إسلام ويب

تفسير سورة العنكبوت (11)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يندد الله عز وجل بالشرك وأهله بأسلوب أدبي رائع يذعن له أرباب البلاغة وينقاد له فرسان البراعة، فيضرب مثلاً للمشركين، أن كل من اعتمد على غير الله إنما هو كتلك العنكبوت التي تعتمد على أوهن البيوت، ولكن أين العقلاء الذين يتفكرون في هذه الأمثلة ويعلمون الغاية من ورائها، ثم يوصي الله عباده بعد هذا البيان وعلى رأسه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بتلاوة القرآن لأنه كلام الرحمن، والسبيل للوصول إلى الجنان، كما يأمرهم بالصلاة لأنها من أعظم الصلات، ثم يحذرهم من الفواحش والمنكرات، ويرشدهم إلى مراقبة رب الأرض والسموات.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وما زلنا مع آيات سورة العنكبوت المكية المدنية، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ * خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ * اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:41-45].

    تعريف العنكبوت وذكر أوصافها

    في الهامش يقول المؤلف غفر الله لنا وله: [العنكبوت] اسمع العنكبوت وأصنافها!

    [العنكبوت: صنف من الحشرات ذات بطون وأرجل] لها بطون ولها أرجل [ وهي ثلاثة أصناف: منها صنف يسمى ليث العنكبوت]. هذا ليث العنكبوت مهمته أكل الذباب. ليث العنكبوت.. أسد العنكبوت مهمته أكل الذباب. نعم.

    [وهو الذي يفترس الذباب وكلها تتخذ لنفسها نسيجاً تنسجه من لعابها] من لعابها تصنع منه الحجرة أو الغرفة أو الخيمة من اللعاب، لعابها من فيها تصنع به تلك الخيمة، نعم.

    قال: [وكلها تتخذ لنفسها نسيجاً تنسجه من لعابها يكون خيوطاً مشدودة بين طرفين من الشجر أو الجدران، وتتخذ في وسط تلك الخيوط جانباً أغلظ وأكثر خيوطاً فتحتجب فيه] أي: تسكن فيه [ويسمى بيتا؛ لشبهه بالخيمة؛ لأنه منسوج ومشدود من أطرافه فهو كبيت الشعر].

    السر في ضرب الله المثل بالعنكبوت

    عرفتم العنكبوت؟

    فالذين يعبدون غير الله.. الذين يوالون غير الله حالهم كيف توصف في ضعفها وعجزها وفسادها وخرابها وعدم نفعها؟ لا يوجد مثل أعظم من بيت العنكبوت.

    سمعتم؟ ضرب الله تعالى هذا المثل للمشركين.. للكافرين.. للذين يوالون غير الله، ويعتمدون على غير الله، من أهل الكفر والشرك والظن والشر والفساد، مثلهم في ضعفهم وعجزهم وخرابهم وخسرانهم ونهاية حياتهم كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا [العنكبوت:41].

    أقول: الذين اتخذوا أولياء عبدوهم من دون الله ووالوهم من دون الله وأطاعوهم من دون الله هؤلاء صف لنا حالهم في الضعف والعجز وقلة النفع والخراب والدمار؟

    ليس هناك مثل أكثر وضوحاً مما ضربه الله: بيت العنكبوت، بأصبعك هكذا تزيله، مع أن العنكبوت تعمل ليل نهار على إيجاد هذه الخيمة، ولا تغني عنها شيئاً مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا [العنكبوت:41]، سميت بيتاً؛ لأنها كالخيمة.

    وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ [العنكبوت:41]، من أخبر بهذا الخبر؟

    الله الخالق، العليم بكل شيء، فوالله إن أوهن البيوت بيت العنكبوت، لا يوجد بيت على الأرض أهون وأحقر وأضعف من بيت العنكبوت.

