إسلام ويب

تفسير سورة الأنعام (10)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • النبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا بشر، وتظهر بشريته في حزنه وتألمه حين يعرض عنه المشركون ويكذبونه، والله عز وجل يعزيه ويواسيه بإخباره أنهم إنما يكذبون بآيات الله ورسالاته، وحالهم هذا شبيه بحال من أنكروا الرسالات السابقة، وكذبوا الأنبياء الذين جاءوا من قبل، فما عليه إلا الصبر على ما يلاقي في سبيل دعوته؛ لأنه لا يمكنه أنه يأتيهم بغير ما آتاه الله من الآيات والبراهين، ولو شاء الله لهم الهداية جميعاً لهداهم، ولكنها حكمة بالغة منه سبحانه بأن يكون من عباده المؤمن والكافر، وهو الحكيم الخبير.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة.

    من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلك السورة التي علمنا أنها زفت بسبعين ألف ملك من ملائكة الله، ولهم زجل وتسبيح، وعلمنا أنها تقرر تلك الأصول الثلاثة:

    أولاً: توحيد الله عز وجل بألا يعبد في الملكوت سواه.

    ثانياً: تقرير نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته.

    ثالثاً: تقرير مبدأ البعث الآخر أو الحياة الآخرة، البعث والجزاء.

    فهذه السورة على جلالتها تقرر هذه الأصول الثلاثة، وقد علمنا أن العبد إذا عرف الله ثم عبده وحده حيي وأصبح حياً يسمع ويبصر ويعطي ويأخذ، فإذا آمن بالله رباً لا رب غيره وإلهاً لا إله سواه، فكيف يعبده؟ لا بد من طريق محمد صلى الله عليه وسلم، فآمن بالرسالة، ولِمَ يعبده؟ يعبده لأن يكرمه يوم يلقاه، وينزله في منازل الأبرار، فهو -إذاً- مؤمن بهذه القواعد أو الأصول الثلاثة، وهنا هذه الآيات الثلاث قبل الشروع في تفسيرها نسمع تلاوتها من أبي بكر المدني تلميذ شيخكم فتح الله عليه وعليكم.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:33-35].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ [الأنعام:33]، وفي قراءة سبعية: (ليُحزِنُك) من: أحزنه يحزنه، وقراءة (لَيحزُنَك) من: حزنه يحزنه.

    من القائل: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ [الأنعام:33]؟ إنه الله تعالى، والله إنه الله، إذ هذا كلامه في كتابه، من المخاطب بهذا؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قَدْ نَعْلَمُ [الأنعام:33]، وعزتنا وجلالنا إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ [الأنعام:33]، ومعنى يحزنك: يصيبك بالحزن والغم والكرب، لماذا؟ لأنهم يقولون: كذاب، ساحر، شاعر، مجنون، مفتر، ويأتون بالأباطيل والترهات وكلها يضفونها عليك، فنحن نعلم منك هذا.

    قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ [الأنعام:33]، أي: يدخلونك في دائرة الحزن والغم والكرب، ونحن أرحم بك منك بنفسك، فاصبر يا رسولنا! وهذا يتفق -أيضاً- مع كل مؤمن يدعو إلى الله ليعبد وحده، فيجد من يسخر منه ويهزأ به، ويكذبه ويعترض طريقه، إذاً: فليذكر هذا فيجد فيه الأسوة والقدوة فيتحمل ويصبر على دعوة الله.

