تنهى عنه وتحذر منه، ليس بشرط أن يقول: لا أؤمن، قد يقول -كالمنافق-: أنا مؤمن، ثم لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً، ولا ينهض بواجب، ولا يتخلى عن مكروه، فأين الإيمان؟ لا قيمة لدعوى الإيمان إذا لم تتحقق بالاستجابة لله والرسول في طاعتهما بفعل الأوامر وترك المناهي.

    وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأنعام:49]، ما قال: كفروا بالله، كذبوا بآياتنا الحاملة لشرائعنا وتعاليمنا وهدايتنا، فلهذا لم يعملوا بها، يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ [الأنعام:49] أي: عذاب الدنيا والبرزخ والآخرة، لا بد أن يمسه ويذوق ألمه ومرارته.

    ثم قال تعالى مبيناً العلة: بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأنعام:49]، أي: بسبب فسقهم. فالباء سببية، ما معنى (يفسقون)؟ يرقصون ويغنون، يلهون ويلعبون، يشركون ولا يوحدون، يعصون ولا يطيعون، فالفسق: هو الخروج عن طاعة الله ورسوله.

    أتدرون ما الفويسقة؟ الفأرة، سماها الرسول الفويسقة؛ لأنها تفسق وتخرج على أهل البيت في الليل، فتفسد عليهم طعامهم أو تحرق عليهم بيتهم.

    إذاً: فكل من ترك واجباً متعمداً وهو قادر عليه، أو فعل محرماً بدون إكراه عليه فقد فسق، أي: خرج عن الطاعة، فإن فسق في الأمر كله والنهي كله فهو الفاسق بـ (أل) الدالة على الوصف العريق المتين، ففرق بين (فاسق) وبين الفاسق، فسق فلان فهو فاسق بترك واجب أو فعل معصية، لكن الفاسق ذاك الذي أعرض عن أحكام الله وشرعه وأخذ لا يلتفت إلى أمر يقوم به ولا إلى نهي ينتهي عنه ويجتنبه.

    إذاً: قال تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ [الأنعام:49]، هل بمجرد التكذيب؟ لا؛ لأن التكذيب يحول بينك وبين فعل مزكيات النفس، فالعبد إذا آمن أصبح قادراً على أن يزكي نفسه بأدوات التزكية والتطهير، لكن إذا كذب لا يستعمل أدوات التزكية، إذاً: فالذين كذبوا ما استعملوا أدوات التزكية أبداً، والله يقول: بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأنعام:49]، ما استعملوا أدوات التزكية والتطهير.

    معاشر المستمعين والمستمعات هل عرفتم أن زكاة النفس ضرورية؟ إن ربنا تبارك وتعالى يقول: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فلنعمل على تزكية أنفسنا بالإيمان الصحيح والعمل الصالح بعد البعد الكامل عن الشرك والكفر والفسق والفجور، وبذلك يتحقق الهدف لمن طلب الله ومشى يطلب هدايته.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    لهذه الآيات هداية فتأملوا هل تهتدون إليها:

    [ أولاً: افتقار العبد إلى الله في سمعه وبصره وقلبه ]، وهل نملك نحن أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا؟ [ وفي كل حياته]، هذا الافتقار وهذا العجز وهذا الضعف [موجب عليه عبادة الله وحده دون سواه]، فما دمت عاجزاً عن حفظ سمعك وبصرك وقلبك إذاً فاعبد الذي يحفظ لك ذلك ويهبه لك. فمن أين أخذنا هذا؟

    من قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ [الأنعام:46] لا أحد.

    [ ثانياً: هلاك الظالمين لا مناص منه عاجلاً أو آجلاً ]، والله العظيم! إن هلاك الظالمين لا بد منه، إما أن يكون عاجلاً أو يؤجل إلى أمد محدود، فالظالمون الآن الخارجون عن طاعة الله ورسوله هم تحت النظارة، يمهلهم الله ولكن لا يهملهم، يوم تدق الساعة تنزل المحنة وينزل العذاب.

    [ ثالثاً: بيان مهمة الرسل ]، ما هي؟ البشارة والنذارة، ما معنى البشارة؟ تبشير من أطاع بالمستقبل الحسن والسعادة في الدنيا والآخرة، والنذارة لمن عصى وكذب وأعرض، هذه مهمتهم.

    [ بيان مهمة الرسل، وهي البشارة لمن أطاع والنذارة لمن عصى، والهداية والجزاء على الله تعالى ]، فعلى الرسول البشارة والنذارة، أما الهداية فليست له، والذي يجازي العباد هو الله، ليس الرسول، فالرسل ليست مهمتهم الجزاء أبداً، وإنما مهمتهم البشارة والنذارة.

    [ رابعاً: الفسق عن طاعة الله ورسوله ثمرة التكذيب والطاعة ثمرة الإيمان ]، فمن شك في كتاب الله أو في سنة فإنه لا يعمل، هذه سنة الله، كل الذين لا يستقيمون سبب ذلك شكهم وعدم إيمانهم اليقيني في قلوبهم، ومن صدق واطمأن لا يستطيع أن يفسق، إن فسق الآن يتوب غداً ولا يستمر على فسقه.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767953832