    الذين يعبدون غير الله ويشركون به أولياء ويوالون الكافرين ويطيعونهم ويعصون الله بحجة أنهم ينتفعون بذلك والله لم ينتفعوا به، إن حياتهم لخراب وخسار كمثل العنكبوت.

    معنى قوله تعالى: (لو كانوا يعلمون)

    ثم قال تعالى: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:41]، نعم لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:41].

    إذاً: حقاً الآن اليهود والنصارى واليابان والصين، كل المسيحيين والمشركين والكافرين والمجوس والله ما علموا، والله لو علموا ما استمروا على عبادة الشياطين والأهواء والدجاجلة والكذب والخداع والفجر والفجور والفسق والظلم والشر والاعتداء.

    والله ما علموا ولو علموا لقالوا: آمنا بالله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ليلاً ونهاراً ولكن ما علموا.

    إذاً: فضيلة العلم متجلية هنا لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:41]، فالجهل ظلام في ظلام، صاحبه يمشي في الظلام فكيف يعرف الطريق؟!

    الماشي في الظلام يصل إلى بيته ويعرف طريقه إلى منزله؟ ما يعرف، فلا بد من العلم، فلو أرادوا أن يعلموا والله لعلموا، لو سألوا أهل الإسلام والإيمان والدين الصحيح لبينوا لهم الطريق وأرشدوهم، وكم وكم ممن سأل وعلم وأصبح مسلماً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم)

    وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [العنكبوت:42].

    وفي قراءة سبعية: ( إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم )، سواء قلت: ( ما يدعون )، أي: الكافرون الذين عرفتم حالهم، أو ( ما تدعون ) أيها المشركون وأيها الكافرون اليوم.

    مِنْ دُونِهِ [العنكبوت:42]، أي: من دون الله من شيء سواء كان صنماً.. تمثالاً.. حجراً.. شهوة.. فكرة.. نزعة علمانية.. أي شيء يدعونه ويعبدونه ويطيعونه.

    إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [العنكبوت:42]، ولكن متى ينزل بهم النقمة؟ متى يسلط عليهم العذاب؟

    هذا مرده إليه؛ لأنه العزيز الغالب القاهر الذي لا يمانع، والله متى أراد أن يهلك أمة أهلكها في كلمة واحدة، كوني فتكون.

    والحكيم: الذي يضع الشيء في موضعه فيؤخر العذاب عن أمة شهراً أو شهرين.. سنتين أو مائة سنة إمهالاً لها وانتظاراً، كما هو الحال الآن في العالم الكافر، سوف تنزل بهم والله نقمة الله؛ لأن الله حكيم يضع كل شيء في موضعه، فلعزته وقهره وغلبته وحكمته يؤخر العذاب عن القوم الذين عبدوا غيره وأشركوا به سواه.

    إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [العنكبوت:42].

    لا ننسى حلقة العلم والدرس: إن الذين يقولون: يا سيدي فلان! يا مولاي فلان! يا رسول الله! يا فاطمة ! يا حسين ! والله لقد دعوا غير الله. فهمتم؟

    فلا يحل أبداً لمؤمن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة أن يدعو غير الله بيا فلان ويا فلانة!

    والآية واضحة في هذا (يعلم ما تدعون)، ما يدعون من دون الله، أي مدعو، ملكاً مقرباً كان، أو نبياً مرسلاً، أو ولياً صالحاً في الصالحين، أو كان حجراً أو صنماً أو تمثالاً أو شهوة أو ما إلى ذلك، إذ لا نقبل إلا على الله، ولا ندعو إلا الله، ولا نرفع أصواتنا إلا بيا ألله يا رب!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون)

    ثم قال تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ [العنكبوت:43]، التي مرت بنا الآن، نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ [العنكبوت:43]، نجعلها للناس لعلهم يهتدون، لعلهم يرجعون، لعلهم يتوبون.

    وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43]، وتلك الأمثال التي هي قصص مضت في هذه السور عجب.