    تكذيب الكفار ليس لشخص النبي وإنما لما جاء به من دين

    قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ [الأنعام:33]، وقرئ: ( فإنهم لا يَكْذِبونك )، والكل صحيح، لا يُكَذِّبُونَكَ [الأنعام:33] عندما يردون عليك ويقولون كذا وكذا هم في نفس الوقت يعلمون أنك ذو الصدق وأنك أصدق الخلق، وأنك لا تكذب، وما جربوا عليك كذبة واحدة قط، فإذا اعترضك المعترضون وأخذوا يطعنون ويصفونك بتلك الصفات الباطلة فلا تفهم أنهم يعتقدون ذلك، بل يعلمون أنك رجل الصدق، وكبارهم كالأخنس بن شريق وأبو جهل وأبو سفيان كلهم يعرفون أنه صادق فيما يقول، وحاشاه أن يكذب، ولكن الدفاع عن المصلحة عن الموقف عن الشرف عن المركز أصحابه يقولون الباطل، لكن -يا عبد الله- لا تحزن ولا تكرب إذا هم وصفوك بما أنت بريء منه؛ لأنهم لا يعتقدون ذلك فيك أبداً، وإنما حملهم على ذلك أن يبقوا على ألهتهم وعبادتهم وعاداتهم، وأن تبقى الأمة مجتمعة عليهم، فيدفعون بهذا القول، وهذا فيه تسلية لرسول الله وتعزية له، فإذا لم يعزه الله ويصبره فكيف سيصبر؟ كيف سيثبت وهو فرد ضده العالم بأسره.

    عماية الظالمين عن الحق مكابرة وعناداً

    قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ [الأنعام:33]، ماذا؟ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33]، هذه صفتهم، هذه شنشنتهم وعادتهم، الظالمون يكذبون، ولكن الظالمين يكذبون بآيات الله، ومنها أنت يا رسول الله، أنت آية من آيات الله، يكذبون بآيات الله المقررة للتوحيد والداعية إليه، الآيات المبطلة للشرك والمحاربة له، ظلمهم يحملهم على التكذيب، وهذه أيضاً سنة بشرية، فالظالم الذي يعيش على غير صراط الله المستقيم لا بد أن يجحد وينكر ويكذب، ديدنه: لا أعترف، لا أقول بهذا، هذا باطل، هذا كذا، دفاعاً عما يحميه ويذود عنه، هل تتبدل هذه السنة؟ لا تتبدل.

    إذا أصبح المرء ظالماً يضع الأمور في غير موضعها، وظلم نفسه وظلم غيره؛ فهذا الذي يدافع عن الباطل ويكذب بكل آية، لو شاهد الملائكة تنزل لقال: ما شاهدنا. كما قال تعالى في سورة الحجر: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ [الحجر:14]، رحلة إلى الملكوت الأعلى هذا صاعد وهذا هابط، نزهة يوم كامل، ففي المساء لن يعترفوا، وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ [الحجر:14-15]، فقط أصاب أبصارنا السكر فهي فاقدة الشعور فظننا أننا نصعد إلى السماء ونهبط، أو لقالوا: سحرنا محمد صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا [الحجر:14] طول النهار فِيهِ يَعْرُجُونَ [الحجر:14]، والذي يعرج يهبط، لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ [الحجر:15]، من أخبر بهذا؟ إنه خالق قلوبهم وغارز غرائزهم وطبائعهم، وإلى يوم القيامة، هذا شأن المنكرين للحق المحاربين له ولأهله، لا ينفعهم آي ولا ينفعهم معجزة، ما يريدون أن يتبعوا.

    قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ [الأنعام:33]، هذا يسليك، ما اتهموك بالكذب أبداً، بل يعرفون أنك صادق أمين، ما جربوا الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم أربعين سنة قبل النبوة، ويعترفون بهذا ويقررونه حتى أبو جهل ، ولكن العلة أن الظالمين يجحدون بآيات الله؛ لأنها تتنافى مع ظلمهم وما هم عليه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ...)

    الآية الثانية: يقول تعالى: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [الأنعام:34]، هذه هي التعزية والتسلية وحمل الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يثبت ويصبر؛ لأنه يعاني شدائد وآلاماً ما عرفناها، وأنت طول عمرك لو يكذبك أحد يوماً من الأيام ويتهمك تكرب وتحزن.

    وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [الأنعام:34]، كذب نوح، كذب هود، كذب صالح، كذب شعيب، كذب موسى، كذب هارون، كذب إبراهيم، رسل كذبوا من قبلك، فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا [الأنعام:34]، فاصبر أنت يا رسولنا كما صبر إخوانك الذين سبقوك من الرسل، اصبر على دعوة الله لا تتركها أو تتنكر لها، أو تصبح تدعو يوماً وتغيب آخر تطلب إجازة وراحة، بل صبر متواصل.

    ذكر خبر نبي الله يونس عليه السلام

    وقد أعلمنا الله عن نبيه ذي النون، وقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( لا تفضلوني على يونس بن متى ) من باب إكرام الرسول له، فيونس عليه السلام ما أطاق وما اصطبر فترك القوم وهرب، وشاء الله أن يحدث له حادث في البحر، ثم يعود فيجدهم كلهم مؤمنين، ولا يوجد على سطح الأرض أمة آمنت كلها إلا قوم يونس، والقصة كما هي في سورة: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا [الصافات:1]، حين تألم وضاق وما أطاق، هذا يسب وهذا يكذب وهذا يشتم، يستجيب واحد وينكر مائة، فهرب إلى ساحل البحر -البحر الأحمر هذا أو الأسود- ووجد سفينة مبحرة أوشكت أن تبحر فركب، لما ركب السفينة صاح ربانها وقال: الحمولة ثقيلة ولا بد من غرق السفينة أو تسقطون واحد منها تخففون حملها. من يتطوع.. من يتبرع لإنقاذ الركاب؟ ما وجدوا أحداً، فاضطروا إلى الاستهام -أي: الاقتراع- فاستعملوا القرعة، فمن خرجت القرعة عليه كان هو الذي يلقى في البحر وتسلم السفينة بركابها، فاقترعوا فجاءت على يونس: فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:141-144] إلى يوم القيامة، ولكن كان في ظلمات البحر وبطن الحوت يسبح: لا إله إلا أنت سبحانك إنك كنت من الظالمين، كما قال تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:87-88].

    وورد أن من أصابه غم أو هم أو كرب ففزع إلى الله بهذا الذكر فرج الله ما به، لكن يصبر، ما هي ساعة أو ليلة، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فلما استجاب الله له ولفظه الحوت على ساحل البحر أنبت الله عليه شجرة اليقطين الدباء؛ لأن ورقها ناعم من جهة، ومن جهة أخرى لا يقع الذباب عليها، وهو قد نضج لحمه من الحرارة في بطن الحوت، فبقي حتى تماثل للشفاء وهو تحت تلك الشجرة، ومن أين يشرب ويأكل؟ سخر الله له وعلاً من الوعول تأتي من الجبل فتقرب منه وتدنو منه فيرتضع ثديها بفمه حتى تماثل للشفاء وعاد وإذا بأهل القرية كلهم مؤمنين، أسلم أهل القرية كلهم.

    والشاهد عندنا ماذا؟ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا [الأنعام:34]، السخرية التي تلقاها نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً، ما سخرت أمة برسولها كما سخرت أمة نوح بنوح، ومن أراد أن يرى فرعون يسخر من موسى فليقرأ القرآن.

    أهمية الصبر في حياة الأنبياء والدعاة

    الشاهد عندنا أن الله تعالى يوجه رسوله أن: اصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل، فقد كذبوا وأوذوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [الأنعام:34]، إذاً: فاصبر أنت فلا بد أن يأتي نصرنا، وهكذا دعاة الخير والحق إذا صبروا لا بد

    أن ينتصروا.

    أخشى أن يفهم هؤلاء المكفرون للمسلمين والمدعون للجهاد أنهم الذين سينتصرون، والله لا ينتصرون، ما هم بأولياء الله، ما هم بدعاة إلى الله، بل دعاة الفتنة والضلال.

    فقول ربنا جل ذكره وهو يخاطب مصطفاه وحبيبه: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا [الأنعام:34]، ما هو بتكذيب فقط، الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي عند الكعبة لما سجد جاء عقبة بن أبي معيط بسلا جزور، والسلا: ما يخرج من بطن البهيمة عند الولادة، حيث نتجت ناقة عند الصفا وبقي سلاها، فجاء بالسلا ووضعه بين كتفي رسول الله وهو ساجد، هل هناك أعظم من هذا الأذى؟ أما في أحد فقد كسرت رباعيته وشج وجهه ودخل خوذتا المغفر في وجنتيه.

    والشاهد عندنا: وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [الأنعام:34]، اسمع! وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [الأنعام:34]، كلمات الله التي فيها الوعد والوعيد هل تتبدل؟ إذا وعد بالنصر تحقق النصر، وإذا أوعد بالعذاب نزل العذاب.

    النصر نتيجة المسلك الصحيح في الدعوة لا مسلك العنف

    أقول: إن الدعاة الصالحين البررة دعاة الحق الذين يسلكون مسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان الحق والهدى، لا بالاغتيالات والسب والشتم والتكفير، هؤلاء لو صبروا ينصرهم الله، لهذا الوعد الإلهي: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا [الأنعام:34]، إلى متى؟ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [الأنعام:34]، وإن ارتبت أو شككت فالله يقول: وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [الأنعام:34]، إذا قضى الله تعالى أمراً فلن تستطيع دولة ولا أمة ولا شخص أن يمحوه ويستبدله بآخر، إذا قدر أمراً ينفذ كما أراد الله، وقد قضى أن ينصر أولياءه، ما وجد أولياء لله في صدق وحق يدعون إلى الله وإن أوذوا وإن كذبوا إلا نصرهم الله، ولا نشك في نصرة الله لهم، لكن الآن أين هؤلاء؟ أين هؤلاء الدعاة؟

    أما جماعة التكفير والتفجير فهؤلاء أبرأ إلى الله من أن يكونوا أولياء الله أو يكونوا مع الله حتى ينصرهم، ولن ينتصروا، هل فهمتم هذا التعقيب أم لا؟

    هم يقولون: كذبت رسل قبلنا وأوذوا حتى نصرهم الله ولا مبدل لكلمات الله، وسينصرنا الله، ونقول: الذي يقول هذا القول هو الذي يدعو إلى الله بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول في مكة مكث ثلاث عشرة سنة، فهل أمر صلى الله عليه وسلم أن يغتال واحداً من المشركين؟

    لقد أوذي وأوذي أصحابه، وكان يمر بهم وهم يعذبون ويقول: ( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة )، فلِمَ لم يوعز إلى حمزة البطل أو عمر أن: اغتل أبا جهل وأرحنا منه؟ فأين الاغتيالات؟

    ولما جاء إلى المدينة ماذا فعل؟ صالح اليهود من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، وكتب عقداً عجباً لو تقرءون وتعرفون ما فيه، لكن لما نقضت كل قبيلة عقدها استحلت العقاب والعذاب، فأول من نقض بنو قينقاع فأجلاهم، وما قتلهم ولا صلبهم ولا سلب أموالهم، أجلاهم وأبعدهم عن المدينة، فالتحقوا بديار الكفر.

    وبنو النضير كذلك هموا بقتله وتآمروا عليه وأرادوا أن يقتلوه، وحاصروهم وانقادوا واستسلموا وأخذوا أموالهم وما يملكون والتحقوا بالشام.

    وبنو قريظة لما انضموا إلى المحاربين قتلهم، لكن ما قتل أطفالهم ولا قتل نساءهم، وإنما قتل مقاتلتهم من رجالهم، فهذا دين الله يشوهونه ويدوسونه بنعالهم ويقولون: هذا دين الله.

    معنى قوله تعالى: (ولقد جاءك من نبأ المرسلين)

    وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام:34]، ولقد جاءك -يا رسولنا- من نبأ المرسلين السابقين، قص عليه قصة موسى وهارون، فموسى دعا إلى الله أربعين عاماً، ونوح دعا تسعمائة وخمسين عاماً، وإبراهيم دعا ثمانين أو ومائة وعشرين سنة، وهكذا جاء من نبئهم، وكذلك يوسف عليه السلام، كل الأنبياء صبروا، فحين تجيئك أنباؤهم تحملك على الصبر والثبات كما صبروا وثبتوا.

    وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام:34]، جاءه بأي واسطة .. بأي طريق؟ بطريق القرآن والوحي الإلهي، مفرقاً في سور القرآن هنا وهناك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ...)

    وقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ [الأنعام:35]، هل هذا فيه عتاب للرسول صلى الله عليه وسلم؟ لا. بل فيه حمل له على زيادة الصبر والثبات، وإن كان كبر عليك إعراض قومك وما استطعته وما أطقته، إعراضهم عن دينك وعما جئت به، يسمعون كلمة لا إله إلا الله فيلوون رءوسهم ويلتفتون إلى غيرك، إذا كبر عليك هذا الإعراض وما أطقته لضعفك لبشريتك؛ فماذا تصنع؟

    فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ [الأنعام:35]، أي: سرباً تحت الأرض وتغوص فيه وتبحث عن آية من الآيات، أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ [الأنعام:35]، درجة بعد أخرى؛ حتى تصل إلى الملكوت الأعلى وتأتيهم بآية فافعل، لكن ما هو من شأنك وما ذلك في قدرتك ولا تستطيع، إذاً: ما عليك إلا الصبر. أرأيتم هذه المواجهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هذه لو قيلت لواحد منا لذاب؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم يعاني في مكة ما يعاني.

    وإن استطعت أن تبتغي تطلب لك نفقاً في الأرض سرباً من الأسراب فتأتي بآية، أو تتخذ سلماً إلى السماء فتأتيهم بآية فافعل، ولكن ما هو شأنك هذا ولا تستطيعه ولا تقدر عليه، فلم يبق -إذاً- إلا التحمل والصبر على الأذى، لكن وعد الله آت ونصرته حقيقية، فقد مكث ثلاث عشرة سنة، أضف إليها سنة في المدينة، وفي السنة الخامسة عشرة هزمهم في بدر، قتل فيها سبعون طاغوتاً من طواغيت المشركين وعلى رأسهم أبو جهل .

    هكذا يقول تعالى له: وَإِنْ كَانَ [الأنعام:35]من باب الفرض كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ [الأنعام:35]، وما أطقته، وما المراد من إعراضهم؟

    إعطاؤه عرضهم، أي: لا يسمعون كلامه، ولا ينظرون إليه، إما أن يدخلوا أصابعهم في آذانهم، إما أن يستغشوا ثيابهم، إما أن يقولوا: اتركوه فإنه يقول الباطل، فهل هذا يؤلم أم لا يؤلم، أنا مقبل عليكم، أدعوكم إلى ربكم، إلى سعادتكم وأنتم إما تضحكون وإما تقولون: دعوه يصيح، سبحان الله! هذا يتكرر مع البشرية إلى يوم القيامة، والله لا يوجد داع بحق إلا وسيلحقه هذا الأذى، وما عليه إلا أن يصبر فينصره الله، فالعاقبة له، وإلى الآن ما ظهرت جماعة تدعو وتصبر، ما رأينا.

    وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ [الأنعام:35]، النفق: هو السرب في الأرض، والجمع: أنفاق.

    أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ [الأنعام:35]، قالوا: السلم مأخوذ من السلامة؛ لأن الهابط لا يسلم، لكن الصاعد يسلم.

    فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ [الأنعام:35]، ما المراد من الآية؟ ما هي آية قرآنية، الآية هنا هي المعجزة، كأن ينزل ملك الموت ويميت عشرة أو عشرين منهم، أو ينشق القمر، أو يخرج ميت من المقبرة، أو ينزل الذهب من السماء وهم يشاهدون، فالآية: هي الخارقة للعادة التي ما جرت العادة بها، وهي المعجزة؛ من أجل أن يؤمنوا، وقد أعلمه الله أنهم لا يؤمنون ولو رأوا كل آية؛ لأن الله كتب عذابهم في جهنم.