    وهذه الأمثال لم يجعلها الله للناس؟ من أجل ماذا؟

    من أجل أن يؤمنوا ويسلموا ويحسنوا ويدخلوا الجنة ويكملوا ويسعدوا، وأما هو فليس في حاجة إليهم سبحانه، فهذا من أجلهم.

    نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ [العنكبوت:43]، أبيضهم وأسودهم، كافرهم ومؤمنهم، أولهم وآخرهم، ما هي خاصة بقوم ولا بعرب ولا بكذا.

    ولكن الواقع يقول تعالى: وَمَا يَعْقِلُهَا [العنكبوت:43]، أي: تلك الأمثال، وما تحمل من الهدى والتوجيه السليم إلا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43]، جمع عالم.

    وهنا بيان فضيلة العلم.. العالمون بالله رباً لا رب غيره، وإلهاً لا إله سواه!

    العالمون بمحابه وبمكارهه من الاعتقادات والأقوال والأعمال!

    العالمون بصفات الجلال والكمال لله!

    العالمون هم الذين يجدون العظة والعبرة والهداية والتوجيه في الأمثال التي يضربها الله عز وجل، أما الجاهلون فلا نصيب لهم في هذا.

    وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43]، فاطلبوا العلم عباد الله، اطلبوا العلم فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.

    والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )، وهذا أمر معلوم بالضرورة.

    أنت إذا لم تعرف كيف ترجع وتذهب فكيف تدخل الحديقة؟

    لا تعرف كيف تبيع وتشتري فكيف تدخل الدكان؟!

    لا تعرف كيف تبني وتهدم فكيف تبني وتهدم؟!

    إذاً: إذا لم تعرف كيف تعبد الله فكيف ستعبده؟ مستحيل، وهذا لا يتم إلا بطلب العلم، وقد بينا غير ما مرة أن طلب العلم ليس شرطاً أن يكون من الكتاب، يكفيك أن تسأل أهل العلم في صدق.

    تقرع باب العالم! أريد أن أعرف كذا؟ ماذا أفعل؟ هل هذا يجوز لي أو لا يجوز؟

    ويوماً بعد يوم وما تمضي عليك سنوات إلا وأنت عالم بما أحب الله وبما كره الله، وقطعاً ما دمت تسأل؛ لتعلم فإنك والله ما إن تعلم حتى تعمل.

    وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43]، والطريق الذي ما زلت أصرح به للعلم:

    هو أن على كل أهل القرية من قرى المسلمين وعلى أهل الأحياء من مدن المسلمين أن يلتزموا بمبدئنا هذا من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء بنسائهم وأطفالهم كل ليلة وطول العام.

    هذا هو الطريق.. طريق العلم والتزكية بالنفس والتربية، وهذه طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    كيف تخرج رجاله وأصحابه وأصبحوا أعلم من في الأرض وهم لا يكتبون ولا يقرؤون، أكثرهم لا يكتب ولا يقرأ!

    والله الذي لا إله غيره لن يكمل أهل إقليم ولا أهل قرية ولا أهل حي إلا على هذا المنهج الرباني!

    أقسم بالله على ذلك؛ لأنه تعليم وتربية وتزكية!

    كل يوم آية.. كل يوم أدب وخلق، وتمضي السنوات فإذا بهم أكمل الناس، فلا يبقى مظهر من مظاهر الفساد في البلاد، والله لا زنا ولا ربا ولا سرقة ولا كذب ولا غش ولا خداع ولا ظلم ولا شر ولا فساد أبداً.

    أقول هذا وأحلف بالله عليه! علمنا أن العالم ما يسرق.. ما يزني.. ما يكذب.. ما يأخذ.. ما.. ما..

    أليس هذا هو الواقع؟ ما سبب هذا؟ أليس هو علمه؟ وأما الجهل فكل الظلمات منه، حتى يسب الرجل ربه، يسب أمه ويضرب أباه أليس هذا هو الجهل؟ كيف يزول هذا الجهل؟ بأي طريقة؟ ما هي بساعة أو ساعات.