    معنى قوله تعالى: (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى)

    وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [الأنعام:35]، فلهذا لا يكلفك الله ولا تكلف نفسك بما هو غير مطاق ولا مستطاع، لا تبحث في الأرض ولا في السماء، فوض الأمر إلى الله، فالله لو شاء هدايتهم لهداهم، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [الأنعام:35]، وقد فعل؛ فما هي إلا ثلاث عشرة سنة وأضف إليها ثماني وإذا مكة كلها أنوار لله، ليس هناك من يقول: يا عزى ولا يا لات، كلهم يعبدون الله عز وجل، وقبل أن يقبض والجزيرة كلها على: لا إله إلا الله، فهل جاء النصر أم لا؟ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [الأنعام:35]، وهم الآن مجتمعون على الباطل، والهدى متفرقون عنه معرضون، لكن لو أراد الله لصرف قلوبهم عن الباطل إلى الحق، ولأصبح كل من يسمع لا إله إلا الله يجيب، لو شاء تعالى ذلك، لكن لم لا يشاء؟ لقد عرفنا أن الله حكيم، أوجد عالم الشقاء وعالم السعادة، النار والجنة، الجنة فوقنا والنار تحتنا، أوجد هذين العالمين وأوجد لكل إنسي وجني منزلاً فيه، منزل في الجنة وآخر في النار، هذا ملكه وتدبيره، فهل إذا قمت تبني في دارك يقال لك: لماذا؟ أو تغرس فيه غرس يقال: لا تفعل هذا؟

    فهكذا أراد الله هذا، فأعد الجنة والنار، ثم وضع القانون الذي يدخل الجنة والذي يدخل النار، هذا القانون أن يبعث الرسول في أمة من الأمم، في جماعة من الجماعات، يدعوهم إلى الله، يحببهم إلى ربهم، يعرفهم به، فإن استجابوا وأقبلوا وتابوا وطهروا فمنازلهم دار السلام، وإن استكبروا وأعرضوا وأدبروا وحاربوا فمآلهم دار البوار جهنم، أليس كذلك؟

    إذاً: فلو شاء لهدى الناس أجمعين، لكن إذا هداهم فمن سيدخل النار؟ ولماذا أوجدهاسبحانه؟! لا بد من وجود الكافرين، فلو شاء الله لهداهم أجمعين، لكن تلك الهداية القسرية القهرية بأن يدخل الإيمان في قلوبهم لا تنفعهم، لكن لا بد من هداية يطلبونها، ويجرون وراءها؛ حتى يظفروا بها ويحصلون عليها.

    وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [الأنعام:35]، ومعنى هذا: خفف من كربك وحزنك وألمك يا رسولنا! وهذه الآيات ما نزلت إلا للتخفيف عن الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه الآيات الثلاث ما فيها إلا معنى التخفيف عن رسول الله؛ لما يعاني من الكرب والحزن والألم.

    معنى قوله تعالى: (فلا تكونن من الجاهلين)

    وقوله أخيراً: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35]، هذه صفعة على وجوهنا، هل الجهل محمود أم مذموم؟ والجواب: مذموم، لو كان محموداً لما قال الله لرسوله: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35]، ولقال: كن من الجاهلين، قال: إياك أن تكون من الجاهلين، وكل كافر جاهل، كل مشرك جاهل، كل ظالم فاسق فاجر -والله- جاهل، إذ لو علم لما فسق ولا فجر، ولما كذب ولما كفر.

    إذاً: هذه الآية تذم الجهل، فهيا نبتعد عنه، ووالله العظيم! للكروب والآلام والمصائب التي تنزل بالمسلمين اليوم وقبل اليوم منذ مئات السنين سببها الجهل، فهل قيل: العالم الفلاني عالم بحر وهو فاجر؟ والعالم الفلاني يقتل الناس؟ والعالم الفلاني يعذب امرأته؟ والله لأعلمنا أتقانا، قرر هذا الله في كتابه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، والرسول قال: ( أنا أعلمكم بالله وأتقاكم له )، لكن العلم خلاف الجهل، فالعلم بم يكون، بصنع البقلاوة والحلاوة؟

    يكون بمعرفة الله معرفة يقينية، وبما يحب الله وبما يكره الله، وبوعده لأوليائه ووعيده لأعدائه، هذا العلم هو الذي تتم به سعادة الفرد والجماعة، أما الجهل فيقول الله لرسوله عنه: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35] الحمقى الذين فقدوا الحلم والبصيرة، الذين فقدوا المعرفة والطريق إلى الله، لا تكن منهم.

    1.   

    ملخص لما جاء في تفسير الآيات

    مرة ثانية أسمعكم الآيات فتأملوا، وقد قلت لكم: إنها نزلت من أجل ماذا؟ تسلية رسول الله وتعزيته حتى يخف عليه الحمل الذي هو عليه.

    قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [الأنعام:33-34]، وقد يأتيك نصرنا إذ وعدك الله به، وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام:34]، قصص تضمنها القرآن الكريم فيها العزاء وفيها الحمل على الصبر، فيها ما فيها من عجائب الدعوة، جاءته صورة القصص بما فيها، الشعراء، النمل، ثم قال له: وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ [الأنعام:35] يا رسولنا وما أطقت وما استطعت، فماذا تفعل؟ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ [الأنعام:35] فافعل، وهل يستطيع؟ وحين يحفر في الأرض ألف كيلو هل يجد ما يريد؟ أيجد آية، أخرجها؟ ولو غاص في الأرض وجاءهم بعجيبة ما صدقوا، ما كانوا مستعدين لأن يؤمنوا، أو سلماً في السماء، فتصعد وتأتي بعجيبة من السماء ولا يؤمنون؛ لأنهم ظالمون وعارفون أنك على حق، لكن يريدون البقاء على حالهم ومركزهم وديانتهم.

    وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ [الأنعام:34-35]، فافعل ولكن لا تستطيع، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [الأنعام:35].

    إذاً: فلا تكرب ولا تحزن، وادع فقط، وبَيِّن، استجاب من استجاب فما أنت بمسئول، وهذه هي دعوة الله إلى اليوم، فإذا رأيت شخصاً على وسطه برنيطة فقل له: يا عبد الله! ما ينبغي هذا. فإن نزعها حمدت الله، وإن قال: ماذا فيها؟ فاسكت، وكذلك تقول: يا أمة الله! غطي وجهك، لا ترفعي صوتك، فإن سكنت ورضيت فالحمد لله، وإن قالت: ماذا في ذلك؟ فاسكت؛ لأن القلوب بيد الله عز وجل، واذكر قوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [الأنعام:35]، إذاً: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35].

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    هداية هذه الآيات نسمعكموها، أربع هدايات تأملوا فيها:

    [ أولاً: ثبوت بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم ]، فالرسول بشر، فكيف ثبتت بشريته؟ لأنه يكرب ويحزن، فهذا بشر أم ملك؟ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ [الأنعام:33]، يقع في الحزن.

    [ أولاً: ثبوت بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذا هو يحزن لفوت محبوب كما يحزن البشر لذلك ]، كما يحزن الناس لذلك.

    [ ثانياً: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر حتى يأتيه موعود ربه بالنصر ]، وصبر ثلاثاً وعشرين سنة وجاء النصر.

    [ ثالثاً: بيان سنة الله في الأمم السابقة ]، فالتكذيب والعناد والوقوف في وجه الدعوة هذا شأن الأمم السابقة، وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [الأنعام:34].

    [ رابعاً: إرشاد الرب تعالى رسوله إلى خير المقامات وأكمل الحالات بإبعاده عن ساحة الجاهلين ]، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35]، وعلى كل مؤمن ومؤمنة ألا يكون مع الجاهلين في فسقهم وظلمهم وفجورهم وخطئهم وباطلهم، وبهذا يجب أن نجتمع على كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم في بيوتنا وبيوت ربنا؛ حتى نخرج من هذه المحنة فتنة الجهل والعياذ بالله تعالى.

    وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767954725