    وإلى الآن ما تحرك المسلمون لا في قرية ولا في مدينة، لا في الشرق ولا في الغرب، كأن هذا لا خير فيه، وهو من ضغط بني عمنا، فما يسمح اليهود بهذا أبداً، يجعلون ألف حيلة وحيلة.

    أيسمحون أن يرجع المسلمون إلى بيوت الرب ليتآخوا.. ليتحابوا.. ليتعاونوا؟

    ما يسمحون بهذا أبداً. فهم يسمحون بالتلفاز والأغاني والأباطيل والترهات والصحف والمجلات كما شئت.

    قال تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا [العنكبوت:43] من؟ الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43]، ما قال العرب ولا العجم ولا البيض ولا السود ولا الأغنياء ولا الفقراء، العالمون.

    عالمون بماذا؟ بالله، فأطاعوه وتجنبوا معاصيه وسخطه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (خلق الله السموات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين)

    ثم قال تعالى: خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ [العنكبوت:44]، نعم والله خلق السموات وما فيها والأرض وما فيها خلقها بالحق لا للباطل، لا للهو، لا للعب، لا للأغاني، لا للكذب، لا للظلم، لا للخبث، خلقها من أجل أن يعبد فيها بذكره وشكره.

    ما خلقها عبثاً، يأكلون ويشربون وينكحون وهم كافرون لا يذكرون الله ولا يسبحونه ولا يمجدونه ولا يسألون عنه.

    أمن أجل هذا خلق الله السموات والأرض؟ لا. بل خلقها من أجل أن يعبد فيها في عوالم الملائكة والإنس والجن، ما خلقها بالباطل لا لشيء، حاشا لله أن يعبث.

    خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ [العنكبوت:44]، إن في خلق السموات والأرض آية أعظم آية تدل على طاعة الله ووجوبها على حب الله ووجوبه، على ذكر الله وشكره.

    أكبر آية لمن؟ لِلْمُؤْمِنِينَ [العنكبوت:44]؛ لأنهم أحياء.

    المؤمن حي، والكافر ميت، والله العظيم، المؤمن حي بروح الإيمان إذا قلت: عبد الله! قال: لبيك. إذا قلت: اترك! ترك، والكافر ما يسمع أبداً ميت، يسمع النداء: حي على الصلاة، ولا يجيب أبداً، مستحيل.

    المسلمون غداً رمضان يصبحون صائمين، واليهود والنصارى في أوروبا لا يصومون، أموات غير أحياء.

    إن في خلق السموات والأرض آية لمن؟ لأولي البصائر والنهى.. لأهل الإيمان الأحياء.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ...)

    ثم قال تعالى في توجيه رباني: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].

    أربع أدوات للرقي والسمو والكمال الإنساني موجهة إلى رسول الله سيد الخلق وأعلمهم وأعبدهم، وأمته المؤمنة الصادقة الحية معه: ‏

    فضل تلاوة القرآن الكريم وأثرها في حياة الأمة

    أولاً: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ [العنكبوت:45]. هل المسلمون يقرءون القرآن ويتلونه؟

    ولا واحد في الألف. وهم مأمورون بتلاوة القرآن، وكثرة تلاوته بالليل والنهار.

    اتْلُ [العنكبوت:45]، يا رسولنا! مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ [العنكبوت:45]، الذي هو القرآن العظيم، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتلوه ويختمه في ثلاث ليال، ويوجد من الصالحين من يختمه في سبعة أيام وفي نصف شهر وفي شهر، ويوجد من لا يختمه عمره كاملاً، طول حياته ما ختم القرآن والله العظيم.

    لم أتل الكتاب؟ لأنه الأنوار الإلهية، العلوم والمعارف التي لا يأتي بمثلها إلا الله، فإذا عاش معها يقرأ ويسمع تتغير حياته وصفاته ويصبح كملك من السماء.

    تلاوة كتاب الله تتجلى في حقائق التوحيد، حقائق البعث والجزاء، حقائق الفضائل والكمالات، حقائق الشر والفساد والخبث وما إلى ذلك، فيتعلم صاحب القرآن بالقرآن وينجو.

    ولكن أعيد القول في أن الثالوث الأسود هو الذي صرف المسلمين عن القرآن. عرفتم هذا؟

    والله العظيم، عرفوا أن القرآن هو الروح التي بها حيي المسلمون، فقالوا: كيف نفعل؟ كيف ننتزعه من أيديهم؟ ما استطاعوا، حاولوا إسقاط حرف واحد فعجزوا؛ لأنه محفوظ في الصدور والسطور، فوضعوا قاعدة لصرف المسلمين عن القرآن وهي قولهم: (تفسير القرآن صوابه خطأ، وخطأه كفر)، فكمموا أفواه العالم الإسلامي، وما بقي من يقول قال الله فيعلن بذلك حكماً أو أدباً أو شرعاً أبداً.

    إذاً: فماذا يصنعون بالقرآن؟ قالوا: يقرؤونه على الموتى، حولوه إلى الموتى، فلا تمر -قبل فترة- بشارع من شوارع المدينة أو مكة أو بغداد أو كذا أو كذا... وتسمع القرآن في بيت إلا وتعلم أن بالبيت ميت والله العظيم.

    ما دام لا يقرءونه على بعضهم البعض للهداية والمعرفة والعلم والعمل فماذا يصنعون به؟

    يقرءونه على الموتى كالسخرية والاستهزاء. ميت بين أيديهم وهم يقرءون. هل يقوم يصلي الميت يعني؟! هل يقول: أستغفر الله؟!

    وا حر قلباه ممن قلبه شبم!

    ما زلنا إلى الآن وما نحن بأهل القرآن.

    اتْلُ [العنكبوت:45]، اقرأ وواصل القراءة ولا تقطعها! مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ [العنكبوت:45]، أي: القرآن. هذا أولاً.

    وجوب إقامة الصلاة

    وثانياً: وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45]، هل أقام العالم الإسلامي الصلاة؟

    إقامتها غير ما مرة نقول: إذا أذن المؤذن لم يبق من يقبل على غير المسجد في المدينة بكاملها، فالأبواب تغلق رأساً مع الأذان، ويمشون إلى بيت الرب ليصلوا صلاة خشوع وخضوع، صلاة علم ومعرفة، ويعودون بعد ربع ساعة إلى أعمالهم وديارهم خمس مرات في اليوم والليلة. هذا إقام الصلاة.

    وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45]، وإقامة الصلاة لا تكون حقاً إلا إذا أديت أولاً بتوفر شروطها وأركانها وسننها وآدابها، وأن لا تخلو من سرها ألا وهو الخشوع فيها.

    أما صلاة يضيع ركن من أركانها أو فرض من فرائضها، أو تضيع سننها أو تضيع آدابها فهي صلاة لا تنفع، عملية فاشلة، لا بد وأن تقام كما أمر الله، ما قال وأن تؤدي الصلاة، أو وأدي الصلاة، قال: وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45]، اجعلها قائمة على ساقها.

    كيف تقام؟ إذا أديتها كما بينها جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة أول ما نزل بها، كما نصليها وراء أئمتنا.

    تشاهدون هذا أم لا؟ هكذا، في أوقاتها المحددة بإتمام الركوع والسجود والقراءة والسنن والآداب.

    وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45]، علل لماذا أمرتني ربي بإقام الصلاة؟ ما السر؟ الجواب: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، بلسان حالها، وبيان ذلك: أن المقيم للصلاة نفسه والله زكية طاهرة نقية، مشرقة، يعرف الحق من الباطل، الخبيث من الطيب، والشر من الفساد و.. و.. للنور الذي جمعه في قلبه من أجل إقام الصلاة، فمن ثم لا يأتي صاحب الصلاة الفواحش ولا المناكير أبداً.

    وهكذا نقول: دلني على شخص يلازم المسجد في الصلاة ثم يخرج يعصي الله عز وجل؟

    إذاً: إقام الصلاة معناه يكفي للشرط والحرس في المدينة والقرية، فلا يبقى من يسرق، ولا من يكذب، ولا من يغش، ولا من يخدع، ولا من.. ولا من.. طابت نفوسهم وزكت أرواحهم وأصبحوا كالملائكة، فما هم في حاجة إلى بوليس ولا حرس أبداً.

    إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ [العنكبوت:45]، جمع فحشاء: كل قول وكل فعل قبيح، حتى النظرة القبيحة، كل شيء قبيح فحشاء.

    والمنكر: كل ما أنكره الله ورسوله وحرماه ولم يأذنا به فهو منكر إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].

    عظم فضل ذكر الله

    ثالثاً: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]، أكبر من ذكرنا لله، والله العظيم، ذكر الله لنا أكبر من ذكرنا له أم لا؟ بلا مناسبة.

    والله يقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]، فذكر الله أعظم من ذكرنا لله.

    ما قيمة ذكرنا لله مقابل ذكر الله لنا؟! هذه حقيقة ثابتة في هذه الآية، والله لذكر الله أكبر.

    ثانياً: لذكر الله أكبر في التربية والتهذيب وصرف الإنسان عن الفحشاء والمنكر، وهذا معلوم بالضرورة.

    هل تستطيع وأنت تذكر الله: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أن تسب واحداً؟ والله ما تقول هذا.

    هل تستطيع وأنت تقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم أن تمد يدك لتسرق؟

    والله ما يكون ولن يتم.

    الذي يذكر الله: لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ... بلسانه وفي قلبه لا يستطيع أن ينظر إلى النساء المتبرجات، والله ما يقوى؛ فهو مشغول بذكر الله.

    وقد علمتم وتكرر هذا: ليس من أحد يستطيع وهو يذكر الله وجلاله وكماله والوقوف بين يديه أن يفعل معصية، والله ما يكون، إلا في حال الغفلة والنسيان، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45].

    وجوب مراقبة العبد لربه

    وأخيراً: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45]، هذا نسميه بالمراقبة، وهذه الرابعة.

    فالذي يراقب الله دائماً بين عينيه لا يستطيع أن يعصيه، ما يعصي الله إلا الساهي في ذكره الغافل عنه، أما وهو مع الله يراقبه وهو معه حيثما كان ينظر إليه ويعطي ويمنع لا يستطيع أن يعصي الله.

    هذه المادة الرابعة: المراقبة، راقبوا أنفسكم، راقبوا الله عز وجل، عندما تتكلم الله يسمعك، عندما تعطي وتأخذ الله يراك، راقبه، فهذه الأربعة لا ننساها: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله لنا وله: [هداية الآيات: من هداية الآيات:

    أولاً: استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني للأفهام ].

    استحسان ضرب الأمثال لماذا؟ لتقريب المعاني إلى الأذهان، وهذا شائع بين العرب، والقرآن جاء به، استحسان ضرب الأمثال الكلامية؛ من أجل تقريب المعاني للأذهان.

    [ ثانياً: تقرير التوحيد وإبطال التنديد ]. تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد.

    من أين أخذنا هذا؟

    من قوله تعالى: كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:41]. نعم.

    [ ثالثاً: فضل العلماء على غيرهم، العلماء بالله، بصفاته وأسمائه، وآياته، وشرائعه وأسرارها ]. هؤلاء هم العلماء أفضل الناس. نعم.

    [ رابعاً: وجوب تلاوة القرآن، وإقامة الصلاة، وذكر الله، إذ هي غذاء الروح وزاد العروج إلى الملكوت الأعلى ]. الله أكبر.. الله أكبر.

    [ خامساً: بيان فائدة إقام الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى بالقلب واللسان ].

    الله أكبر، والحمد لله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767951252